من أعلام مدينة جكني
مليئة هي صفحات التاريخ بالعظماء الذين اثروا هذه الصفحات بالعطاء اللا متناهي في مختلف المجالات،ولكن هؤلاء منهم من حظي تاريخه بالاهتمام و الشهرة و منهم ما دون ذلك، و عائد ذلك لاختلاف الأزمنة و الوسائل و مدى الوعي لدى الأجيال المتعاقبة، إذ الاهتمام الذي توليه هذه الأخيرة لموروثها على مختلف الأصعدة، يعد احد المحددات الحقيقية لمدى وعي هذه الأجيال .
وكبادرة عن حسن نية تخصص الرعاية أحد أعمدتها للتعريف بمشاهير افنوا حياتهم خدمة للمجتمع، وذلك على نحو يمكنها من تناول كل شخصية على حدة بتخصيص كل عدد لأحدها كلما كانت الفرصة سانحة.
وسنتناول اليوم شخصية مثلت وعاءا مهما من أوعية العلم و المعرفة ورمزا من رموز الاستقامة و الورع والتدين، وكل ذلك في بيئة تملؤها الفاقة والعجز على الأقل في بداية الطريق ، ترى من هي تلك الشخصية التي يتمحور حولها حديثنا اليوم ؟
أيها القارئ الكريم إنه الشيخ إسلمو ولد محمد الامين أو (طالبنا إسلمو) ،كما هو معروف ايضا بالمكانة المحترمة التي تصدرها منذ بواكير عمره إذ تولى مسؤولية مخيم كبير من المجتمع الذي يعيش فيه ، لكن ما يهمنا من كل ذلك هو تبرير البداية الصعبة التي عاشتها هذه الشخصية . إذ أن إسلمو ولد محمد الامين المولود سنة 1930 لأسرة بسيطة تجرع مرارة اليتم وهو لا يزال في بطن أمه، لكن كما يقال وراء كل رجل عظيم امرأة فمن هي تلك المرأة يا ترى التي تقف وراء صاحبنا؟ إنها والدته السيدة فاطمة منت الدي ،فلقد تربى هذا الطفل في أحضان أم ملئت عزما وهمة وصبرا فضلا على إيمانها بالمبادئ الإيمانية الفاضلة، فتعلم عليها الأحرف الأبجدية (التيدمك) ثم الأحزاب الأولى من القران الكريم، قبل أن يلتحق بمحظرة احمدو ولد الحاج أعمر وهو لا يزال صغيرا،كما انتقل ليدرس على مشايخ عدة من بينهم عبدى ولد مربه ثم ختار ولد أمد ولد الجيل ثم بعد ذلك سيد محمد ولد احمد لسود، و تجدر الإشارة إلى أن كل هؤلاء مثلوا المحطات الرئيسية لحفظ القرءان بالنسبة لاسلمو ليلتحق بعدهم مباشرة بيحفظ ولد الطالب محمود الذي" سلك" عليه عشرون حزبا من" اسلكه" ودرس عليه الرسم، ثم انتقل إلى كحل ولد أمبارك الحاج الذي درس عليه ابن بري ثم القاسم ولد ابني الجماني ، مواصلا طريق التعلم قبل أن يرتمي في أحضان محظرة الشيخ الطالب احمد ولد مامه الذي واصل معه قراءة معظم كتب الفقه من(اخضري وابن عاشر و رسالة أبي زيد القيرواني و مختصر الشيخ خليل وبعض النوازل......) قبل أن يوجهه شيخه الطالب احمد إلى الشيخ ابا أعمر - والد بابا ولد ابا أعمر- ليأخذ عليه السند قائلا له:" خذها (أي الإجازة) تنتفع ببركتها" ، فأخذها و عاد إلى الحلة ليتصدر المكانة الآنفة الذكر بالإضافة إلى إقامة محظرة صدرت حفاظا لكتاب الله العزيز وملمين بالفقه و مختلف العلوم الأخرى ، وقد مثلت هذه المحظرة رافدا من روافد العلم في هذه المنطقة، ومن أبرز الخريجين من هذه المحظرة من أهل أبوه ولد اعيمر (السند) ومحفوظ ولد حبيب ويهديه ولد سيد محمد ومحمد يله ولد محمد يله و محمد ولد يحيى و ازيدبيه ولد الطالب المين ، أما أهل الفقه فمنهم صاحبنا الذي اعتمدنا عليه لإعداد هذه الورقة السيد اسلامه ولد جدو و محمد الأمين ولد عبد سالم وابشير ولد بلعمش و القائمة تطول.
و بالإضافة إلى كل هذا اعتنى هذا الشيخ بادوار اجتماعية كإعالة الأيتام و الوصاية على أحوال وأموال القاصرين، كما أنه قد حال بين أدعياء حاولوا استعادة الرق على أرقاء لهم بالقوة في فترة الاستغلال، حيث استخدم ضدهم طاقته البدنية في ظل حيازتهم للسلاح والدافع إلى هذا العراك حماية الجار إضافة إلى كل ذلك فهو أبا أسرة تتكون من أربع بنات وزوجتين هما مسعودة منت الدي و امكملتو منت ابيبكر. وفي ليلة السبت لثماني عشرة ليلة خلون من رمضان للعام الهجري 1423 الموافق 2002 من الميلاد وافاه الأجل المحتوم و أسلم الروح لباريها تاركا وراءه قلوبا تتقطع على رحيله. و تولى الصلاة عليه الشيخ صدافي ولد عبد الله ولد البو، كما رثاه السيد محمد الأمين ولد عبد سالم أحد طلابه.
إعداد مولاي لحبيب ولد نافع جريدة الرعاية الصادرة عن منتدي التسهيل لشباب جكني