قصيدة الراعي.. للسياب
قصيدة الراعي
دعي أغنامنا ارعى حيال المورد العذاب
و هيا نعتلي الربوة يا فاتنة القلب
فنلقى تحتنا الوديان في ليل من العشب
خيالانا به طيف من الآمال و الحب
خطايا تبعث الذكرى بقلب الورد و الزهر
سيبقى في غد منها صدى ينساب في النهر
و في الأنداء ما ذابت على وقع خطى الفجر
و في أغنية الرعيان ما بين الربى الخضر
سئمنا العالم الفاني و الناس و مرعانا
لقد سجنوا بأغلال من الأنظار نجوانا
سننشد في أمان من عيون الناس مأوانا
ضعي يدك الجميلة في يدي و لنذهب الآنا
و من أثواب قطعانك يا ريحانة العمر
نحوك شراع زورقنا و نطوي لجة العمر
نغني الموج أغنية الرعاة على الربى الخضر
لقيثار روى أنغامه عن ربه الشعرا
نؤم جزيرة منسية في بحرها النائي
طوى الموج بشطيها جناحيه بأعياء
و أضحى دمعه يرسم أقمارا على الماء
سنبني كوخنا تحت الغصون بجانب النبع
و نملؤه بما شئناه من زهر و من شمع
و أنغام رواها الوتر السكران بالدمع
و عطر قطفت أزهاره من ذلك الجذع
ستهوي شفتانا فيه نحو القبلة الأولى
فيصغي في صداها خافق ما زال مبتولا
تعالي نهجر الآثام و الناس و دنيانا
لأرض سبقتنا نحوها بالسير روحانا
هناك نرى المنى و الحب و الأحلام ترعانا
ضعي يدك الجميلة في يدي و لنذهب الآنا
ضمن البواكير الاولى لقصائد السياب وفي الجزء الثاني من الديوان يكتب السياب قصيدة اسمها (اغنية الراعي) وهي انتقالة تميز هذه الثنائية التقليدية والتي تتطابق مع الاصول والاصوات التي تتشابك عند السياب سواء بتضمين الخطاب الشعري وتحميله الاشكالية المحكية وتكويناتها البنائية وهي تتجاوز التمييز البنائي من الناحية التركيبية ، فالقصيدة جاءت في السيرورة الاسبقية في التحولات اللغوية والاجتماعية فالتاثير الاحتمالي الملخص في هذا المظهر من البناء الشعري يعود الى الطفولة عند السياب وماشكله الراعي من لسان وخطاب ارتبط بالاقصى من الاشياء، حيث جاء في حركة اسبقية مرتبطة بالبناء التكويني للغة وبالمساهمة المنطوقة من خلال الاختيارات داخل مستويات التحليل الرومانسي والتكوين المعقد للاشكالية البنائية التي سيطرت على الابنية اللغوية وانتجت هذا التمرير السسيولوجي للخطاب وفق نزعة سببية تقوم بهذا النحو التوليدي للمقابلة في الخطاب والبحث عن الاستخدامات المسكونة بالتغيير من ناحية المقابلة القائمة بين الاهمية التكوينية الشعرية عند السياب تجاه الراعي وبين الروابط القائمة بين الراعي والعالم الموضوعي ، والخطاب الشعري للراعي عند الشعراء الاخرين امثال (الشاعرين محمد مهدي الجواهري ، ووليم بليك ) واننا في هذه الاضاءة نحاول ان نسلط الضوء على هذه القصائد الثلاث مع الاحتفاظ بالمستوى التطوري وتشكيلاته المتقابلة في استخلاصات مشروطة بالتعدد والتمركز داخل تفاصيل الخطاب الشعري الذي يطابق عملية التوتر عند الشعراء الثلاثة في اطار التجربة الزمكانية مع التطابقات اللغوية ومع حالة المركزية الرمزية للحدس الانساني وبتحليل بنائي يخضعه الشاعر لوجهة نظره التكوينية.
يقول السياب في اغنية الراعي:
دعي اغنامنا ترعى حيال المورد العذب ،
وهيا نعتلي الربوة يافتنة القلب
فنلقي تحتناالوديان في ليل من العشب !
خيالا نابه طيف من الامال والحب !
ان اهمية البعد الزمني الملازم للتجربة الرومانسية وفق تطابق للابنية اللغوية والذي يعنينا من هذه الذات الناطقة هو الحضور لانجاز لحظة الوعي الانساني وفق التصنيفات التكوينية للصورة الشعرية واللوحة الاجرائية للبنى اللغوية والترادف الاجرائي داخل هذا المبحث الشعري بين (المورد العذب- ويافتنة القلب ) والانسجام الدقيق لمجرى الخطاب الشعري من ناحية تاكيد حقيقة الذات داخل المعاش من المضامين الثنائية( فنلقي تحتنا الوديان في ليل من العشب!) (وخيالا نابه طيف من الامال والحب ) فقد ثبتت اشكالية الذات مع الثنائية في المضامين وبقدرة لغوية متنت هذا الاتصال بالانتماء الى النزعة الجوهرية في معرفة العلاقة القائمة بين الذات ونشاطها الاجرائي، مايتأسس على هذا المنطق وتمثله التاملي والانفتاح على التجربة الموضوعية من حيث الانفتاح على العلاقة التي تربط اللغة ومعاييرها الوظيفية للتجربة الشعرية والتي تشكل حيزا كبيرا في المواءمة بين القصدية الفلسفية في الشعر وارتباطها بالحدث والسيرورة لتحديد المنجز في عملية التعالق بين المدارك الشعرية الموضوعية وارتباطها بالمعنى وبين الموروث الانساني والحشد في التدرج لايضاح طبيعة الواقع الموضوعي وتفاصيله البنائية في الشعر .
يقول السياب:
خطانا تبعث الذكرى بقلب الورد والزهر
سيبقى في غد منها صدى ينساب في النهر
وفي الانداء ماذابت على وقع خطى الفجر
وفي اغنية الرعيان مابين الربا الخضر
وتتشكل البنية المركبة في القصيدة التي تضفي عليهما القيمة الدلالية في حدود التوحد التفكيري الناضج للاداء الوظيفي الذي يشكل مستويات متعددة داخل البنية ليمنح الكلمة قيمة دلالية تنفرد بمعناها داخل الانكماش الذي يفضي الى تعدد في المعاني ،ولكن السياب وبليك حددا اكتمال الافادة في ثراء المضمون النصي بشكله الفني وهذا ما وحّد خواص التشكيل النصي عند السياب وبليك وابعدا المفردات التي لاتحتوي على مركبات هورمونية تفيد الجملة الشعرية وهذا مابرزه محمد مهدي الجواهري في قصيدة الراعي لانها تمتلك لغة جماعية تتركب بالدلالات وتبيح توليد المعنى داخل حدود الجملة الشعرية وضمن تطبيق مبحثي للنص وبقدرة على الخلق الفني بارتياد السلم الحساس للمنظور البنائي والسيطرة المتعددة لمركبات المعاني ذلك لاحتوائها على المنطق الجدلي وهي تنتهي الى التحليل الدقيق للدلالة على اساس التعدد في زوايا مفهوم النص .
يقول السياب:
سالنا العالم الفاني والناس ومرعانا
لقد سجنوا باغلال من الانظار نجوانا
سننشد في امان من عيون الناس ماوانا
السياب كرس هذا التامل في استشراف موضوعة الخلاص الوجودي في التيه مع اغنية الراعي التي تشكل منظورا قصديا في مشروع الخلاص بالارادة لانها هي الحلم والجهد الانساني الذي يحقق الرغبة لتمثيل حالة المستقبل ، فالاستشراف القانوني الوضعي عند السياب هو التعيين لهذه القابلية الانسانية على الانعتاق في حدود القدرة وارتباطها بالوجود ففضل عملية الاختزال والتشذيب للوقائع الساكنة والاسنة والانطلاق نحو بنية تحدد خصائص العالم الجديد بقصد الامكان الفعلي وتحقيق المقصود من هذه الانعطافات لانها شروع اخلاقي نحو غاية اساسها التحقق الفعلي (actualization) في جولة ملحمية (odyssey) تؤكد فعل الحرية عبر العالم التجريبي التبادلي في اطار الحدث الفعال داخل فعل اخلاقي اولي ، اذن لابد من مكونات دلالية للوصول الى هذا الوجود الانساني للوصول الى الرموز الخفية.
وهذا ياتي بالتحليل لهذه الرموز لانها الوجود السردي لهذه المرويات الشعرية لانها التشكيل الرئيس الذي تنفرد به الامكانات الوجودية لانها الاسبقية الامكانية في نظر(هيدغر)( ) وتتشكل الابنية التي يتم ربط تصوراتها وفق توفيقات اختلافية فلسفية لترتبط بانموذج التواصلات ( اللغوية والفلسفية) لانهما التركيبان اللذان يحدثا التماسك وابراز الخصائص داخل العمل الفني من خلال علاقته بالاعمال الادبية الاخرى التي تنتمي الى نفس التشكيل الثقافي ، والملاحظ ان العطاءات الثقافية هذه تتشكل وفق ظروف تاريخية معينة لكنها تعتبر ذات علاقة جوهرية من الناحية الفلسفية ، اقصد البنائية الفلسفية وهو الطابع الفلسفي الذي يحدث فيه الطابع المقارن برغم الفاصلة التاريخية ، لكننا نعتقد احيانا ان الاعمال الشعرية ربما تكون اكثر تعاصرا في مراحل زمنية مختلفة ولكن الجانب التاريخي من الناحية الفلسفية البنائية يعتمد على الاطار الفلسفي في رصده للموروث البنائي لانه تشكل وفق منطق سسيولوجي في تاثيره على الابنية الاخرى اذا كانت جمالية او فلسفية ، وقد شكلت اللغة نموذجا دقيقا في الوصف وهو الاساس لشرح وتفصيل الحركات المتولدة من الجمل الشعرية ،والمنظومة البنائية تبذل جهودا كثيرة وحثيثة لابراز الفعل الادبي من خلال لغة شعرية تجمع هذه الاطر الفلسفية ورموزها وهي تنتقل الى مجموعة من التحولات حيث يتم رصد هذه المعادلة الادبية والشعرية حصرا للوصول الى القواعد الاساسية من الفلسفة البنائية تحت قاعدة الرمز اللغوي لربة الشعر والصورة الموحية لهذا المنطق الشعري الذي تم توزيعه وفق منطق تاريخي وموضوعه تنطلق باجراء منطق تحليلي في الشعر يجمع موضوعا واحدا لقصائد الشعراء (السياب ، وليم بليك، محمد مهدي الجواهري) في قصيدة الراعي وقد اعطى السياب نقطة الانطلاقة هذه وهي تتطابق مع حجم الرموز الايحائية والبلاغية لموضوع المفردات والبنائية الفلسفية التي اقتضى شروطها لوصف هذا الراعي باستحكامات كانت قد اتصلت بالمفردة الفلسفية البنائية .
تقييم:
0
0