ما العلاقة بين الطب والتأمل؟


إن كلمة "الطب" وكلمةالتأمل" تأتي من تصل واحد، فالطب يعني معالجة الجزء المادي أو الفيزيائي، والتأمل يعني معالجة الجزء الروحي من الإنسان، وكلاهما طاقة شفائية .
وشيء آخر يجب أن نتذكره وهو أن كلمة " الشفاء" و كلمة " الكمال" أيضا تأتي من اصل واحد، وببساطة معنى أن تشفى هو أن تكون كامل، لا تفتقد أي شيء، ويجب أن نتذكر أيضا أن كلمة " قدس" تأتي من نفس الجذر، فكل هذه الكلمات: الشفاء، كامل، مقدّس، ليست مختلفة في جذورها .
إن التأمل يشفيك، يجعلك كاملا، وعندما تكون كاملا تصبح مقدّس، والقدسية ليست مرتبطة بأي دين، ولا مرتبطة بأي كنيسة، لكنها تعني أن تكون في داخلك مترابط و متكامل، لا تفتقد أي شيء، يعني أن تكون الشيء الذي أراده الله لك، ويعني أن تفهم وتدرك قدراتك وإمكانياتك جيدا .
إن الدين رحلة داخلية، والتأمل هو الطريق إليها، فما يفعله التأمل هو انه يأخذك، يأخذ وعيك إلى اعمق أعماقك، وحتى جسدك يصبح شيء خارجي، حتى عقلك يصبح شيء خارجي، وحتى قلبك الذي يعتبر اقرب شيء إلى مركز ذاتك يكون شيئا خارجي، فعندما ترى جسدك وعقلك وقلبك على انه شيء خارجي، عندها تكون قد وصلت إلى مركز وجودك ونفسك .
إن وصولك إلى وجودك يعني انفجار هائل سيغير كل شيء، لن تكون كما كنت من قبل على الإطلاق، لأنك ستعرف أن الجسد ليس سوى صدفة خارجية، وستعرف أن العقل داخلي قليلا إلا انه ليس في صميم وجودك، وستعرف أن قلبك اكثر عمقا لكنه ومع ذلك ليس وجودك الحقيقي، فأنت لست معرّف بهذه الأشياء الثلاثة .
عند وصولك إلى ذاتك ستشعر لأول مرة انك متبلور وكامل ولست ذلك الشخص الواهن الضعيف، لأول مرة ستشعر بطاقة رهيبة تسري فيك، طاقة دفينة لم تكن واعيا أو مدركا لوجودها من قبل، وستعرف لأول مرة أن الموت يصيب الجسد والعقل والقلب، لكنه لا يصيبك أنت .
أنت خالد أبدا، فقد كنت دائما هنا، وستكون دائما هنا، لكن في شكل مختلف، ستكون موجودا بحالة من اللاشكل، لكن لا شيء يستطيع تدميرك لأنك أصبحت اكثر رسوخاً وقوة من قبل، وهذا سيقضي على كل الخوف في داخلك، واختفاء الخوف يعني ظهور الحرية، اختفاء الخوف يعني ظهور الحب، وعندها فقط يمكنك أن تعطي منه قدر ما تشاء لأنك أصبحت تعيش في مركزه ومصدره.
إن التأمل يجعلك كامل، يجعلك مقدس، يجعلك مصدرا أساسيا لكل هؤلاء الجائعين والعطشانين والباحثين في الظلام، ستكون أنت النور لهم، فالتأمل هو الطريق لسيادة نفسك، وبعدها لن تحتاج إلى أي تعليم، لن تحتاج إلى أي كتاب مقدس، لن تحتاج إلى أن تكون مسيحيا أو يهوديا أو هندوسيا وكل تلك السخافات، كل ما تحتاجه هو أن تجد نفسك، والتأمل اسهل طريقة لبلوغ ذلك.
إن التأمل سيجعلك كامل، نقي الروح، وسيجعلك غنيا حتى انك ستتمكن من تدمير كل حواجز فقر الروح في العالم بأسره، ذلك الفقر الحقيقي .
إن افتقار الجسد للطعام والملبس والمنزل مشكلة يمكن حلها ببساطة عن طريق العلم والتكنولوجيا، لكن العلم و التكنولوجيا لن تقدر على منحك السعادة والنعمة، لأن هذا خارج عن نطاقها، فيمكنك أن تملك كل شيء في العالم، لكن إن كنت لا تملك السلام والصفاء والصمت والفرح، ستبقى فقيرا إلى الأبد.
في الحقيقة، في هذه الحالة ستشعر بفقرك اكثر من أي وقت آخر، لأنك ستبدأ بالمقارنة، فأنت تعيش في قصر ذهبي و تعرف انك متسول، سترى أن لا شيء يوجد في داخلك، ستعلم انك مجرد فراغ . إن هذا هو السبب في أن الإنسانية كلما زادت ذكاء و نضجا، ازداد عدد الأشخاص الذين لا يشعرون بطعم أو معنى الحياة، ويزداد عدد الأشخاص الذين يشعرون أن الحياة شيء عرضي، وانه لأمر عقيم الاستمرار فيها .
إن احدث تطورات الفلسفة الغربية تشير إلى شيء واحد وهو أن الانتحار ربما يكون الحل الوحيد، وبالطبع إذا لم تكن تعرف ذاتك عالمك الداخلي، وتملك كل شيء يقدمه لك العالم الخارجي، سيبدو لك أن الانتحار هو الحل الوحيد .
التأمل يجعلك غنيا من الداخل، وسيصبح الانتحار آخر شيء تفكر فيه، وحتى إن أردت أن تدمر نفسك، فلا يوجد طريقة لأن ذاتك ونفسك راسخة، ومعرفتك لهذا الخلود هو بحد ذاته اعظم حرية، حرية من الموت والمرض والكبر، كل هذه الأشياء ستأتي وتذهب في حين تبقى أنت كما أنت لا شيء يخدشك أو حتى يلمسك، لان صحتك الداخلية ابعد من حدود أي مرض .
إن علوم الطب والفسيولوجيا غير ناضجة على الإطلاق، فهي تعالج سطح الإنسان فقط دون أن تجد الطريق إلى ذاته وروحه، ولأنهم يرفضون وجود بعض الوعي الذي يصل ابعد من حدود العقل والموت، فهم منغلقون تماما على أنفسهم، متحيزين ضد كل الجهود العظيمة التي قام بها الصوفيون في سبيل أن يجدوا مركز الوعي عند الإنسان .
في كثير من الأحيان يكون تشخيص الأطباء خاطئ تماما، وهذا لسبب بسيط هو أن الصورة ليست كاملة وشاملة بشكل كافي، فهو يهتم بالإنسان على انه مادة، مجرد خيال دون أي شيء ابعد منه، دون أي شيء خالد أو أي شيء يمكن أن يبقى إلى الأبد، فهم كوّنوا صورة للإنسان تخلق اليأس في للأشخاص الأذكياء، وبسبب رفضهم السافر، يكون منهجهم غير علمي، بل هو محض خرافات تماما كما يفعل رجال الدين المتعصبين أو الرجال السياسيين .
لا يحق للعلم أن ينكر الوعي ما لم يكتشف في السماء الداخلية للوعي الإنساني، ويؤكد انه مجرد حلم، ليس حقيقة بل مجرد خيال، لكنهم بكل بساطة لم يستكشفوا الحقيقة، بل افترضوا الكذب.
العلم ليس نقيا ولا يمكن أن يكون، لأن العلماء أنفسهم لا يتمتعون بالبراءة، لأنهم ليسوا جاهزين ليتبعوا الحقيقة رغما عن أنفسهم وظروفهم ..
الصباح هو وقت مقدّس للتأمل.
في هذه السطور يشرح أوشوا تقنية تأمل النور الذهبي وفوائدها.
مرتين يومياً على الأقل-- وأفضل الأوقات هي ساعات الصباح الباكر، تماماً قبل أن تنهض من سريرك. في اللحظة التي تشعر بها أنك يقظ متنبّه، قم به لمدة عشرين دقيقة. دَعْ تأملك يكون أول شيء تعمله في الصباح!--لا تنهض من السرير.قم به في اللحظة ذاتها، تماماً! -- لأنك عندما تكون خارجاً من النوم تكون مُرهف الإحساس جداً، وتقبّلي (قابل للاستقبال)، ومتنشطاً جداً، عندها يصل التأثير إلى العمق. لأن دماغك يكون عندها في أقل نشاط له. ولأنه يوجد بعض الفجوات التي يمكن للتقنية أن تخترق من خلالها إلى جوهرك الأكثر عمقاً.
في الصباح الباكر، عندما تكون مستيقظاً، وعندما تكون الأرض بكاملها مستيقظة، يوجد موجة عظيمة من طاقة اليقظة عبر العالم أجمع. استخدم تلك الموجة؛ لا تفوّت هذه الفرصة.
جميع الأديان القديمة تدعو إلى الصلاة في الصباح الباكر عندما تشرق الشمس، لأن شروق الشمس هو شروق لجميع الطاقات في الوجود. في تلك اللحظة تستطيع ببساطة أن تَركَب على موجة الطاقة الصاعدة، وهو أمر سهل.
لكن بحلول المساء سيكون صعباً، فالطاقات ستكون هابطة إلى الأسفل؛ وستكون عندها تقاتل عكس التيار.
في الصباح ستكون سائراً مع التيار.
لذلك أفضل وقت للبدء هو أول الصباح، تماماً عندما تكون نصف نائم، ونصف صاحٍ.
والعملية سهلة جداً. لا تحتاج إلى وقفة أو تنفس خاص، ولا تحتاج إلى أخذ حمّام قبلها.
ببساطة استلقِ في السرير على ظهرك. أبقِ عينيك مغلقتين.
عندما تأخذ شهيقاً، تخيّل أن ضوءاً ساطعاً يدخل من رأسك إلى جسمك، كما لو أن الشمس قد أشرقت قريبة جداً من رأسك-- نور ذهبي ينصبّ في رأسك. أنت فارغ تماماً و النور الذهبي ينصبّ في رأسك، ويستمر، يستمر، بعمق، بعمق، ويخرج من أصابع قدميك. عندما تأخذ شهيقاً، خذه مع هذا التخيّل.

وعندما تُخرج الزفير، تخيل شيئاً آخر: الظلمة تدخل من أصابع قدميك، نهر أسود هائل يدخل من أصابع قدميك، يصعد للأعلى، ويخرج من رأسك. قُم بتنفس عميق بحيث يمكنك التخيّل. تنفس ببطء. وفي لحظة يقظتك تستطيع أن تُبطئَ تنفسك وتجعله عميقاً جداً لأن الجسم مرتاح ومسترخي.
دعني أكرر: خذ شهيقاً، دع النور الذهبي يدخلك من خلال رأسك، لأن الوردة الذهبية تنتظر هناك.
ذلك النور الذهبي سوف يساعدك. سوف يطهّر كامل جسمك ويملؤه بالإبداع. هذه طاقة ذكرية.
ثم عندما تزفر، اجعل الظلمة، أظلم شيء تستطيع تخيله، مثل ليلة مظلمة، على شكل نهر، تأتي من أصابع قدميك إلى الأعلى -- هذه طاقة أنثوية: سوف تهدّئك، سوف تجعلك متقبّلاً، سوف تسكّن أحاسيسك، وتعطيك الراحة -- واجعل تلك الظلمة تخرج عبر رأسك.
بعدها استنشق الهواء مجدداً، و النور الذهبي يدخل.قم بذلك لعشرين دقيقة في الصباح الباكر.
وبعدها، ثاني أفضل وقت هو عندما تعود إلى النوم، في الليل.
استلقِ على سريرك، استرخِ لبضعة دقائق. عندما تبدأ بالإحساس أنك الآن تتأرجح بين النوم و اليقظة، تماماً في المنتصف، ابدأ بالعملية مجدداً، واستمر لعشرين دقيقة. إن غَفيتَ خلال القيام بها، فذلك أفضل شيء يحصل، لأنّ التأثير عندها سوف يبقى في اللاوعي (الوعي الفائق) ويستمر في عمله.
وبعد فترة ثلاثة أشهر سوف تُفاجأ: الطاقة التي كانت تتجمّع باستمرار عند أسفل مركز، مركز الجنس، لم تعد تتجمع هناك. إنها الآن تتجه إلى الأعلى.
في اليوم التالي من حديثي سأل أحدهم سؤالاً: قال أنه قد رأى أجمل النساء في المنطقة والتي لم يكن قد رأى مثلها من قبل، لكنهن غير مثيرات للشهوة الجنسية.
لماذا حدث هذا؟ إنه كذلك نعم، كانت مراقبته صحيحة. إنْ تأمّلت بعمق سوف تصبح غير شهوانيّ ، دون شهوة.
سوف تشعر بنوع مختلف من الجمال، لكنه لن يكون مثيراً للشهوة الجنسية. سوف تبدأ بالحصول على نكهة من الروحانية. سوف تبدأ بفهم رقّة الجمال، وليس بدانة الجنسانية.(الشهوة)
الجنس بدين ثقيل لأنه أسفل حلقة من سلم صعودك. عندما تتحرك الطاقات للأعلى، سوف ينشأ فيك نوعٌ مختلف من الحُسن والجمال، يكون مقدّساً.
وتصبح أقل فأقل كجسم وأكثر فأكثر كروح.
إذا قُمت بهذه العملية البسيطة لثلاثة أشهر، سوف تتفاجأ:
لا داعي للكبت أو الكبح. فعملية التحويل قد بدأت
كن شاهدا على أفكارك

التأمُّل يحتاج عملاً عظيماً شاقاً.... إنه مهمة عسيرة. من الأسهل نوعاً ما أن نبقى غير متأمّلين. و لا يمكن أن تفعل شيئاً حيال ذلك، أنت غير متأمّل، كل شخص يُولَد و هو غير متأمل.
نحتاج إلى شجاعة عظيمة كي نصبح متأملين، نحتاج إلى عزيمة و صبر كبير، لأنّ التجاوز والذهاب إلى ما وراء عقولنا هو أكثر الظواهر تشابكاً.
نحن لا نعرف أي شيء عدا العقل. حتى عندما نفكر بالذهاب إلى ما وراء عقلنا، إنه عقلنا الذي يفكر بذلك. حتى عندما نحاول تجاوزه، عقلنا هو الذي يحاول تجاوز نفسه!
لكن كيف يستطيع العقل أن يتجاوزَ نفسه؟ هنا يَكمُن التعقيد... إنه مثل محاولتك أنْ تجرَّ نفسك بواسطة ربطة حذائك ! لا يمكنك ذلك. لكن هناك طرق ووسائل تستطيع أن تساعدنا بشكل هائل.وهي كلّها غير مباشرة ...
التأمل لا يكون بالإجبار، كل شيء مُجبِر يكون من صُنع العقل.
العقل قسريّ جداً، إنه نازي.. فاشي و عنيف. و التأمل يأتي عندما نخرج من إطار العقل بدون أي قَسر، و بشكل طبيعي و تلقائي.
و الوسيلة الأعظم المُستخدمة هي أن تكون شاهداً.
فقط راقب أفكارك.... عندما يكون لديك الوقت أغلق عينيك و انظر الى أفكارك، رغباتك، و ذكرياتك على شاشة عقلك. لا تكن مهتماً أبداً.
لا تَحكم على أي شيء بالصحة أو الخطأ. إذا حَكَمْتَ تكون قد تسرَّعت.
إذا قلت "هذا صحيح" فقد اخترت شيئاً ما، و في اللحظة التي اخترت فيها أصبحت مُحدداً بهذا الشيء، أصبحت متعلقاً به.. ولن ترغب أنْ يذهب، ستحبّ أنْ تحتفظ به لنفسك.
و عندما تقول أن هذا الشيء سيّء، فأنت تزيحه بعيداً، تتجنّبه، و لا تريده بعد الآن.
لن تريده حتى على الشاشة. و بهذا، ستبدأ بالقتال و النضال، و ستنسى أن تكون شاهداً على ذلك.
لكي يكون الشخص شاهداً فقط: ينبغي عليه أن يجلس على ضفة النهر و يشاهد تدفقه بجانبه.
لا يوجد شيء لتَحكُم عليه، و لا شيء لتقوله، فقط لتشاهده...
و إذا كان الشخص صبوراً بمقدار كافي، سيتناقص الازدحام ببطء. ستتناقص الأفكار على الشاشة، و في بعض اللحظات لن ترى أي شيء على الشاشة، سترى الشاشة فارغة......
هذه هي أكثر اللحظات قيمة في الحياة.
في تلك الفترات عندما لا تكون الأفكار موجودة، ستكون أنت ببساطة موجوداً. فالمُشاهد موجود لكن لا شيء للمشاهدة....
هذه هي لحظات النّقاء، البراءة، و يمكن أن تُسمّى باللحظات الإلهية المقدّسة.
لا يوجد هنا أي إنسان، فقد تَجاوزْتَ الإنسانية في هذه اللحظات.
و ببطء ستصبح هذه اللحظات أكبر فأكبر، و ذات يوم ستصبح عملية بسيطة، ستتمكن من الدخول لمرحلة (عدم التفكير) متى ما شئت. و أنت واعٍ تماماً، و مع ذلك لا تفكر بأي شيء.
هذا هو التأمل، و هو الشيء الوحيد الذي يستطيع أن يخلّصك من كل أشكال العبودية، و يأتيك بالسلام، و النعمة و الله و الحقيقة.