عمرو بن العاص ..القائد المسلم.. والسفير الأمين الجزء الأول » في حرب المسلمين
1- في غزوة بدر الكبرى
كان عمرو تاجرًا في الجاهلية، وكان يختلف بتجارته إلى مصر، وهي الأَدَم والعِطْر، كما كان يختلف بتجارته إلى بلاد الشام أيضًا، وإلى اليمن، وأرض الحبشة، في رحلتي الشتاء والصيف.
وكان جزارًا أيضًا، ويبدو أنه كان يتخذ هذه الحرفة، حين يستقر في مكة، ولا تشغله رحلاته التجارية، صيفًا أو شتاءً، إلى مختلف الأقطار عن هذه الحرفة، وبخاصة، وأن أعماله التجارية، تشغله كثيرًا من أيام السنة، فإذا انقضت تلك الأيام، عاود مزاولة حرفته الأصلية، التي يبدو أنها كانت مربحة.
وكان عمرو مع قافلة أبي سُفيان التجارية، العائدة من بلاد الشام، إلى مكة، وهي القافلة، التي ندب النبي صلى الله عليه و سلم المسلمين إليها، وكان المسلمون، يترصدون غدوها ورواحها، ويعرفون تفاصيل حركتها، من مكة إلى بلاد الشام، ومن بلاد الشام إلى مكة، فخرج المسلمون إلى موقع بدر، بين المدينة ومكة، وكان خروجهم في شهر رمضان من السنة الثانية الهجرية.
ولكنّ أبا سفيان بن حَرْب، استطاع أن يبتعد بالقافلة، عن طريق بَدْر، ويتساحل في طريق عودته إلى مكة، حتى أنقذ القافلة من المسلمين.
ولم يشهد عمرو هذه المعركة مع مشركي قريش، لأنه كان مع قافلتهم التجارية، وكانت مهمته الأولى، إنقاذ هذه القافلة من المسلمين.
2- في غزوة الأحزاب
شهد عمرو غزوة الأحزاب (الخندق) التي كانت في شهر شوال، من السنة الخامسة، مع المشركين على المسلمين أيضًا.
وقد ذكر جابر بن عبد الله، رضي الله عنه، فقال: (لقد رأيتني أحرس الخندق، وخيل المشركين تُطيِف بالخندق وتطلب غِرَّة ومَضِيقًا من الخندق، فتقتحم فيه، وكان عمرو بن العاص، وخالد بن الوليد، هما اللذان يفعلان ذلك، يطلبان الغفلة من المسلمين).
وقرّر رؤساء الأحزاب وزعماؤهم، اقتحام الخندق، وكان عمرو من بين أولئك الرؤساء والزعماء، فطلبوا مضيقًا يقتحمونه، إلى النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه، فانتهوا إلى مكان أغفله المسلمون في الخندق، فجعلوا يُكْرِهُون خيلهم، ويقولون: (هذه المكيدة ما كانت العرب تصنعها، ولا تكيدها!)، فقيل لهم: (إنَّ معه رجلاً فارسيًا، فهو الذي أشار عليه بهذا!) فعبر قسم منهم، ولكنهم أخفقوا في عبورهم، فعادوا إلى قواعدهم هاربين.
وحين أزمع المشركون، أن يرحلوا عن المدينة خائبين، بعث النبي صلى الله عليه و سلم حُذيفة بن اليَمَان، ليستطلع موقف المشركين، ويكتشف نيَّاتهم، فتغلغل بالعمق، في حشود المشركين ليلاً، وكانت الرِّيح تفعل بهم ما تفعل: ما تُقِرُّ لهم قِدْرًا ولا بناءً. وأقبل حُذيفة، حتى جلس على نار من نيران الأحزاب، مع قوم من المشركين، فقام أبو سفيان بن حرب فقال: (احذروا الجواسيس والعيون، ولينظر كل رجل جليسه)، فالتفت حُذيفة إلى أقرب رجل منه، وقال له: (مَن أنت؟) فقال: (عمرو بن العاص).
وأمر أبو سفيان بالرحيل، فجعل الناس، يرتحلون، وهو قائم، حتى خَفَّ العسكر. ثم قال لعمرو بن العاص: (يا أبا عبد الله! لابدَّ لي ولك، أن نقيم في جريدة من خيل، بإزاء محمد وأصحــابه، فإنَّــــا لا نأمن، أن نُطلب، حتى ينفذ العسكر)، فقال عمرو: (أنا أقيم). وقال لخالد بن الوليد: (ما تَرى يا أبا سليمان؟) فقال: (أنا أيضًا أقيم)، فأقام عمرو، وخالد، في مائتي فارس، وسار العسكر، إلا هذه الجريدة على متون الخيل.