الصمت
-الصمت -
الصمت لغة اللغات الذي امتازت به جميع المخلوقات .. كل ما هو في هذا الوجود يتواصل و يتصل بلحن واحد متحد بصمت الصمد ... عادة ما يفهم الصمت بأنه انعدام للصوت و بأنه شيء سلبي ليس الا فراغ منعدم من عالم الضجيج و الضوضاء...وقد ساد سوء الفهم هذا ما بين الناس لأنهم لم يختبروا المعنى الحقيقي للصمت... فكل ما اختبر من صمت ليس الا مرحلة انعدام للصوت..
فالصمت لغة إلهية توحد جميع الخلق من حجر, شجر, طير و بشر لتسبح الله على نعمه الأبدية بشفافية نورانية...
و يعتبر الصمت ظاهرة مختلفة كليا, فهو شيء ايجابي ووجودي و لا يقصد به أو يحتويه أي فراغ... فهو فيض من موسيقى لم تسمعها الأذان من قبل.. و عطر ما شممت رائحته.... نورا لا تراه إلا العيون الداخلية... و هي ليست بالخيالية, بل هي حقيقة متأصلة في كل واحد منا... فقط نحن أدرنا أحاسيسنا و أعيننا إلى العالم الخارجي و لم تعد لنا أي نظرة داخلية و أصبحت عنا مخفية.. و كما أنه لدينا خمسة حواس والتي على أساسها بنينا عالمنا , فهناك حاسة سادسة بحاجة إلى إعادة إحياء و إنماء...
لم يكن لأي مجتمع, ثقافة و لا نظام تعليمي أي دور في إعادة إحياء هذه الحاسة...
و تسمى هذه الحاسة في الشرق بالعين الثالثة ...
فكما انه نستجيب بأحاسيسنا إلى عالمنا الخارجي, تساعد العين الثالثة لإحياء أحاسيسنا للاستجابة لعالمنا الداخلي..
و كما نملك خمس حواس خارجية, لدينا أيضا خمس حواس داخلية....
و بذلك يصبح مجموع حواس الإنسان عشرة حواس..
و لكن أول حاسة تبدأ بنا إلى الرحلة الداخلية هي العين الثالثة و بعد ذلك تبدأ الحواس الأخرى بالانفتاح تلقائيا...
إن عالمنا الداخلي يختلف كليا عن ما اعتدنا عليه ... فهو له طعمه, عطره و نوره الخاص... و عندما تدخله ستنفصل عنه كل الكلمات ما عدى كيانك سيتصل و يصل بالوصل... و العقل ليس له أي وجود في ذلك العالم فهو ليس إلا جسرا يصل بينك و بين العالم الخارجي...
أما القلب جسر يصل بك إلى كيانك...
و هذا الصمت هو صمت و صوت القلب... فهو أغنية في ذاته دون كلمات و دون أصوات... ومن خلال هذا الصمت يمكن لبذور الحب بالنمو إلى المحبة....
و المفتاح الوحيد الذي يفتح لك مملكة كيانك هو التأمل.
و كما اننا لسنا فكرا فقط و لا جسد و لا روح و إنما البعد الأبعد من كل الشروح... بل حقيقتنا بالفناء في صمت الفضاء و السماء..
قد يختلط بك الأمر و تختبر صمت الجسد, فصمته براحته الجسدية و قوته و نشوته الصحية...
و العقل كذلك له صمته بالسباحة في فضاء خالي من الأفكار ..
و لكن الصمت الذي نتحدث عنه هو صمت الكيان.. فهو صمت الاتصال و الوصول إلى النشوة الإلهية الأبدية و الأزلية ...
حيث ان صمت الجسد أو الفكر يمكن ان يشوش و ينزعج بأي خلل بسيط قد يعرقل ذلك الصمت من الخارج..
المرض قد يعرقل صوت جسدك و كذلك الموت.. فكرة واحدة فقط تشوش عليك صمت فكرك و عقلك ..
كما انه برمي حصاة صغيرة في بركة ساكنة و هادئة كافية بخلق العديد من التموجات تفقد ذلك السكون و تصبح بركة مليئة بالحركة...
و نفس الشيء بالنسبة لصمت الجسد و الفكر فهو هش و سطحي جدا, و لكن كل صمت في لحظته له ميزته..
و من الجيد اختبارهم و اعتبارهم و يجب عبورهم فهما إشارة لنفق و معبر أعمق من ذلك الصمت و هو صمت القلب... و ما ان تختبر صمت القلب ستبدأ لحظتها بعبور الصمت الاعمق, صمت الكيان و البنيان... و هو مركز الإعصار الذي لا يتأثر بما يدور حوله و إنما هو الصمت الأبدي...
و قد تمر الأيام و السنوات و الأعمار تنقضي دون استقرار... أما الصمت الأبدي فلا يغيره شيء فهو النفحة و الفحوى الإلهية... و هو ليس بشيء في حيازتك تمتلكه, إنما ستكون ملموس و محسوس به ... و ستصبح ممسوحا به دون أي وجود.
و هذا الصمت هو موت و حياة تموت و يتلاشى وجودك و تحيا مع الحي الذي لا يموت فيك ... و سينحني قلبك سجودا لذلك النور الإلهي .. ما أن تصل و تتعمق و تغوص في ذلك الصمت الأبدي...
و لكن لنتذكر هذا الشيء ... لا تتبعثر و تتعثر عند صمت الجسد أو الفكر أو القلب بل تعمق أعمق من هذه الأبعاد الثلاثية لتصل إلى البعد الرابع ... الذي لا اسم و لا وصف له فهو صمت الصمت و لذلك ضل هذا البعد في الاختبار بصمت ... و هو الاسم المائة من بعد اختبار كل الأسماء فهو اللاشيء في كل شيء , هو اختبار الصمت في الا وصف..
و اليوغا من الممارسات التي تجلب سكونا و صمتا جسديا ...
و لذلك نرى العديد من الناس ممارسي اليوغا معلقون و متعلقون ببعد واحد طيلة حياتهم و هو صمت الجسد..
و البعض يمارس التركيز التجاوزي فهي قفزة نوعية لكنها تضل في الحدود الفكرية ...
ليست الا صمتا فكريا ... بالتفوه ببعض التراتيل و التسابيح, فكثرة تكرارها تجلب الملل و الكسل الفكري ...
و هذا الصمت صمت الفكر فقط ليس تأمليا و لا تجاوزيا..
و هناك بعض الصوفية التي تمارس نوعية من الصمت أبعد من حدود الجسد و الفكر ...
لكن السهم لا يزال امتداد رميته ليست بالقوة التي تصل به إلى الهدف فرميته تضل بقوة جسدية و فكرية و قلبية و لكنها ليست إلهية.. و لكنها تضل أعمق من الجسد و الفكر لأنه الصوفية حالة توحد قلبية .. كما اليوغا سعيها في الحدود الجسدي و التركيز يضل في الحدود الفكري و العقلي...
الصوفية هي جمال الحب الإلهي و هي شعاع الحب و لكنه لا يخترق لب الحب.. فهناك البعد الرابع الذي يجب اعتباره و عبوره و هو اكتمال الكمال..
و لهذا لا تدع خدعة الفكر تتلاعب بك و تموضعك بين قوسين محدودين ... و يصبح رشدك و ر اشدك..
و لنأخذ العبرة من هذه القصة..
في منتصف الليل كان هناك ضجيج و اضطراب شديد أمام بيت فريد.. أزعجه هو و زوجيه.. فطلبت منه الخروج و معرفة سبب كل هذه الضوضاء و بعد الجدال مطولا بينهما أخد البطانية و لف بها نفسه و ذهب خارجا ليرى ماذا هناك.. و تاه فريد وسط الضوضاء و الحشد و سرق فرد من الحشد بطانيته و فر هاربا ... دخل فريد لبيته عاريا..
سألته زوجته في حيرة .. ما كان سبب كل هذه الضوضاء ... فكان جوابه بأن الشجار كان حول من سيأخذ البطانية أولا .. و ما أن تحصل عليها أحدهم أختفي الجميع من المكان .. فقط كانوا ينتظرون و يتعاركون حول من سيتحصل على البطانية ...
و أخبرتك أن لا تجبريني على الخروج ... الآن ضاعت البطانية و الأمر لا يخصنا..
فهنا وجد فريد علاقة عقلانية ترشيدية تبدو له منطقية ما ان هب لهم خارجا
و أخذ أحدهم البطانية اختفوا جميعا..
و فريد المسكين يظن بان الجميع كانوا ينتظرون خروجه لأخذ البطانية..
و الحديث الذي دار بينه و بين زوجته و الضوضاء التي كانت في الخارج... و إقناع زوجيته له بالخروج فقط كان بسبب البطانية ..
العقل مخادع ماكر و بارع يمكنه أن يظهر كل المواقف بصورة منقحة و صحيحة.. منطقية و مرئية..
فلهذا كن حذرا من العقل فهو المخادع الوحيد في هذا العالم الذي يلعب معك دور المخادع و المخدوع بينك و بين نفسك فعدوك الأول نفسك تضل تصارعها و تتعارك معها دون الوصول لأي حلول ..
و كذلك الصديق الوفي فيك و لكنه مخفي عنك.. بسبب بلبلة العقل و غلبة أفكاره..
عدوك الأعظم هو فكرك و عقلك و صديقك الأقوى و الأسمى تتعرف عليه بعبور جميع المعابر الجسدية و الفكرية و القلبية لتصل إلى الأصل دون فصل, تلك حقيقتك في اللا وصف..