فضاءات العمارية الشرقية

العمارية الشرقية

فضاء القرآن الكريم والسنة النبوية

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدة
ممدوح على حسنين على حسين على مكايد
مسجــل منــــذ: 2018-05-05
مجموع النقط: 781.11
إعلانات


خطبة جمعة عن الصدق

مع الصدق والصادقين
الحمد لله الذي علا وقهر ,وعز واقتدر وفطر الكائنات بقدرته فظهرت فيها ادلة وحدانية من فطر فسبحانه من اله عظيم لا يماثل ولا يضاهى ولا يدركه بصر وتعالى من قادر محيط لا تنجي منه قوة ولا مفر .
وأشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له على رغم أنف من جحدبه وكفر شهادة ندخرها ليوم لا ملجأ فيه ولا وزر شهادة نرجو بها النجاة من نار لا تبقي ولا تذر .
وأشهد ان سيدنا محمد عبده ورسوله سيد البشر وعلى اله وصحبه السادة الغرر الذين جاهدوا في الله حقّ جهاده فما وهى عزم احدهم ولا فتر .
عباد الله اتقوا الله حق التقوى وراقبوه في السر والعلن وتمسكوا بما شرع الله لكم من الدين القويم وأعلموا أن طاعة الله فيها السلامة والنجاة وفيها الرفعة والعزة وإياكم والمعاصي فإنها توجب اليم العقاب ووبيل العذاب .
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ
وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ))آل عمران102
َ((يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ))النساء1
الصدق به تميّز أهل النفاق من أهل الايمان وسكان الجنان من أهل النيران وهوسيف الله في أرضه الذي ما وضع على شيء الا أقامه ولا واجه الباطل إلا أرداه وصرعه .
الصدق من نطق به علت على الخصوم كلمته
الصدق هو الباب الذي دخل من الواصلون الى حضرة ذي الجلال .
أمر الله سبحان أهل الايمان أن يكونوا مع الصادقين فقال جل وعلا
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ))التوبة119
قال الإمام ابن كثير رحمه الله : " أي اصدقوا والزموا الصدقَ تكونوا من أهله وتنجوا من المهالك، ويجعل لكم فرجاً من أموركم ومخرجاً...
وقال الحسن البصري: إن أردت أن تكون مع الصادقين فعليك بالزهدِ في الدنيا والكفِّ عن أهلِ المِلّة
.قال القرطبي : حقُّ مَنْ فَهِمَ عن الله وعقل عنه أن يلازمَ الصدقَ في الأقوال، والإخلاصَ في الأعمال، والصفاءَ في الأحوال، فمن كان كذلك لحق بالأبرار ووصل إلى رضا الغفّار.
وجعل الله الصادقين مع الذين انعم عليهم من النبيين
فقال تعالى(( وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً ))النساء69 وأخبرنا جل وعلا أن الصدق كله خير فقال تعالى ((فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ ))محمد21
وقسّم الله تعالى الناس الى قسمين لا ثالث لهما إمّا صادق وإما منافق فقال تعالى ((لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً ))الأحزاب24
فالايمان اساسه الصدق والنفاق اساسه الكذب فلا يجتمع كذب وايمان ابداً
ويوم القيامة لا ينفع العبد الا الصدق فقال تعالى ((قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ))المائدة119
وقد أمر الله رسوله أن يسأله أن يجعل مدخاه ومخرجه على الصدق فقال تعالى ((وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً }الإسراء80
وأخبرنا جل وعلا عن خليله إبراهيم حين دعاه أن يجعل له لسان صدق فقال تعالى ((وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ))الشعراء84
وحقيقة الصدق عباد الله
هو الحقّ الثابت المتصل بالله والموصل اليه من الاقوال والاعمال
والصدق عباد الله جسر الى الجنة فقد جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((إن الصدق يهدي الى البر وإن البر يهدي الى الجنة وإن الكذب يهدي الفجور وإن الفجور يهدي الى الجنة ))
وفال صلى الله عليه وسلم
((إضمنوا لي ستاً أضمن لكم الجنة اصدقوا إذا حدثتم وأدوا إذا اوئتمنتم واوفوا إذا عاهدتم واحفضوا فروجكم وغضوا أبصاركم وكفوا أيديكم ))
وقال إبراهيم الخواص (الصادق لا تراه إلا في فرض يؤديه أو فضل يعمل فيه )
وقال يوسف بن اسباط (لأن أبيت ليله أعامل الله بالصدق أحب اليّ من أن اضرب بسيفي في سبيل الله )
وقال أخر(من طلب الله بالصدق أعطاه مرأه يُبصر فيها الحقّ والباطل )
عباد الله
الصدق حقيقته أن تصدق في مواطن لا ينجيك منها إلا الكذب
عباد الله
إجعلوا الصدق مطيتكم والحقّ سيفكم والله تعالى غاية مطلبكم
فالصدق دعامة الفضائل وعنوان الرُقي ودليل الكمال ومظهر من مظاهر السلوك النظيف
الصدق عباد الله لا يستغني عنه عالم ولا حاكم ولا قاضي ولا تاجر ولارجل ولا امرأة ولا صغير ولا كبير
الصدق عباد الله من صفات الله تعالى فهو القائل ((ومن اصدق قيلا ومن أصدق من الله حديثا ))
وقال تعالى ((إن الله لا يخلف الميعاد))
وقال جل شأنه ((ومن أوفى بعهده من الله ))
الصدق عباد الله أهمّ صفة تميّز بها الانبياء
قال تعالى ((واذكر في الكتاب إسماعيل
وقال تعالى ((وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً ))مريم41
وقال تعالى ((وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً ))مريم54
وقال تعالى ((وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً ))مريم56
وإمام الصادقين هو محمد صلى الله عليه وسلم فقد كان يلقب قبل البعثة بالصادق الامين
ونظر أحد الاعراب الى وجهه صلى الله عليه وسلم فأبصر أمارات الصدق تُشع من وجهه صلى الله عليه وسلم فقال والله ما هذا بوجه كذاب
وصعد النبي صلى الله عليه وسلم جبل الصفا وجمع بطون قريش فقال لهم لو اخبرتكم أن خيلاً خلف هذا الوادي ستغير عليكم اكنتم مصدقيّ
فقالوا جميعا ما جربنا عليك كذباً
وقال تعالى ((وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ))الزمر33 أي أن رسول الله جاء برسالة قائمة على الصدق
والذي جاء بالصدق في قوله وعمله من الأنبياء وأتباعهم, وصدَّق به إيمانًا وعملا أولئك هم الذين جمعوا خصال التقوى, وفي مقدمة هؤلاء خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم والمؤمنون به, العاملون بشريعته من الصحابة, رضي الله عنهم, فمَن بعدهم إلى يوم الدين.
عباد الله إن الاتصاف بالصدق خير من كل شيء من أعراض الدنيا
وهذا أعرابي كان مع النبي صلى الله عليه وسلم وقال له أهاجر معك،فهاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم وأنطلقوا الى غزوة خيبر و بعد خيبر قسّم
النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي وأصحابه وكان يرعى دوابهم فلما جاءوه قال للنبي صلى الله عليه وسلم ما هذا الذي وصلني؟ ما على هذا اتبعتك ولكن اتبعتك على أن أرمى إلى هاهنا بسهم فأموت فأدخل الجنة. قال صلى الله عليه وسلم : ((إن تصدق الله يصدقك))، فلبثوا قليلاً وهاجموا العدو وأثاب الله الأعرابي كما طلب فقيل أهو أهو قال صلى الله عليه وسلم :
(( صدق الله فصدقه)) فكُفِّن في جبة النبي صلى الله عليه وسلم ثم قدمه فصلى عليه فكان فيما ظهر من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة (( اللهم هذا عبدك خرج مهاجراً في سبيلك وقتل شهيداً أنا شهيد على ذلك)).
ولما للصدق من رابطة قوية بالإيمان، فقد جوّز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقع من المؤمن ما لا يُحمد من الصفات، غير أنه نفى أن يكون المؤمن مظنه الوقوع في الكذب؛ لاستبعاد ذلك منه، وقد سأل الصحابة فقالوا: (يا رسول الله أيكون المؤمن جبانـًا؟ قال: " نعم "، فقيل له: أيكون المؤمن بخيلاً؟ قال: نعم، قيل له: أيكون المؤمن كذَّابـًا؟ قال: " لا "))(رواه الإمام مالك).
والصدق خلق جميل يمكن اكتسابه بالاعتياد عليه، والحرص على التزامه، وتحري العمل به، حتى يصل صاحبه إلى المراتب العالية، يرتقي من واحدة إلى الأعلى منها بحسن خلقه، ولذلك يقول - صلى الله عليه وسلم -: ((عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق، ويتحرى الصدق، حتى يُكتب عند الله صدِّيقا))، وكذلك شأن الكاذب في السقوط إلى أن يختم له بالكذب: ((وإياكم والكذب؛ فإن الكذب
يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب، ويتحرى الكذب، حتى يُكتب عند الله كذَّابا))(رواه البخاري ومسلم).
قال الله - تعالى ((مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ)) الأحزاب: 23.
وقال ابن عباس: أربع من كن فيه فقد ربح: الصدق، والحياء، وحسن الخلق، والشكر.
وقال بشر بن الحارث: من عامل الله بالصدق استوحش من الناس.
وقال رجل لحكيم: ما رأيت صادقًا! فقال له: لو كنت صادقًا لعرفت الصادقين.
وقيل لذي النون: هل للعبد إلى صلاح أموره سبيل؟ فقال:
قد بقينا من الذنوب حيارى فدعاوى الهوى تَخفُ علينا
نطلب الصدق ما إليه سبيل وخلاف الهوى علينا ثقيل
وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: (ما كذبت مذ علمت أن الكذب يشين صاحبه)
وقال الإمام الأوزاعي رحمه الله(والله لو نادى منادٍ من السماء أن الكذب حلال ما كذبت)
وقال الشعبي رحمه الله: "عليك بالصدق حيث ترى أنه يضرك فإنه ينفعك.واجتنب الكذب حيث ترى أنه ينفعك فإنه يضرك" وقال عبد الملك بن مروان لمعلم أولاده: "علمهم الصدق كما تعلمهم القران".
ويقول الشاعر:
عود لسانك قول الصدق تحظ به إن اللسان لما عودت معتاد
عباد الله إن الصدق انواع فمن انواع الصدق
صدق في نقل الأخبار:
مطلوب من المسلم الناقل التثبت فيما يقال واجتناب الظنون والأوهام والحذر من التحدث بكل ما يسمع كما قال عليه الصلاة والسلام: ((كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع))
وكما قال: ((إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث)) ومن ذلك لمز الدعاة والمصلحين وترديد الأباطيل والأراجيف الكاذبة التي يروجها المغرضون والمفسدون بهدف تشويه دعاة الحق الذين يصدعون به ولا يخافون لومة لائم ويتلقف هذه التهم أناس لا علم لهم ولا تثبت فتلوكها ألسنتهم، وكأنها قضية مسلمة لا مرية فيها، وقد حذر سبحانه من هذا المسلك المنحرف فقال:
((إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون ))
وقال الله عز وجل: ((ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلاً ))
قال ابن عباس: أي لا تقل، وقال: لا ترم أحدا بما ليس لك به علم، وهذا النوع من الصدق في القول يحتم على الصادق أن يراعي معنى الصدق في ألفاظه التي يناجي بها ربه جل وعلا كقوله مثلا: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض، فإن قلبه إذا كان منصرفا عن الله تعالى مشغولا بأماني الدنيا وشهواته فهو كاذب.
ومن انواع الصدق عباد الله
الصدق في الافعال والاقوال والصدق في الفعل هو معاملة الله تعالى بصدق نية، وإخلاص، ومحبة، ويقين، واتباع لشرع رسول الله عليه الصلاة والسلام ، ومعاملة الخلق بصدق ورحمة ووفاء، قال الله تعالى: ((وَلَـ?كِنَّ ?لْبِرَّ مَنْ ءامَنَ بِ?للَّهِ وَ?لْيَوْمِ ?لآخِرِ وَ?لْمَلَـئِكَةِ وَ?لْكِتَـ?بِ وَ?لنَّبِيّينَ وَءاتَى ?لْمَالَ عَلَى? حُبّهِ ذَوِى ?لْقُرْبَى? وَ?لْيَتَـ?مَى? وَ?لْمَسَـ?كِينَ وَ?بْنَ ?لسَّبِيلِ وَ?لسَّائِلِينَ وَفِي ?لرّقَابِ وَأَقَامَ ?لصَّلَو?ةَ وَءاتَى ?لزَّكَو?ةَ وَ?لْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَـ?هَدُواْ وَ?لصَّابِرِينَ فِى ?لْبَأْسَاء و?لضَّرَّاء وَحِينَ ?لْبَأْسِ أُولَـئِكَ ?لَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ ?لْمُتَّقُونَ)) البقرة:177
قال صلى الله عليه وسلم: ((أنا زعيم بيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً)) رواه ابو داوود
فهذا هو الرّبح الأوفر لأهل الصدق، وأي ربح أعظم من الجنة
ومن انواع الصدق عباد الله
الصدق في الوعد والوفاء به:
سواء كان هذا الوعد على مكان معين أو في زمان معين أو على أعطية أو زواج أو أي أمر آخر يعد به الرجل أخاه، فالصدق في القول يستلزم الوفاء بها وعدم إخلافها مهما كانت الظروف، وللأسف الشديد فإن هذا النوع من الصدق في القول لازلنا نفتقده كثيرا في واقعنا وقل من يحرص عليه.
الصدق في الوفاء بالعقود والعهود :
سواء كان عهدا مع الله عز وجل أو مع رسوله صلى الله عليه وسلم أو مع أي أحد فالوفاء بكل ذلك من لوازم الصدق كما أن إخلاف أي منها من لوازم الكذب والنفاق ((وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون )).
فالوفاء بعهد الله عز وجل يقتضي توحيده وإفراده بالعبادة، كما يقتضي التحاكم إلى شرعه وحده والكفر بالطاغوت، وهذا هو مقتضى الصدق في شهادة أن لا إله إلا الله التي يرددها الإنسان بلسانه.
كما أن الوفاء بعهده صلى الله عليه وسلم يقتضي إحياء سنته والذب عنها وتقديم قوله على قول كل أحد، وهذا مقتضى شهادة أن محمدا رسول الله،
وأما الوفاء بعهد الناس فقد جعل الشرع إخلافه والغدر فيه من أشد أنواع الكذب بل جعله من أركان النفاق وآيات المنافقين كما قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه الشيخان: ((أربع من كن فيه كان منافقا خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهم كانت فيه خصلة من النفاق: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)) وقال عليه الصلاة والسلام فيما
رواه عنه أحمد من حديث أبي هريرة: ((لا يجتمع الإيمان والكفر في قلب امرئ، ولا يجتمع الكذب والصدق جميعا، ولا تجتمع الخيانة والأمانة جميعا)).
ولذا كان حرص السلف على الوفاء بالعهد بل بما هو دونه فأخرج الفريابي عن عبد اله بن عمرو لما حضرته الوفاة قال: انظروا فلانا لرجل من قريش. فإني كنت قلت له في ابنتي قولا يشبه العدة وما أحب أن ألقى الله تعالى بثلث النفاق، وأشهدكم أني قد زوجته.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا مع الصادقين وأن يحشرنا معهم وأن يعصمنا من الكذب والزلل، إنه ولي ذلك والقادر عليه، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي أحسن خلق الإنسان وعدّله وعلّمه البيان وبه فضلّه وأمدّه بلسان يترجم به عما حواه و عقله والصلاة والسلام على من أرسله ربه و أكرمه وبالقرآن الكريم أرسله وعلى آله وأصحابه ما كبّر عبد وهلّله .
وبعد عبادالله
إن الصدق أساس الثقة بين الأفراد كما أنه الصفة الأساسية للمؤمن لانه دليل قوة الشخصية و مراقبة الله فى كل سلوك و عمل و هو الغنى الأكبر للنفس المؤمنة,
يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم(( أربع إذا كن فيك فلا عليك مافاتك من الدنيا: حفظ أمانة و صدق حديث و حسن خليقة و عفة فى طعمة))
و من أجل ذلك أن ينأى المؤمن عن كل صورة من صور الكذب نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الكذب و لو على سبيل المزاح بقوله: ((لا يؤمن العبد الإيمان كله حتى يترك الكذب فى مزاحه و إن كان صادقا))
تقول أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها ما كان خلق أبغض غلى رسول الله صلى الله عليه و سلم من الكذب و لقد كان الرجل يكذب عنده الكذبة فمايزال فى نفسه شىء حتى يعلم أنه قد أحدث فيها توبة
و يروي لنا الصحابى عبدالله بن عامر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم موقفا يعتبر دستورا فى التربية الإسلامية و منهجا متكاملا فى التعامل مع الاطفال و فى تنشئتهم على الصدق
قال عبدالله: دعتنى أمى يوما و أنا صغير و رسول الله صلى الله عليه و سلم قاعد فى بيتنا فقالت: تعالى أعطك, فقال لها صلى الله عليه و سلم: ما اردت ان تعطيه؟ قالت اردت ان أعطيه تمرا فقال لها رسول الله صلى الله عليه و سلم ((أما إنك لو لم تعطيه شيئا كتبت عليك كذبة))
و ما أجدرنا أن نضع هذا التوجيه النبوى الكريم نصب أعيننا فى تعاملنا مع أطفالنا لينشئوا على الصدق
عباد الله إن للصدق ثمرات عظيمة منها أولاً
الصدق = طمأنينة وثبات:
ومن آثار الصدق ثبات القدم، وقوة القلب، ووضوح البيان، مما يوحي إلى السامع بالاطمئنان، ومن علامات الكذب الذبذبة، واللجلجة، والارتباك، والتناقض، مما يوقع السامع بالشك وعدم الارتياح، ولذلك: قال صلى الله عليه وسلم ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة))رواه الترمذي وقال: حديث صحيح
الصدق نجاة وخير:
ففي قصة توبة كعب بن مالك يقول كعب بعد أن نزلت توبة الله على الثلاثة الذين خلفوا: " يا رسول الله إن الله - تعالى - إنما أنجاني بالصدق، وإن من توبتي أن لا أحدّث إلا صدقـًا ما بقيت "، ويقول كذلك: " فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط، بعد أن هداني للإسلام، أعظم في نفسي من صدقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا أكون كذبته، فأهلك كما هلك الذين كذبوا … "(رواه البخاري).
فصدق الله القائل (( فلو صدقوا لكان خيراً لهم ))
وقيل للقمان الحكيم: ألست عبد بني فلان؟ قال بلى. قيل: فما بلغ بك ما أرى؟ قال: تقوى الله - عز وجل -، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وترك مالا يعنيني
ثالثاًوعلى الصدق يترتب الأجر والثواب يوم القيامة كما قال سبحانه: ((ليجزي الله الصادقين بصدقهم ))وكما قال: ((هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ))ويقول ابن تيمية رحمه الله: والصدق أساس الحسنات وجماعها، والكذب أساس السيئات ونظامها. ومصداق ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بالصدق))
وقال تعالى ((إِنَّ ?لْمُسْلِمِينَ وَ?لْمُسْلِمَـ?تِ وَ?لْمُؤْمِنِينَ وَ?لْمُؤْمِنَـ?تِ وَ?لْقَـ?نِتِينَ وَ?لْقَـ?نِتَـ?تِ وَ?لصَّـ?دِقِينَ وَ?لصَّـ?دِقَـ?تِ وَ?لصَّـ?بِرِينَ وَ?لصَّـ?بِر?تِ وَ?لْخَـ?شِعِينَ وَ?لْخَـ?شِعَـ?تِ وَ?لْمُتَصَدّقِينَ وَ?لْمُتَصَدّقَـ?تِ و?لصَّـ?ئِمِينَ و?لصَّـ?ئِمَـ?تِ وَ?لْحَـ?فِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَ?لْحَـ?فِـظَـ?تِ وَ?لذاكِـرِينَ ?للَّهَ كَثِيراً وَ?لذاكِر?تِ أَعَدَّ ?للَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)) الأحزاب:35.
رابعاً أن الصدق أساس الخير والبركة والنماء في الأموال والأولاد وكل المعاملات كما قال عليه الصلاة والسلام: ((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما)) وكان جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه إذا بايع أحدا قال: أعلم يا أخي أن ما أخذنا منك خير مما أعطيناك فاختر.
فقد يتوهم بعض الناس أن ستر الحقائق ودفن الأخطاء والعيوب في التعاملات يدر لهم ربحا ويدفع عنهم شرا، وهذا وهم وسراب، فمثل هذا التاجر كسبه ممحوق بركته حتى تجد كثيرا منهم يتساءل ويعجب أين تذهب أموالنا في حين أن غيرهم ممن يصدق في بيعه يبارك الله له في هذا القليل.
خامساًثم من أعظم ثمرات الصدق في الدنيا:
حسن الخاتمة:
وما أعظمها من ثمرة لو لم يكن للصدق ثمرة لكفى، فحسن الخاتمة هي التي من أجلها شمر المشمرون، وهي التي أقضت مضاجع الصالحين وأوجلتقلوب العارفين، وهذا حق لا ريب فيه فإن العبد عندما يصدق ويتحرى الصدق فإنه يكتب عند الله صديقا ويوفق إلى قول كلمة الصدق عند موته التي هي شهادة ألا إله إلا الله، التي من كانت آخر كلامه من الدنيا دخل الجنة، وهذه الكلمة إنما يكون للنطق بها في هذا الموقف هذا الفضل لأنها صدق في ذاتها ولا يوفق إليها إلا صادق، وهو عندما يقولها في هذا الوقت تكون شهادة صدق لأنها شهادة من عبد موقن بها عارف بمضمونها قد ماتت منه الشهوات ولانت نفسه المتمردة وانقادت بعد إبائها واستعصائها وأقبلت بعد إعراضها وذلت بعد عزها وخرج منها حرصها على الدنيا وفضولها واستسلمت بين يدي ربها وفاطرها ومولاها الحق أذل ما كانت له وأرجى ما كانت لعفوه ومغفرته ورحمته وتجرد فيها التوحيد بانقطاع أسباب الشرك واجتمع همها على من أيقنت بالقدوم عليه والمصير إليه، فوجه العبد وجهه بكليته إليه وأقبل بقلبه وروحه وهمه عليه فاستسلم وحده ظاهرا وباطنا واستوى سره وعلانيته فقال: لا إله إلا الله مخلصا من قلبه وقد تخلص قلبه من التعلق بغيره وشارف القدوم على ربه وخمدت نيران شهوته وامتلأ قلبه من الآخرة فصارت نصب عينيه، وصارت الدنيا وراء ظهره فكانت تلك الشهادة الصادقة الخالصة خاتمة عمله فطهرته من ذنوبه وأدخلته على ربه لأنه لقي ربه بشهادة صادقة خالصة وافق ظاهرها باطنها وسرها علانيتها.
اللهم احسن ختامنا وارزقنا الصدق في الاقوال والافعال يارب العالمين
هذا وصلوا ـ عباد الله ـ على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه
فقال (( ان الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما))اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين...
************
المصدر كتاب بستان الخطيب
للشيخ امير بن محمد المدرى

تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة