إليك يا أختاه هذا الكتاب الطيب 2
(3-2-2) راتبة صلاة العصر :
ويتعلق بهذه الراتبة المسائل التالية :
أولاً : حكمها .
ثانياً : فضلها .
ثالثاً : صفتها .
وبيانها فيما يلي :
أولاً : حكمها :
راتبة العصر من السنن الرواتب[1]، التي ثبت الترغيب فيها من الرسول صلى الله عليه وسلم ، كما ثبت فعله لها ؛ فالمحافظة عليها من الأمور المستحبة .
ثانياً : فضلها :
ورد في فضل راتبة العصر الحديث التالي :
عن ابن عمر ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعاً". أخرجه أحمد والترمذي و أبو داود.[2]
والحديث يدل على استحباب فعل هذه الركعات ، بل والمحافظة عليها ؛ رجاء الدخول في دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثالثاً : صفتها :
راتبة العصر ، أربع ركعات ، موصولات بتشهدين كالصلوات الرباعية ، يسلم في آخرهن ، تصلى قبل صلاة العصر .
عن عاصم بن ضمرة السلولي ، قال : سألنا علياً عن تطوع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنهار؟ فقال: إنكم لا تطيقونه . فقلنا : أخبرنا به ؛ نأخذ منه ما استطعنا . قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر ؛ يمهل ، حتى إذا كانت الشمس من هاهنا (يعني: من قبل المشرق) بمقدارها من صلاة العصر من هاهنا (يعني: من قبل المغرب) ؛ قام فصلى ركعتين ، ثم يمهل حتى إذا كانت الشمس من هاهنا (يعني: من قبل المشرق) مقدارها من صلاة الظهر من هاهنا ؛ قام فصلى أربعاً ، وأربعاً قبل الظهر إذا زالت الشمس ، وركعتين بعدها ، وأربعاً قبل العصر ، يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين والنبيين ومن تبعهم من المسلمين والمؤمنين ". قال علي :" فتلك ست عشرة ركعة تطوع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنهار ، وقل من يداوم عليها " أخرجه الترمذي وابن ماجه.
وفي رواية للنسائي :" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حين تزيغ الشمس ركعتين ، وقبل نصف النهار أربع ركعات ، يجعل التسليم في آخره"[3]
قال أبو عيسى الترمذي : " حديث علي حديث حسـن ، واختار إسحاق بن إبراهيم أن لا يفصل في الأربع قبل العصر ، واحتج بهذا الحديث ، وقال إسحــاق : ومعنى أنه يفصل بينهن بالتسليم ؛ يعني : التشهد. ورأى الشافعي و أحمد صلاة الليل والنهــار مثنى مثنى ؛ يختاران الفصل في الأربع قبل العصر "[4].اهـ.
قلت : الظاهر هو ما قاله إسحاق بن إبراهيم ، ويؤيده الرواية التي عند النسائي: "يجعل التسليم في آخره"[5]، ويرشحه أنه لو كان المراد بالتسليم للخروج من الصلاة في قوله :"يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين والنبيين والمرسلين …" ، لو كان المراد التسليم للخروج من الصلاة ؛ للزم المصلي أن ينوي ذلك ، وهذا لم يرد شرعاً ، فدل هذا على أن المراد بالتسليم على الملائكة المقربين … إلخ : التشهد ، خاصة وقد ورد مرفوعاً أن التشهد فيه التسليم على كل عبد صالح في السماء و الأرض.
وعليه ؛ فتخصص هذه الراتبة من عموم حديث :"صلاة الليل والنهار مثنى مثنى"[6].
والحديث يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي هذه الأربع الركعات قبل العصر ؛ فعدها من السنن الرواتب هو الصواب إن شاء الله ؛ لثبوتها عنه صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً وبالله التوفيق .
(4-2-2) راتبة صلاة المغرب :
ويتعلق بهذه الراتبة المسائل التالية :
أولاً : حكمها .
ثانياً : صفتها وفضلها .
ثالثاً : تأكيد صلاتها في البيوت .
وبيان ذلك كما يلي :
أولاً : حكمها :
راتبة المغرب سنة من السنن الرواتب ، التي يستحب للمسلم المحافظة عليها ، وقد ثبتت هذه السنة عنه صلى الله عليه وسلم بالقول والفعل .
ثانياً : صفتها وفضلها :
راتبة المغرب ركعتان ، تصليان بعد صلاة المغرب ، وتقدم في النص عليها :
حديث أم حبيبة ؛ قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير فريضة ؛ إلا بنى الله له بيتاً في
الجنة (أو : إلا بني له بيت في الجنة ): [أربع ركعات قبل الظهر ، وركعتين بعد الظهر، وركعتين بعد المغرب …]".
وحديث ابن عمر رضي الله عنه ؛ قال :"حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر ، وركعتين بعدها ، وركعتين بعد المغرب في بيته …".
وحديث عبد الله بن شقيق ؛ سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن تطوعه ؟فقالت: "كان يصلي في بيتي قبل الظهر أربعاً ، ثم يخرج فيصلي بالناس ، ثم يدخل فيصلي ركعتين ، وكان يصلي بالناس المغرب ، ثم يدخل فيصلي ركعتين …".
ثالثاً: تأكيد صلاتها في البيوت :
كان من هديه صلوات الله وسلامه عليه صلاة التطوع في البيت إلا ما كان لعارض ، وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم التأكيد على صلاة راتبة المغرب في البيوت .
عن محمود بن لبيد ؛ قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد الأشهل ، فصلى بهم المغرب ، فلما سلم ؛ قال :" اركعوا هاتين الركعتين في بيوتكم ". أخرجه أحمد ، وصححه ابن خزيمة[7].
عن كعب بن عجرة ؛ قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة المغرب في مسجد بني عبد الأشهل ، فلما صلى ؛ قام ناس يتنفلون ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "عليكم بهذه الصلاة في البيوت " . أخرجه أبو داود والنسائي[8].
قلت : الحديثان يدلان على تأكيد استحباب صلاة راتبة المغرب في البيوت.[9]
(5-2-2) راتبة العشاء :
وتتعلق بها مسألتان :
أولاً : حكمها .
ثانياً : صفتها وفضلها .
أولاً : حكمها :
راتبة العشاء من السنن الراتبة ؛ فهي صلاة يستحب للمسلم أن يحافظ عليها ؛ لثبوت فعلها عنه صلى الله عليه وسلم ؛ كما ثبت الترغيب فيها بقوله صلى الله عليه وسلم .
ثانياً : صفتها وفضلها :
تقدم حديث ابن عمر :" حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات … وركعتين بعد العشاء في بيته ".
وتقدم حديث عبد الله بن شقيق ؛ قال : سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن تطوعه ؟ فقالت : " … ويصلي بالناس العشاء ، ويدخل بيتي فيصلي ركعتين ".
وتقدم حديث أم حبيبة ؛ قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير فريضة ؛ إلا بنى الله له بيتاً في الجنة … [… وركعتين بعد العشاء …] ".
قلت : وهذه الأحاديث فيها أن راتبة العشاء ركعتين بعد صلاة العشاء .
صلاة الليل والوتر
يشتمل هذا الباب على الفصول التالية :
(1-3) فضلهما .
(2-3) حكم صلاة الليل والوتر .
(3-3) أول وقت صلاة الليل والوتر وآخره .
(4-3) عدد ركعات صلاة الليل والوتر وصفتها .
(5-3) ما يقرأ في الوتر .
(6-3) القنوت في الوتر حكمه وموضعه وصفته .
(7-3) من نام عن وتره أو نسيه .
(8-3) مشروعية صلاة الليل جماعة في رمضان .
(9-3) لا وتران في ليلة .
وبيان ذلك كما يلي :
صلاة الليل والوتر
(1-3) فضلهما
ورد من فضل صلاة الليل والوتر أحاديث ، أذكر منها الأحاديث التالية :
أ) عن أبي هريرة رضي الله عنه ؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم ، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل ". أخرجه مسلم.[10]
ب) عن أبي أمامة الباهلي ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قال :" عليكم بقيام الليل ؛ فإنه دأب الصالحين قبلكم ، وهو قربة لكم إلى ربكم ، ومكفرة للسيئات ، ومنهاة عن الإثم". رواه الترمذي والحاكم.[11]
ج) عن عبد الله بن عمرو بن العاص ؛ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إن
الله زادكم صلاة ؛ فحافظا عليها ، وهي الوتر". أخرجه أحمد وابن أبي شيبة.[12]
قلت : والأحاديث السابقة تدل على فضيلة صلاة الليل واستحباب المحافظة على صلاة الوتر .
(2-3) حكم صلاة الليل والوتر
صلاة الليل سنة مستحبة ، والوتر في آخرها سنة مؤكدة ، هذا ما دلت عليه النصوص؛ فمن ذلك الأحاديث التالية :
أ) عن عبد الله بن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ قال :" اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً" متفق عليه.[13]
ب) عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول :" الوتر حق" . أخرجه أحمد و أبو داود.[14]
ج) عن أبي أيوب الأنصاري ؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" الوتر حق على كل مسلم ، فمن أحب أن يوتر بخمس ؛ فليفعل ، ومن أحب أن يوتر بثلاث ؛ فليفعل ، ومن أحب أن يوتر بواحدة ؛ فليفعل ".
وفي رواية :" الوتر حق ، فمن شاء ؛ أوتر بسبع ؛ ومن شاء ؛ أوتر بخمس ، ومن شاء؛ أوتر بثلاث ، ومن شاء ؛ أوتر بواحدة ، ومن شاء ؛ أومأ إيماء".[15]
قلت : هذه الأحاديث تدل على تأكيد استحباب صلاة الليل والوتر ، بل فيها ما قد يشعر بوجوب الوتر : إما مطلقاً ، وإما في حق من يتهجد بالليل .
لكن ورد ما يدل على أن صلاة الليل والوتر ليستا بحتم ، من ذلك :
عن علي رضي الله عنه ؛ قال :" الوتر ليس بحتم كهيئة المكتوبة ، ولكنه سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ". أخرجه النسائي.[16]
قلت : وهذا صريح في عدم وجوب الوتر ، ولا أعلم له مخالفاً من الصحابة ؛ فقوله هذا له حكم الإجماع السكوتي.[17]
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ؛ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا عبد الله ! لا تكن مثل فلان ، كان يقوم من الليل ، فترك قيام الليل ". أخرجه البخاري ومسلم.[18]
في هذا الحديث دليل على أن قيام الليل ليس بواجب ، إذ لو كان واجباً ؛ لم يكتف لتاركه بهذا القدر ، بل كان يذمه أبلغ الذم.[19]
عن علي بن أبي طالب ؛ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة بنت النبي عليه السلام ليلة ، فقال :" ألا تصليان ؟" فقلت : يا رسول الله ! أنفسنا بيد الله ، فإذا شاء أن يبعثنا ؛ بعثنا ، فانصرف حين قلت ذلك ، ولم يرجع إلي شيئاً ، ثم سمعته وهو مول يضرب فخذه وهو يقول :" وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً". متفق عليه .[20]
قلت : ولو كان قيام الليل واجباً ، لما عذره بقوله ذاك ، والله أعلم.[21]
عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ذات ليلة في المسجد ، فصلى بصلاته ناس ، ثم صلى من القابلة ، فكثر الناس ، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما أصبح ؛ قال :" قد رأيت الذي صنعتم ، ولم يمنعني من الخروج إليكم ؛ إلا أني خشيت أن تفرض عليكم ، وذلك في رمضان " . متفق عليه.[22]
وفي رواية : " … ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم "؛ فعليكم بالصلاة في بيوتكم ؛ فإن خير صلاة المرء في بيته ؛ إلا الصلاة المكتوبة ". أخرجها مسلم عن زيد بن ثابت.[23]
قلت : هذا الحديث فيه دلالة ظاهرة على عدم وجوب صلاة الليل ، إذ نص الرسول أنها من صلاة البيوت التي ليست بواجبة ، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم خشي أن تفرض عليهم صلاة الليل جماعة في المساجد في رمضان ، فدل ذلك أنها ليست بواجبة جماعة في المساجد في رمضان وفي غير رمضان كذلك؛ لعدم الفرق ، وأفراداً كذلك.[24]
عن ابن عمر ؛ قال :" كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت به يومئ إيماءً صلاة الليل إلا الفرائض ، ويوتر على راحلته" . أخرجه البخاري.[25]
قلت : ثبت بالاستقراء أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل فريضة على راحلته ، فدلت صلاته صلاة الليل والوتر على الراحلة أنها من التطوع الذي ليس بحتم كهيئة المكتوبة.[26]
ومن الأدلة على عدم وجوب صلاة الليل والوتر ما سبق عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم ، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل". أخرجه مسلم.[27]
وفيه دلالة على عدم وجوب صلاة الليل ، إذ فاضل بين صلاة الليل وسائر الصلوات غير الفريضة، وقرن في التفضيل بين صيام شهر الله المحرم وصلاة الليل ؛ فكما أن صيام شهر الله المحرم ليس بواجب ؛ فكذا صلاة الليل ، والله أعلم.
والمقصود : أن مجموع هذه النصوص يدل على عدم وجوب صلاة الليل والوتر ؛ فهي قرينة صارفة لما قد تشعر به بعض الأحاديث بوجوب الوتر ، صارفة من الوجوب إلى الاستحباب. والله أعلم.
ويؤكد عدم الوجوب ما ذكرته السيدة عائشة رضي الله عنها ؛ من أن قيام الليل كان فرضاً في أول الأمر ، ثم أنـزل الله التخفيف في آخر سورة المزمل ، فصار قيام الليل تطوعاً بعد فريضة .[28]
(3-3)أول وقت صلاة الليل والوتر وآخره
أول وقت صلاة الليل والوتر بعد صلاة العشاء ، وآخره طلوع الفجر ، ويدل على ذلك ما يلي :
أ) عن عائشة رضي الله عنها ؛ قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء (وهي التي يدعو الناس: العتمة) إلى الفجر إحدى عشرة ركعة، يسلم بين كل ركعتين ، ويوتر بواحدة ، فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر ، وتبين له الفجر، وجاءه المؤذن ؛ قام، فركع ركعتين خفيفتين ، ثم اضطجع على شقه الأيمن ، حتى يأتيه المؤذن للإقامة ". أخرجه مسلم.[29]
ب) وعن أبي بصرة الغفاري : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن الله زادكم صلاة ، وهي الوتر ؛ فصلوها فيما بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر". أخرجه أحمد.[30]
قلت : والحديثان ظاهران في أن صلاة الليل والوتر وقتهما يبدأ من بعد صلاة العشاء (التي يدعو الناس :العتمة) إلى الفجر .
ويؤكد أن آخرها الفجر ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم :" فإذا خشي أحدكم الصبح؛ صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى"[31]
قال ابن نصر :" الذي اتفق عليه أهل العلم : أن ما بين صلاة العشاء إلى
طلوع الفجر وقت للوتر ، واختلفوا فيما بعد ذلك إلى أن يصلي الفجر ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالوتر قبل طلوع الفجر". اهـ.[32]
قلت : والأفضل في حق من خشي أن لا يقوم آخر الليل الصلاة في أوله، ومن وثق من نفسه؛ فالأفضل له تأخيره إلى آخر الليل ؛ لما ثبت عن جابر؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من خاف أن لا يقوم من آخر الليل ؛ فليوتر أوله ، ومن طمع أن يقوم آخره؛ فليوتر آخر الليل ؛ فإن صلاة آخر الليل مشهودة ، وذلك أفضل". أخرجه مسلم.[33]
(4-3) عدد ركعات صلاة الليل والوتر وصفتها
صلاة الليل والوتر إحدى عشرة ركعة ، ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها، وقد وردت عنه عليه الصلاة والسلام بأوصاف متنوعة ، إذا صلى المسلم بأي صفة منها ؛ أجزأته وهذه الأوصاف هي التالية :
· (1-4-3) صلاة الليل مثنى مثنى والوتر بواحدة :
عن عبد الله بن عمر ؛ أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" صلاة الليل مثنى مثنى ، فإذا خشى أحدكم الصبح ؛ صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى". وفي رواية :" قام رجل فقال : يا رسول الله! كيف صلاة الليل؟". أخرجه الشيخان.[34]
قلت : والحديث يدل على أن صلاة الليل تصلى ركعتين ركعتين .
و أن الوتر يشرع كونه آخر صلاة الليل .
و أن الوتر بركعة واحدة مفصولة عما قبلها مشروع.
وقد استدل بعضهم بهذا الحديث على تعين الفصل بين كل ركعتين من صلاة الليل ؛ لأن هذا ظاهر السياق ؛ لحصر المبتدأ في الخبر .
وحمله الجمهور على أنه لبيان الأفضل للمصلي ؛ لما صح من فعله صلى الله عليه وسلم بخلافه ؛ كما سيأتي إن شاء الله .
وليس في الحديث ما يعين أن جوابه صلى الله عليه وسلم بقوله : "صلاة الليل مثنى مثنى" ؛ أن هذا هو الأفضل ، بل يحتمل أن يكون للإرشاد إلى الأخف ؛ إذ السلام بين كل ركعتين أخف على المصلي من الأربع فما فوقها ؛ لما فيه من الراحة غالباً ، وقضاء ما يعرض من أمر مهم ، ولو كان الوصل لبيان الجواز فقط ؛ لما واظب عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومن ادعى اختصاصه به ؛ فعليه البيان ، وقد صح عنه الفصل كما صح عنه الوصل .[35]
وقد استدل بعضهم بالحديث على أن صلاة الليل لا حد لأكثرها،وفيه نظر من وجوه؛ منها:
الوجه الأول : أن الثابت من فعله صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل والوتر أنه لم يزد فيها عن إحدى عشرة ركعة .
الوجه الثاني : وردت رواية لهذا الحديث تفسره ، وهي الرواية المشار إليها سابقاً ، وقد أخرجها البخاري بلفظ :" أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب ،
فقال : كيف صلاة الليل ؟ فقال: مثنى مثنى ، فإذا خشيت الصبح ؛ فأوتر بواحدة ؛ توتر لك ما قد صليت"[36]، وهذه الرواية فيها بيان أن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم : "مثنى مثنى" بيان كيفية الصلاة لا كمية الصلاة ، فلا يريد الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله ذاك بيان العدد ، وإنما الفصل والوصل ؛ فصلاة الليل تصلى ركعتين ركعتين ، وأولى ما فسر به الحديث من الحديث .[37]
الوجه الثالث : أن قوله صلى الله عليه وسلم : " مثنى مثنى": يفيد إرادة الصفة ، لا إرادة العدد ، إذ العدد المعدول (مثنى مثنى) إنما يعني : صلي صلاة الليل ركعتين ركعتين ؛ دون أن يراد بيان العدد ؛ فافهم. وهذا كما في قوله تعالى : {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع} [النساء :3].[38]
· (2-4-3) الوتر بركعة واحدة : يشرع الوتر بركعة واحدة ، ومما يدل عليه ما يلي :
أ)ما سبق من قوله صلى الله عليه وسلم :" صلاة الليل مثنى مثنى ، فإذا خشيت الصبح؛ فأوتر بركعة ".
ب)ما سبق من حديث أبي أيوب : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" الوتر حق على كل مسلم ، فمن شاء ؛ أوتر بسبع ، ومن شاء ؛ أوتر بخمس ، ومن شاء بثلاث ، ومن شاء ؛ أوتر بواحدة ، فمن غلب ؛ فليومئ إيماء".
ج) عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم :" الوتر ركعة من آخر الليل ". أخرجه مسلم.[39]
· (3-4-3) الوتر بثلاث ركعات :
ويشرع الوتر بثلاث ركعات فقط ، ولك أن تصليها على صفتين ، ما تيسر لك منها يجزئ عنك، وهي التالية :
الأولى : أن تصلي هذه الركعات الثلاث : ركعتين ثم تسلم ، ثم تصلي ركعة واحدة.
الثانية : أن تصليها ثلاث ركعات متصلة ، لا تقعد إلا في آخرهن :
لما ثبت عن أبي هريرة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا توتروا بثلاث تشبهوا بصلاة المغرب ، ولكن أوتروا بخمس ، أو بسبع ، أو بتسع ، أو بإحدى عشرة". أخرجه الحاكم.[40]
وقد ثبت أداء الثلاث موصولات دون قعود إلا في آخرهن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقد جاء عن أبي بن كعب ؛ قال :" كان رسول الله يقرأ من الوتر بـ {سبح اسم ربك الأعلى} ، وفي الركعة الثانية بـ{قل يا أيها الكافرون} ، وفي الثالثة بـ {قل هو الله أحد}، ولا يسلم إلا في آخرهن". أخرجه النسائي.[41]
وعن عائشة ؛ قالت : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث ، لا يسلم إلا في آخرهن ". أخرجه الحاكم.[42] وعن بعض الصحابة رضوان الله عليهم.[43]
ومن الأدلة على مشروعية الوتر بثلاث ركعات ما تقدم في حديث أبي أيوب : "ومن أحب أن يوتر بثلاث ؛ فليفعل".
· (4-4-3) الوتر بخمس ركعات :
يشرع الوتر بخمس ركعات ، ولك أن تصليها على صفتين :
الأولى : أن تصلي ركعتين ، ثم تصلي ركعتين ، ثم تصلي ركعة.
الثانية : أن تصليها خمس ركعات موصولات ، لا تجلس إلا في آخرهن.
والدليل على ذلك جميعه ما يلي :
أ) ما سبق في حديث أبي أيوب المتقدم : "من أحب أن يوتر بخمس ؛ فليفعل".
ب) ما سبق في حديث ابن عمر :" صلاة الليل مثنى مثنى ، فإذا خشي أحدكم الفجر؛ أوتر بركعة".
ج) عن عائشة رضي الله عنها ؛ قالت : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة ؛ يوتر من ذلك بخمس ، لا يجلس إلا في آخرها". وفي رواية :"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي ثلاث عشرة ركعة بركعتي الفجر ". أخرجه مسلم.[44]
د) وعنها ؛ قالت :" إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بخمس لا يجلس إلا في الآخرة منهن". أخرجه أبو عوانة.[45]
· (5-4-3) الوتر بسبع ركعات :
يشرع الوتر بسبع ركعات ، ويؤدى على صفتين :
الأولى : أن يصلي ست ركعات مثنى مثنى ، ثم يوتر بواحدة .
الثانية : أن يصلي سبع ركعات موصولات ، لا يقعد إلا في السادسة ، فيتشهد ، ثم يقوم ولا يسلم ، ويأتي بالسابعة ثم يسلم .
ومما يدل على ذلك ما يلي :
حديث أبي أيوب ، وفيه :" الوتر حق ، فمن شاء ؛ أوتر بسبع".
عن أم سلمة :" كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث عشرة ركعة ، فلما كبر
وضعف أوتر بسبع". أخرجه الترمذي والنسائي.[46]
ج) حديث ابن عمر المتقدم :" صلاة الليل مثنى مثنى … ".
د) عن عائشة ؛ قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوتر بتسع ركعات ؛ لم يقعد إلا في الثامنة ، فيحمد الله ، ويذكره ، ويدعو ، ثم ينهض ولا يسلم ، ثم يصلي التاسعة ، فيجلس ، فيذكر الله عز وجل، ويدعو ، ثم يسلم تسليمة يسمعنا ، ثم يصلي ركعتين وهو جالس ، فلما كبر وضعف ؛ أوتر بسبع ركعات ، لا يقعد إلا في السادسة ثم ينهض ولا يسلم ، فيصلي السابعة ، ثم يسلم تسليمة ، ثم يصلي ركعتين وهو جالس". أخرجه مسلم والنسائي.[47]
· (6-4-3) الوتر بتسع ركعات :
ويشرع للمسلم أن يوتر بتسع ركعات ، وله فيها صفتان ، وهي التالية :
الأولى : أن يصلي مثنى مثنى ثمان ركعات ثم يوتر بواحدة .
الثانية : أن يصلي تسع ركعات موصولات ، لا يقعد إلا في الثامنة للتشهد ، ثم يصلي التاسعة ، ويقعد فيها للتشهد الثاني ، ثم يسلم .
ومما يدل على ذلك ما يلي :
أ) ما سبق من قوله صلى الله عليه وسلم :" صلاة الليل مثنى مثنى ؛ فإذا خشي أحدكم الصبح؛ صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى ".
ب) عن سعد بن هشام ؛ قال :" قلت : يا أم المؤمنين (يعني: عائشة رضي الله عنها)! أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : ألست تقرأ القرآن ؟ قلت: بلى . قالت : فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن . قال: فهممت أن أقوم ولا أسأل أحداً عن شيء حتى أموت ، ثم بدا لي ، فقلت : أنبئيني عن قيام رسول الله ؟ فقالت: ألست تقرأ :{ يا أيها المزمل} ؟ قلت : بلى. قالت : فإن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة ، فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً ، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهراً في السماء، حتى أنـزل الله من آخر هذه السورة التخفيف ، فصار قيام الليل تطوعاً بعد فريضة ، قال: قلت: يا أم المؤمنين! أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت : كنا نعد له سواكه وطهوره ، فيبعثه الله ما شاء الله أن يبعثه من الليل ، فيتسوك ، ويتوضأ ، ويصلي تسع ركعات؛ لا يجلس إلا في الثامنة ، فيذكر الله ويحمده ويدعوه ، ثم ينهض ولا يسلم ، ثم يقوم، فيصلي التاسعة، ثم يقعد ، فيذكر الله ويحمده ويدعوه ، ثم يسلم تسليماً يسمعنا ، ثم يصلي ركعتين بعدما يسلم وهو قاعد ؛ فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني ، فلما سن نبي الله صلى الله عليه وسلم ، وأخذه اللحم ؛ أوتر بسبع ؛ وصنع في الركعتين مثل صنيعه الأول ؛ فتلك تسع يا بني …" أخرجه مسلم .[48]
· (7-4-3) الوتر بإحدى عشرة ركعة :
يشرع للمسلم أن يوتر بإحدى عشرة ركعة ، ويصليها على صفتين :
الأولى : أن يصلي مثنى مثنى عشر ركعات ثم يوتر بواحدة .
الثاني : أن يصلي أربعاً أربعاً ثم يصلي ثلاثاً.[49]
ويدل على ذلك ما يلي :
أ) عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ؛ أنه سأل عائشة رضي الله عنها : كيف كانت صلاته صلى الله عليه وسلم في رمضان ؟ فقالت : ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة : يصلي أربعاً ، فلا تسل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلي أربعاً ،؛ فلا تسل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلي ثلاثاً. قالت عائشة : فقلت : يا رسول الله ! أتنام قبل أن توتر ؟ فقال:" يا عائشة ! إن عيني تنامان ولا ينام قلبي ".
وفي رواية :" كان يصلي ثلاث عشرة ركعة : يصلي ثمان ركعات ثم يوتر ، ثم يصلي ركعتين وهو جالس ؛ فإذا أراد أن يركع ؛ قام فركع ، ثم يصلي ركعتين بين النداء و الإقامة من الصبح " . أخرجه الشيخان.[50]
ب) وعنها ؛ قالت : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة ؛ يوتر منها بواحدة ، فإذا فرغ منها ؛ اضطجع على شقه الأيمن ، حتى يأتيه المؤذن ، فيصلي ركعتين خفيفتين ".
وفي رواية : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء (وهي التي يدعو الناس العتمة) إلى الفجر إحدى عشرة ركعة ؛ يسلم بين كل
ركعتين ، ويوتر بواحدة ، فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر ، وتبين له الفجر ، وجاءه المؤذن ؛ قام ، فركع ركعتين خفيفتين ، ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة". أخرجه مسلم.[51]
قلت : وانتهت صلاة الليل والوتر إلى الإحدى عشرة ركعة.[52]
مسألة : ما حكم الركعتين اللتين كان يصليهما الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الوتر جالساً ؟
وللجواب عن هذه المسألة أقول :
قال صلى الله عليه وسلم : " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً " متفق عليه.[53]
وسبق أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين خفيفتين بعد الوتر أحياناً وهو جالس .
وعليه ؛ فإن فعله صلى الله عليه وسلم دل على أن قوله : " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً" ؛ إنما هو إرشاد إلى الأفضل ، فيباح للمسلم أن يصلي بعد الوتر ، ولا حرج عليه في ذلك .
ويؤكد هذا ما جاء عن ثوبان ؛ قال : كنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم في سفر ، فقال: " إن هذا السفر جهد وثقل ، فإذا أوتر أحدكم ؛ فليركع ركعتين ، فإن استيقظ ، و إلا ؛ كانتا له". أخرجه الدارمي وابن خزيمة وابن حبان.[54]
فدل ذلك على أن المقصود من الأمر بجعل آخر صلاة الليل وتراً أن لا يهمل الإيتار بركعة ؛ فلا ينافيه صلاة ركعتين بعده ؛ كما ثبت من فعله عليه الصلاة والسلام وأمره[55]. والله أعلم.
وقد بوب ابن خزيمة رحمه الله على حديث ثوبان هذا بقوله :" باب ذكر الدليل على أن الصلاة بعد الوتر مباحة لجميع من يريد الصلاة بعده ، و أن الركعتين اللتين كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليهما بعد الوتر لم يكونا خاصة للنبي صلى الله عليه وسلم دون أمته ؛ إذ النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالركعتين بعد الوتر أمر ندب وفضيلة لا أمر إيجاب وفريضة"[56]اهـ.
(5-3) ما يقرأ في الوتر
يشرع للمسلم أن يقرأ في الأولى من الوتر : {سبح اسم ربك الأعلى} ،
وفي الثانية : {قل يا أيها الكافرون } ، وفي الثالثة : { قل هو الله أحد} .
وأحياناً يقرأ في الثالثة مع {قل هو الله أحد} : المعوذتين .
والدليل على ذلك ما يلي :
عن أبي بن كعب : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث ركعات ، كان يقرأ في الأولى بـ {سبح اسم ربك الأعلى} ، وفي الثانية بـ{ قل يا أيها الكافرون} ، وفي الثالثة بـ {قل هو الله أحد} ، ويقنت قبل الركوع ، فإذا فرغ ؛ قال عند فراغه :" سبحان الملك القدوس" ؛ ثلاث مرات، يطيل في آخرهن". أخرجه النسائي .[57]
عن ابن عباس ؛ قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث ؛ يقرأ في الأولى بـ {سبح اسم ربك الأعلى} ، وفي الثانية بـ { قل يا أيها الكافرون} ، وفي الثالثة بـ {قل هو الله أحد} " . أخرجه النسائي.[58]
عن عبد العزيز بن جريج ؛ قال: سألت عائشة : بأي شيء كان يوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت :" كان يقرأ في الأولى بـ { سبح اسم ربك الأعلى} ، وفي
الثانية بـ { قل يا أيها الكافرون} ، وفي الثالثة بـ {قل هو الله أحد} والمعوذتين ". أخرجه الترمذي.[59]
واعلم أن هذه الأحاديث تشعر بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفصل بين الشفع والوتر ، وهذا جاء صريحاً :
عن ابن عمر ؛ قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفصل بين الشفع والوتر بتسليم يسمعناه". أخرجه ابن حبان.[60]
وليس معنى هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يوتر بثلاث موصولات ؛ فقد جاء في رواية لحديث أبي بن كعب السابق بلفظ :" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الوتر بـ {سبح اسم ربك الأعلى} ، وفي الركعة الثانية بـ {قل يا أيها الكافرون} ، وفي الثالثة بـ {قل هو الله أحد} ، ولا يسلم إلا في آخرهن ، ويقول (يعني : بعد التسليم): " سبحان الملك القدوس : ؛ ثلاثاً ". أخرجه النسائي .[61]
فائدة :دل حديث أبي بن كعب على مشروعية أن يقول المسلم إذا فرغ من الوتر : "سبحان الملك القدوس" ثلاث مرات يطيل في آخرهن .
(6-3) القنوت في الوتر
ويشتمل هذا الفصل على المسائل التالية :
المسألة الأولى : حكم القنوت في الوتر .
المسألة الثانية : موضعه .
المسألة الثالثة : صفته .
و إليك بيان ذلك :
· (1-6-3) حكم القنوت في الوتر :
القنوت في الوتر مستحب ، وليس بواجب .
والدليل على استحبابه : أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يوتر ولا يقنت أحياناً، فدل ذلك على عدم وجوب القنوت في الوتر ، إذ لو كان واجباً ؛ ما تركه صلى الله عليه وسلم أحياناً. والله أعلم.
والدليل على ذلك ؛ أنه ثبت عن بعض الصحابة والتابعين ترك القنوت في الوتر ، وثبت عن بعضهم ترك القنوت في الوتر طوال السنة ؛ إلا في النصف من رمضان ، وثبت عن آخرين القنوت في الوتر طوال السنة[62]. وهذا الاختلاف منهم مشعر بأنه لم يثبت لديهم جميعهم قنوت الرسول صلى الله عليه وسلم في كل صلاة وتر، وفي هذا دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يترك الوتر أحياناً . والله أعلم .
وممن حكى هذا الاختلاف الترمذي ، فقال : " اختلف أهل العلم في القنوت في الوتر، فرأى عبد الله بن مسعود القنوت في الوتر في السنة كلها ، واختار القنوت قبل الركوع. وهو قول بعض أهل العلم، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك وإسحاق و أهل الكوفة.
وقد روي عن علي بن أبي طالب : أنه كان لا يقنت إلا في النصف الآخر من رمضان، وكان يقنت بعد الركوع. وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا ، وبه يقول الشافعي و أحمد "[63]. اهـ.
· (2-6-3) موضع القنوت في الوتر :
القنوت يكون في الركعة الأخيرة بعد القراءة وقبل الركوع ، هذا الثابت من فعله صلوات الله وسلامه عليه غالباً ، وكان أحياناً يقنت للوتر بعد الركوع ، والله أعلم.
والدليل على ذلك ما يلي :
أ) عن أبي بن كعب ؛ قال :" إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر فيقنت قبل الركوع". أخرجه ابن ماجه.[64]
ب) عن علقمة ؛ " أن ابن مسعود وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقنتون في الوتر قبل الركوع". أخرجه ابن أبي شيبة .[65]
قلت : ففي حديث أبي بن كعب وأثر علقمة دليل على أن قنوت الوتر يكون بعد القراءة قبل الركوع .
أما الدليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يقنت أحياناً بعد الركوع في الوتر ؛ فهو التالي :
عن عبد الرحمن بن عبد القاري ؛ أنه قال :" خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد ، فإذا الناس أوزاع متفرقون ، يصلي الرجل لنفسه ، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط ، فقال عمر : إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد ؛ لكان أمثل. ثم عزم ، فجمعهم على أبي بن كعب ، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم ، قال عمر : نعم البدعة هذه[66]، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون (يريد: آخر الليل ). وكان الناس يقومون أوله (وزاد في رواية: وكان يلعنون الكفرة في النصف[67]: اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ، ويكذبون رسلك ، ولا يؤمنون بوعدك ، وخالف بين كلمتهم ، وألق في قلوبهم الرعب ، وألق عليهم رجزك وعذابك ، إله الحق. ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير، ثم يستغفر للمؤمنين . قال: وكان يقول إذا فرغ من لعنه الكفرة وصلاته على النبي واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته : اللهم إياك نعبد ، ولك نصلي ونسجد ، وإليك نسعى ونحفد، ونرجو رحمتك ربنا ، ونخاف عذابك الجد ، إن عذابك لمن عاديت ملحق ، ثم يكبر ويهوي ساجداً)"[68].
قلت :ومحل الدلالة في قوله : " ثم يكبر ويهوي ساجداً " ؛ إذ فيه أن دعاء القنوت في الوتر كان بعد الركوع ، إذ لو كان الدعاء بعد القراءة ؛ لكبر للركوع لا للسجود. وبالله التوفيق.
· (3-6-3) صفة القنوت في الوتر :
الذي يظهر من تأمل النصوص الواردة ؛ أنه ليس في قنوت الوتر شيء موقت، إنما هو دعاء واستغفار.[69]
ومن خير الدعاء في قنوت الوتر ما يلي :
عن الحسن بن علي رضي الله عنهما : " علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن [إذا فرغت من قراءتي] في قنوت الوتر : " اللهم اهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شر ما قضيت ؛ إنك تقضي ولا يقضى عليك ، و إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، (ولا منجأ منك إلا إليك]"[70]
كما يشرع في دعاء القنوت في الوتر في النصف من رمضان بما ثبت في الرواية السابقة في أثر عبد الرحمن بن عبد القاري :" وكان يلعنون الكفرة في النصف : اللهم قاتل الكفرة ، الذين يصدون عن سبيلك ، ويكذبون رسلك ، ولا يؤمنون بوعدك ، وخالف بين كلمتهم ، وألق في قلوبهم الرعب ، وألق عليهم رجزك وعذابك ، إله الحق. ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير ، ثم يستغفر للمؤمنين. قال: وكان يقول إذا فرغ
من لعنه الكفرة ، وصلاته على النبي ، واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ، ومسألته : اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد ، وإليك نسعى ونحفد ، ونرجو رحمتك ربنا ، ونخاف عذابك الجد ، إن عذابك لمن عاديت ملحق "[71].
تنبيه :
ثبت عن على بن أبي طالب رضي الله عنه ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره : " اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك ، وبمعافاتك من عقوبتك ، وأعوذ بك منك ، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك"[72].
قلت : أورد هذا الحديث بهذا السياق الترمذي في (باب في دعاء الوتر) ، والنسائي في (باب الدعاء في الوتر) ، و أبو داود في (باب القنوت في الوتر ) ، وابن ماجه في (باب ما جاء في القنوت في الوتر) .
ووجه ذلك ما أشار إليه السندي في "حاشيته على النسائي" حيث قال: "قوله: " كان يقول في آخر وتره": يحتمل أنه كان يقول في آخر القيام ، فصار هو من القنوت ؛ كما هو مقتضى كلام المصنف، ويحتمل أنه كان يقول في قعود التشهد ، وهو ظاهر اللفظ" [73]اهـ.
لكن أخرج هذا الحديث النسائي من كتاب " عمل اليوم والليلة" وكذا ابن السني باللفظ التالي :
عن على بن أبي طالب ؛ قال : " بت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ، فكنت أسمعه إذا فرغ من صلاته وتبوأ مضجعه يقول : اللهم إني أعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ برضاك من سخطك ، وأعوذ بك منك ، اللهم لا أستطيع ثناء عليك ولو حرصت ، ولكن أنت كما أثنيت على نفسك"[74].
وهذه الرواية فيها تعيين موضع هذا الدعاء ، وهو ما بوب عليه النسائي في كتابه "عمل اليوم والليلة" ، حيث قال : " باب ما يقول إذا فرغ من صلاته وتبوأ مضجعه" .
(7-3) من نام عن وتره أو نسيه
جاء في حق من نام عن صلاة الليل وهو ينوي أن يصلي قول أبي الدرداء رضي الله عنه : " من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل ، فغلبته عيناه حتى أصبح ؛ كتب له ما نوى ، وكان نومه صدقة عليه من ربه عز وجل ". أخرجه النسائي وابن ماجه[75]
وهذا الأثر ، و إن كان موقوفاً ؛ إلا أنه في حكم المرفوع .
ويشرع للمسلم إذا نام عن وتره أو غلبه عليه وجع ونحوه أن يصليه من النهار ، وهو مخير في عدد الركعات التي يصليها بين أمرين :
الأول : أن يصلي وتره كما كان يصليه .
وهذا يؤخذ من قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد الخدري ؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من نام عن وتره أو نسيه ؛ فليصله إذا ذكره". أخرجه أبو داود والترمذي.[76]
الثاني : أن يصلي من النهار اثنتي عشرة ركعة.
وهذا ما نقلته عائشة رضي الله عنها من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ حيث قالت : " كان إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام الليل ؛ صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة".
أخرجه مسلم.[77]
(8-3) مشروعية صلاة الليل جماعة في رمضان
ثبتت مشروعية صلاة الليل جماعة في رمضان عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قوله ومن فعله.
أما القول ؛ فهو ما جاء عن جبير بن نفير عن أبي ذر رضي الله عنه ؛ قال: صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يصل بنا حتى بقي سبع من الشهر ، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل ، ثم لم يقم بنا في السادسة ، وقام بنا في الخامسة حتى ذهب شطر الليل ، فقلنا له: يا رسول الله ! لو نفلتنا بقية ليتنا هذه ؟ فقال:" إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف ؛ كتب له قيام ليلة" ، ثم لم يصل بنا حتى بقي ثلاث من الشهر ، وصلى بنا الثالثة ، ودعا أهله ونساءه، فقام بنا حتى تخوفنا الفلاح. قال جبير بن نفير الراوي عن أبي ذر قلت : وما الفلاح؟ قال: السحور. أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه.[78]
قال الترمذي في تعليقه على الحديث :" اختار ابن المبارك و أحمد وإسحاق الصلاة مع الإمام في شهر رمضان ، واختار الشافعي أن يصلي الرجل وحده إذا كان قارئاً "[79]اهـ.
قلت: حديث أبي ذر هذا نص قولي عن الرسول صلى الله عليه وسلم يفيد مشروعية الجماعة في صلاة الليل ، بل ويبين فضلها .
أما الفعل من الرسول صلى الله عليه وسلم لصلاة الليل جماعة ؛ فهو ما جاء عن عائشة رضي الله عنها ؛ قالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة من جوف الليل ، فصلى في المسجد ، فصلى رجال بصلاته ، فأصبح الناس فتحدثوا ، فاجتمع أكثر منهم ، فصلوا معه ، فأصبح الناس فتحدثوا، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة ، فخرج رسول الله، فصلوا بصلاته ، فلما كانت الليلة الرابعة ؛ عجز المسجد عن أهله ، حتى خرج لصلاة الصبح ، فلما قضي الفجر ؛ أقبل على الناس ، فتشهد ، ثم قال: " أما بعد؛ فإنه لم يخف علي مكانكم ، لكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها". أخرجه الشيخان.[80]
قال الحافظ ابن حجر عند ذكره لفوائد هذا الحديث : " [فيه] ندب قيام الليل ولا سيما في رمضان جماعة ؛ لأن الخشية المذكورة أمنت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولذلك جمعهم عمر بن الخطاب على أبي بن كعب"[81]. اهـ.
(9-3) لا وتران في ليلة
عن قيس بن طلق بن علي ؛ قال: زارنا طلق بن علي في يوم من رمضان ، وأمسى عندنا وأفطر ، ثم قام بنا الليلة وأوتر بنا ، ثم انحدر إلى مسجده فصلى بأصحابه ، حتى إذا بقي الوتر ، قدم رجلاً ، فقال: " أوتر بأصحابك؛ فإني
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : لا وتران في ليلة ". أخرجه أبو داود وصححه ابن حبان.[82]
قال أبو عيسى الترمذي رحمه الله معلقاً على قول الرسول صلى الله عليه وسلم : "لا وتران في ليلة" : "اختلف أهل العلم في الذي يوتر من أول الليل ثم يقوم من آخره :
فرأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم نقض الوتر ، وقالوا : يضيف إليها ركعة ، ويصلي ما بدا له ، ثم يوتر في آخر صلاته ؛ لأنه : "لا وتران في ليلة". وهو الذي ذهب إليه إسحاق .
وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم : إذا أوتر من أول الليل ، ثم نام ، ثم قام من آخر الليل ، فإنه يصلي ما بدا له ، ولا ينقض وتره ، ويدع وتره على ما كان. وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك والشافعي و أهل الكوفة و أحمد .
وهذا أصح ؛ لأنه قد روي من غير وجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلى بعد الوتر ".[83]اهـ.
قلت : هذا الذي قال عنه الإمام الترمذي رحمه الله : " وهذا أصح" : هو
ما قدمته لك[84]، حيث قررت أن قوله صلى الله عليه وسلم : " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً " ؛ ليس على الوجوب ، و أن المقصود منه أن لا يترك المسلم الوتر في صلاة الليل؛ كما قال صلى الله عليه وسلم : " صلاة الليل مثنى مثنى ، فإذا أردت أن تنصرف ؛ فاركع واحدة ؛ توتر لك ما قد صليت"[85].
فقوله : " فاركع واحدة ؛ توتر لك ما قد صليت ": يدل على أن المراد أمر المسلم بأن لا يدع صلاته بالليل شفعاً دون وتر. والله أعلم.[86]
([1]) عدها من السنن الرواتب هو الراجح ، وهذا اختيار أبي الخطاب الكلوذاني ، كما في "المغني" لابن قدامة (2/125) ، وهي من المسائل التى انفرد بها أبو الخطاب ؛ كما في "ذيل طبقات الحنابلة" (1/120).
ونقل فيها مجد الدين أبو البركات ابن تيمية في "المحرر" (1/88) وجهين للحنابلة .
وصرح الشيرازي من الشافعية في "المهذب" بأن أربع ركعات قبل العصر من السنن الراتبة مع الفريضة ، و أن ذلك هو الأكمل ، ووافقه النووي في "المجموع شرح المهذب" (4/8).
أخرجه أحمد في "المسند" (4/203) ، وأخرجه الترمذي في (كتاب الصلاة ، باب ما جاء في الأربع قبل العصر ، حديث رقم 430 ، 1/329-تحفة) ، و أبو داود في (كتاب الصلاة ، باب الصلاة قبل العصر ، حديث رقم 1271، 1/490-عون) ، وصححه ابن خزيمة (1193) ، وابن حبان (616- موارد) (6/206، رقم 2453- الإحسان) ، والحديث قال عنه الترمذي :" حسن غريب". ا هـ.
ص37
والحديث حسنه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (1/237) ، ومحقق "جامع الأصول " (6/26) ، ومحقق "الإحسان" (6/206).
قلت : ولم يصب من أعل الحديث بأن رواية ابن عمر لم يذكر هذه الركعات في حديث السابق :" حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات …" ؛ لأن ابن عمر إنما أخبر بما حفظه من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولم يخبر غير ذلك ، فلا تنافي بين الخبرين ، كما قرره ابن قيم الجوزية في "زاد المعاد" (1/312).
ص38
أخرجه الترمذي في (كتاب الصلاة ، باب ما جاء في الأربع قبل الظهر ، حديث رقم 424) مقتصراً على ما يتعلق براتبة الظهر ، وأخرجه في (باب ما جاء في الأربع قبل العصر ، حديث رقم 429) مقتصراً على راتبة العصر ، وأخرجه في (باب كيف كان تطوع النبي صلى الله عليه وسلم بالنهار ، حديث رقم 598) وأورده تاماً ،وأخرجه النسائي في (كتاب الإمامة ، باب الصلاة قبل العصر وذكر اختلاف الناقلين عن أبي إسحاق في ذلك (2/119-120) ، وأخرجه ابن ماجه في (كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها ، باب ما جاء فيما يستحب من التطوع بالنهار ، حديث رقم 1161) واللفظ له ، وأخرجه الترمذي في "الشمائل" (مختصر الألباني ، حديث رقم 243) .
والحديث ؛ حسنه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (حديث رقم 237) ، وحسنه محقق "جامع الأصول" (6/8).
أخرجه أحمد في "المسند" (5/428) وابن خزيمة (1200).
والحديث حسنه الألباني في تعليقه على ابن خزيمة (1/209) ، وقواه محققا "زاد المعاد" (1/313).
ص41
أخرجه النسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار ، باب الحث على الصلاة في البيوت والفضل في ذلك، 3/198) واللفظ له ، وأخرجه أبو داود في (كتاب الصلاة ، باب ركعتي المغرب أين تصليان ، حديث رقم 1300).
والحديث حسنه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (1/241) ، وحسنه لغيره محققاً "زاد المعاد" (1/314).
منها :أن أصل راتبة المغرب الاستحباب لا الوجوب ؛ فكيف يكون الفرع واجباً و الأصل مستحباً ؟!.
ومنها : ما يستفاد مما يلي :
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل بعد إيراده في "المسند" لحديث محمود بن لبيد المتقدم (5/428) :"قلت لأبي (أحمد بن حنبل) : إن رجلاً قال: من صلى ركعتين بعد المغرب في المسجد ؛ لم تجزه إلا أن يصليهما في بيته ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : هذه صلاة البيوت . قال: من قال هذا؟ قلت: محمد بن عبد الرحمن . قال: ما أحسن ما قال (أو : ما أحسن ما انتزع)!". اهـ.
قلت: قال أبو حفص (لعله البرمكي أو العكبري لا أدري أيهما) في توجيه هذه العبارة عن أحمد نقله عنه ابن قيم الجوزية في "زاد المعاد" (1/313) ؛ قال:" ووجهه: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصلاة في البيوت ، وقال المروزي : من صلى ركعتين بعد المغرب في المسجد يكون عاصياً ؟ قال [أحمد بن حنبل] : ما أعرف هذا! قلت له: يحكى عن أبي ثور أنه قال : هو عاص. قال: لعله ذهب إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم :" اجعلوها في بيوتكم". قال أبو حفص : ووجهه أنه لو صلى الفرض في البيت وترك المسجد؛ أجزأه ؛ فكذلك السنة". انتهى كلامه.
قال ابن القيم متعقباً :" وليس هذا وجهه عند أحمد رحمه الله ، وإنما وجهه أن السنن لا يشترط لها مكان معين، ولا جماعة ، فيجوز فعلها في البيت والمسجد" اهـ.
قلت: ومن القرائن ما أشار إليه ابن خزيمة حيث بوب على حديث محمود بن لبيد :"باب الأمر بأن يركع الركعتين بعد المغرب في البيوت بلفظ "أمر" قد يحسب بعض من لم يتبحر العلم أن مصليها في المسجد عاص؛ إذ النبي صلى الله عليه وسلم أمر "أن يصليها في البيوت" ، ثم بوب بعده:" باب ذكر
ص42
=الخبر المفسر لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن تصلى الركعتان بعد المغرب في البيوت ، والدليل على أن الأمر بذلك أمر استحباب لا أمر إيجاب ، إذ صلاة النوافل في البيوت أفضل من النوافل في المساجد".
وساق حديثاً بهذا المعنى. "صحيح ابن خزيمة" (1/209-210).
أخرجه مسلم في "صحيحه" في (كتاب الصيام ، باب فضل صوم المحرم ، حديث رقم 1163).
أخرجه الترمذي في (كتاب الدعوات ، باب في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ، حديث رقم 3549) معلقاً طرف سنده ، وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (1/308) واللفظ له ، ومن طريقة البيهقي في "السنن الكبرى" (2/502) ، والحديث حسنه الألباني في "إرواء الغليل " (2/199-202).
أخرجه أحمد في "المسند" (2/206-208) ، وابن أبي شيبة في "المصنف" (2/297) ، والحديث صححه الألباني في "إرواء الغليل" (2/159).
أخرجه البخاري في (كتاب الوتر ، باب ليجعل آخر صلاته وتراً ، حديث رقم 998) ، وأخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، باب صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة من آخر الليل ، حديث رقم 751).
فائدة: قال ابن دقيق العيد تعليقاً على هذا الحديث : " قد يستدل بصيغة الأمر من يرى وجوب الوتر ، فإن كان يرى بوجوب الوتر كونه آخر صلاة الليل ؛ فالأمر قريب ، ولا أعلم أحداً قال ذلك". اهـ . "أحكام الأحكام" (2/84).
قلت: كذا قال رحمه الله ، وقال ابن تيمية : "يجب الوتر على من يتهجد بالليل ، وهو مذهب بعض من يوجبه مطلقاً". اهـ. "الاختيارات الفقهية" (ص 64).
أقول : الراجح أن الوتر ليس بواجب ، كما ستأتي الأدلة على تقريره أعلاه- وقد قال ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" (23/88): "الوتر سنة مؤكدة باتفاق المسلمين ، ومن أصر على تركه ؛ ترد شهادته". اهـ. وهذا الصواب.
أخرجه أحمد في "المسند" (4/274- الفتح الرباني) ، و أبو داود في (كتاب الصلاة ، باب فيمن لم يوتر ، حديث رقم 1419) ، والحاكم في "المستدرك" (1/305) ، وقال الحاكم : " هذا حديث صحيح ، و أبو المنيب العتكي مروزي ثقة يجمع حديثه ، ولم يخرجاه ". اهـ.
=قلت : والذي يظهر في حال أبي المنيب أحد رواة الحديث أنه يقبل في المتابعات والشواهد ، وقد جاء لهذا المقطع ما يشهد له ، أما بقية الحديث وهو :" فمن لم يوتر ؛ فليس منا" ؛ فلا ترتقي إلى الحسن ؛ لعدم وجود ما يشهد لها ، ولذلك ضعف الألباني هذا الحديث لهذه الزيادة في تحقيقه "للمشكاة" (1/399) ، ثم يسر الله لي الوقوف في "مصنف ابن أبي شيبة " (2/297) على شاهد له :
قال ابن أبي شيبة : حدثنا وكيع ، عن خليل بن مرة ، عن معاوية بن مرة ، عن أبي هريرة ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من لم يوتر فليس منا ".
قلت : وخليل ضعيف يصلح للاعتبار إن شاء الله ؛ فهو شاهد لحديث أبي المنيب يرقيه إلى مرتبة الحسن لغيره في المقطع الثاني ؛ فالحمد لله على توفيقه .
ومما يشهد للمقطع الذي أوردته في الأصل الحديث التالي .
أخرجه أبو داود في (كتاب الصلاة ، باب حكم الوتر ؟ حديث رقم 1421 ، 1/534- عون) واللفظ له ، وأخرجه النسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار ، باب ذكر الاختلاف على الزهري في حديث أبي أيوب في الوتر ، 3/238-239) والرواية له ، وابن ماجه في (كتاب إقامة الصلاة ، باب ما جاء في الوتر بثلاث وخمس وسبع وتسع ، حديث رقم 1190) ، والطحاوي في "شرح
ص48
معانى الآثار" (1/291) ، وصححه ابن حبان (6/167، 170-171، حديث رقم 2407 و 2410 و 2411- الإحسان) ، والحاكم في "مستدركه" (1/302).
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/296) ، وعبد الرازق في "المصنف" (3/3-رقم 4569) ، والنسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار ، باب الأمر بالوتر ، 3/229) واللفظ له ، وأخرجه الترمذي في (كتاب الصلاة ، باب ما جاء أن الوتر ليس بحتم ) ، وقال الترمذي :" حديث حسن". وصححه الألباني في "صحيح سنن النسائي " 1/368).
قلت : ولم أقف على هذه الرواية عن أبي أيوب ، وانظر :" معجم فقه السلف" (2/186).
أخرجه البخاري في (كتاب التهجد ، باب ما يكره من ترك قيام الليل لمن كان يقومه ، حديث رقم 1152) واللفظ له ، ومسلم في (كتاب الصيام ، باب النهي عن صوم الدهر ، حديث رقم 1159).
أخرجه البخاري في (كتاب التهجد ، باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الليل والنوافل من غير إيجاب ، حديث رقم 1127) واللفظ له ، وله عنده مواضع أخرى تحت الأرقام التالية : (4724، 7347، 7465)، وأخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، باب ما ورد فيمن نام الليل أجمع حتى أصبح ، حديث رقم 775).
قلت : وقد بوب عليه البخاري : "باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على قيام الليل والنوافل من غير إيجاب".
أخرجه البخاري في (كتاب التهجد ، باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على قيام الليل والنوافل ،
ص50
حديث رقم 1129) ، وطرفه تحت (رقم 2012) ، واللفظ له ، وأخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح ، حديث رقم 761) والرواية المشار إليها له .
أخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، باب استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد، تحت رقم 781).
أخرجه البخاري في (كتاب الوتر ، باب الوتر في السفر ، حديث رقم 1000).
فإن قيل : قيام الليل غير الوتر .
فالجواب : الذي دلت عليه النصوص أن قيام الليل والوتر صلاة واحدة ، ويعبر عنها بالشفع والوتر.
وفي "سنن الترمذي" (2/320-321) :" قال إسحاق بن راهويه: معنى ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث عشرة ؛ قال : إنما معناه أنه كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة مع الوتر ، فنسبت صلاة الليل إلى الوتر. وروى في ذلك حديثاً عن عائشة ، واحتج بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ أنه قال :" أوتروا يا أهل القرآن !". قال: إنما عنى به قيام الليل ؛ يقول: إنما قيام الليل على أصحاب القرآن". اهـ.
أخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، باب صلاة الليل وعد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل ، و أن الوتر ركعة ، و أن الركعة صلاة صحيحة ، حديث رقم 736) ، و أصل الحديث في "البخاري" . انظر: "جامع الأصول " (6/91-96).
أخرجه أحمد في "المسند" (6/7 ،397) ، وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة" (حديث رقم 108).
أخرجه البخاري في (كتاب الوتر ، باب ما جاء في الوتر ، حديث رقم 990) واللفظ له ، والرواية المشار إليها أخرجها في (كتاب الصلاة ، باب الحلق في المسجد ، حديث رقم 473)
ص54
بنحوه ، ولفظها لمسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، باب صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة من آخر الليل ، حديث رقم 749).
ص56
أخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، باب صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة من آخر الليل، حديث رقم 752).
أخرجه الحاكم في "المستدرك" (1/314) وصححه على شرطهما ، والطحاوي في "شرح معانى الآثار" (1/292) ، وصححه الألباني في "صلاة التراويح" (ص85).
أخرجه النسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار ، باب ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر أبي بن كعب في الوتر ، 3/235-236) ، وصححه الألباني في "صحيح سنن النسائي" (1/372).
فائدة : قال العلامة الألباني :" إن الإيتار بثلاث بتشهدين كصلاة المغرب لم يأت فيه حديث صحيح صريح، بل هو لا يخلو من كراهة ، ولذلك نختار أن لا يقعد بين الشفع والوتر ، و إذا قعد ؛ سلم ، وهذا هو الأفضل؛ لما تقدم ، والله الموفق ، لا رب سواه". اهـ. "صلاة التراويح" (ص98).
قلت : وذهب الشوكاني في "نيل الأوطار" (3/44) إلى أن الأحوط ترك الإيتار بثلاث متصلة مطلقاً.
وعندي: لا معنى لهذا الاحتياط مع ثبوت إيتار الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة بثلاث بتشهد واحد في آخرها ، و الأمر عندي كما قال الألباني. والله أعلم .
أخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل و أن الوتر ركعة و أن الركعة صلاة صحيحة ، حديث رقم 737) ، والرواية الأخرى له أيضاً .
أخرجه أبو عوانة (2/325)
أخرجه النسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار ، باب ذكر الاختلاف على حبيب بين أبي ثابت في حديث ابن عباس في الوتر ، 3/237)، ووقع عنده :"بتسع" ؛ مكان :"بسبع" ونبه النسائي إلى شذوذها، وأخرجه الترمذي في (كتاب الصلاة ، باب ما جاء في الوتر بسبع ، حديث رقم 457) واللفظ له ، وقال : "حديث أم سلمة حديث حسن"، وأخرجه الحاكم (1/306) وصححه على شرط الشيخين ، وصححه الشيخ أحمد شاكر في "تحقيقه للترمذي" (2/320).
أخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، باب جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض ، حديث رقم 746) ، والنسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار ، باب كيف الوتر بسبع ، 3/240) واللفظ له .
أخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، باب جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض ، حديث رقم 746) .
أخرجه البخاري في (كتاب التهجد ، باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم بالليل في رمضان وغيره ، حديث رقم 1147) واللفظ له ، وطرفاه تحت (رقم 2013، 3569) ، وأخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل و أن الوتر ركعة و أن الركعة صلاة صحيحة ، حديث رقم 738) والرواية له .
أخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل و أن الوتر ركعة و أن الركعة صلاة صحيحة ، حديث رقم 736).
فالجواب : لا تعارض بين الروايات في ذلك ، والذي يظهر أن عائشة رضي الله عنها عدت مرة مع الإحدى عشرة ركعة ركعتي الفجر ، ومرة عدت معها الركعتين الخفيفتين قبل صلاة الليل ، ومرة عدت معها الركعتين الخفيفتين بعد الوتر ؛ وبيان ذلك كما يلي :
أما ما يدل على أنها عدت مرة في الثلاث عشرة ركعة ركعتي الفجر ؛ فهو قوله : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة ، منها الوتر وركعتا الفجر ". أخرجه البخاري (1140) ، ومسلم (736-738) .
أما ما يدل على أنها عدت مرة الركعتين الخفيفتين اللتين كان يفتح بهما صلاة الليل ؛ فهو قولها : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة ، ثم يصلي إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين". أخرجه البخاري (1170)، مع قولها :" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل ليصلي؛ افتتح صلاته بركعتين خفيفتين ". أخرجه مسلم (767).
ورجح هذا الجمع العلامة الألباني ، وأيده برواية لهذا الحديث تفصل مجمله ؛ فانظرها في : "صلاة التراويح" (ص90) ، وانظر : " تمام المنة" (ص 249- 252).
و أما ما يدل على أنها عدت مرة الركعتين الخفيفتين اللتين كان يصليهما بعد الوتر ؛ فهو ما سبق في (6-4-3) من حديث سعد بن هشام عن عائشة ؛ فانظره .
وكذا ما ورد عن ابن عباس من قوله :" كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة" ؛ يعني: بالليل. أخرجه البخاري (1138). فهذه رواية مجملة تبينها رواية أخرى للحديث نفسه ؛ انظره في :"البخاري" تحت (رقم992) ؛ فقد ذكر أنه عليه الصلاة والسلام " صلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم أوتر" ؛ فالظاهر أنه عد الركعتين الخفيفتين اللتين يفتتح بهما صلى الله عليه وسلم صلاة الليل ، وقيل : منها
ص63
سنة الفجر ، وانظر :" فتح الباري" (2/483-484) ؛ فقد أشار إلى اختلاف الروايات ، وما قدمته هو الراجح عندي . والله أعلم .
وكذا ما سبق في (5-4-3) عن أم سلمة رضي الله عنها من أنه صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث عشرة ركعة ؛ فالظاهر أنها عدت الركعتين الخفيفتين قبل صلاة الليل والوتر.
فإن قيل : قوله صلى الله عليه وسلم : " صلاة الليل مثنى مثنى ، فإذا خشي أحدكم الصبح ؛ صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى " : ألا يدل على أن صلاة الليل لا حد لها من جهة العدد ؛ لأنه جعل الليل بطوله وقتاً لها ، فقال : " فإذا خشي أحدكم الصبح … ".
فالجواب : سبق في (1-4-3) ذكر الأدلة على أن الحديث لا دلالة فيه على أن صلاة الليل لا عدد لها ، وأزيد هنا :
قوله :" فإذا خشي أحدكم الصبح …" : غايته أن يدل على أن الوتر هو آخر صلاة الليل ، و أن وقت الوتر يخرج بطلوع الفجر ، و أن على من يصلي في الليل أن لا يترك الوتر .
ويؤكد هذا أن الحديث أخرجه النسائي (3/233) ، وابن ماجه (6/353-354) ، رقم 2624- الإحسان) ، وفي "المعجم الكبير" (12/274، رقم 13096) ؛ بلفظ : " صلاة الليل مثنى مثنى ، فإذا أردت أن تنصرف؛ فاركع واحدة توتر لك ما صليت" ، وأولى ما فسر به الحديث بالحديث ، وبالله التوفيق .
واخرجه البخاري في (كتاب الوتر ، باب ليجعل آخر صلاته وتراً ، حديث رقم 998) ، وأخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، باب صلاة الليل مثنى مثنى ، والوتر ركعة من آخر الليل ، حديث رقم 751).
أخرجه الدارمي (1/374) ، وابن خزيمة في " صحيحه" (حديث رقم 1106) ، وابن حبان كما في (6/315، حديث رقم 2577- الإحسان) .
والحديث أورده الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (تحت رقم 1993) ، وقال محقق "الإحسان" : "إسناده قوي" .
أخرجه النسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار ، باب ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر أبي بن كعب في الوتر ، 3/235) ، و أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (6/202، حديث رقم 2450- الإحسان) دون قوله : "ويقنت قبل الركوع" ، وقال : " فإذا سلم ؟؛ قال: سبحان الملك القدوس …".
والحديث صحيح أسنده الألباني في " صحيح سنن النسائي" (1/371-372) ، ومحقق "الإحسان" (6/203).
أخرجه النسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار ، باب ذكر الاختلاف على أبي إسحاق في حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس في الوتر ، 3/236).
والحديث صححه الألباني في "صحيح سنن النسائي" (1/372).
أخرجه الترمذي في (أبواب الوتر ، باب ما جاء فيما يقرأ به في الوتر ، حديث رقم 462) ، وصححه ابن حبان (6/188 و 201 ، حديث رقم 2432 ، 2448 الإحسان)، والحديث حسنه الترمذي ، ووافقه الشيخ أحمد شاكر ، وصححه محقق " الإحسان" و الألباني في "صحيح سنن الترمذي" (1/144).
أخرجه أحمد في " المسند" (2/76، 7/230، حديث رقم 5461- شاكر)، وصححه ابن حبان " الإحسان" (6/191، حديث رقم 2435) .
والحديث صحح إسناده الشيخ أحمد شاكر ، وقوى إسناده الحافظ ابن حجر كما أشار الشيخ أحمد شاكر ، وكذا قواه محقق " الإحسان "
أخرجه النسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار ، باب ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر أبي بن كعب في الوتر، 3/335-336).
والحديث صححه الألباني في "صحيح سنن النسائي" (1/372).
ص67
فائدة : أخرج : النسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار ، باب القراءة في الوتر) عن أبي موسى ؛ أنه كان بين مكة والمدينة ، فصلى العشاء ركعتين ، ثم قام فصلى ركعة أوتر بها ، فقرأ فيها بمئة آية من النساء ، ثم قال : ما آلوت أن أضع قدمي حيث وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم قدميه و أنا أقرأ بما قرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
قلت : فالحديث غير صريح عندي في الدلالة على مشروعية قراءة مئة آية من سورة النساء في الوتر على الإطلاق ، نعم ؛ وهو يدل على مشروعية ذلك عند الإيتار بركعة واحدة ، وهل هذا في الحضر كذلك؟ الأول أظهر عندي . والله أعلم .
أخرجه ابن ماجه في (كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها ، باب ما جاء في القنوت قبل الركوع وبعده ، حديث رقم 1182) ، و أبو داود في (تفريع أبواب الوتر ، باب القنوت في الوتر) معلقاً طرف سنده وأورد المتن بنحوه ، و أخرجه النسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار ، باب ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر أبي بن كعب في الوتر 43/ 235) بسياق فيه زيادة على ما هنا ، ذكر ما يقرأ في الوتر وما يقوله عند فراغه من الوتر .
والحديث صححه الألباني في "إرواء الغليل" (2/167، حديث رقم 426) ، وصححه محقق " جامع الأصول" (6/54).
أخرجه ابن أبي شيبة (2/302) ؛ قال: حدثنا يزيد بن هارون عن هشام الدستوائي عن حماد عن إبراهيم عن علقمة ابن أبي مسعود …" وساقه .
و الأثر قال عنه الألباني في " إرواء الغليل" (2/166):" هذا سند جيد ، وهو على شرط مسلم". اهـ.
ص70
في المسجد لم يكن في زمن أبي بكر ، ولا في أول زمن عمر ، فسماه عمر بدعة ؛ لأنه في اللغة يسمى بذلك، و إن لم يكن بدعة شرعية ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ثبت أنه صلى بالناس جماعة صلاة التراويح ، وقال لهم في الليلة الثالثة أو الرابعة : " إنه لم يمنعني أن أخرج إليكم إلا كراهة أن يفرض عليكم" [البخاري : 2012] ؛ فاجتماع الناس لصلاة التراويح عمل صالح ، لولا خوف الافتراض ، وخوف الافتراض قد زال بموته صلى الله عليه وسلم ، فانتفى المعارض. انظر : " اقتضاء الصراط المستقيم" (ص275- 277)
أخرجه البخاري في (كتاب صلاة التراويح ، باب فضل من قام رمضان ، حديث رقم 2010) إلى قوله : "وكان الناس يقومون أوله" ، والزيادة في الرواية الأخرى أخرجها ابن خزيمة في "صحيحه" (2/155-156)، وصحح إسنادها الألباني في رسالته القيمة المفيدة " صلاة التراويح" (ص41-42) ، وتكلم حفظه الله على شيء من فقه هذا الأثر ؛ فانظره.
=أخرجه أبو داود في (كتاب الصلاة ، باب القنوت في الوتر ، حديث رقم 1425) والسياق له ، و أخرجه النسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار ، باب الدعاء في الوتر ، 3/248) بنحوه ، و أخرجه الترمذي في (كتاب الصلاة ، باب ما جاء في القنوت في الوتر ، حديث رقم 464) ، وأخرجه ابن ماجه في (كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها ، باب ما جاء في القنوت في الوتر ، حديث رقم 1178) ، وأخرجه ابن مندة في " كتاب التوحيد" (2/191، حديث رقم 343) والزيادتان له والحديث صححه العلامة أحمد شاكر في " تحقيقه للترمذي" (2/329)، والعلامة الألباني في "إرواء الغليل" (2/172)، ومحقق "جامع الأصول" (5/392).
أخرجه الترمذي في (كتاب الدعوات ، حديث رقم 3566) ، والنسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار ، 3/248-249) ، و أبو داود في (كتاب الصلاة ، حديث رقم 1427) ، وابن ماجه في (كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها ، حديث رقم 1179) .
والحديث صححه الألباني في "إرواء الغليل " (2/175، حديث رقم 430) ومحقق "جامع الأصول" (6/64، 5/392).
أخرجه النسائي في "كتاب عمل اليوم والليلة" (ص505، حديث رقم 891) ، وابن السني في "كتاب عمل اليوم والليلة" (ص358، حديث رقم 766)، وهذا إسناد منقطع ، كما نبه المزي في "تهذيب الكمال" (1/57)، لكن أورده النسائي بإسناد آخر تحت (رقم 892) ، وهو إسناد صحيح ، والله أعلم ، وصححه محقق "عمل اليوم والليلة " للنسائي ، وكذا محقق " عمل اليوم والليلة " لابن السني ، والله أعلم .
أخرجه النسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار ، باب من أتى فراشه وهو ينوي القيام فنام، 3/258)، وابن خزيمة (2/195- 197، حديث رقم 1172 1175)، وابن حبان (6/323، حديث رقم 2588- الإحسان).
والحديث صححه الألباني في " إرواء الغليل" (2/204، حديث رقم 454) ، وقال : "يبدو أن
ص74
الأصح الوقف ، ولكنه في معنى الرفع ؛ لأنه لا يقال من قبل الرأي ؛ كما هو ظاهر" . اهـ.
قلت : و الأمر كما قال حفظه الله ، وصحح الحديث مرفوعاً محقق " جامع الأصول" (6/73) ، وجود إسناده محقق " الإحسان".
أخرجه أبو داود في (كتاب الصلاة ، باب في الدعاء بعد الوتر ، حديث رقم 1431) واللفظ له ، و أخرجه الترمذي في (كتاب الصلاة ، باب ما جاء في الرجل ينام عن الوتر أو ينساه ، حديث رقم 466) ، وابن ماجه في (كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها ، باب من نام من وتر أو نسيه ، حديث رقم 1188) . والحديث صححه العلامة أحمد شاكر في تحقيقه للترمذي ، وصححه محقق " جامع الأصول" (6/60).
أخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، باب جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض ، حديث رقم 746) في سياق طويل هذا جزء صغير منه. وانظر : " جامع الأصول " (6/91-96) و "فتح الباري" (2/480).
أخرجه الترمذي في (كتاب الصوم ، باب ما جاء في قيام شهر رمضان ، حديث رقم 806) واللفظ له ، والنسائي في (كتاب السهو ، باب ثواب من صلى مع الإمام حتى ينصرف، 3/83) ، و أبو داود في (كتاب الصلاة ، باب في قيام شهر رمضان ، حديث رقم 1375) ، و ابن ماجه في (كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في قيام شهر رمضان ، حديث رقم 1327) .
والحديث صححه الترمذي ، وصحح سنده محقق " جامع الأصول " (6/121).
أخرجه البخاري في مواضع منها في (كتاب الجمعة ، باب من قال في الخطبة بعد الثناء : أما بعد ، حديث رقم 924) واللفظ له ، ومسلم في (كتاب صلاة المسافرين ، باب الترغيب في قيام رمضان ، حديث رقم 761) . انظر : " جامع الأصول" (6/116-118).
وقد قرر مشروعية الجماعة في صلاة الليل في رمضان الألباني في " صلاة التراويح" (ص9-15) ، وأورد الأدلة على ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم ومن فعله وإقراره عليه الصلاة والسلام.
=وانظر : "اقتضاء الصراط المستقيم" (ص275-277).
أخرجه أبو داود في (كتاب الصلاة ، باب في نقض الوتر ، حديث رقم 1439) واللفظ له ، و أخرجه النسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار ، باب نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الوترين في ليلة ، 3/329-330) بنحوه ، والترمذي في (كتاب الصلاة ، باب ما جاء لا وتران في ليلة ، حديث رقم 470) مقتصراً على الكلام النبوي ، و أخرجه ابن حبان (6/201-202، حديث رقم 2449- الإحسان) بنحوه .
والحديث صححه ابن حبان ، وحسنه ابن حجر في "فتح الباري" (2/481) ، وصححه العلامة أحمد شاكر في تحقيقه للترمذي ، وقوى إسناده محقق " الإحسان" ، وصححه محقق " جامع الأصول " (6/62).
والجواب : الذي يظهر والله أعلم أن المأموم يصلي مع الإمام ركعة الوتر بنية الشفع ، فإذا سلم الإمام من الركعة ؛ قام وجاء بركعة ثانية ، فيتحصل منه أنه لم ينصرف حتى انصرف الإمام ، و أنه لم يأت بوترين في ليلة . والله أعلم .
ولا يضر اختلاف نية المأموم و الإمام . وبالله التوفيق .