أفيقوا أيها الآباء قبل أن يفلت الزمام
مقالة بعنوان
إلى الآباء ! قبل أن يفلت الزمام الشيخ أشرف العرينى
الأسرة المرتبطة والمتماسكة هي أول اللّبنات في بناء المجتمع السليم. فالأبناء قرّة أعين الآباء وبهذه المحبّة لا يرضون لهم منزلة أدنى من إمامة المتّقين والسير في موكب الصالحين.
قال تعالى :{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}. (74) سورة الفرقان.
والتربية الناجحة استشراف للأحسن، وبناء لغدٍ أفضل ؛ لذا يجب علينا الحفاظ على هذه الأمانة .قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ }. (27) سورة الأنفال.
وتحمل تبعات هذه المسؤولية ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته: الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته، فكلكم راع ومسئول عن رعيته)متفق عليه ).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله سائل كل راع عما استرعاه أحفظ، أم ضيع؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته) . ) أخرجه النسائي في "عشرة النساء" 292 عن إسحاق بن إبراهيم، بهذا الإسناد.وقال الترمذي 4/208 . في " السلسلة الصحيحة " 4 / 180 .
ومن أفضل ما يتركه المرء في هذه الدنيا ولد صالح يدعو له ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له. رواه مسلم وغيره .
وعن أيوب بن موسى بن عمرو بن سعيد بن العاص عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: "ما نَحل والدٌ ولدّه من نحْل أفضل من أدب حسَن" . أخرجه أحمد 4/77, 78, والترمذي رقم: 1952.
وعن جابر بن سمرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لأن يؤدب أحدكم ولده خير له من أن يتصدق كل يوم بنصف صاع على المساكين )) . رواه الترمذي عن جابر بن سمرة (فيض القدير 5/257).
والتربية الأولى للطفل لها أثرها البيُن في تكوين شخصيته, وبناء فكره " فتبقى حال الطفل ماثلة أمام المربي حين تربيته، كما تتجلى حال المريض أمام الطبيب حين معالجته، يراعي حالته ومقدرته ومزاجه فيكون أثر التربية أتم وأعظم ثمرة ".
وهناك بعض الآباء يغفلون عن دورهم الحقيقي في تربية الأبناء, ويتخلون عن أداء الرسالة التي سوف يُسألون عنها يوم القيامة.
وهذه ثلاث رسائل من القلب أوجهها إلى الآباء قبل أن يفلت الزمام من أيديهم ويندمون ولات ساعة مندم .
الرسالة الأولى: اجعل أولادك يحبونك:
حب الأبناء فطرة إنسانية وطبيعة بشرية , وقبل كل ذلك فهي منحة إلهية وهبة ربانية .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - كَانَتِ امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إِحْدَاهُمَا فَقَالَتْ صَاحِبَتُهَا إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ وَقَالَتِ الأُخْرَى إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ فَتَحَاكَمَتَا إِلى دَاوُدَ فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ فَأَخْبَرَتَاهُ فَقَالَ ائْتُوني بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَهُمَا فَقَالَتِ الصُّغْرَى لا تَفْعَلْ يَرْحَمُكَ اللهُ هُوَ ابْنُهَا فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى.( متفق عليه ).
وكلما أمعن الوالدان في حب أبناءهما , كلما بادلهم الأبناء حباً بحب , وشفقة بشفقة .
روى أن معاوية دخلته موجدة على ابنه يزيد فأرق لذلك ليلته فلما أصبح بعث إلى الأحنف ابن قيس فأتاه فلما دخل عليه قال له يا أبا بحر كيف رضاك على ولدك وما تقول في الولد ؟ قال فقلت في نفسي ما سألني أمير المؤمنين عن هذه إلا لموجدة دخلته على يزيد فحضرني كلام لو كنت زوقت فيه سنة لكنت قد أجدت . فقلت يا أمير المؤمنين هم ثمار قلوبنا وعماد ظهورنا ونحن لهم أرض ذليلة وسماء ظليلة وبهم نصول إلى كل جليلة ، فإن غضبوا يا أمير المؤمنين فأرضهم وإن طلبوا فأعطهم ، وإن غضبوا فأرضهم ، يمنحوك ودهم ، ويحبّوك جهدهم ، ولا تكن عليهم ثقيلاً فيتمنّوا موتك ويكرهوا قربك ويملوا حياتك.
قال لله درك يا أحنف والله لقد بعثت إليك وإني من أشد الناس موجدة على يزيد فلقد سللت سخيمة قلبي يا غلام اذهب إلى يزيد فقل إن أمير المؤمنين يقرئك السلام وقد أمر لك بمائتي ألف ومائتي ثوب فابعث من يقبض ذلك فأتاه الرسول فأخبره ، فقال من عند أمير المؤمنين قال الأحنف فبعث رسولا يأتيه بالمال ورسولا يأتيه بالأحنف إذا خرج من عند أمير المؤمنين فأتاه الأحنف وأتاه المال فقال يا أبا بحر كيف كان رضي أمير المؤمنين فأعاد عليه الكلام الذي كلم به معاوية فقال لا جرم لأقاسمنك الجائزة فأمر له بمائة ألف ومائة ثوب " .
ابن أبي الدنيا:كتاب العيال 309 . الدينوري: المجالسة وجواهر العلم 3/484.
ودخل عمرو بن العاص على معاوية وعنده ابنته عائشة فقال من هذه يا أمير المؤمنين قال هذه تفاحة القلب قال انبذها عنك فإنهن يلدن الأعداء ويقربن البعداء ويورثن الضغائن قال لا تقل هذا يا عمرو فوالله ما مرض المرضى ولا ندب الموتى ولا أعان على الأحزان إلا هن وإنك لواجد خالا قد نفعه بنو أخته فقال عمرو ما أراك يا أمير المؤمنين إلا وقد حببتهن إلى بعد بغضي لهن . الثعالبي : ثمار القلوب 1/341.
وكتب إبراهيم بن داحة إلى أحد أبويه: جعلني الله فداءك، فكتب إليه: لا تكتب بمثل هذا فأنت على يومي أصبر مني على يومك. الراغب الأصفهاني : محاضرات الأدباء 1/146.
ورد عن محمد بن المنكدر أنه قوله لولده: والله يا بني إني لأزيد في صلاتي ابتغاء صلاحك.
وقال الشاعر
و إنما أولادنا بيننا * * * أكبادنا تمشي على الأرض
لو هبت الريح على بعضهم * * * لامتنعت عيني من الغمض
وإن الرحمة بالأولاد والحنو بهم والشفقة عليهم لهي من أهم الأسباب التي تجعل الأبناء يحبون آباءهم ويبرونهم .
ولقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في الرحمة بالأولاد والشفقة عليهم والرفق بهم .
روى البخاري في صحيحه: ( عَنْ أَبِى قَتَادَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ « إني لأَقُومُ في الصَّلاَةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا ، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِىِّ ، فَأَتَجَوَّزُ في صلاتي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ » .
و روى النسائي بإسناد صحيح عن عبد الله بن شدّاد رضي الله عنه قال : بينما رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي بالناس إذ جاءه الحسين فركب عنقه و هو ساجد ، فأطال السجود بين الناس حتى ظنوا أنّه قد حدث أمر فلما قضى صلاته ، سألوه عن ذلك ، فقال عليه الصلاة و السلام : (إن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته) .
إن بعض الآباء لا يعرف إلا معاني القسوة والغلظة في معاملته مع أبناءه , فإذا دخل بيته قام الجالس واعتدل القاعد واستيقظ النائم وسكت الضاحك وقطب الباسم ، ولا يعرف غير السوط أو العصا لغة للتفاهم , فمثل هذا لا يُنتظر من أولاده سوى الجفاء والعقوق .
جاء رجل إلى عمر بن الخطاب يشكو إليه عقوق ولده، فأمر عمر بإحضار الولد، وأنّبَ عمر الولد لعقوقه لأبيه، فقال الولد: يا أمير المؤمنين، أليس للولد حقوق على أبيه؟! قال: بلى، قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه الكتاب ـ أي:القرآن ـ، قال الولد: يا أمير المؤمنين، إن أبي لم يفعل شيئا من ذلك؛ أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي، وقد سماني جعلا، ولم يعلمني من الكتاب حرفا واحدا، فالتفت عمر إلى الرجل وقال له: جئت تشكو عقوق ابنك وقد عققته من قبل أن يعقَّك، وأسأت إليه من قبل أن يسيء إليك. علي بن نايف الشحود: موسوعة الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 4/184 .
وبعضهم لو سألته منذ متى قبلت أولادك, أو ضممتهم بين أحضانك ؟ ربما لا يتذكر, وهذا من أمارات نزع الرحمة والرفق من قلبه.
روى الإمام مسلم في صحيحه : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عنده رجل اسمه الأقرع بن حابس رضي الله عنه، وكان شديداً -يعني: مجبولاً على الشدة والقسوة، فرأى الأقرع بن حابس النبي عليه الصلاة والسلام يقبل الحسن و الحسين ، فقال: تقبلون أولادكم؟ والله إن لي عشرة من الأولاد ما قبلت أحداً منهم، فغضب النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: وما أملك لك إن نزعت الرحمة من قلبك؟! ).
وإذا سألت بعضهم كم مرة أخبرت ولدك وقلت له " أنا أحبك " ؟ ربما فغر فاه من الدهشة .
ولقد علمنا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم أن الرجل إذا أحب أخاً له في الله فليخبره بذلك .
فعَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي سُبَيْعَةَ الضُّبَعِيِّ ، عَنِ الْحَارِثِ ؛أَنَّ رَجُلاً كَانَ عِنْدَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم ، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنِّي أُحِبُّهُ فِي اللهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : أَوَ مَا أَعْلَمْتَهُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : لاَ . قَالَ : فَاذْهَبْ إِلَيْهِ فَأَعْلِمْهُ . فَذَهَبَ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : إِنِّي أُحِبُّكَ فِي اللهِ . قَالَ : أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ.أخرجه عَبْد بن حُمَيْد (444) . والنَّسَائِي ، في "عمل اليوم والليلة" 183.
فإذا كان هذا مع من لم تربطك به صلة دم أو رحم فما بالك بأولادك وفلذات أكبادك فهم أولي الناس بذلك.
أنشد الرياشي :
من سره الدهر أن يرى الكبدا * * يمشي على الأرض فلير الولدا
في دراسة تقول أن الفرد إلى أن يصل إلى عمر المراهقة يكون قد سمع مالا يقل عن ستة عشر ألف كلمة سيئة ولكنه لا يسمع إلاّ بضع مئات كلمة حسنة.
ألا يحتاج أولادك منك إلى كلمة الحب , ونظرة الحب , ولقمة الحب ولمسة الحب , وضمة الحب , وقبلة الحب ,وبسمة الحب.فالآن اذهب إلى أولادك وخذهم بين أحضانك وامسح على رؤوسهم وداعبهم ، لا تتردد افعل ذلك ولسوف ترى الفرق .
والآن قل لولدك :
ولدي وأنت على الزمان * * * لي السراج النير
لك من حناني ما يضيق* * * الوصف عنه ويقصر
ولدي وهل شيء اعز * * * علي منك وأكثر
يصفو الزمان إذ ابتسمت* * * بناظري ويثمر
وإذا شكوت فكل ما * * * حولي جديب مقفر
واعلم أخي الحبيب أن كل الأبناء الذين حصلوا على حب حقيقي من الأبوين يتمتعون بصفات:الثقة , والصحة النفسية , والقدرة على الانجاز , والقدرة على تكوين علاقات , والإبداع والاستقلالية.
الرسالة الثانية : اجعل أولادك يحترمونك :
إن أطفالنا نبتات طرية فإذا تركت دون ركائز مالت واعوجت، وما ينشأ عليه الطفل من صغره يصبح ملازماً وراسخاً معه في كبره وقد قال الشاعر:
وينشأ ناشئ الفتيان فينا *** على ما كان عوّده أبوه
ولكي يحترمك أولادك لابد أن تكون قدوة لهم في جميع تصرفات, فلا يصح أن تنهاهم عن الكذب وتكذب أمامهم و ولا أن تأمرهم بالعفة والشرف وأنت بمنأى عن ذلك .
يقول الشاعر :
يا أيها الرجـل المعــلم غيــــره *** هـــــــلا لنفسك كــان ذا التعــليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى *** كي ما يصح به وأنت سقيم
ابدأ بنفســك فانهها عن غيها *** فــإذا انتهت منــــه فأنت حكيـــم
لا تنــه عن خـــلق وتــأتي مثله *** عــار عليك إذا فعـــلت عظــــــيم
وإذا أحبك أولادك واحترموك فإنهم سوف يجدون في تلبية رغباتك وتنفيذ طلباتك , حتى لو كان ذلك يتصادم ورغباتهم وما يحبونه .
يروى أن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما كان قد تزوج عاتكة بنت عمرو بن نفيل وكانت من أجمل نساء قريش , وكان عبد الرحمن من أحسن الناس وجها وأبرهم بوالديه فلما دخل بها غلبت على عقله ، وأحبها حبا شديدا فثقل ذلك على أبيه فمر به أبو بكر يوما وهو في غرفة له فقال: يا بني إني أرى هذه قد أذهلت رأيك وغلبت على عقلك فطلقها قال لست أقدر على ذلك فقال أقسمت عليك إلا طلقتها فلم يقدر على مخالفة أبيه فطلقها فجزع عليها جزعا شديدا وامتنع من الطعام والشراب فقيل لأبي بكر أهلكت عبد الرحمن فمر به يوما وعبد الرحمن لا يراه وهو مضطجع في الشمس ويقول هذه الأبيات :
فوالله لا أنساك ما ذر شارق . . . وما ناح قمري الحمام المطوق
فلم أر مثلي طلق اليوم مثلها . . . ولا مثلها في غير شيء يطلق
لها خلق عف ودين ومحتد . . . وخلق سوي في الحياء ومنطق
فسمعه أبوه فرق له وقال له راجعها يا بني فراجعها وأقامت عنده حتى قتل عنها يوم الطائف مع رسول الله أصابه سهم فقتله فجزعت عليه جزعا شديدا وقالت ترثيه:
فآليت لا تنفك نفسي حزينة . . . عليك ولا ينفك جلدي أغبرا
فتى طول عمري ما أرى مثله فتى . . . أكر وأحمى في الهياج وأصبرا
إذا شرعت فيه الأسنة خاضها . . . إلى القرن حتى يترك الرمح أحمرا
أبو الفتح الأبشيهي: المستطرف في كل فن مستظرف ص 483 .
فانظر كيف سارع الولد في تلبية رغبة أبيه محبة واحتراماً وإجلالا له , على الرغم من مقاساته ومعاناته من تلبية هذه الرغبة .
الرسالة الثالثة : اجعل أولادك يهابونك :
يجب مراعاة الفروق الفردية بين الأطفال ، فمن الأطفال من ترهبه الإشارة، ومنهم من لا يردعه إلا الجهر الصريح , ومنهم من يحتاج إلى الضرب أحياناً .
ولكن بعض الآباء لا يعرفون من العقوبات إلا الضرب وفقط . بل انه لا يعترف إلا بالعقاب والقسر في تربية الأولاد , وهذا له عواقبه الوخيمة على حياتهم . ولقد أوضح ذلك ابن خلدون في مقدمته الرائعة " في الفصل الأربعون في أن الشدة على المتعلمين مضرة بهم" فقال : "وذلك أن إرهاف الحد في التعليم مضمر بالمتعلم، سيما في أصاغر الولد، لأنه من سوء الملكة. ومن كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين أو المماليك أو الخدم، سطا به القهر وضيق على النفس في انبساطها، وذهب بنشاطها ودعاه إلى الكسل وحمل على الكذب والخبث، وهو التظاهر بغير ما في ضميره، خوفاً من انبساط الأيدي بالقهر عليه، وعلمه المكر والخديعة لذلك، وصارت له هذه عادة وخلقاً، وفسدت معاني الإنسانية التي له من حيث الاجتماع والتمدن، وهي الحمية والمدافعة عن نفسه أو منزله.وصار عيالاً على غيره في ذلك، بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل، فانقبضت عن غايتها ومدى إنسانيتها، فارتكس وعاد في أسفل السافلين. وهكذا وقع لكل أمة حصلت في قبضة القهر ونال منها العسف، واعتبره في كل من يملك أمرة عليه. ولا تكون الملكة الكافلة له رفيقة به. وتجد ذلك فيهم استقراء. وانظره في اليهود وما حصل بذلك فيهم من خلق السوء حتى إنهم يوصفون في كل أفق وعصر بالخرج، ومعناه في الاصطلاح المشهور التخابث والكيد، وسببه ما قلناه. فينبغي للمعلم في متعلمه والوالد في ولده أن لا يستبدوا عليهم في التأديب. (مقدمة ابن خلدون 347 ) .
ولقد أوصى المربون بعدم اللجوء إلي العقاب البدني وحده إلا إذا فشلت أساليب الترغيب، فالشكر والثناء والاستحسان وتقديم الهدايا البسيطة وغيرها يدفع الأطفال إلى المزيد من النجاح، أما العقاب وحده فإنه يدفع إلى الخمول وضعف الأداء وتثبيط الهمة.
إن نتائج الدراسات الإنسانية والسلوكية توصي بضرورة الاهتمام أولا بقضية الثواب والاستحسان وتركز علي الثواب لعدة أسباب منها الأثر الانفعالي السيئ الذي يصاحب العقاب، أما الإثابة والاستحسان ففيهما توجيه بناء لطبيعة السلوك المرغوب فيه، شريطة أن يكون الثواب علي فعل حقيقي يستحق الإثابة أو نتيجة ترك فعل غير مرغوب، أما الإثابة علي غير سبب حقيقي فإنها تفقد الثواب قيمته وأثره التربوي.
ولقد حدد العلماء خطوات للعقوبة التربوية منها:
1) تجاهل خطأ الطفل في البداية: يتم في هذه المرحلة تجاهل خطأ الطفل مع حسن الإشارة والتلميح دون المواجهة والتصريح، وذلك حتى يعطى الفرصة لمراجعة سلوكه ويصحح خطأه، وحتى لا نلفت نظره بشدة إلى الخطأ، فربما استمر عليه عناداً وإصراراً.
2) عتاب الطفل سراً: وهذه مرحلة تالية؛ فبعد السقطة الأولى التي نكتفي فيها بالتلميح تأتي مرحلة التوبيخ والتصريح سراً، على ألا نكثر من ذلك حتى لا تسقط هيبة المربي في نفس الطفل.. ومن توجيهات علماء التربية في هذا الباب (لا تكثروا القول عليهم بالعتاب في كل حين، فإنه يهون عليهم سماع الملامة وركوب القبائح ويسقط وقع الكلام في قلبهم).
3) عتاب الطفل ولومه جهراً: فإذا استمر على خطأه رغم تحذيره ومعاتبته سراً فينبغي معاتبته أمام إخوانه أو رفاقه ولا ينبغي أن يشتمل لومه وتقريعه على شتم أو سب أو تحقير لذاته.
والهدف من معاتبته على ملأ هو استغلال خوف الطفل على مكانته بين أقرانه في الرجوع عن الخطأ وتعديل السلوك.
4) الضرب: وهو يأتي في نهاية المطاف بالنسبة لأساليب العقوبة المختلفة، وقد أقره الشرع بضوابطه وحدد له الفقهاء وعلماء السلوك في الإسلام حدودا لا يتجاوزها المربي، وأحاطوها بشروط بالغة حتى لا تخرج العقوبة عن مغزاها التربوي، ومن هذه الشروط:
1. أن يكون الضرب على ذنب حقيقي، فلا يصح أن يضرب الطالب على شبهة أو ظن.
فمن تهاون في ترك الصلاة ونصح وحذر, لكنه ظل سادراً في غيه فلا بد أن ينبه بشدة.
عَنْ شُعَيْبٍ ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْروٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلاَةِ لِسَبْعِ سِنِينَ ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ ، وَإِذَا أَنْكَحَ أَحَدُكُمْ عَبْدَهُ , أَوْ أَجِيرَهُ , فَلا يَنْظُرَنَّ إِلَى شَيْءٍ مِنْ عَوْرَتِهِ ، فَإِنَّ مَا أَسْفَلَ مِنْ سُرَّتِهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ , مِنْ عَوْرَتِهِ" .أخرجه أحمد 2/180(6689).
2. لا يكون الضرب شديداً مبرحاً فيخرج من دائرة العقوبة الموجهة إلى الانتقام والتشفي.
3. لا يزيد الضرب على ثلاث ضربات. قال محمد بن أبي زيد في كتابه الذي ألفه في حكم المعلمين ( 1 / 116 ) والمتعلمين : ( ( لا ينبغي لمؤدب الصبيان أن يزيد في ضربهم إذا احتاجوا إليه على ثلاثة أسواط شيئا ) ) ومن كلام عمر رضي الله عنه : ( ( من لم يؤدبه الشرع لا أدبه الله ) ).
4. لا يكون الضرب على الوجه أو على الأماكن ذات الحساسية الشديدة في الجسم (مكان المقاتل) لما ورد في صحيح مسلم أن الرسول - صلي الله عليه وسلم- قال: (إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه).
5. أن يكون الضرب مفرقا لا مجموعا في محل واحد.
6. أن يكون ثابتا في المبدأ ومساواة بين الأولاد وعدلا بينهم، لأن العقوبة الظالمة لا تجلب الضرر. ولله در من قال :
فقسا ليزدجروا ومن يك حازماً * * فليقسُ أحياناً على من لا يرحمُ
فالطفل كما أنه يحب والديه ويحترمهما, فانه كذلك من الواجب عليه أن يهابهما, وهي هيبة تقدير وإجلال , وليست هيبة خوف وجبن ؛ لأن نتائج هيبة الاحترام والتقدير تتباين تماما عن هيبة الخوف .
عن محمد بن عمر، قال: كان محمد بن عبد الرحمن بن أبي الزناد باراً بأمه، وكان أبوه، يقول: يا محمد. فلا يجيبه حتى يشب فيقوم على رأسه فيلبيه، فيأمره بحاجته، فلا يستفهمه هيبة له.
ومن أحسن مذاهب التعليم، ما تقدم به الرشيد لمعلم ولده. قال خلف الأحمر: بعث إلي الرشيد في تأديب ولده محمد الأمين فقال: " يا أحمر إن أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه وثمرة قلبه، فصير يدك عليه مبسوطة وطاعته لك واجبة، فكن له بحيث وضعك أمير المؤمنين. أقرئه القرآن وعلمه الأخبار وروه الأشعار وعلمه السنن، وبصره بمواقع الكلام وبدئه وامنعه من الضحك إلا في أوقاته، وخذه بتعظيم مشايخ بني هاشم، إذا دخلوا عليه، ورفع مجالس القواد، إذا حضروا مجلسه. ولا تمرن بك ساعة إلا وأنت مغتنم فائدة تفيده إياها من غير أن تحزنه، فتميت ذهنه. ولا تمعن في مسامحته، فيستحلي الفراغ ويألفه. وقومه ما استطعت بالقرب والملاينة، فإن أباهما فعليك بالشدة والغلظة. انتهى " .ابن خلدون : المقدمة 1/348 ، البيهقي : المحاسن والمساويء 244 ، المسعودي : مروج لذهب ص 4 .
وقال عبد الله بن عمر : (( أدب ابنك فإنك مسئول عنه ، ماذا أدبته وماذا علمته ؟ وهو مسئول عن برك وطواعيته لك )).
فهل نهتم بتربية أبناءنا ونجعلهم يحبوننا ويحترموننا ويهابوننا قبل أن يفلت الزمام من أيدينا ؟.
روى أبو داود في سننه، عن ابن مسعود، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم أن يقولوا في التشهد: "اللهم، ألف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبُل السلام، ونجنا من الظلمات إلى النور، وجنّبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا، وأزواجنا، وذرياتنا، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واجعلنا شاكرين لنعمتك، مثنين بها قابليها، وأتممها علينا" .
اللهم آمين تقبل يا رب العالمين.
حسن التعامل مع الأولاد
أولادنا هم القطعة الغالية من قلوبنا وأرواحنا ، هم دمنا وأكبادنا التي تمشى على الأرض ، هم امتدادنا في هذا الوجود .
أولادنا هم تلك السنابل الخضراء في صحراء حياتنا ، هم العين الثرة الصافية والوحيدة في صحراءنا هم الظل الوارف الذي نفئ إليه عند الهجير ، هم النور الذي يتلألأ في أعيننا فنبصر ونرى وقد لا يتمنى الإنسان الحياة لنفسه ؛ لكنه يطلبها لأولاده ، قد لا يطلب السعادة لنفسه ؛ لكنه يرجوها لأولاده فهم زينة الحياة الدنيا ، وفتنة واختيار يرى الله من خلاله نجاحنا أو فشلنا . هم قرة أعيننا ، ومهج أرواحنا ، إذا حللنا كانت سعادتنا في أن تمتع أعيننا كل لحظة برؤيتهم ، لا نشبع إلا إذا شبعوا ، ولا ننام إلا إذا ناموا ، ونكسوهم ونتعرى ، ندفئهم ولا نبالى أن يأكلنا البرد .
إذا ارتحلنا تركنا أرواحنا معهم ، فلا نهنأ في غربتنا بطعام ولا شراب ولا نوم ، فإذا ما أكلنا وجدناهم على مائدة الطعام ، وإذا تقلبنا في الأسرة شغلنا بهم فخاصمنا النوم .
قد لا يحب الإنسان لشقيقه أن يراه أفضل منه وأعلى منه ، ولكنه يرجو ذلك لولده ، بهم تحلو الحياة ، وبوجودهم يستجلب الرزق وتتنزل البركات والرحمات .
قال حِطَّانُ بنُ الْمُعَلَّى:
لَوْلاَ بُنيَّاتٌ كَزُغْبِ الْقَطَا * * * رُدِدْنَ مِنْ بَعْضٍ إلَى بَعْضِ
لَكانَ لِي مُضْطَرَبٌ وَاسِعٌ * * * فِي الأَرْضِ ذاتِ الطُّولِ وَالْعَرْضِ
وَإنما أوْلاَدُنَا بَيْنَنا * * * أكْبَادُنَا تَمْشِي عَلى الأرْضِ
لَوْ هَبَّتِ الرِّيحُ عَلى بَعْضِهِمْ * * * لاَمْتَنَعَتْ عَيْني مِنَ الْغَمضِ
وغضب معاوية على يزيد فهجره، فقال له الأحنف: يا أمير المؤمنين، أولادنا أكبادنا، وثمار قلوبنا، وعماد ظهورنا، ونحن لهم سماء ظليلة، وأرض ذليلة، وبهم نصول على كل جليلة. إن غضبوا فأرضهم، وإن سألوك فأعطهم، وإن لم يسألوك فابتدئهم، ولا تنظر إليهم شزراً فيملو حياتك، ويتموا وفاتك.
ولأهمية الأولاد في حياتنا فقد أمرنا الله عز وجل بأن ندرك قيمة هذه المسئولية الكبرى ، فنعمل من البداية على تنشئهم تنشئة طيبة صالحة قال جل شأنه(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) . التحريم : آية : 6 .
وفى حديث أيوب بن موسى عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : \" ما نَحَلَ والد ولداً من نُحْلٍ أفضل من أدب حسن \" . رواه الترمذي ، ونحل : أعطى ، ونحل : عطية وهبة ابتداء من غير عوض .
والصبي حينما يولد فإنه \" يولد على الفطرة الخالصة ، والطبع البسيط فإذا قوبلت نفسه الساذجة بخلق من الأخلاق نقشت صورته في لوحة ثم لم تزل تلك الصورة تمتد شيئاً فشيئا حتى تأخذ بجميع أطراف النفس وتصير كيفية راسخة فيها مائلة لها من الانفعال بضدها \" . محمد نور عبد الحفيظ سويد : منهج التربية النبوية للطفل ص 157 .
ومن هنا كان النبي صلى الله عليه وسلم بتعهد الصغار منذ البداية ويربطهم ابتداءً بطاعة الله عز وجل ، قال صلى الله عليه وسلم : \" مروا أولادكم بالصلاة ، وهم أبناء سبع سنين ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشرٍ . \". رواه أحمد وأبو داود والحاكم ، وإسناده حسن.
فالتأديب كما قيل مثله كمثل البذر ، والمؤدب كالأرض ، فمتى كانت الأرض رديئة ضاع البذر فيها ومتى كانت صالحة نشأ ونما ، فتأمل بفراستك من تخاطبه وتؤدبه وتعاشره ، ومل إليه بقدر صلاح ما ترى من أوابه .
قال الشاعر : صالح بن عبدالقدوس :
وإن من أدبته في زمن الصبا * * * كالعود يسقى الماء في غرسه
حتى تراه مورقا ناضرا * * * بعـد الذي أبصرت من يبـسـه
والشيخ لا يترك أخلاقه * * * حتى يوارى في الثرى رمسـه
إذا ارعوى عاد إلى جهلـه * * * كذي الضنى عادا إلى نكسـه
وديننا الحنيف ، وشريعتنا الإسلامية حوت خصال الخير والأدب لتقويم الأحداث ، وتعهدهم منذ الصغر ، قال ابن مسكويه : \" والشريعة هي التي تقوم الأحداث وتعودهم الأفعال المرضية ، وتعد نفوسهم لقبول الحكمة وطلب الفضائل المرضية ، والبلوغ إلى السعادة الإنسية بالفكر الصحيح والقياس المستقيم \" انظر : تهذيب الأخلاق لابن مسكويه ص 29 .
والآداب التي يتعامل بها الإنسان مع الناس في كبره هي صدى مباشر لما تعلمه في صغره . فماذا ننتظر من طفل عودناه منذ الصغر أن يطلب ما يطلب بأدب ؛ فيقول \" من فضلك أعطني كذا \" ولمن أعطاه يقول : جزاك الله خيراً ، أو شكر الله لك ، وإذا أخطأ نأسف واعتذر فماذا انتظر منه حينما يكبر ، إن ما نراه في الناس من سوء خلق وندرة أدب ، وجفاء في المعاملة ، لهو نتيجة طبيعية لسوء التأديب في الصغر . ورسولنا الكريم حينما كان يقبل الأطفال ويحنو عليهم ، كان يهدف من ذلك : غرس خلق الرحمة في نفوسهم ، وهذا الأعرابي الذي لم يعجبه تقبيل النبي لصبيانه فاستفهم متعجباً ومستنكرا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم \" أو أملك لك إن نزع الله من قلبك الرحمة \". البخاري : الأدب المفرد ص 35 .
وفى رواية لأبى هريرة أن صلى الله عليه وسلم قبل الحسن بن على وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالس ، فقال الأقرع : إن لي عشرة من الولد ما قبلت فيهم أحدا ، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : \" من لا يرحم لا يرحم \" . البخاري : الأدب المفرد ص 35 .
لذا فقد كان صلى الله عليه وسلم كلما مر بصبيان هش لهم وسلم عليهم. إنه الأدب النبوي الرفيع في التأديب والتهذيب .
وأول شئ كان يفعله النبى فى تربية الأطفال أنه كان يزرع فيهم ابتداء معنى التوحيد الخالص لله عز وجل وأن يتجه الإنسان فى كل شئ إلى ربه وخالقه ، حتى لا يصير ذنبا فى خلق الله بعد ذلك .
أخرج التذمرى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال : كنتُ خلق النبى صلى الله عليه وسلم يوما فقال : \" يا غلام .. إنى أعلمك كلمات :
- احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك .
- وإذا سألت فاسأل الله .
- إذا استعنت فاسعن بالله .
- واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشئ لم ينفعوك إلا بشئ قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشئ لم يضروك إلا بشئ قد كتبه الله عليك . رفعت الأقلام وجفت الصحف \" أخرجه أحمد (1/293 ، رقم 2669) ، والترمذي (4/667 ، رقم 2516) وقال : حسن صحيح . والحاكم (3/623 رقم 6302) رقم : 7957 في صحيح الجامع .
ولقد كان صلى الله عليه وسلم يعود الأطفال على الصلاة خلفه حتى يشبوا على عبادة الله تعالى .
أخرج البخاري والترمذي وأبو داود عن أنس رضي الله عنه قال : \" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً ، وكان لي أخ يقال له أبو عمير وهو فطيم وكان إذا جاء قال : يا أبا عمير ما فعل النغير, والنغير طائر كان يلعب به .
يقول أنس بن مالك \"وربما حضرت الصلاة وهو فى بيته فيأمر بالبساط الذى تحته فينكس ثم ينفخ ، ثم يقوم ونقوم خلفه فيصلى بنا \" .
وفى حديث عبدالله بن عباس أنه بات عند ميمونه أم المؤمنين وهى خالته قال : فاضجعت فى عرض الوسادة ، واضجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله فى طولها فنام حتى انتصف الليل ، أو قبله بقليل أو بعده بقليل استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس يمسح وجهه بيده ، ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من آل عمران ، ثم قام إلى شن معلقة فتوضأ منها ، فأحسن وضوءه ثم قام يصلى . قال ابن عباس : فقمت إلى جنبه فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذنى اليمنى ففركها وصلى ركعتين ثم ركعتين خفيفتين ثم خرج فصلى الصبح \". رواه ابن حزيمة في صحيحه ( 3/89 ) .
وعلى هذا الهدى النبوى الكريم ربى الصحابة أولادهم . وأول ما ينبغى أن يربى الأطفال عليه عبودية الله وتوحيده ، والأخلاق الكريمة وأول هذه الأخلاق الحياء . قال ابن مسكوية : \" ولذلك أول ما ينبغى أن يتفرس فى الصبى ، ويستدل به عقله الحياء ؛ فإنه يدل على أنه قد أحس بالقبيح ، ومع احساسه به هو يحذره ويتجنبه ، ويخاف أن يظهر منه أو فيه \". ابن مسكويه : تهذيب الأخلاق ص 48 .
ثم بعد ذلك يعود على الآداب العامة مثل أدب الحديث ومخاطبة الكبار ، وأدب العطاس ، والتثاؤب فيعلم علم الحمد الله ثم إذا قيل له يرحمك الله ، أو بورك فيك ونحوه ن ويعلم الرد .
إلى غيرها من الآداب التى فصل القول فيها الفقهاء والمربون .
حكى عن محمد بن على القصار : أنه كان له أهل وولد ، وكانت له ابنة ، وكان جماعة من أصدقائه عنده يوما ، فصاحت الصبيه : يارب السماء يزيد العنب ، فضحك محمد وقال : قد أدبتهم بذلك حتى إذا احتاجوا إلى شئ يطلبونه من الله تعالى. الطوسى : اللمع ص 264 .
وهذه بعض وصاياهم لأبنائهم : قال رويم بن أحمد البغدادى لابنه : يا بنى اجعل عملك ملحاً وأدبك دقيقا ، أى استكثر من الأدب حتى تكون نسبته فى سلوكك من حيث الكثرة كنسبة الدقيق إلى الملح الذى يوضع فيه ، وكثير من الأدب مع قليل من العمل الصالح ، خير من كثير من العمل قلة الأدب \"المحاسبي : رسالة المسترشدين ص 31 .
وقال إبراهيم بن الحبيب بن الشهيد ، قال لى أبى أئت الفقهاء والعلماء ، وتعلم منهم ، وخذ من أدبهم وأخلاقهم وخذ من أدبهم وأخلاقهم وهديهم فإن ذاك أحب لى من كثير من الحديث \" . الخطيب البغدادي : الجامع لأخلاق الراوي ج1 ص 17 .
وقال بعض السلف لابنه : لأن تُعلم بابا من الأدب أحب إلى من أن تتعلم سبعين بابا من أبواب العلم \" السمعانى : أدب الإملاء والاستملاء ص 11 .
وفى الحديث الشريف عن ابن عباس : أكرموا أولادكم واحسنوا أدبهم (رواه ابن ماجة) .
فالأب يستطيع أن يرقى بسلوك أولاده صعدا فى مدراج المثل العيا والمكارم الإنسانية الرفيعة ، والأب العاقل هو الذى يعرف كيف يتسرب إلى قلوب ابنائه ليغرس فيهم قيم الإسلام وآدابه النبيلة دون أن يرهقهم ، أو يجعلهم يحسون بالملل ، وهو فى ذلك تارة يربى بالموعظة ، وتارة بالقدوة ، وأخرى بالاثارة .
وهو في كلٍ مفتح العينين على سلوكياتهم وأخلاقهم ، وينمى ما فيها من خير وجمال ، ويعدل ما يحتاج إلى تعديل ، ويزيل ما يحتاج إلى إزالة ، وهكذا حتى يخرج للمجتمع جيلاً يؤمن برسالته ويعيش لقضايا أمته .
ولا ريب أن التربية السليمة هى الأساس الأول لصلاح المجتمع فالسلوكيات الدخيلة على المجتمع المسلم ما هى إلا أثر من أثار اختلال موازين التربية ، والتربية ليست مسئولية البيت وحده ؛ بل هى مسئولية يشترك فيها الجميع : البيت والمدرسة والمسجد ، والتلفاز ، والمذياع
تقييم:
0
0