اللوحــــــة الأخيـــــــرة ..او جنــــــون الألــــوان...
قصة قصيــــــــــرة [ أوت 2009]...
اللوحـــــــــــــة الأخــــــــيرة...اوجنــــــــــون الالوان
[مهداة الى روح الفقيد...شلالي رابح... ]
انني لست فارس بالألوان ...لكن أحسب أن لدي قليلا من البيان...أرسم به لوحة لفنان...عايش عمره يخالط الريشة ويمزج بين الالوان...فلعلي اوفق في رسم لوحة لذاك الفنان..مازجا بين الأحرف والكلمات.....ـــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في مدينة تعج بالحركة نهارا...يسير الكل الى وجهته..كل منهم يرسم لوحة يومه ويشق طريقه نحو أحلام المستقبل..يحل المساء وتغيب الشمس ويبقى في الأزقة أناس يلتحفون السماء ويفترشون الأرض...هناك في زاوية من زوايا المدينة ينام فتى ...يتوسد حجرا ..ما يلبث أن يقوم من مكانه..يسير يمنة ويسرة حافي القدمين ،متحدثا بكلام غريب، ملوحا بيديه.....منتظرا الصباح ...إنه يبحث عن ريشة...ينظر إلى اللوحات المرسومة على الجدران ..إنها الالوان التي تشده..ينتقل من صورة الى أخرى ..يجد فيها الانس والمتعة ..إنه يهرب من واقعه الخارجي إلى داخله العميق...فكأنه لا يعرف إلا تفسيرا للألوان والخطوط....يصرخ أين قلمي..؟؟ أين الريشة..؟؟.أريد أدواتي..آه ..أيتها الألوان كم أفتقدك..أنت كلماتي.. أيها الليل اني لا أرى جيدا هذه اللوحات ..لكنها ذات تفاصيل مرسومة في القلب والوجدان...لا تحدها الكلمات ..ولا تكفيها الصرخات..أصوات السيارات تقطع صمت الشارع..يجلس يلتف بثوبه ..لقد بدأ يشعر بنسيم الصباح البارد يعتريه..يجري ....لا يأبه... يتحدث بكلمات" كلنا ندخل الجنة "... يصوب نظره إلى تلك اللوحة ...تشده الألوان...تأسره المناظر..انه قلب يحمل بين دفتيه عشقا للطبيعة...متدفقا للمشاعر كتدفق مياه النهر...متسلقا بنظره إلى الربوات وقمم الجبال..محلق الروح كالطير السابح في الفضاء ..تائه بين الأزقة...ربما به جنون الالوان..يصرخ...أعطوني ورقة..أعطوني ألوان...انني أبصر لونا ليس كالألوان...لقد سئمت من واقعكم....أريده أن يتوقف..يسير بجانب الطريق ...يحادث كل من يقترب منه ويبادله الاهتمام...يفرح بكلمة شكر يلقاها من هذا أو ذاك...لا يأبه للمال ..الناس لاتقدر ذاك الذي ينتجه قلب فنان..أوترسم يداه على ألواح أو جدران ...ينظرون إليه عسى أن يكون ذلك مصدرا للمال ,وهو يراه مصدر للمتعة والجمال ...إنها آيات الله في الأكوان ...كيف يعرض عنها الناس ...ألا يبصرون.؟..أليس لديهم عقول بها يميزون.؟؟..نعم لهم كل ذلك.. ولهم ألسنة بها يتحدثون ..وأعين بها ينظرون ..وأيد بها يبطشون...لكن الأكيد..أن كثرة النظر في الشمس...يخفي عظمة هذه الآية ويبلد الاحساس..إننا نسير في عالم طغت فيه المظاهر على الجواهر....الدرهم والدينار كثر لهم العباد..وأصبح لكل منهم سجادة في هذا المعبد..والسؤال المطروح..كم ستجني من مال جراء تدفق تلك الألوان..فيجيب الفنان...وهو الغني إلا من المال..انتظر منكم اعترافا...أتحداكم أن تأتوا بسطر مما حباني الله من سر بين الألوان...نعم أشهد لكم بقوة الساعد والشكيمة في كسب المال..لكنني لا أرى لكم جمالا ...أراكم موتى يسيرون بين الأحياء وعلى رفاتهم ...أما أنا ..فكلما نظرتم إلى طبيعة الرحمان...تذكرون أخا لكم كان بالنظر إلى هذه الايات...مترف بها وبإيمان...سحرته فحمل ريشة متهالكة وخط لقلبه طريقا بين الألوان...
يلحظها الأحباب ويقولون إن للوحاتك حدة في الألوان ..أين أنت من طبيعة فيها من الزهو..والروعة ماهو أدعى للتفاؤل والاطمئنان..؟؟ ياسائلي...قد لا يستطيع التعبير لساني ...فهو ليس طوع البيان...إليك وحدك النظر والتفسير فكلماتي عميقة في قلب مغمور ..ليس إلا ما ترى معبرا بما لا تحده كلماتك ولا كل البيان...اجتهد وسترى وستعرف.. إنها اللوحات التي ليست إلا تعبيرا لما يخالج روح الإنسان..وفي عصرنا كم هو السواد والطمس يغلب على قلوب بني الإنسان...نعم قد يلبسون بياضا..ويتحلون بأبهى الثياب المزركشة بأحلى الألوان...يحاكي بعضهم الطاووس مخفيا مخالب الصقر..قلبي قدر يغلي ...والمغرفة تأتي بكل ما فيه من القاع بدون اختيار...المظهر هو الذي يخدع..أما الجوهر فهو الحقيقة وليس السامع كالعيان..انها الطاقات التي تكاد تتفجر في قلب كل انسان...فتاكم برئ من أذى كل انسان...إنه يبحر في بحر روحه فيخرج صدءها ألوانا..قد لا تنال إعجاب الكثير ...لكن هلا بحثتم لها عن تفسير ...؟
انني كفيت شري عن كل خلق الله...في الارض..أنا بشر ويعتريني ما يعتري أهلي وإخواني ...فكانت ألواني ...ضربة على الجدران ووفرت حبي لاهل تلك الجدران..ممن يمشون حولي ..يعيشون معي..أرسم لهم لوحاتي..لا أطلب كثير أجر...ويكفيني من أحدهم " بوركت" وأتأذى حين لا أجد من يعترف بجهدي خوفا من أن أطلب أجرا..وما درى المسكين انني غني بالألوان..حتى أنه ليست لي جيوبا تتلقف درهما او دينار..جراء عمل هو عصارة لقلب وروح تعاني...وهل يكون لتلك أجر في الميزان..إن القناعة عندي غنى..كما لغيري الجشع والطمع الذي ليست له نهاية الا في ذاك القبر..الذي ينتظر كل بشر سعيدا كان أم مات يعاني...
اسمحوا لي إلى حد الآن لم استطع أن أعبر عن ألواني...إن كل لوحة هي ميلاد للوحة ثانية...وكل لون هو ميلاد للون ثاني..يسكن قلبا يعتصرألما ويعاني...لون ليس كالألوان..أبصره أحمر قاني ..هل هو لون ورد ذاك البستان أم هو لون دم قاني..أبصره اصفر.... هل هو شحوب وجه ام ثكلى ام هو دمعة على خد يتيم....
إنني حائر بين الألوان...الزرقة ليست إلا لونا للسماء ..ويا ترى هل هناك من تطلع للسماء..؟ الناس كلهم يرون لونا طينيا محترقا..تلك نتيجة نظرتهم إلى أرض منها نبتوا ونسوا روحهم المتعلقة بنقاء السماء..فتبلد الحس وقل الإعتبار
وإدراك المعاني للمعاني..اللون الأخضر ليته كان فاتحا يشرح الصدر ..ويضيف السرور لكل بشر يعاني...لقد وجدته في الطبيعة بغزارة ويغطي كل المساحات..فأحببت أن أبرزه للجميع حين رأيتهم مكفهرين وكأنهم ينظرون إلى الجحيم..لا اعلم إن كنت أخطأت حين حاولت الإبراز فازدادت حدة اللون...إنها إعلان صارخ للنظر لما حولك أيها الإنسان من آيات الرحمان...ما أنا إلا حادي الركب يدعوه لتذوق الألوان...لست إلا محاكيا بدائع خلق الرحمان فهل تلومونني وأنا البشر المقصر الضعيف وانتم غافلون عن آيات الرحمان.......
أما عن الأزرق الذي انعكس على الماء تجدونه عندي أقرب إلى السواد..هل تعلمون..؟؟يا إخواني إنكم ما تركتم وديانكم ولا بحركم كما كان في سالف الأزمان...لقد رميتم كل ماعافته نفوسكم وكل مداد على الزرقة فتحول ماؤكم ليس أقل سوءا من ألواني..إنها النفوس التي لا ترى الجمال إلا في مايحيط بالجسد الفاني...أنسيتم محيط بنائكم العالي..أنسيتم محيط قريتكم ومدينتكم...أبصر لونا أصفر ..قد تقولون لي إننا نراه قليلا في لوحاتك..فهو لغة الحب عند بعض
الأقوام...كيف يكون عندي كثير وأصبح من له جاه أو دولار فالقلب له خير مكان..أما ذاك المربوط بحبل الله فحبل وده من قلوب الناس وفاض خالي...لا تحتاجون مني للون الأصفر فهو عندكم من ربكم منه الكثير فابصروه في آياته العظام..
ــــــــــــــــ النهـــــــــــاية ـــــــــ
[إن الشموع التي تبهجنا بضيائها لا بد وأنها تنتهي باحتراقها ] ..
اخواني هذه محاولة ابداعية في ميدان القصة القصيرة...واكون شاكرا لكم المشاركة والتصويب وبارك الله فيكم ..............