قضية المرأة.. رؤية تأصيلية » وضعية المرأة بين المجتمع الإسلامي والمجتمع الغربي
في إطار المؤتمرات والاتفاقيات الدولية، في دعمها وتفعيل توصياتها، يُنظر إلى قضية المرأة بشـكل تعميمي قد يسيئ إليها أكثر مما يفيدها، من هنا يمكن أن نسجل بأن وضعية المرأة المسلمة تختلف عن وضعية المرأة الغربية، وأن أنواع الظلم والقهر وأشكال العنف الممارس عليها قد تختلف معالجـته من مجتمع إلى مجتمع آخر، ولهذا لا يمكن تعميم الحلول عليها، لأن ما يمكن أن يكون صالحاً في المجتمعات الغربية يمكن أن يدمر المجتمعات الإسلامية، بل إن أغلب الدراسات أجمعت على أن ما تمرره وتبشر به تلك التوصيات هو محاصرة كل ما له صلة بالدين، وتسعى إلى خلق نمط جديد من العلاقات الاجتماعية بين الرجل والمرأة. وكذلك فإنه يجب التنبه إلى أن الحقوق التي تناضل من أجلها المرأة الغربية، وتسعى إلى تحقيقها وامتلاكها، هي في أصلها حقوق امتلكتها المرأة المسلمة في وقت ازدهار الحضارة الإسلامية، وأن ما يجب أن تناضل من أجله هو إحياء هذه الحقوق واستعادتها من مغتصبيها.
قد لا نغالي إذا أثبتنا حقيقة مرة، وهي أن المجتمعات الإسلامية تتقاذفها موجات من الأمراض، إن على مستوى الجسد أو على مستوى الروح. فأينما وليت وجهك تجد أرطالاً من المشكلات المادية والاقتصادية، وتخلفاً في ميادين التكنولوجيا والعلم، رغم كل ما تبذله من رفع مستوى مادياتها واقتصادها، وليس ذلك إلا سوء تقدير وعدم أخذ بالأسباب من جهة، ومن جهة أخرى تمكن أمراض الروح من الأمة بسبب الجهل بحقيقة وجودها وحقيقة عقيدتها ودينها، والجهل بمقاصد تنـزيله ليكون مطبقاً في واقعها، والتخلف عن إدراك طبيعة رسالتها تجاه نفسها وتجاه الإنسانية، الأمر الذي أغرقها في الأمراض، وجردها من صفتي الخيرية والشهادة، أفقدها الاتجاه الصحيح لعمارة الأرض بالعدل والإحسان والسلام والتعاون.
وأبسط وأعمق مظهر اجتماعي يثبت ما نقول هو ذلك الخلل المهول في بناء شخصية الفرد المسلم، فهو يصلي ويضع الآيات القرآنية على الجدران، وفي أحسن الأحوال أو المناسبات الدينية يقرأها ليتذكر أنه مسلم، وفي الوقت نفسه يغش في معاملاته، ويرتشي، ويسرق، ويزني، أي يمكن أن يرتكب كل الموبقات في سبيل المصلحة الشخصية والمادية.
كما أن أوضـح مظهر سـياسي هـو العـلاقة بينه وبين سلـطة الحكم، التي هي غالباً ما يحكمها منطـق القـوة والإرهاب والقـهر، وهـذا ما يجعله يفقد الثقـة في نفسـه، ويعـيش حالات الإحباط والإذلال.
ورغم ارتفاع الدعوات للإصلاح والتغيير، إلا أن أغلبها فشلت في تغيير الناس، لأن المنطلق لم يكن شمولياً يستحضر الواقع الذي تعيش فيه الأمة، أي يجب ألا يكتفي دعاة التغيير والإصلاح بالدعوة إلى الرجوع إلى منابع ديننا أو تطبيقه، وإنما يجب بالإضافة إلى ذلك قراءة الواقع وفهمه، وإعادة تشكيل عقل المسلم ليعي واقعه في ضوء فهم شمولي لعقيدته، وتصحيح تصوره عن طبيعة العلاقة الصحيحة بين هذا الواقع وبين إيمانه وتدينه، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يجب العمل على إعادة الثقة بعلماء الأمة، العلماء الذين يجمعون بين العلم والتقوى والإخلاص وفقه الواقع، والتلقي السليم عنهم، لأن التغيير لن يتم على الوجه الأمثل إلا بصلة العلماء بالأمة وواقعها، وسد الثغرات التي تبعد هذه الأمة عن التقدم والرقي، بالتواصل والحوار والفهم الدقيق للمتغيرات التي تُستحدث كل لحظة. وهنا يمكن أن تكون نسبة التأثير أكبر، وفرص النجاح في الدعوة أكثر في المجتمعات التي تفسخت عراها عروة عروة.
والصـورة التي قدمت للمجتمعات الإسلامية، وإن كانت قاتـمة، إلا أنها حقيقية، ولكن نستطيع أن نستثني مجموعة ممن هداهم الله، ووعوا طبيعة رسـالتهم في الوجود، من الغرق في مستنقع الابتعاد عن الحق والعـدل. ورغم تناميهم ونسـبة تأثيـرهم في المجتمعات الإسـلامية، إلا أن تيار الانحلال والفساد هادر، والمد التغريبي يأخذ بخناق البسطاء والجاهلين لدينهم، وهم يشكلون أغلبية الأمة، رجالاً ونساء.
وإذا كانت هذه هي الصورة العامة، فإن المرأة تحتل نصفها، ومع ذلك لا يمكن تعميم هذه الصورة والحكم على وضعية المرأة المزرية في كل المجتمعات الإسلامية، لأن هناك من النساء في هذه المجتمعات من تمكنت مِن فهم رسالتها في الحياة، وأخرجت نفسها من العبودية والتخلف، ولم تسمح لأحد أن يظلمها أو يعتدي على حقوقها، مهما كانت قرابته لها، وبالتالي ساهمت في تنمية مجتمعها، سواء في الميادين الثقافية أو السياسية أو الاقتصادية، أو في مجال العمل الخيري، وفرضت على الرجل احترامها واحترام شخصيتها.
ولكن تظل نسبة هؤلاء النساء ضعيفة لا تشكل واقعاً عاماً، وإنما الواقع العام الذي يتحكم في هذه المجتمعات ما بسطناه سابقاً، بالإضافة إلى تهميش دورها وحرمانها من مختلف حقوقها، وتسليط الفهم الخاطئ لبعض المفاهيم الإسلامية عليها من أجل إخضاعها، من مثل مفهوم القوامة.
إن هذا المفهوم يشكل ورقة شرعية كثيراً ما تستخدم لتبرير سوء تصرف الرجل مع المرأة، أو ممارسة أشكال الظلم والقهر عليها، لكن الحقيقة أن القوامة إذا نُظر إليها من منظور إسلامي محض في إطار شموليته نجد أنها لصالح المرأة. لماذا ؟؟ لأنها تستوجب على الرجل مرغماً أن يوفر كل أسباب الراحة والمتعة، مادياً ومعنوياً، للمرأة، وإلا فإنه يمكن أن يعتبر آثماً، لكن هذه المسؤولية التي يجب على الرجل تحملها ارتضت المرأة أن تأخذ نصيباً منها عن تراض منهما، وبالتالي تأخذ القوامة شكلها الطبيعي في الإنفاق وفي شمولية الرحمة والمودة والسكن. لكن مع الأسف الشديد، وجدت بعض الممارسات الظالمة للمرأة نتيجة ثقافة مترسخة عن مثل الفهم الخاطئ لبعض المفاهيم الإسلامية.
كما أن العلاقات المتخلخلة في المجتمعات بين الأفراد، وبينهم وبين السلطة، جعلت الرجل يفهم من دوره ممارسة كل أشكال الظلم والعنف والقهر والتخلف، وبالتالي فإنه يمارس كل هذه الأشكال التي تقع عليه لمن يعتقد أنها أقل منه أو أضعف منه وهي المرأة. كما أن المفهوم الخاطئ عن التحرر والحرية أخذ المرأة من نفسها ونحا بها نحو تبني النموذج الغربي، ليس في العلم والتنمية وتحقيق الوجود، وإنما في العري والفسق والتبرج، والتركيز على ثقافة الجسد، والابتعاد عن مصدر وجودها، فتضيع وتضيع معها أجيال ممن تقوم على تنشئتهم وتربيتهم.
ومع هذه القتامة في المجتمعات الإسلامية فإننا نجد أشعة من النور تنبع من ثوابت حضارة الأمة ما زالت تعيش فيها هنا وهناك، وما زال الناس يتمسـكون بهـا رغم كل محاولات التغريب وطمس الهوية. ما زالت المرأة في هذه المجتمعات تعي أن الواجبات التي يفرضها الإسلام عليها متساوية مع الواجبات التي يفرضها على الرجل. فهما معاً يقومان بواجباتهما الدينية سواء كانت تعبدية، كالصلاة والصيام والحج والزكاة، أم أخلاقية كالصدق والإخلاص وغيرها، وهما معاً يجب أن يتحملا مسـؤولية أسرتهما بالتشاور، كما أن وظيفة الأمومة ما زالت تحتل موقعاً متميزاً في العلاقات الاجتماعية وترابطها، وتقوم بمهمة من أقدس المهمات وأسماها هي تربية الشخصية المسلمة القادرة على مواجهة كل التحديات وعلى بناء مجتمعها بناء قوياً ومتيناً، من دعائمه الحب والتعاون والتكافل والرحمـة والمودة، ولذلك فإن المـرأة الأم أو الجدة مازالت في مجتمعاتنا تعيش حياة طبيعية محاطة بالحب الذي زرعته في نفوس المحيطين بها، ومليئة بالمودة والرحمة. وإذا كانت الأهداف الحقيقية من التربية قد خفتت أو اختفت في بعض الأحيان، فإن بذورها ما زالت حية تنتظر التربة الصالحة لنموها.
من هنا يمكن القول: إن المرأة ربما كانت تعيش في وضعية أحسن من مثيلتها في المجتمعات الغربية، مع الفارق المادي طبعاً.
ذلك أن المرأة في المجتمعات الغربية غالباً ما تعيش في ظل الوحدة واليأس رغم كل وسائل الترفيه، لأنها لـم تعد بحاجة إلى الزوج، كما أنها في غمرة تحقيق ذاتها والجري وراء الاكتفاء المادي نسيت وظيفة الأمومة، ولم تؤدها إلا مكرهة في إطار إشباع غريزة البقاء لديها. بل إن أولادها، ناهيك عن أحفادها، لا يجدون الوقت حتى لزيارتها أو الاطمئنان عليها. كما أن الفساد من سرقة وشرب خمر ومخدرات وغيرها، والانحلال الأخلاقي من اغتصاب وشذوذ وزنا المحارم وغير ذلك في هذه المجتمعات، وصل إلى درجة فظيعة أصبح معها الفرد يتوق إلى الانتحار أو يستسلم للجنون.
أما المرأة فقد دلت الإحصائيات، في أمريكا مثلاً، أن هناك أكثر من ثلاثة ملايين حالات إجهاض سنوياً، وأكثر من مليون ولادة سفاح، وأزيد من اثني عشر مليون يعيشون بدون آباء، وأصبحت الكنائس في معظم بلاد الغرب تعقد زواج الجنس الواحد، أي الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة. وهناك ملايين من الفتيات عاشرهن والدهن معاشرة جنسية، وأن في كل عشر أسر توجد أسرة يعاشر فيها المحارم بعضهم بعضاً. أما الولادة خارج الزواج الشرعي فتكاد تصبح هي الأصل في أمريكا وأوروبا، بل إن الدول الغربية تشجع على العزوف عن الزواج بسنها لسياسة الرعاية الاجتماعية، حيث تتقاضى الأمهات غير المتزوجات إعانات اجتماعية تتراوح بين 400 و500 دولار أمريكي عن الطفل الواحد.
فهل بعد هذه الإحصائيات، وغيرها أفظع، نريد اقتفاء النموذج الغربي في حل قضايانا ؟؟
وهل نعي أننا ربما نكون سائرين في الطريق نفسه مع ما نشاهده من انحلال وفساد، وارتفاع حالات الطلاق، وعزوف عن الزواج، وجرائم الاغتصاب، في مجتمعاتنا الطموحة إلى التغيير والانعتاق؟؟
وهل آن الأوان أن نتساءل عن طبيعة هذا التغيير؟؟ و إلى أين سيؤدي بنا ؟؟
وهل جنينا شيئاً من التبعية والاستسلام ومن مسلسلات التنازلات المتعلقة بكل مناحي حياتنا ؟؟؟
أعتقد أنه قد آن الأوان للوعي بذواتنا، وللترفع عن التعلق بذيل الحضارات الأخرى، التي تحقق ذاتها في أوطانها، وتوسع مجالها بتصدير فكرها وفرض نموذجها، كي يتغلغل في المجتمعات، حتى تتحكم في الشعوب المستضعفة والمستسلمة، وتستفرد بالرئاسة على البشرية جمعاء بمساهمة منا، ودون جهد منها.