النانوتكنولوجي طفرة ... تستحق منك نظرة
" عذرًا أيتها الأمراض ، النانو تنقذ الأفراد " نداء عالمي توجهه تكنولوجيا الجيل الخامس من الأجيال الالكترونية و هو علم النانوتكنولوجي. فقد أصبح هو الشاغل الأساسي لكل علماء هذا العصر للاستفادة القصوى منه . و في مجال الطب تاخذ النانوتكنولوجي الصدارة في اهتمامات الباحثين و العلماء من كل حدب وصوب . ما هو النانوتكنولوجي ؟ و ما هي أهم استخداماته الطبية ؟ و ما هو مستقبله العالمي ؟ هذا ما سنتناوله في إيجاز شديد في هذا الموضوع بإذن الله .
تعريف النانوتكنولوجي
النانوتكنولوجي هي معالجة و ملاحظة المواد على ميزان النانوميتر . و النانومتر هو واحد على الميليون من الميلليمتر . و هذا يعني أن النانوميتر هو وحدة متناهية في الصغر .
و لتخيل حجم الناومتر فيمكنك تخيل المقاسات التالية :
إن متوسط سمك شعرة الرأس حوالي 100.000 نانومتر .
إن حجم أصغر وحدة من الدخان يمكن أن تراها العين المجردة هو 1000 نانومتر .
وبذلك يمكنك أن تتخيل ما مدى مقدار صغر حجم النانومتر و كيف نتعامل نحن العرب بميزان الكيلوجرام و يتعامل العلماء بالخارج بميزان النانومتر .
لماذا تم استخدام النانوتكنولوجي ؟
و لعلك تسأل ما هو الدافع الذي دفع العلماء في شتى المجالات إلى دراسة النانوتكنولوجي ؟
أولا : إن هناك قاعدة فيزيائية تثبت أن هناك علاقة بين حجم الجسم و سرعته ( أي أنه كلما قل حجم الجسم كلما زادت سرعته ) و بالتالي تزداد قوة اختراقه للإجسام الأخرى .
ثانيا : صغر حجم هذه الجزيئات يجعلها شبه شفافة ، لا ترى بالعين المجردة مما يتيح المجال إلى دراسة الأجسام المجاورة لهذه الوحدات المتناهية في الصغر بكل سهولة .
ثالثا : يتيح صغر حجم النانومتر إلى استخدامه في تطبيقات متعددة . و ذلك لأنه كلما صغر حجم الجسيم كلما كان الإنسان قادرًا على تشكيله كما يشاء .
و لنضرب مثالا في هذه النقطة : و هو أن ذرة الكربون هي المشكل الأساسي للماس حيث يتكون الماس من سلسلة هندسية معينة من ذرات الكربون . و كذلك فإن الكربون هو المشكل الأساسي للفحم أيضًا و لكن بترتيب ذري مختلف عن ترتيب ذرات الكربون . و بالتالي فإنه باستخدام تقنيات النانو تكنولوجي يمكن تحويل الفحم إلى الماس بكل سهولة عن طريق تغيير ترتيب ذرات الكربون . ربما يبدو ذلك خارق للطبيعة ، إلا أن هذا ما يمكن أن يحدث بالفعل بواسطة مجال النانوتكنولوجي
نظرة تاريخية
عام 1974 : أدخل العالم الياباني نوريو تانيجوشي مصطلح النانو لأول مرة في تاريخ البشرية حيث عبر عنه للقيام بعمليات و تركيبات عالية الدقة .
في عام 1982 : طور العالمان السويسريان جيرد بينيج ، وهاينربش رورير أدق ميكروسكوب يساعد في مراقبة الذرات ، و التأثير عليها و إزاحتها من أماكنها .
في عام 1986 : حصل العالمان السويسريان على جائزة نوبل .
في عام 1991 : تم اكتشاف الأنابيب النانومترية من قبل العالم الياباني سوميو ليجيما ، و التي وفرت مقاومة شد أعلى من مقاومة الفولاذ ( و سنتطرق إلى شرحها فيما بعد ) .
و بعد ذلك تم الإهتمام بالمنتجات و الأبحاث النانومترية من قبل العالم كله ، فالكل يتسابق من أجل تطوير النانو و استغلاله في المزيد من التطبيقات حتى وصل إجمالي الإنفاق العالمي على البحث في مجال النانوتكنولوجي ما يزيد على 54 مليار يورو عام 2001 ، و يتوقع أن يتضاعف هذا الإنفاق باستمرار
و في عام 2007 : نجح العالم المصري الدكتور مصطفى السيد في استخدام تكنولوجيا النانو وتطبيقها على ذرات الذهب لمداهمة مرض السرطان اللعين.
و يعتبر النانوتكنولوجبي هو الجيل الخامس في مجال الالكترونيات وذلك بعد أربعة أجيال متطورة وهي بالترتيب : المصباح الالكتروني ( الجيل الأول ) ، الترانزستور ( الجيل الثاني ) ، الذرات الاكترونية ( الجيل الثالث ) ، و المايكروترانزستور ( الجيل الرابع ) . و قد أحدث كل جيل من هذه الأجيال السابق ذكرها طفرة جديدة في عالم الانسانية بوجه عام في شتى مجالاتها المختلفة . و لذلك يمكننا أن نقول أن النانو تكنولوجي سيحدث طفرات هائلة بالفعل كما فعلت هذه الأجيال الأربعة .
استخدامات النانوتكنولوجي في المجال الطبي
يعتبر الطب من العلوم التي حدث فيها طفرات متعددة بعد اكتشاف النانو ، وذلك بسبب التطبيقات المتعددة التي تطورت بعد ذلك للوقوف بجانب المرضى لتحقيق الكثير من العمليات التشخيصية و العلاجية لهم باستخدام تقنيات النانو . و نتناول فيما يلي بعض تطبيقات النانو الطبية :
1. مسحوق النانو ( NANOPOWDER )هي مركبات نانومترية يبلغ قطرها اقل من 100 نانوميتر ، و تتخذ المركبات التي يتم تحويلها إلى هذه الصورة عدة مميزات من أهمها أنها تكون أكثر مقاومة للتآكل و أكثر صلابة ، و يمكن لهذه المركبات أن توصل الالكترونات و الأيونات و المجال الكهربي أفضل من الفلزات العادية . و تتخذ هذه المركبات قوة مغناطيسية فائقة أيضًا بالإضافة إلى الكثير من المميزات الفيزيائية الأخرى .
و قد استفاد الطب كثيرًا من مسحوق النانو ؛ وذلك في تصنيع الأدوية المستنشقة ( Inhaled Drugs ) حيث أن المركبات الميكومترية يمكن أن تترسب على جدران الحويصلات الهوائية بالرئة و يؤدي ذلك عادة إلى الكثير من المضاعفات و الآثار الجانبية لتناولها ، أما باستخدام مسحوق النانو فقد تم التغلب على هذه المشاكل نهائيًا لتصبح الأدوية المستنشقة اقل خطورة على المريض .
جزيئات مسحوق النانو
2. الأنابيب النانومترية ( NANOTUBES )
هي عبارة عن مركبات نانومترية أخرى تتكون من ذرات الكربون التي تأخذ شكلا أنبوبيًا يساعدها على التميز و التفوق في كثير من الخصائص الفيزيائية حيث حصل العلماء منها على مقاومة أشد من مقاومة الفولاذ بعشر مرات ، و أشد صلابة من الماس بمرتين على الأقل .
و يبلغ قطر هذه الأنابيب عدة نانومترات ، أما طولها فقد يصل إلى عدة ميكرومترات .
تركيب الأنابيب النانومترية
فيديو يوضح كيفية تصنيع الأنابيب النانومترية
و قد تم استخدام الأنابيب النانومترية في الكثير من التطبيقات الطبية و غير الطبية . و تعتبر من أكثر تطبيقات النانوتكنولوجي استخدامًا في مختلف العلوم . و في الطب تم استخدام نوعين من أنواع الأنابيب النانومترية هما :
1. الأنابيب النانومترية وحيدة الجدار ( Single-walled nanotubes ) : و هي تتكون من طبقة واحدة من ذرات الكربون تأخذ شكل الأسطوانة .
الأنابيب النانومترية وحيدةالجدار |
2. الأنابيب النانومترية متعددة الجدران (Multiple-walled nanotubes) و التي تشبه وحيدة الجدار ظاهريًا إلا إنها تتخذ عدة طبقات مركزية فوق بعضها . ويمكن لهذا النوع الذوبان في الماء .
الأنابيب النانومترية متعددة الجدران |
ومن مميزات الأنابيب النانومترية أنها تقاوم قوى الشد و الجذب الكبيرة
و يتميز النوعان السابقان بميزة أخرى مهمة و هي أنهما لا يذوبان في جميع المركبات العضوية المختلفة إلا بطريقتين : الأولى هي اضافة حمض قوي جدًا ، و الثانية هي إضافة مجموعات عضوية عاملة ( مثل مجموعة الأمونيوم مثلا ) و التي تعطي هذه الأنابيب القدرة على الذوبان في خلايا معينة . و قد اعتمد الطب الحديث على هذه الميزة حيث يمكن تزويد الأنابيب النانومترية بمستقبلات معينة تساعد في ذوبانها في خلايا بعينها في الجسم . و من تطبيقات الأنابيب النانومترية ما يلي :
أ. توصيل الأدوية و العقاقير بواسطة الأنابيب النانومترية
و تعتبر هذه الأبحاث من أهم الأبحاث التي يعتمد عليها الباحثون و ذلك من أجل توصيل المركبات الدوائية إلى خلايا معينة. و لكن مازالت هناك بعض العقبات التي تواجه الباحثين في هذا المجال و هي صعوبة وجود مستقبلات في خلايا معينة لا توجد في خلايا نسيج آخر ، كما أن هناك توقعات بازدياد حالات التسمم من الكربون عند استخدام الأنابيب النانومترية . و مع ذلك فإن العلماء يؤكدون أنه خلال الأعوام القليلة المقبلة سوف يتم التغلب على هذه العوائق و ستكون الأنابيب النانومترية هي المركبات الأولى لحمل العقاقير إلى مختلف أنسجة الجسم و ذلك لتوافر عدة شروط بها تجعلها هي المثلى لهذا الغرض ومنها قدرتها على تخطي الحواجز الطبيعية في الجسم ، وقدرتها على تخطي الغشاء الخلوي بسبب صغر حجمها ، كما أن الأنابيب متعددة الجدران يمكنها الذوبان في السيتوبلازم و النواة يكل سهولة مما يتيح لها فرصة توصيل العقاقير إلى هذه الأماكن دون ضرر بالغ .
وقد استخدمت هذه المركبات بالفعل في تطبيق عملي على هذه النظرية و هي توصيل المضاد الحيوي أمفوسيترين بي ( Amphoceterin B ) و الذي كان يستخدم قديما في علاج حالات الإصابة بالفطريات ( إلا أنه لم يعد يستخدم لذلك و ذلك لأنه يتسبب في اضرار بالغة للخلايا التي يصل إليها فيسبب تدمير معظمها ) . أما باستخدام الأنابيب النانومترية فقد تم الحصول على نتائج مبهرة بواسطة ذلك الدواء .و تمثل الصورة التالية نتائج هذه التجربة .
نتائج التجربة السابق ذكرها توضح أن نسبة المةت للخلايا البشرية تقل كثيرًا عندما يتم إضافة الأمفوسيترين بي إلى الأنابيب النانومترية |
ب. الأنابيب النانومترية في العلاج بالجينات
وتستخدم الأنابيب النانومترية لذلك بسبب قدرتها البالغة في تخطي العقبة الكبرى التي تواجه الطرق العادية و هي الغشاء النووي ، حيث أصبح بالإمكان توصيل الجينات المختلفة إلى داخل النواة دون إحداث إصابات بالغة في الخلية . و كلنا يعرف أن الطريقة المثلى التي تستخدم حاليًا في هدا الغرض هي الفيروسات الحاملة ( Viral Vectors ) إلا أن العلماء يعتقدون أنه باستخدام الأنابيب النانومترية سوف تقل بشدة الآثار الجانبية للفيروسات الحاملة و التي قد تنشط الجهاز المناعي للجسم فيحدث بذلك التهابات جسيمة . و قد تم استخدام هذه النظريات في عدة دراسات ووجد أن هذه الطريقة تتمتع بمزايا كثيرة و متنوعة منها قلة حدوث التسممات ، الذوبان في أنوية الخلايا المختلفة ، و القدرة على تخزينها لفترات طويلة دون أن تتأثر.
كانت هذه بعض استخدامات الأنابيب الناومترية في مجال الطب ، و هناك الكثير من الإستخدامات الطبية الأخرى التي لا يتسع المجال لذكرها .
3. الأجهزة الحيوية النانومترية (Biological Nano devices
تعتمد فكرة هذه الأجهزة على إعادة بناء المركبات النانومترية لتكوين مركبات جديدة تساعد في التطور الطبي . و هذه المركبات إذا كان قطرها أصغر من 100 نانومتر فإنه بإمكانها أن تدخل إلى الخلايا الحيوانية المختلف ( التي يبلغ قطرها 10 : 20 ألف نانومتر ) و بالتالي يمكنها الوصول إلى مختلف العضيات الخلوية مثل الميتكوندريا حيث تتعامل مع الحمض النووي محدثة التغييرات المطلوبة .
و يمكننا باستخدام هذه المركبات تشخيص أمراض كثيرة في الخلايا بطرق أقل عنفًا من الطرق الحالية .
4. الحوامل النانومترية و علاج السرطان
يعتمد الباحثون الآن للحكم على الأدوية و العقاقير التي تستخدم في العلاج الكيميائي لهذا المرض اللعين على مدى كفاءة الدواء في الوصول إلى هدفه باخل الخلية التي يجب الوصول إليها ، و كذلك على مدى قدرته على إختيار هدفه بكل دقة . و لذلك يتجه العلماء حاليًا إلى البحث في مجال النانوتكنولوجي لتكون حاملة إلى هذه الأدوية .
صورة توضح شكل الحوامل النانومترية |
و يعتبر هذا الموضوع من أهم الإنجازات الطبية الحديثة و التي توصل إليها العالم المصري الجليل دكتور مصطفى السيد . و بهذا الإكتشاف العظيم تم ادخال كميات كبيرة نسبيًا من ذرات الذهب الى الخلايا بكفاءة عالية للوصول الى هدفها المحدد .
الحوامل النانومترية و مهاجمة الخلايا السرطانية |
مستقبل النانوتكنولوجي في الطب
يعتقد العلماء و الباحثون في هذا المجال حدوث عدة طفرات طبية جديدة باستخدام النانوتكنولوجي . و من الدراسات التي يجري البحث فيها حاليًا :
1. النانوكمبيوتر ( Nanocomputers )
حيث تم تصميم كمبيوترات متناهية الصغر يتم حقنها في جسم المريض ، تقوم بعمليات محددة حسب برمجنها . وتكون هذه الكمبيوترات متناهية الصغر و ذاتية التحلل ، وسوف يتم استخدامها في كثير من المجالات بحلول عام 2010 : 2020 ومنها :
أ. القضاء على الخلايا المتسرطنة: حيث بإمكان هذه الأجهزة المتناهية الصغر أن تتحرك داخل الجسم بحثا عن الخلايا السرطانية وقتلها.
ب. الإمداد بالأوكسجين
ت. ميتوكندريا صناعية
2. خلايا الدم النانومترية ( Respirocytes )
و هي خلايا دم حمراء صناعية يمكنها حمل الأكسجين بقدرات فائقة حيث تصل قدرتها في ذلك 236 مرة مثل خلايا الدم الحمراء الطبيعية .
خلايا الدم النانومترية تجاور خلايا الدم الطبيعية
3. خلايا الأوعية الدموية ( Vasculocytes )
وهي خلايا تقوم باصلاح أمراض الشرايين المختلفة مثل تصلب الشرايين و انفجارالشرايين .
خلايا الأوعية الدموية النانومترية تقوم بوظيفتها في علاج تصلب الشرايين
4. الخلايا المنظفة ( Microbivore )
وهي أجهزة تقوم بتنظيف الدم من الأجسام العالقة فيه والمسببة للأمراض .
الخلايا المنظفة النانومترية
و لا أجد أي شيء أختم به مقالي هذا إلا قول الله تعالى : " علم الانسان ما لم يعلم " ، و قوله تعالى : " و فوق كل ذي علم عليم " .