النزعة الوطنية في رواية "الزيتون لا يموت" لعبد القادر بن الحاج نصر
النزعة الوطنية في رواية "الزيتون لا يموت" لعبد القادر بن الحاجنصر
عبد القادر بن الحاج نصر تاريخ الولادة 1946/03/24
مكانالولادة بئر الحفي سيدي بوزيد
مستوى التعليمي - المدرسة الابتدائية ببئر الحفي - المعهد الثانوي بقفصة - جامعة باريس السربون الجديدة
دكتوراه في الآداب
الوظيفة -مذيع - استاذ تعليم ثانوي - مدير دار الثقافة ابن خلدون - موظف بجامعةالدول العربية
انخرط عبد القادر بن الحاج نصر ككل كتاب الرواية إثرالاستقلال في موجة كتاب الرواية الوطنية ، وبما أن الرواية الوطنية تستلهم صفحاتالتاريخ المشرقة والشخصيات الفاعلة في صنع الاستقلال وقوى الشعب التي تفاعلت مع هذاالمشروع السياسي المناوئ للاستعمار ، فقد كانت بمثابة ولاء للوطن وإثبات للذات ، وتنشئة الأجيال على الحس الوطني وعلى النسج على أحداثه البطولية ، لذلك تعتمد أغلبالروايات الوطنية للتدريس في المعاهد الثانوية ببلادنا ( تونس ).
تنفتحرواية "الزتون لا يموت" على حيرة الاسكافي وهو يمسك الجريدة القديمة ، ويؤجل الحديثعن عنوان الجريدة إثر تلمس الحالة النفسية والمزاجية للشخصية التي تريد الانتقالإلى مكان موهوم يخرجها من التردد والاستسلام ، الصحيفة إذن هي العمل : " لقد سمع أنجريدة العمل قد أحتجزت هذا الصباح ، وهي لذلك لم تصل إليه ليقرأها .. ويخيط الأحداثبين سطورها ، ويفهم موقفه من نفسه ، ومن منزلته ، ومن العالم . لقد علم أن الجريدةصدرت وأحتجزت ، وهاهو يقرر أن يراجع موقفه " ص11 . ثم نراه يتساءل إثر وصف حركاتيديه المتشنجة ونظراته القلقة " لكن لماذا احتجزت سلطات الاحتلال جريدة العمل . إنهيكاد يعرف ذلك . ويعرف أن فيها حروفا كان من الأجدر أن يطلع عليها .. ويقرأها ويعيدقراءتها . هذه الحروف قد تنير له السبيل .. إنه يعرف ما تخفيه من أسرار . إنه يعرفككل الناس ماذا تعني كتابة العنوان باللون الأحمر .. يعرف أن ذلك بداية نشاط وحركة .. وكم ظل يتابع هذه العناوين الحمراء ، وأجهد نفسه ، فظل لاهثا وراء سر كلماتهاحتى أدركه ، وهو لا يشك أنه أدركه على حقيقته " ص12
يبدو الاسكافي عضوا فيحركة التحرر من الاستعمار فهو يدرك الإشارات السياسية ، ويتناول فحمة ، ويكتبشعارات على الحائط مناوئة للاستعمار : " أيها الاستعمار ما أجمل أن أرى رأسك الخامجمصلوبا على خشبة .. مرميا في صتدوق قمامة " ص13 . بل يكتب أكثر من شعار وهو ينكلبجسم الاستعمار رغم إدراك مصيره المرتقب . وينتقل من كتابة الشعارات إلى كتابةالخواطر الذاتية المجسدة لوعيه السياسي والذي تفجر من خلال مواكبته لقراءة مقالاتالزعيم بورقيبة ، وهو يتجسد لنا بهذه الأعمال بمثابة المثقف العارف بأصول اللعبةالسياسية أكثر من كونه عامل بسيط ، إذ يتخطى التعبير المباشر إلى الرمز حين يرسممنزلا ومدخنة طلاها بالسواد لكي تختفي وتحل محلها شجرة الزيتون .
تبدو شخصيةالاسكافي واضحة ، وهي شخصية الوطني المناوئ للاستعمار والذي يمتلك أبجديات وترميزاتالفعل السياسي على أنه اسكافي فهو في حالة توتر وحيرة ويريد أن يجسد منزلتهالإنسانية في هذا العالم ، وهو في حالة ضيق من المشاهدة اليومية لعساكر الاستعماروهو ينكلون بالتونسيين ، بل يكشف لنا عن السبب الأساسي لرغبته في التنقل من المكانالذي سلط عليه مشاعر الضيق : " سنجازيك .. ائت لنا بالأخبار .. سنعطيك الدراهم . سنريحك من عملك .. اعمل معنا .. ستصبح معنا كالموظف .. ستمنح أكثر من الموظفين .. سنعطيك منزلا جديدا ..هل فهمت ؟ " ص19 . إنه يقاوم إغراءات المستعمر لأنه صاحب قضيةسياسية ووطنية لا تجسم إلا بالنضال والثبات . وهو يمتلك الدافع الكافي لخوض المعركة، بل يبدو لنا قويا في تصوير مشاعر النقمة التي انفجرت داخله ، إنه شخصية ايجابيةفاعلة ، يمتلك من البسالة الذكورية ما يجعله لا يقل قيمة عن السياسي المحنك الحاضرفي ضمير ووجدان الشعب .
والوطن هاجس ومحرك لأفعاله تلك التي تؤطر بدايةالحركة والعمل السياسي منذ بداية الرواية ، من خلال التركيز على الصحيفة التي تؤطرالوقائع السياسية والتاريخية المعروفة . فوعي الاسكافي يجسد الوعي السياسي من خلالأنموذج حزبي : " سيكتب على جدران الدكان : يسقط الاستعمار .. يحيا الحزب .. يحياالشعب حرا .. يسقط الجنرال " ص21 . والدافع للحركة هو إرادة الحياة ، وتنزيلالمناضل منزلة البطل : " كيف يجب عليه أن يحمل مصيره ، كما يحمل الأبطال مصيرهم .. أجل ! إنه أيضا بطل " ص25 .
ينتقل الكاتب من فضاء القرية إلى فضاء المدينةحيث حركات الأيادي غاضبة متشنجة وفيها غضب وعنف ، وحيث يعثر على الحلم الجماعي الذينبت في القرية الساكنة . والغضب بركان خامد ينتظر قوة الدفع ، واستشعر أن المسافةتقصر بينه وبين حلمه ، وبين الناس في هذا المكان ، بل اكتشف الرابط العاطفي الدقيقالذي يشدهم وهو الشعور الوطني . فيسترجع الحوادث والتحركات الوطنية لهؤلاء الذينانفجروا في "وادي ميللز" أو في "سوق الأربعاء" ، "لماذا لا يكون واحدا من الذينانفجر بهم هذا اليوم " حمام الأنف" وتظاهروا أمام قصر الباي هاتفين بحياة تونسوسقوط الاستعمار " ص32 .
هناك في الغرفة الصغيرة قاده أحمد الذي التقاه علىالرصيف ، هناك تحدث عن جراد الجنرال ، وذهل حين عرف بأن أحمد يعرفه لأنه تعرف علىجميع أعضاء الحركة . إن زمن المدينة وفضاءاتها لا ينفتح إلا على المظاهرات ،وشخصياتها لا تنم إلا على العمل السري ضد الاستعمار ، بدءا بعامل البلدية الذي ينقلأخبار ومواعيد الاجتماعات والمظاهرات ويوزع المناشير . فكل الأحداث السابقة ما هيإلا تبرير لمظاهرة 8 افريل في "رحبة الغنم" . فالزمان والمكان يشيران إلى حدثتاريخي هام اتسعت له زقاق وجدران المدينة والذي ترتب عليه الشعور بالانفراج : " ذلكأن الفجر قد بدا يقترب من السماء والأرض والعباد . وأن الليل شرع في الابتعاد . وكان في نفسه حنين لا يقاوم " ص50 .
للمعركة ضد المستعمر قائد للحركة ،وجموع تتدافع في ساحة القصبة ، يحملون اللافتات ، وبرز أحدهم وهو يخطب . وقد استبدلالكاتب كلمة "متظاهرين" بكلمة الشعب ليعطي لتلك الأحداث طابعا وطنيا :
- بداية المظاهرة في رحبة الغنم على مقربة من منزل الزعيم الذي كان طريح الفراش - المناداة ببرلمان تونسي عبر الصراخ والهتاف
- الامتزاج بين مظاهرة الحلفاوينومظاهرة رحبة الغنم في باب بحر .
- القبض على علي بلهوان وجلبه إلى المعركةالعسكرية لاستنطاقه بالتربينال
- المطالبة بإطلاق سراح الزعيم علي بلهوان
- إطلاق الرصاص على المتظاهرين من قبل المستعمر
- التقاط الحجارة وقذفها على جنودالاحتلال
- اندفاع جماعة نحو عربة تراموي وأوقفوها وكسروها
- نقل الضحايا غلىنادي الحزب
- القبض على أعضاء الحركة
وإثر هذه الاحداث الوطنية المؤرخةتنتهي رواية " الزيتون لا يموت " بالأمل على المعاناة : " وأحس أن الظلام يداهمعينيه .. وأنه يريد أن ينام .. أن يسقط على الأرض .. وكان الليل آنذاك يتحول إلىفجر " . وما نستشفه من خلال هذه الرواية عودة المؤلف إلى أحداث الرواية انطلاقا منتاريخ الحركة الوطنية في تونس والتي تعد ملحمة كفاح انسجم فيها القائد الوطني معأعضاء الحركة وانتقى الوقائع والأحداث التاريخية المقترنة بعيد الشهداء (9 أفريل) وهي نتيجة عمل سياسي منظم بقادة زعيم الحزب الحبيب بورقيبة ، والذي فجر الوعيالسياسي في نفوس الأحرار عبر كتاباته في جريدة العمل .
وتمجد الرواية العملالوطني ، وتبني على شخصيات فاعلة انتقلت من حالة الضيق إلى حالة الانفراج . ولم تقلالرواية شيئا جديدا عما ورد في كتب التاريخ إذ قامت على استلهام المقاومة من شخصياتتاريخية معروفة وخاصة الزعيم بورقيبة التي ظلت صورته غائبة ، ولكن كلماته هيالحاضرة والمرتسمة لأنها تشكل الوعي الوطني في أذهان أعضاء حركة الحزب . كما تناولتشخصية علي بلهوان لكونه خطيبا سياسيا دون أن يقترب الكاتب من روح تلك الشخصية ، فقدوردت في سياق الأحداث لكونها من "الحوافز المشتركة" التي تؤدي وظفتها حسب السياقوالواقعة . اما شخصية الزعيم بورقيبة فهي من " الحوافز الديناميكية " التي ساهمت فيتغيير الأحداث بتوجيهاتها . أما الاسكافي وأحمد وعامل البلدية وغيرهم من المتظاهرينفهم " حوافز ديناميكية " أيضا قامت على عاتقهم الأحداث النضالية ، وهي أرفع من انتكون شخصيات قارة مساعدة ، فقد كتب الاسكافي الشعارات الحزبية وترك دكانه حين طلبمنه المستعمر التحول إلى مخبر وانخرط في العمل السياسي التحريري ، وأحمد الذي خرجمن السجن السياسي وعاد إليه في آخر الرواية ، وهو يتلقى العقاب والإهانات كان يؤمنبديمومة الصراع ، ويبقى عامل البلدية رمزا وطنيا " إن عامل البلدية زيتونة مباركةيضيء زيتها .. في كل شارع من العاصمة عامل بلدي فرع من هذه الزيتونة كاملة لهافروعها " ص94
- كل تلك الحوافز المشتركةوالديناميكية يرى من خلالها الوعي الوطني ، فاهتمت الرواية بهاجس الوعي السياسي فيحركة زمنية خطية . تتجه من التأزم نحو الانفراج وجعلت المنطق التاريخي يعلو علىالمنطق الروائي .فلم تتشعب أحداث هذه الرواية بل كانت تتجه وجهة مقررة وهي التمهيدلأحداث 8-9 أفريل 1938 . ولم تخرج هذه الرواية عن خط الرواية الوطنية التونسية التيظهرت مع محمد العروسي المطوي حيث ينفذ الفعل السياسي المنكمش من القرية إلى المدينةكفضاء للعمل السياسي والعمل السري