الصالونات الثقافية فى مصر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الصالونات الأدبية، سمة من سمات التنوير في العقود الأولي من القرن الماضي, وازدهرت مع الايام .
لعبت الصالونات الأدبية في القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين على وجه التحديد دوراً بارزاً ومشهوداً في إثراء الحركة الأدبية والثقافية العربية، بل ان هذه الصالونات اعتبرت انعكاساً صحياً وسليماً لواقع الحركة الأدبية والثقافية في المجتمع، وكان الصالون الأدبي آنذاك بمثابة مركز ثقافي يتناول مختلف القضايا، خصوصا في ظل غياب وسائل الاتصال الحديثة حين كان هذا التقليد له دور هام، في احتضان الثقافة والفكر وفي تكريس مبادئ الحوار، وتسليط الضوء على الأنشطة الفكرية، والثقافية المختلفة. وشاعت الصالونات الأدبية في منازل عدد من الشخصيات الارستقراطية والأدباء والوجهاء، حيث تدار في تلك الصالونات شتى الأحاديث الأدبية والثقافية وقي كثير من الأحيان السياسية والاجتماعية.
كانت القاهرة هي قلب العالم العربي، وقِبْلة الفكر والأدب والثقافة.
وكانت هذه الصالونات من افضل اساليب التواصل بين المبدعين ومن اهم وسائل الاتصال المباشر والحميم بين ابناء الجيل الواحد، كذلك بينهم وبين اجيال الشباب الطامحين إلي التقدم واستلام الراية .
صالون مي زيادة
ومن اشهر صالونات ذلك الزمان صالون الاديبة والشاعرة مي زيادة واسمها الحقيقي ماري الياس زيادة لأب لبناني وام فلسطينية، جاءت إلي مصر عام 1907 مع والدها الذي انشأ جريدة باسم: المحروسة.
وقد اختار استاذ الجيل احمد لطفي السيد اول مدير للجامعة المصرية الحرف الاول، والحرف الاخير من اسم ماري ليصبح اسمها 'مي' ليكون ذا جرس موسيقي، يتردد صداه في المحافل الادبية بسهولة
وكان موعده يوم الثلاثاء من كل اسبوع، وكان ملتقي الادباء ورجال الفكر والصحافة , وقد اثرت 'مي' الحياة الادبية والثقافية 25 عاما عبر صالونها الادبي الثقافي.
ويعد صالون مي زيادة اهم صالون ادبي عرفته القاهرة والوطن العربي خلال القرن العشرين.
صالون العقاد
يأتي صالون عباس محمود العقاد كأحد اهم صالون ثقافي في مصر، بعد صالون مي زيادة ويعقد يوم الجمعة من كل اسبوع، ومن رواده ادباء ومفكرون كبار.
وقد اصدر الكاتب والمفكر الكبير انيس منصور، اشهر تلاميذ العقاد مؤلفا تحت عنوان: في صالون العقاد، كانت لنا ايام، وهو مؤلف قيم يقدم عرضا أدبيا وفكريا للقضايا التي كانت موضع الاهتمام والمناقشة.
صالون د. محمد حسن عبدالله
من أقدم الصالونات الثقافية في مصر اليوم: صالون د.محمد حسن عبدالله استاذ الادب والنقد بجامعة القاهرة بحي المعادي، والذي يعقد في الجمعة الاخيرة من كل شهر، ويجتاز عامه الرابع عشر، فهو في رونق الصبا واقبال الشباب , واتخذ له هدفا تنمية المعارف واشاعة ثقافة التنوير .
وجمهور الصالون ادباء ومفكرون ومن طلاب الدراسات العليا وشباب الاعلاميين والشعراء وكتاب القصة، ويحتفي الصالون بالاصدارات الجديدة والاقلام الجديدة ولا يضع قيدا منهجيا أو اعتقاديا، ويلتزم رواده بحق الاختلاف وادب الحوار.
ويركز الصالون علي شخصيات ادبية وفكرية تحظي بالثقة مثل وديع فلسطين وعبدالمجيد شكري ومحمود الربيعي وصلاح قنصوة وناجي فوزي وعبدالغفار مكاوي وعبدالحكيم حسان وادريس علي وامين ريان.. الخ، فضلا عن غير المصريين( العرب )الذين يخصص لهم الصالون شهر يناير خلال معرض الكتاب السنوي، للحوار وتبادل الافكار حول قضايا الامة العربية الفكرية والثقافية.
صالون د.حامد طاهر
ويأتي أحدث الصالونات الادبية: صالون د.حامد طاهر الذي ولد شامخا ليثبت وجوده الفكري والثقافي في الحياة الثقافية المصرية، رغم ان ميلاده لم يتجاوز اشهرا قليلة، ود.حامد طاهر هو رئيس قسم الفلسفة الاسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، و هو شاعر وأديب وشغل منصب نائب رئيس الجامعة لشئون التعليم لمدة ثماني سنوات متصلة.
يعقد الصالون يوم الاثنين الثاني من كل شهر بمنزله بالدقي، ويستضيف في كل لقاء احد رموز الحركة الادبية المصرية، مع طرح قضية ادبيبة يعقبها حوار ومناقشة مع تقديم فاصل موسيقي يقدمه الفنان د.طارق سمير الاستاذ بكلية التربية النوعية بجامعة القاهرة.
ومن رواد الصالون الدكاترة: عبدالمنعم تليمة، ومراد وهبة، ومني ابوسنة، ومحمد عبدالمطلب وحسن البنداري والكاتب الصحفي محمد امين.
ومن ابرز القضايا التي ناقشها الصالون: مكانة ودور الادب في عصر الفضائيات، ودور الادب في ثقافة الحوار، وهل قام الادب العربي قديما وحديثا بتقديم رؤية لثقافة الحوار، يستطيع العرب في الوقت المعاصر تقديم انفسهم للعالم وعرض قضاياهم والتحاور الايجابي مع من يختلف معهم.. خاصة ان الحوار في هذه الايام عبر الفضائيات، بين المثقفين والسياسيين والفنانين ليس علي المستوي الحضاري المطلوب من تردي لغة التخاطب.
الواقع إننا في حاجة إلي المزيد من هذه الصالونات الفكرية لنزيح حالة الجمود الثقافي الذي يعاني منه العرب والمسلمون في الوقت الحاضر، فإحياء هذا التقليد الجميل عمل جليل، يأتي في موعده المناسب، علي أمل تصحيح المسار والارتقاء بأدب الحوار...
حتي يبزغ فجر جديد للحوار وآدابه بين المثقفين الذين هم طليعة الامة في التنوير والاصلاح الاجتماعي والسياسي والاخلاقي ومن واجبنا، ان نرحب بكل صالون ادبي وثقافي جديد، ويستحق التشجيع حتي تعود الروح من جديد للحياة الادبية والثقافية التي كانت القاهرة مركزا لازدهارها واشعاعاتها علي المنطقة العربية كلها
تقييم:
0
0