قضية المرأة.. رؤية تأصيلية » مسؤولية المرأة في ضوء الشريعة الربانية
إن تفصيل القول في وضعية المرأة في الإسلام، وطبيعة ما يمكن أن تكون عليه مكانتها في مجتمعاته، وعرض مسؤولياتها وأهم حقوقها، أمر ضروري من أجل الولوج إلى أهم الإشكاليات التي تتعرض لها المرأة في واقعها الراهن، وذلك من أجل مقارنته بما وصلت إليه حالتها في غياب تفعيل مجموعة من القضايا الجذرية والمصيرية، ابتداءً من وظيفة وجودها على وجه البسيطة نفسه، ومسؤوليتها الإنسانية والاجتماعية والسياسية المكلفة بها، إلى طبيعة التحدي الحضاري وغيره الذي عليها مواجهته.
من هنا كان الحديث عن مسؤولية المرأة، وإن بدا مكرراً في بعض جوانبه إلا أنه مهم، لأنه يدخل في باب التذكير الذي ينفع المؤمنين وينبههم إلى ما هم غافلين عنه، كما يبسط القضية على ضوء الواقع.
إن المرأة تشاطر الرجل عملياً خلافة الله في الأرض، وتشاركه حمل الأمانة التي أوكلها الله للإنسان: ((إِنَّا عَرَضْنَا ?لاْمَانَةَ)) والمقياس الذي يزن الله تعالى به هذا العمل، أي حمل الأمانة، هو الإحسان، يقول تعالى: ((لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)) (الملك:2).. إن الابتلاء الرباني العام للإنسان- ذكراً أو امرأة- هو العمل، والإحسان في أي عمل وأداؤه على وجهه المطلوب شرعاً بنية العبادة والإخلاص فيه هو الذي يميزه عن غيره، ويدخله في مجال حمل الأمانة، سواء صدر عن الرجل أو عن المرأة.
كما أن المرأة تشارك الرجل وجدانياً تزكيةَ النفس وتربيتها تربية إيمانية ربانية، مسؤولة، متصفة بالفلاح، تحررهما من مختلف العبوديات الدنيوية، وتوجههما للاعـتصام بعبادة الله وحده لا شريك له، يقول تعالى: ((وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّـ?هَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّـ?هَا)) (الشمس:7-10)، فالنفس المؤمنة هي التي تكون جوامح جوارحها وخلجات مشاعرها لله وحده دون غيره، لتحقيق الفلاح والتقوى، ولتحمل مسؤولية الأمانة، سواء كانت رجلاً أم امرأة.
والأمانة الربانية ملقاة على عاتقهما معاً على السواء، وهما معاً مكلفان بالمسؤولية عن طبيعة وجودهما الإنساني على وجه البسيطة، ويتساويان مسـاواة كاملة في هذه المسـؤولية الإنسانية بوصفهما من أصل واحد، وذلك بتقرير من الله عز وجل، كما في قوله تعالى: ((يَـأَيُّهَا ?لنَّاسُ ?تَّقُواْ رَبَّكُمُ ?لَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ و?حِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَ?تَّقُواْ ?للَّهَ ?لَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَ?لاْرْحَامَ إِنَّ ?للَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) (النساء:1)، وهي مساواة تكامل وليست مساواة تطابق، لأن لكل واحد منهما خصائصه التكوينية المختلفة عن الآخر، ولذلك نجد الآية الكريمة تقرر مسؤولية المرأة الإنسانية ومساواتها فيها مع الرجل مساواة تكامل، للقيام بأهداف الحياة حسب خصائص كل منهما وطاقاته وقدراته. وتدخل في هذه المسـؤولية كل ما يتعلق بطبيعة وجودهما على الأرض، ولذلك نجدها تنظر إليهما نظرة شمولية، دون أن تفصل بين المسؤولية الإنسانية والمسؤولية الاجتماعية والسياسية، تؤكد في الوقت نفسه توجيه الخطاب لهما معاً.
وفي آية أخرى، يوثق الله عز وجل المسؤولية ويربطها بالصلاح، الذي هو أساس العمل الجاد المكلف به الرجل والمرأة على السواء، وذلك في قوله تعالى: ((إِنَّ فِى خَلْقِ ?لسَّمَـ?و?تِ وَ?لاْرْضِ وَ?خْتِلَـ?فِ ?لَّيْلِ وَ?لنَّهَارِ لاَيَـ?تٍ لاِوْلِى ?لاْلْبَـ?بِ (190) ?لَّذِينَ يَذْكُرُونَ ?للَّهَ قِيَـ?ماً وَقُعُوداً وَعَلَى? جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ ?لسَّمَـ?و?تِ وَ?لاْرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَـ?طِلاً سُبْحَـ?نَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ ?لنَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّـ?لِمِينَ مِنْ أَنْصَـ?رٍ (192) رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِى لِلإِيمَـ?نِ أَنْ ءامِنُواْ بِرَبّكُمْ فَـئَامَنَّا رَبَّنَا فَ?غْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفّرْ عَنَّا سَيّئَـ?تِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ ?لاْبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَءاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى? رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ ?لْقِيَـ?مَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ ?لْمِيعَادَ (194) فَ?سْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنّى لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى? بَعْضُكُم مّن بَعْضٍ فَ?لَّذِينَ هَـ?جَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَـ?رِهِمْ وَأُوذُواْ فِى سَبِيلِى وَقَـ?تَلُواْ وَقُتِلُواْ لاكَفّرَنَّ عَنْهُمْ سَيّئَـ?تِهِمْ وَلاَدْخِلَنَّهُمْ جَنَّـ?تٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ?لاْنْهَـ?رُ ثَوَاباً مّن عِندِ ?للَّهِ وَ?للَّهُ عِندَهُ حُسْنُ ?لثَّوَابِ )) (آل عمران:190-195)، فهذه الآيات جامعة، تقرر الهدف من الوجود الإنساني، وهو تحمل الأمانة بعبادة الله وحده لا شريك له، ولن تكون هناك عبادة إلا بالعمل المشروط بالصلاح، كما في قوله تعالى: ((مَنْ عَمِلَ صَـ?لِحاً مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى? وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَو?ةً طَيّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)) (النحل:97)، وبدونه (أي العمل الصالح) تتردى المرأة (والرجل أيضاً) في ظلمات العبودية والظلم والجهل والإباحية، وإن وصلت إلى أعلى المناصب.
كما تشرع الآيات السابقة نشاط المرأة في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية والسياسـية، حسب احتياجات المجتمع المسلم، دون قيد أو شرط إلا ما يفرضه الشارع من آداب تصون هذا النشاط بمختلف ألوانه، ليصبغ بالصلاح من أجل تقبل العمل عند الله تعالى، ومن أجل إكسابها مقام العمل الناضج المشارك في العمل الصالح، وتحقيق وجودها الإنساني وتحقيق الحياة الكريمة لنفسها ولأسرتها ولأمتها بصفة عامة، وتفجير طاقاتها الإبداعية، كل ذلك في استقلالية تامة وتأكيد على شخصيتها الحرة النابعة من عملها وسعيها، يقول سبحانه وتعالى: ((وَ?لَّيْلِ إِذَا يَغْشَى? (1) وَ?لنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى? (2) وَمَا خَلَقَ ?لذَّكَرَ وَ?لاْنثَى? (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى?)) (الليل:1-4).
وقد أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم طبيعة هذه الاستقلالية في تحمل المسؤولية منذ أن نزل قولى تعالى: ((وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ?لاْقْرَبِينَ)) (الشعراء:214)، وبيَّن عليه الصلاة والسلام، أن هذا الخطاب القرآني موجه إلى النساء والرجال معاً، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّه قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ ((وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ?لاْقْرَبِينَ)) قَالَ: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ - أَوْ كَلِمَةً نَحْـوَهَا- اشْـتَرُوا أَنْفُسَـكُمْ لا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا؛ يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا؛ يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا؛ وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا؛ وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا» وهو نداء يقرر منذ مراحل الدعوة الإسلامية الأولى نديّة المسؤولية.
ولا يجوز مطلقاً منع المرأة من ممارسة مسؤولياتها بحجة سد الذرائع، أو فرض قيود معينة تحد من حركيتها في المجتمع خشية الفتنة والفساد، الأمر الذي سوف يؤدي إلى عزلتها عن واقع الحياة برمتها، وجر المجتمع إلى التقوقع في الحضيض، ذلك أن تحمل المسؤولية بكل معطياتـها الإنسانية والتربوية والاجتماعية، المحتكمة إلى الكتاب والسنة الصحيحة، كفيلة بعصمة المرأة من الوقوع في الزلل، بل تكون عاملاً أساسياً في نهضة الأمة، والذي بدونه لن يكون هناك أي تقدم أو نهضة.
وفي ظلال هذه المساواة التكاملية في الأصل، المقررة في الخطاب القرآني والسنة النبوية، وفي إطار المسؤولية الإنسانية والاجتماعية والسياسية، يأتي تأكيده صلى الله عليه وسلم ليقرر هـذه الحقيـقة عبر قولـه: «إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ» ليكشف عن مطلق وعمومية المساواة والمشاركة في تحمل المسؤولية أمام الله عز وجل وأمام نفسها ومجتمعها وأمتها، وليرسخ مفاهيم الآيات الكريمة التي وردت في اعتبار المرأة مكملة للرجل وهو مكمل لها، في ندية تثبت عمق الرؤية الحضارية، التي تنظر من خلالها شريعتنا للمرأة، بما لا يترك مجالاً لخوض المغرضين في لوك عكس هذا، ويحث في الوقت نفسه على إقامة التوازن بين حقوقهما، وإثابتها بالأجر في الدنيا والآخرة، حسب عملهما الفردي المستقل، وذلك في مثل قوله تعالى: ((بَعْضُكُم مّن بَعْضٍ)) (آل عمران:195)، وفي قولـه عز شأنه: ((وَلَهُنَّ مِثْلُ ?لَّذِى عَلَيْهِنَّ بِ?لْمَعْرُوفِ وَلِلرّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَ?للَّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ)) (البقرة:228) وفي قوله تعالى: ((إِنَّ ?لْمُسْلِمِينَ وَ?لْمُسْلِمَـ?تِ وَ?لْمُؤْمِنِينَ وَ?لْمُؤْمِنَـ?تِ وَ?لْقَـ?نِتِينَ وَ?لْقَـ?نِتَـ?تِ وَ?لصَّـ?دِقِينَ وَ?لصَّـ?دِقَـ?تِ وَ?لصَّـ?بِرِينَ وَ?لصَّـ?بِر?تِ وَ?لْخَـ?شِعِينَ وَ?لْخَـ?شِعَـ?تِ وَ?لْمُتَصَدّقِينَ وَ?لْمُتَصَدّقَـ?تِ و?لصَّـ?ئِمِينَ و?لصَّـ?ئِمَـ?تِ وَ?لْحَـ?فِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَ?لْحَـ?فِـظَـ?تِ وَ?لذكِـرِينَ ?للَّهَ كَثِيراً وَ?لذكِر?تِ أَعَدَّ ?للَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً )) (الأحزاب:35)، وهي آيات تؤكد أنه لا مجـال للحد من طاقاتـها أو نشـاطها الاجـتماعي أو السياسي أو الثقافي إذا رغبت فيه وكانت لـها القـدرة عليه، ولا يستطيع أحد أن يمنعها منه طالما شرعه الله كما في قوله تعالى: ((وَ?لْمُؤْمِنُونَ وَ?لْمُؤْمِنَـ?تِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِ?لْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ?لْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ ?لصَّلَو?ةَ وَيُؤْتُونَ ?لزَّكَو?ةَ وَيُطِيعُونَ ?للَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ?للَّهُ إِنَّ ?للَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) (التوبة:71).
فمن خلال الآية الكريمة ندرك أنه يمكن للمرأة أن تجمع بين العمل الاجتماعي والسياسي وبين العبادة، مثلها في ذلك مثل الرجل، كما نتبين طبيعة النظام التربوي الإسلامي الذي يجمع كذلك بين العمل والعبادة، أي ربط السلوك بالعقيدة، من أجل تحقيق التطابق والالتحام بين الإيمان والعمل. لكن ربما كان علينا أن نؤكد في هذا المجال ضرورة معرفة حاجيات الأمة لطبيعة المهمات التي يمكن أن تؤديها، وخاصة في مرحلتنا الحضارية الراهنة، فتكون هي الأساس في تكوين المرأة وتوجيهها بما لا يتعارض مع ميولاتها وطاقاتها، حتى تستفيد منها الأمة وتساعد في رفعتها ونهوضها.
وما أحوجنا اليوم إلى تصحيح نظرتنا إلى مهمة الأمومة التي أصبحت المرأة تقوم بها دون إحساس بخطورتها، واعتبارها على رأس المهمات التي تحتاج إليها الأمة، لأن العالم كله في حاجة إلى لمسة المرأة الأم، وإرجاعها إلى نطاق صياغة إنسانية الإنسان، في حاجة إلى الرجوع إلى مصدر التغذية الإنسانية الغنية بأصناف الحنان والرحمة والحب والعطاء... واللائحة طويلة، ليتزود منها بقطرات تعينه على مجابهة الماديات الطاغية والقسوة والظلم. وما جفت منابع الرحمة والخير إلا مع ابتعاد المرأة عن إرضاع بنيها وإقناعها بتجفيف ثدييها وحجبهما عن طفلها، بدعوى المحافظة على الجمال، أو بدعوى ضرورة تركه وهو في أمس الحاجة إليها من أجل العمل، أو من أجل أسباب مختلفة، متناسية أن الطفل هو عماد مستقبل هذه الأمة، وأن الإسلام قام وانتشر على أيدي الأطفال الذين تربوا في حضن مراحل الدعوة الأولى، وكان منهم القادة والجنود الذين فتحوا العالم بالخير وصنعوا أولى بذرات الحضارة.
إن المرأة في ضوء ما بسطناه من مسؤوليات تستطيع أن تشارك في عمارة الأرض بالمعروف، وتستقل بشخصيتها المتميزة، وتنتزع حقوقها التي شرعها الله لها، ابتداءً من حقها في التعلم، إلى حقها في اختيار الزوج.. ومن هذه الحقوق، التي يجب أن تعرفها وتعيها جيداً كي تتبوأ مكانتها الحقيقية في المجتمعات الإسلامية:
1- حق إعلان الانتماء:
أول حق من حقوق المرأة، الذي يجب أن تعيه جيداً وتتمسك به، هو حقها في إعلان انتمائها إلى أمة التوحيد. وسبيلها إلى ذلك عدة طرق أهمها: رفضها القاطع للتصور الغربي، الذي يخضع لمعايير تشيئ المرأة، والانطلاق ممارسة وسلوكاً وفكراً وقولاً نحو الذات الحضارية المؤكدة لإنسانيتها.. ولعل أبرز مظهر ينبئ عن وعي المرأة بانتمائها وإصرارها، ممارسة حقها في اللباس الشرعي، أو ما اصطلح عليه بالحجاب، لأن المرأة حين تمارس هذا الحق تتميز بأنها تعلن وتجاهر في كل مكان بمنهجها في الحياة، كما هو الشأن بالنسبة للمرأة المتبرجة، التي أعطيت حق ممارسة عريها وتبرجها، دون أن يملك أحد مصادرة إعلانها وقرارها، إلا ما يفرضه الشرع من بسط تصوره للأمر بحكمة حسنة وأسلوب التحبب والأخوة.
ونظرة إلى شوارعنا تكشف أن المرأة المتبرجة تعلن بشكل صارخ أنها لا تخضع لثوابت الأمة ((وَلِكُلّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلّيهَا)) بل قد تسقط في أكثر الأحيان في إعلان الفصل بينها وبين هذه الثوابت ((لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ))، وليس لنا محاسبتها على ذلك أو معاقبتها عليه، لأن الحسـاب والعقاب بيده سبحـانه وتعالى فقط، وما نحن جميعاً إلا مجتهدين نعلن عن تصوراتنا بممارستنا وسلوكياتنا، والأمة برمتها تجني ثمار اجتهادنا كيفما كان، كما لا نملك إلا أن ندعوها، وندعو لها، الانخراط فيما نراه حقاً وصواباً، فربما كانت لا تعرف، أو ربما نسيت خطابه تعالى لنبيه الكريـم: ((يأَيُّهَا ?لنَّبِىُّ قُل لاِزْو?جِكَ وَبَنَـ?تِكَ وَنِسَاء ?لْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـ?بِيبِهِنَّ ذ?لِكَ أَدْنَى? أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ ?للَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً)) (الأحزاب:59)، أو ربما غابت عنها الضوابط الربانية لمظهر المرأة الخارجي في قوله تعالى: ((وَقُل لّلْمُؤْمِنَـ?تِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَـ?رِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى? جُيُوبِهِنَّ)) (النور:31)، فيأتي تذكيرنا لها ليثبت قرارها ومنهجها في الحياة على بصيرة من فكرها وانطلاقاً من عقلها وقناعاتها، ومن ثم يأتي إعلان الانتماء في انخراط المرأة إما في حياة رشيدة متناغمة مع الكون في اتباعها لله تعالى واستسلامها له، استجابة لقوله عز شأنه: ((يأَيُّهَا ?لَّذِينَ ءامَنُواْ ?سْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)) (الأنفال:24)، أو تنخرط في حياة أخرى استجابة لنوازع الهوى، بعلم أو بدون علم، يقول تعالى: ((وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ)) (الأنعام:119)، والفرق بين حياة الاثنتين واضحة وجلية، وبخاصة حين تدلهم النوائب والخطوب وتوضع هوية الأمة في المحك على مفترق الطرق، يقول تعالى: ((أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَـ?هُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِى ?لنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي ?لظُّلُمَـ?تِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مّنْهَا كَذَلِكَ زُيّنَ لِلْكَـ?فِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)) (الأنعام:122).
وهل إعلان الانتماء إلا إقرار بالالتحاق بركب الإيمان والتجرد الخالص لله رب العالمين؟ وهل هناك أبلغ من الالتزام باللباس الشرعي لهذا الإقرار؟ بل هل هناك من هو أنسب من المرأة المؤمنة، بما أعطاها الله من صبر وقدرة على التحمل رغم رقتها وليونة مشاعرها، على الجهر بهذا الإعلان في كل لحظة من لحظات ظهورها خارج عشها الأسري، وأقدر على تنفيذ أمره عز شأنه، يقول تعالى: ((وَقُل لّلْمُؤْمِنَـ?تِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَـ?رِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى? جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ءابَائِهِنَّ أَوْ ءابَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِى إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِى أَخَو?تِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـ?نُهُنَّ أَوِ ?لتَّـ?بِعِينَ غَيْرِ أُوْلِى ?لإِرْبَةِ مِنَ ?لرّجَالِ أَوِ ?لطّفْلِ ?لَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَى? عَوْر?تِ ?لنّسَاء)) (النور:31).
إنها شروط العفة والطهارة من أجل صيانة المجتمعات الإسلامية من السقوط في مهاوي الرذيلة والفساد، وإحصاء شرعي لمن يجوز له أن يطلع على زينة المرأة، ومعايير تحصينية لمن رأت في نفسها القدرة على العمل خارج نطاق البيت، يعرف من خلالها كل الناس أنها ملتزمة بشرع ربها ومعتزة باتباع أوامره واجتناب نواهيه.
2- الحق في طلب العلم:
لا يماري أحد في أن طلب العلم فريضة واجبة على كل مسلم ومسلمة، ومن لم يطلبه يكون مقصراً في حق الله، ثم في حق أمته ومجتمعه ونفسه أيضاً، يقول صلى الله عليه وسلم: « طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ » ونظرة إلى القرآن الكريم تكشف لنا الدعوة المستمرة للإنسان للنظر في الكون بعلم ومعرفة، واعتبار الكون كتاباً مفتوحاً يمكن أن ينهل منه كل ذي لب وعقل وتفكير، بل إن العلم والتعلم واستخدام النظر في ملكوت الله تعالى من أهم فرائض الإسلام، التي لا يمكن لأي مدنية أو حضارة أن تقوم بدونهما، ووظيفة العقل لا يمكن أن تؤدي دورها بحق ورشـد إلا بهما. وكلما تعلم الإنسان أمور دينه ودنياه فهم واقعه جيداً، وسهل عليه القيام بواجباته ومسؤولياته نحوه في ضوء شريعته، يقول الله تعالى في استفهام إنكاري يفيد النفي عن عدم تساوي الذين يعلمون مع الذين لا يعلمون: ((قُلْ هَلْ يَسْتَوِى ?لَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ?لَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ)) (الزمر:9)، والخطاب موجه هنا - كما في جل الآيات التي لا تختص بمخاطبة جنس بعينه- للرجل وللمرأة على السواء.
وفي آية أخرى يحث الله عز وجل المؤمنين (والمؤمنات) على العلم، ويعدهم بالرفعة والدرجات العلى لما يحصلون عليه من علم، فينتفعون وينفعون: ((?للَّهُ ?لَّذِينَ ءامَنُواْ مِنكُمْ وَ?لَّذِينَ أُوتُواْ ?لْعِلْمَ دَرَجَـ?تٍ)) (المجادلة:11)، ويقول صلى الله عليه وسلم: « إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ، حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا، وَحَتَّى الْحُوتَ، لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ».
فهل يجرؤ أحد بعد تفهم هذه الآيات والأحاديث، والوعي بها، على منع إماء الله من الحصول على العلم، حسب الاستطاعة، والانتفاع والعمل به؟ بل هل يحق لنا أن نتناقش في حق العلم والتعلم بالنسبة لنصف الأمة الآخر (المرأة) التي كان أول خطاب تلقاه نبيها صلوات الله عليه من الله عز وجل هو ((?قْرَأْ )) ليكون فاصلاً بين عهد الجهل والخرافة وعهد العلم والتعلم والنظر في آفاق السموات والأرض، والتفكر في خلق الله؟ بل من يجد في نفسه الجرأة على تكريس الخرافة واعتبار القرآن الكريم مطية لترويج أفكار وممارسات بعيدة كل البعد عن العقل والعلم والمنطق بحجة البركة أو غيرها، متناسين أن القرآن الكريم دستور الحياة بالنسبة للمؤمن، ومنهجاً يسلكه للوصول إلى الجنة، بالإضافة إلى التعبد به وربط الصلة من خلاله بالله عز وجل.
إن الهدف الأساس من العلم في الإسلام، عند الرجل والمرأة علىالسواء، هو تكوين وتربية الشخصية المسلمة المتزنة، روحياً وجسدياً، التي تستطيع أن تقوم بمسؤولياتها بكفاءة وإحسان، وتسعى إلى التغيير وبناء مجتمع يقوم على تقوى الله وتحقيق خلافته في الأرض وتوحيده، وإقامة حضارة ربانية شعارها أول آية نزلت على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: ((?قْرَأْ بِ?سْمِ رَبّكَ ?لَّذِى خَلَقَ))، أي حضارة تقرن وتربط بين العلم بالإيمان، وإلا فإن عدم اقترانهما يؤدي إلى الجهل والطغيان واستغلال الشـعوب، بل إلى هلاك البشـرية جمـعاء. وقد أخذت أم المؤمنين السيدة عائشة في العهد النبوي على عاتقها مسؤولية العلم والتعليم، وقدمت للمرأة في كل العصور نموذجاً حياً وفاعلاً للمرأة المؤمنة المتعلمة العالمة، والتي يشهد على علمها مجموعة كبيرة من الصحابة رضوان الله عليهم، الذين تلقوا العلم عنها، منهم ابن أختها عروة بن الزبيـر، الذي قال: «ما رأيت أحداً أعلم بشعر ولا بفقه ولا بطب من عائشة»، بل إن أبا موسى الأشعري يشهد أنها أعلم الصحابة حين يقول: «ما أشـكل علينا أمر فسـألنا عنه عائشـة إلا وجدنا عندها فيه علماً».
كما أن كل النساء الصحابيات كن يأتين إلى النبي صلى الله عليه وسلم لتعلم أمور دينهن من أعلى مصادره، مباشرة دون اللجوء إلى واسطة الزوج أو الأب بحجة القرار في البيت، لأنهن وعين جيداً الخطاب الأول الذي نزل من عند رب العزة:وعلمن أن التفقه في الدين ثمرة طبيعية للقراءة والعلم الذي ينتفع به، وأن تكوين شخصية الإنسان المؤمن الصالح تحتاج إلى العلم المقترن بالإيمان، لاستنباط طاقاته الإبداعية وتفجيرها في مجالها الصحيح. بل إن النسـاء في العهد النبوي لما رأين أنهن لا يجلسن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقدر الكافي الذي يتعلمن فيه ما يردن من أمور دينهن ودنياهن قالت له إحداهن: «يا رسول الله غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوماً من نفسك»، فأعطاهن رسول الله صلوات الله عليه يوماً خاصاً يعظهن فيه، ويتعلمن منه مباشرة، وبدون واسطة أي رجل مهما بلغت قرابته منهن.
والمرأة المسلمة اليوم مطالبة بالعلم والتعلم، ليس استجابة لبعض الدعوات التحررية التي تنحت عن الطريق القويم وطالبت بتعلم المرأة لأهداف لا مجال لذكرها، وإنما استجابة لعقيدتها وامتثالاً لأوامر ربها، كي تخرج من تخلفها، وتستقيم شخصيتها، وتكون قادرة على تحمل مسؤولياتها كيفما كانت، وإذا استقامت شخصيتها بالعلم تحرر فكرها وعقلها من الخرافة والجمود والتخلف والتبعية، وتقوت عقيدة التوحيد في نفسها لما تعلمت من الحق: ((أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبّكَ ?لْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى? إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ?لالْبَـ?بِ)) (الرعد:19)، واستطاعت أن تواجه مختلف المشكلات، التي تواجهها في واقع حياتها، بروح إيمانية عالية مكتسبة من علمها ومعرفتها الجيدة بشريعتها ودينها، كما تستطيع تحدي كل أشكال الزيف والانحراف والظلم.
3- حق اختيار الزوج:
من سنن الله في الكون أن يجعل لكل شيء زوجاً، يقول تعالى: ((وَمِن كُلّ شَىْء خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)) (الذاريات:49)، ومن هنا كانت الرغبة في التزاوج علاقة فطرية نظمها الله تعالى في الزواج.. وهذه العلاقة في الإسلام علاقة حرة كاملة الإرادة، تقوم على التراضي بين الطرفين، فلا الرجل يقبل الزواج ممن لا يحب، ولا المرأة تُرغم على قبول من لا تريده.. والعلاقات الأسرية التي تنتج من هذا الزواج إذا بُنيت على أساس إسلامي صحيح تتجاوز الدنيا والفناء لتعيش حياة أخرى في الجنة، مصداقاً لقوله تعالى: ((جَنَّـ?تُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ ءابَائِهِمْ وَأَزْو?جِهِمْ وَذُرّيَّاتِهِمْ)) (الرعد:23)، ولذلك كان بيت كل إنسان هو مركز حياته الدنيا، الذي يعبر منه إلى حياة الآخرة. ومن هنا يعطي الإسلام للإنسان حق اختيار من يعمر أرجاءه بما يريده من عمل صالح وتقوى وتذوق نعيم الرحمة والمودة والسكن، كي تمضي سفينة الحياة إلى ما شاء الله تعالى لها أن تمضي هانئة مستقرة، تتحمل مسؤولية التحديات الحضارية، وتستطيع مواجهة كل ألوان الباطل بقوة وثبات، لأن تكوين أسر صالحة قائمة على الاختيار الصحيح يصحح مسيـرة الأمة، ويدفع بها مرة أخرى لتتبوأ مكانتها بين الأمم.
ومن هذا المفهوم نجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤكد حق الاختيار وضرورته، سواء بالنسبة للرجل أو للمرأة، وهناك أحاديث كثيرة في هذا المجال، وربما كان حديثه صلى الله عليه وسلم : «لا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ»، من أكثر الأحاديث دلالة على أهمية اختيار المرأة لزوجها، وهو اختيار تستطيع به فرض شخصيتها، والمشاركة في الحياة الأسرية دون أن تكون تابعاً فيها، انطلاقاً من قولـه تعالى: ((هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ)) (البقرة:187)، واللباس المتبادل في هذه الآية يحيل على القمة في المشاركة والتشاور الأسري لم تستطع بلوغه أي حضارة من الحضارات إلا الحضارة الإسلامية، بل إن توزيع المسؤوليات في الأسرة بينها وبين الرجل يقوم على أساس طبيعة كل منهما، حتى تتمكن المرأة من القيام بواجباتها على أكمل وجه ونابع من طبيعة الاختيار والرضى، يقول تعالى: ((?لرّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ?لنّسَاء بِمَا فَضَّلَ ?للَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى? بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْو?لِهِمْ)) (النساء:34)، والقوامة ضرورية لتنظيم الأسـرة وليست للتفاضل، فهي تكليف وليست تشـريف، وهذا يعني أنه لا مجال لفرض أي شـيء عليها لمجرد الهوى أو إثبات نزعـة السـيطرة، أو أن هناك تعارضاً أو انتقاصاً من قيمة المشـاركة، وإنما الآية تقرر توزيع المهـام حتى تسيـر سفينة الحياة الأسرية بيسر، فالمرأة هيأ الله لها طبيعة تجعلها أكثر حناناً، وأعظم صبراً من الرجل، الأمر الذي يخولها رعاية بيت الزوجية ورعاية أبنائها بتدبر وحكمة، كما جعلها أول من تلقن الإنسان بذرات التربية والتوجـيه مع أولى قطرات الحليب الذي يدخل جسـمه، ليكون من مكونات شخصـيته الأساسية؛ وكل هذه الأمور ترتبط بالبيت أكثر، كمـا ترتبط بمـراكز الرقـة والحنان ومنابعها.
كما هيأ الله الرجل طبيعة أكثر قوة وحزماً تجعله أصلح للكسب والإنفاق والعمل، الذي يحتاج إلى القوة والصرامة ومجابهة مختلف مشكلات الحياة.
والقيام بـهذه المسؤوليات، والتوازن بينها في إطار التشاور، كما فرض الله عز وجل، لن يكون سوياً ومتكاملاً إلا إذا قامت العلاقة بين الزوجيـن على التساكن والتواد والرحمة كما قررها الله عز وجل في قولـه تعالى: ((وَمِنْ ءايَـ?تِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْو?جاً لّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً)) (الروم:21)، وعلاقات المودة والرحمة تجعل المؤمن يتجاوز بعض الهفوات التي قد تصدر من شريكه، ويتغلب عليها بأخلاقه السامية والترابط الصادق المجرد عن الماديات، ولنا المثل والنموذج الأعلى في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم في بيته مع أزواجه وأسرته، ولنا القدوة الصالحة في منهجه النبوي في مختلف المعاملات، وكثيرا ًما تستوقفنا في هذا المجال علامات مضيئة يجب أن نستهدي بها، منها لكي نتعامل مع بعضنا بعضاً بما يرضى الله تعالى، ولكي تستطيع اجتياز هذه الحياة الفانية إلى الحياة الأبدية بيسر وكرامة:
أ- المعاشرة بالمعروف: لا شك أن طبيعة العشرة الزوجية يجب أن تقوم على احترام المشاعر والرغبات المتبادل، كما أن الاحتكاك اليومي ومشكلات الحياة وأزماتها تولد نوعاً من المشاحنة وشيئاً من التصادم، ولذلك نجد بعض العلماء يشرح العشرة بالمعروف في قوله تعالى: ((وَعَاشِرُوهُنَّ بِ?لْمَعْرُوفِ)) (النساء:19)، بأنها العشرة بإحسان للزوجة إذا وقع منها إساءة، وقد نجد هذا التفسير مقبولاً إذا ما اطلعنا على سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قال: «... وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى الأَنْصَارِ إِذَا قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ، فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَأْخُذْنَ مِنْ أَدَبِ نِسَاءِ الأَنْصَارِ، فَصَخِبْتُ عَلَى امْرَأَتِي، فَرَاجَعَتْنِي، فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي، قَالَتْ: وَلِمَ تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ! فَوَ اللَّهِ إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيُرَاجِعْنَهُ، وَإِنَّ إِحْدَاهُنَّ لَتَهْجُرُهُ الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ، فَأَفْزَعَنِي ذَلِكَ…».
وإذا كانت المراجعة في هذا الحديث تتضمن الممارسات اليومية بين الزوجين، وتبين العشرة بالمعروف التي كان يطبقها صلى الله عليه وسلم مع أزواجه، فإنها تكشف في الوقت نفسه عن طبيعه المعاملة الجنسية الراقية والحضارية التي كان يتعامل بها رسول الله مع أزواجه، واحترام رغباتهن، دون إلزام أو استخدام القوة، ولذلك نجد الحافظ ابن حجر يقول معلقاً على التفاهم في العلاقة الجنسية بين الزوجين، وأحقية الزوجة في مراجعة زوجها إذا رغبت في ذلك دون حرج: «... وفي الحديث أن شدة الوطأة على النساء مذموم، لأن النبي أخذ بسيرة الأنصار في نسائهم وترك سيرة قومه....»، ومن خلال الاهتداء بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم في معاملاته لأزواجه، والرأفة بهن، يمكن أن نتفهم القولة المشهورة: إن البر بالمرأة ليس كف الأذى عنها وإنما بتحمل الأذى منها.
ب- التعاون المنـزلي: إن الحرص على تقديم المساعدة للزوجة يولد الإحساس بارتفاع مكانتها عند زوجها وتقديره لعملها، ويشعرها بالاعتزاز بنفسها، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إشارات لمدى تفهمه لعمل المرأة المنـزلي وتعاونه معها فيه، فعَنِ الأَسْوَدِ قَالَ: «سَأَلْتُ عَائِشَةَ: مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ، تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاةِ »، ويقول ابن حجر: «... وقد وقع في حديث آخر لعائشة أخرجه أحمد وابن سعد وصححه ابن حبان..قالت: يخيط ثوبه، ويخصف نعله، ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم». وهي أحاديث في مجملها توضح أن المرأة لم تخلق لخدمة البيوت، وإنما يجب أن تقوم بها تكرماً منها وطلباً لرضى الله، وزوجها مطالب بمساعدتها وتخفيف الأمر عنها كي تسيـر الحياة بينهما بيسر وسكينة. وهذا يسلمنا إلى حثه صلى الله عليه وسلم على التعاون في تربية الأطـفال وحضـانتهم، فعن عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِي اللَّه عَنْهمَا قَالَ: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم«... إِنَّ لِوَلَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا»، ويبلغ التعاون مداه بين الزوجين في الإنفاق، فإذا كان الأب هو المسؤول عن الإنفاق على زوجته وولده فإن للأم أن تنفق على زوجها وولدها ويعد ذلك صدقة لها، فقد روى أبو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِي اللَّه عَنْه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لزَيْنَب امْرَأَة ابْنِ مَسْعُودٍ: «…زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ بِهِ عَلَيْهِمْ».
وإذا ألقينا نظرة على أسباب التفكك الأسري في مجتمعاتنا، نجد أن من أهمها عدم ترشيد التعاون بين الزوجين في مسألة تربية الأطفال والإنفاق عليهم، ولو اتبعت الأسرة المسلمة المنهج النبوي في التعاون والحب والاحترام المتبادل وتدبير شؤون الحياة بينهما لما سقطت في التفكك والانحلال، والمرأة مسؤولة مع زوجها عن المحافظة على بيتها، واتباع سنة نبيها صلى الله عليه وسلم كفيلة بذلك، للنهوض بالمجتمع وتنشئة أفراده على الصلاح، لأن الأسرة هي النواة الأصل لبناء مجتمع إسلامي سوي، وهي المحضن الطبيعي لإعداد الإنسان الحضاري الفاعل في أمته، الذي يصدق فيه قوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ أَكْمَلِ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَأَلْطَفُهُمْ بِأَهْلِهِ».
ويمكن لنا أن نؤكد بعد هذا أهمية الاختيار، كما يمكن أن نتساءل عن طبيعة الأفراد والشخصيات التي يمكن أن تربيها الأسرة الملتزمة بالمحجـة البيضاء والقائمـة على الاختيار الديني الواقعي.. كما يمكن في الوقت نفسه أن نعتز بمباهاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمم بنا وبذريتنا الصالحة.
4- الحق في العمل:
تقرر حق المرأة في العمل منذ العهد النبوي، سواء العمل المهني أو العمل الدعوي. أي أن مشاركة المرأة في التكليف والعمل والمسؤوليات قررتها الشريعة الربانية، وتعد من مميزات هذه الحضارة، التي اعترفت منذ قرون بحقوق المرأة في كتابها المبين وبسطتها من خلال سنتها الشريفة، ونالت بها المرأة مكانتها الطبيعية إلى جانب الرجل، وقد بسطت أحاديث كثيرة هذا الأمر، وكل حديث يحمل دلالات عميقة، ويعرض أشكالاً مختلفة من الممارسات الحياتية التي مرت بها المرأة المسلمة، تحثنا على التأسي بها ووضعها مثالاً يمكن أن ينسحب على حياة المرأة في واقعها اليوم، منها هذه الأحاديث الشريفة:
- عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَغْزُو بِأُمِّ سُلَيْمٍ وَنِسْوَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ مَعَهُ إِذَا غَزَا، فَيَسْقِينَ الْمَاءَ وَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى».
- وعن جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما، قال: «طُلِّقَتْ خَالَتِي فَأَرَادَتْ أَنْ تَجُدَّ نَخْلَهَا، فَزَجَرَهَا رَجُلٌ أَنْ تَخْرُجَ - وهي في فترة العدة - فَأَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: بَلَى فَجُدِّي نَخْلَكِ، فَإِنَّكِ عَسَى أَنْ تَصَدَّقِي أَوْ تَفْعَلِي مَعْرُوفًا».
- عن أسمـاء بنت أبي بكر رضي الله عنهما - زوج الزبيـر ابن العوام- قالت: «… كُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ، الَّتِي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَأْسِي، وَهِيَ مِنِّي عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ، فَجِئْتُ يَوْمًا وَالنَّوَى عَلَى رَأْسِي فَلَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَدَعَانِي ثُمَّ قَالَ: إِخْ إِخْ، لِيَحْمِلَنِي خَلْفَهُ، فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسِيرَ مَعَ الرِّجَالِ…».
ومثل هذه الأحاديث وغيرها تبرز أهمية العمل وضرورته بالنسبة للمرأة، بوصفه واقعاً إنسانياً في العصر الحاضر، يجد مرجعياته متجذرة في حضارتنا الإسلامية منذ العصر النبوي، لكنه يتطلب منا الآن أكثر من أي وقت مضى، بعد أن اختلط الصالح بالفاسد، أن نقوم بترشيده ووضع ضوابط شرعية له، وأن نعتبر الأمومة على رأس قائمة الأعمال الصالحة التي يمكن أن تقوم بها المرأة، على اعتبار أنها وظيفة ملازمة لها منذ إنجابها إلى وفاتها. والناظر في تاريخ الحضارة الإسلامية، منذ نزول الوحي إلى بلوغها أوج العطاء الإنساني، يجد أن المرأة كانت حاضرة تقوم بمسؤولياتها حسب طاقاتها وتشارك في عمارة الأرض. وإذا حاولنا تقصي ذلك وتفصيله وتوثيقه فسنحتاج إلى مجلدات ضخمة، لكننا نكتفي بالإشارة إلى شخصيتها المستقلة، وحضورها الواعي في كل مجالات الحياة العامة والخاصة، والتزامها بحدود الله والآداب الشرعية، سواء كان ذلك في قرارها في بيتها تقوم برسالة أمومتها، أم في العمل المهني بما لا يتعارض مع مسؤوليتها الأسرية ورسالتها الأصلية، حيث شاركت في الإفتاء والتدريس والرواية والتمريض والزراعة وغير ذلك من شؤون الحياة.
وقد آن للمرأة اليوم أن تخرج عن تكاسلها واستكانتها للتخلف، وأن تتطلع بعقلها الذي سيطرت عليه النظرة الدونية والجسدية إلى درجات من الوعي والنضج تؤهلها لبلوغ مرتبة المرأة الرسالية الحاملة لمسؤولية الأمانة، وتفعيل هذا النضج والوعي إلى عمل فاعل ونافع في المجتمع، وإلى سلوكيات تنبذ حب الراحة والدعة والكسل، التي أصابتنا بمختلف العلل والآفات. وإنها مطالبة، أكثر من أي وقت مضى، بالتشمير عن ساعد الجد، واستثمار وقتها كاملاً، إذا أرادت تأدية دورها غير منقوص في عمارة الأرض، وأن تضع نصب عينيها قوله تعالى: ((وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَـ?نِ إِلاَّ مَا سَعَى?)) (النجم:39).
5- الحق في الشورى:
من القواعد الأساس في الشريعة الإسلامية الحق في الشورى لكل أفراد المجتمع الإسلامي، انطلاقاً من قوله تعالى: ((وَأَمْرُهُمْ شُورَى? بَيْنَهُمْ)) (الشورى:38)، وقوله تعالى في آية أخرى: ((وَشَاوِرْهُمْ فِى ?لاْمْرِ)) (آل عمران:159). من هنا كان من الحقوق المهمة التي يجب على الرجل أن يعيها قبل المرأة حقها في أن يكون لها رأي وموقف وقرار في مختلف شؤون الحياة، وبخاصة في شؤون منـزلها وأطفالها، لأن الاستبداد بالرأي واتخاذ القرار وعدم استشارة المرأة في مختلف الأمور يشعرها بالغبن والظلم، وهو شعور قد يؤدي بها إلى عدم الثقة بنفسها، أو إلى ردة فعل غير مسؤولة تضرها وتضر أسرتها ومجتمعها. وهذا الحق من ضروريات الحياة الكريمة، الداعية إلى الشعور بالحرية، والمولدة لحب الانتماء والإخلاص في القلوب والعقول.
ولا شك أن من أسباب الظلم التي نراها في مجتمعاتنا تنتج عن غياب ممارسة حق الشورى، واستبداد فئة معينة في إصدار القرارات والأحكام دون الرجوع إلى أهل العلم والتقوى لاستشارتهم، وربما كان غياب هذا الحق في المجتمع هو الذي يؤثر على استبداد الرجل في بيته ليعوض به استبداد حكامه في زمن تكاد تغيب فيه الحريات العامة فبالأحرى الشورى. وأبرز مظهر لغياب الشورى من البيت غياب الحوار الأسري، أي أن التواصل بين الزوجين وبين الوالدين وأبنائهما يقوم غالباً على الأوامر والنواهي فقط، دون إحلال الحوار والتفاهم والمشاركة وإبداء الرأي بينهم، وهذه آفة خطيرة تجعل الحياة مملة وصعبة، كما تؤدي إلى التمرد الضار أو التعود على الاستسلام المخزي، وانطلاقاً من أهمية هذا الحق نرى ضرورة التأكيد عليه، لأن غيابه قد يؤدي إلى نتائج عكسية، سواء في نفسية المرأة أو في عواطفها، التي قد تتقلص أو تنقلب، أو في مستوى أدائها لرسالتها ووظائفها الأسرية والاجتماعية.
وإذا كانت المرأة مطالبة بمعرفة حقوقها التي عرضناها، فمن باب أولى أن تعرف واجباتها وتلتزم بها وتؤديها حق أدائها، سواء كانت تجاه زوجها أو أسرتها أو مجتمعها، ومن ألزم واجباتها: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في نطاق ما تسمح به إمكانياتها وعلاقاتها، وضمن إخلاص النية لله، وتليين القول مع الناس، والرفق في بيان أهمية الرجوع إلى الله تعالى والاغتراف من نوره والاهتداء بهدي قرآنه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم دون الجنوح إلى القسوة أو التعالي، يقول تعالى: ((مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ?للَّهِ وَ?لَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى ?لْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ ?للَّهِ وَرِضْوَاناً)) (الفتح:29)، وربما كان اتخاذها من نفسها نموذجاً لما ينبغي أن تكون عليه المرأة المسلمة أبلغ تأثير من كثير من الكلام، ولا شك أن أي إنسان يؤثر في غيره بمقدار صدقه وإخلاصه وتقواه وصلاحه، أي بمدى تخلقه بما يدعو إليه، وكلنا نعلم أن الإسـلام هو التخلق بأخـلاق القرآن، والعمل ما أمكن في جعله يمشي بين الناس، اقتداءً بقدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن أبرز واجباتها تجاه أسرتها: رعايتها لها، وحضانة أطفالها، وتربيتهم تربية إسلامية، فعَنْ عَبْد ِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «...وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُمْ»، وفي حديث نبوي آخر: «...وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَهِيَ مَسْؤُولَةٌ …»..
كما أن من أهم واجباتها تجاه زوجها طاعته بالمعروف، وحفظه في نفسه وماله وولده، وتهيئتها لفضاء التساكن والمودة والرحمة بينها وبينه، فلا يرى فيها إلا ما يسره وما يعينه على تحمل مشقات الحياة وقسوتها، ولا يسمع منها إلا ما يزيده شكراً لله على نعمة الزوجة الصالحة.. وكثيـرة هي واجبات المرأة ومتنوعة بتنوع الحياة نفسها، لا مجال لذكرها هنا.
ولنا بعد هذا العرض السريع لمجمل حقوقها وواجباتها أن نتساءل عن طبيعة وجودها الآن في عصرنا، وعن مكانتها الأسرية والاجتماعية والسياسية والحضارية بصفة عامة، ومدى تمتعها بحقوقها التي منحها الله لها، وأن نعلن أنها بعيدة كل البعد عن وضعيتها التي وضع أسسها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وطبقتها نساء العهد النبوي والعهد الراشدي، وأن هذه الوضعية أخذت في الانحدار إلى أن قامت بعض الدعوات المخلصة، أو المغرضة، لإخراج المرأة من أتون التخلف لتقذف في مستنقعات التغريب. وسوف نحاول، إن شاء الله، قراءة الواقع الذي تعيش تحت وطأته المرأة في عصرنا الراهن، والمفاهيم التي تحكمه وتشكله.