اخترت لك هذه المقالة
التلفاز
من وسيلة إعلام وتوجيه جماهيري إلى وسيلة إعاقة اجتماعية ونفسية وأسرية
ما الذي يجمع الأسرة اليوم في المنزل؟
ليس الجلوس في أوقات تناول الطعام التي كانت مقدّسةً يومًا ما.
ليس للنقاش حول موضوعات الحياة والأسرة والعائلة، العائلة الكبيرة والممتدة التي لم تعد أواصرنا معها كما كانت منذ عشرين عامًا، فلم تعد تحتل أي مكانة للنقاش حول أحوالها وأخبارها وأفرادها.لم يعد اجتماع الأسرة لنقل الخبرات والتجارب، وتعليم النشء الأعراف والتقاليد وثقافة المجتمع السائدة ليراعيها في تعاملاته، من خلال الحوار واستشفاف أفكار النشء، ومن ثمّ توجيهها أو تعزيزها، أو من خلال حكاية قصص الماضي التي تعرّف الأبناء على الأهل أخوالاً وأعماماً وأقارب، بل وحكاية سيرة الأب والأم الذاتية ومواقفهم وأحلامهم لتكون لهم قدوة.
صار التلفاز اليوم هو رب الأسرة الحقيقي.
صار التلفاز هو الأب الذي يجتمع حوله الجميع، ويحتضن الجميع، وينصت إليه الجميع بتدبّر وإصغاء، وينظر إليه الجميع باهتمام وتفرّس، ويصدّقه الجميع في كل ما يحكيه، حتى لو كان من بنات أفكار كاتب لم يعرف للرحم صلةَ في حياته، ولم يدخل مسجداً، ولم يتأثر في حياته بنماذج أخلاقية ليعيد إنتاجها في أعمال فنية صارت هي الأب وألأم في تشكيل فكر وثقافة أجيال كاملة.
صار التلفاز هو المغناطيس الأكبر في حياتنا، يجذبنا، فنهرول ناحيته، ونترك كل شيء:
لقد تحوّل التلفاز من وسيلة إعلام وتوجيه جماهيري إلى وسيلة إعاقة بل تدمير - اجتماعية ونفسية وأسرية.
فقد أعاق النشء عن استقبال الحصة الواجبة لهم في وقت الآباء والأمهات والأقارب للجلوس معاً - دون أي شاغل والاستماع بإنصات وتوقير لتجاربهم وقصصهم عن العائلة والمجتمع والعادات والتقاليد والأعراف والأخلاق والدين. فيستقون مع هذه المعارف الاجتماعية أخلاقيات الجلوس أمام الأب والأم، وتتلاقى النظرات من الجالسين أمام بعضهم البعض، وتتواصل الأجيال ولا تنقطع الثقافة من جيل إلى جيل، وتكبر قيمة الكبار في نفوس النشء عمليًا ومن خلال المجالسات واللقاءات اليومية، وتكبر في نفوسهم بالتبعية القيم والمباديء التي تعلًموها وناقشوها خلال هذه الجلسات أو المحاورات، والتي قد تكون في نزهة أو في زيارة قصيرة أو طويلة لقريب أو صديق.
أعاق التلفاز الناس عن الخروج. فلم يخرجون ومباراة الكرة تذاع؟ وحتى لو خرجوا لزيارة أو نزهة، فلن يجدوا أحداً يهتم باستقبالهم والجلوس معهم، ?ن أهل البيت الآخر مشغولون بمشاهدة نفس المباراة المقدسة، التي يبثها على الأبصار والأسماع رفيقهم الدائم: التلفاز!
لقد أثبت التلفاز أنه قوي، وأناني، ولا يرضى إلا بأن يستولي على وقتك، وحواسك من سمعٍ وبصرٍ وتركيز، وصحة جسدك، وعلاقاتك الاجتماعية، وينفرد وحده تقريباً - بتشكيل شخصيتك وشخصية أبنائك، وتوجيه رؤيتك لمجتمعك، وأفراده وجماعاته، وأفكاره.
فهل كان التلفاز ببرامجه التعليمية، والوثائقية، والدينية، والتربوية، والعلمية مجرد رفيق صالح مقيم، تحت الطلب، أم كان بمسلسلاته المشوقة التافهة، وافلامه محدودة أو معدومة الرقابة، وأخبار ومشاهد الجريمة والقتل الجماعي والتدمير أكثر من زعيم جذّاب كاريزمي فوضوي يحرّض على الجريمة ويدرّب عليها مجاناً عن بعد، ويهوّن الرذائل بل يحلّيها في أعين الصغار، ويستولي على سمع وبصر وعقل وقلب، بل وجسد كل أفراد أسر وبيوت المجتمع، فيما يشبه السحر الجماعي، ليقودهم إلى نهاية مدمّرة!؟
تقييم:
0
0
من وسيلة إعلام وتوجيه جماهيري إلى وسيلة إعاقة اجتماعية ونفسية وأسرية
ما الذي يجمع الأسرة اليوم في المنزل؟
ليس الجلوس في أوقات تناول الطعام التي كانت مقدّسةً يومًا ما.
ليس للنقاش حول موضوعات الحياة والأسرة والعائلة، العائلة الكبيرة والممتدة التي لم تعد أواصرنا معها كما كانت منذ عشرين عامًا، فلم تعد تحتل أي مكانة للنقاش حول أحوالها وأخبارها وأفرادها.لم يعد اجتماع الأسرة لنقل الخبرات والتجارب، وتعليم النشء الأعراف والتقاليد وثقافة المجتمع السائدة ليراعيها في تعاملاته، من خلال الحوار واستشفاف أفكار النشء، ومن ثمّ توجيهها أو تعزيزها، أو من خلال حكاية قصص الماضي التي تعرّف الأبناء على الأهل أخوالاً وأعماماً وأقارب، بل وحكاية سيرة الأب والأم الذاتية ومواقفهم وأحلامهم لتكون لهم قدوة.
صار التلفاز اليوم هو رب الأسرة الحقيقي.
صار التلفاز هو الأب الذي يجتمع حوله الجميع، ويحتضن الجميع، وينصت إليه الجميع بتدبّر وإصغاء، وينظر إليه الجميع باهتمام وتفرّس، ويصدّقه الجميع في كل ما يحكيه، حتى لو كان من بنات أفكار كاتب لم يعرف للرحم صلةَ في حياته، ولم يدخل مسجداً، ولم يتأثر في حياته بنماذج أخلاقية ليعيد إنتاجها في أعمال فنية صارت هي الأب وألأم في تشكيل فكر وثقافة أجيال كاملة.
صار التلفاز هو المغناطيس الأكبر في حياتنا، يجذبنا، فنهرول ناحيته، ونترك كل شيء:
- نترك الرياضة تماما..?ن التلفاز أشبعنا نفسياً منها، فأحسسنا أننا قمنا بها، وهذا أسهل من ممارستها. بل نترك الحركة لساعات طويلة مستمرة أمام التلفاز.. حتى تتيبس مفاصلنا.
- نترك الخروج للنزهة والسياحة والتأمل .. ?ننا نشاهدها بلا مشقة على التلفاز وبحجم كبير.
- نترك التفكير.. ?ن المذيع ومقدم البرامج والضيف يتولون عنّا مشقة الرأي والرأي الآخر.
- نترك العمل الإيجابي، وندمن ثقافة الاكتفاء بالمشاهدة.. حتى لو وقعت أمامنا كارثة في الشارع..
- نترك أعيننا تدور مع المصوّر حيث شاء..وقد سلّمنا له قيادنا المعرفي..والأخلاقي..فلا بأس من أن تذهب الكاميرا إلى عورة إنسان أو منظر قبيح أو مشهد قتل أو جريمة ..فقد فقدنا التحكم في الحواس طوعيًّا، وأسلمناها بكل ثقة عمياء إلى المصوّر وإلى التلفاز.
- نترك أبناءنا وهم جالسين بجوارنا - في صحبة التلفاز. ?ن تركهم لمن يربيهم ويحكي لهم بغض النظر عن ماذا يحكي ولماذا أسهل من أن نجشم أنفسنا عناء التربية والتوجيه وبناء الشخصية، وما يستلزمه من اطّلاع وحوارٍ ومصاحبةٍ لم نتدرب عليها.
لقد تحوّل التلفاز من وسيلة إعلام وتوجيه جماهيري إلى وسيلة إعاقة بل تدمير - اجتماعية ونفسية وأسرية.
فقد أعاق النشء عن استقبال الحصة الواجبة لهم في وقت الآباء والأمهات والأقارب للجلوس معاً - دون أي شاغل والاستماع بإنصات وتوقير لتجاربهم وقصصهم عن العائلة والمجتمع والعادات والتقاليد والأعراف والأخلاق والدين. فيستقون مع هذه المعارف الاجتماعية أخلاقيات الجلوس أمام الأب والأم، وتتلاقى النظرات من الجالسين أمام بعضهم البعض، وتتواصل الأجيال ولا تنقطع الثقافة من جيل إلى جيل، وتكبر قيمة الكبار في نفوس النشء عمليًا ومن خلال المجالسات واللقاءات اليومية، وتكبر في نفوسهم بالتبعية القيم والمباديء التي تعلًموها وناقشوها خلال هذه الجلسات أو المحاورات، والتي قد تكون في نزهة أو في زيارة قصيرة أو طويلة لقريب أو صديق.
أعاق التلفاز الناس عن الخروج. فلم يخرجون ومباراة الكرة تذاع؟ وحتى لو خرجوا لزيارة أو نزهة، فلن يجدوا أحداً يهتم باستقبالهم والجلوس معهم، ?ن أهل البيت الآخر مشغولون بمشاهدة نفس المباراة المقدسة، التي يبثها على الأبصار والأسماع رفيقهم الدائم: التلفاز!
لقد أثبت التلفاز أنه قوي، وأناني، ولا يرضى إلا بأن يستولي على وقتك، وحواسك من سمعٍ وبصرٍ وتركيز، وصحة جسدك، وعلاقاتك الاجتماعية، وينفرد وحده تقريباً - بتشكيل شخصيتك وشخصية أبنائك، وتوجيه رؤيتك لمجتمعك، وأفراده وجماعاته، وأفكاره.
فهل كان التلفاز ببرامجه التعليمية، والوثائقية، والدينية، والتربوية، والعلمية مجرد رفيق صالح مقيم، تحت الطلب، أم كان بمسلسلاته المشوقة التافهة، وافلامه محدودة أو معدومة الرقابة، وأخبار ومشاهد الجريمة والقتل الجماعي والتدمير أكثر من زعيم جذّاب كاريزمي فوضوي يحرّض على الجريمة ويدرّب عليها مجاناً عن بعد، ويهوّن الرذائل بل يحلّيها في أعين الصغار، ويستولي على سمع وبصر وعقل وقلب، بل وجسد كل أفراد أسر وبيوت المجتمع، فيما يشبه السحر الجماعي، ليقودهم إلى نهاية مدمّرة!؟
تقييم:
0
0