الموروث الشعبي اليمني
يعتبر الموروث الشعبي مصطلح واسع جداً من الصعب تحديد مكوناته وعناصره فهو كل ما خلده الإنسان من شواهد روحية أو مادية على تراثه الفكري ورقيه الإنساني سواءً كان موروثاً لامادي كالحكايات والقصص والأساطير والأهازيج والرقصات الشعبية أو كان تراثاً ملموساً (مادي) كالأزياء التقليدية والحلي وغيرها من المشغولات ، كما أن هناك قول يورده عالم أوروبي اسمه جان جويس حيث يقول :إن الوفاء للأسلاف لا يعني الحفاظ على رمادهم وإنما نقل اللهب الذي أشعلوه.
فالتـراث الشعبي اليمني غني ومتعدد في أشكاله وأنواعه فهو لا يأتي من اختلاف طبيعة المناطق جغرافياً ، واجتماعياً فحسب ، ولكنه يأتي في إطار المنطقة الواحدة فترى منطقة صغيرة ذات إطار جغرافي محدد يحمل أنماطاً مختلفة للون واحد من ألوان التراث سواء كان في الشكل الفني ، أو مضمونه الإنساني وذلك لاحتوائه العديد من الجوانب الحياتية للإنسان اليمني. ومازال هذا التراث قائماً الى الآن حيث نشاهد جمال وروعة صوره المتعددة التي تتجلى صورها في القرى والأرياف والمدن اليمنية.
فالملك تبع اليماني هو أول من قام بكسوة الكعبة ، كما أن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم عندما كان يستقبل زواره كان يفرش لهم البردة اليمانية ، وكانت المنسوجات اليمنية القديمة تعتبر هدايا نفيسة ونادرة لا تهدى إلا للملوك والأمراء .
استطلاع: محمد علي ثامر
نشرت في صحيفة الثورة- الملحق السياحي
أهميته التاريخية
توضح الأستاذة/ أمة الرزاق جحاف بأن أي حضارة لا تكون حضارة عريقة ولها جذورٍ تاريخية إلا بمقدار ما تحمله من شواهد على رقيها الإنساني فالإنسان عبر مسيرته التاريخية يحاول أن يرقي بنفسه ، فإرتقاءه هذا ينعكس على ما يخلفه من سلوكيات تتأصل في حياة الناس من أغاني تحمل قيم معينة من العلاقات الاجتماعية ولعل شواهد ذلك كثيرة فكلمات الزفة الصنعانية مثلاً نجدها في ضوء القوانين الاجتماعية وعلم والانثروبولوجيا تزخر بقيم إنسانية نبيلة جداً تأصل في الناس قيم المحبة والتعاون والعطاء وعندما نفسر العادات والتقاليد التي تزخر بها بلادنا ففي كل منطقة لها عاداتٍ مختلفة تنسجم مع موروثها الثقافي ، فعادات وتقاليد مدينة صنعاء تختلف عن عادات وتقاليد مدينة تعز ، عن أي مدينة أو قرية يمنية أخرى .
كما تضيف الأستاذة / أروى عبده عثمان رئيسة بيت الموروث الشعبي بأن الأهمية التاريخية والحضارية لموروثنا أهمية كبيرة وتتمثل في الحفاظ عليه من الاندثار والقيام بقراءته قراءة جيدة ودقيقة ودراسته دراسة منقحة حتى لا نظل نجهل موروثنا لأنه من يجهل موروثه يجهل نفسه فتراثنا الإبداعي كبير وينبغي أن ننهض من أجل الحفر العميق في طبقات تراثنا الشعبي الإنساني بكل عناصره وطبقاته سواءً القديمة أو الإسلامية أو غيرها .. من أجل الفهم العميق للمعرفة والإلمام به وبدلاً من التمجيد الأجوف للماضي التليد والتغني بأمجاد الأسلاف والأنكفاء في حدود الأحكام التعميمية والتبسيطات السطحية والرديئة.
تنوع فريد
ومن هذا الموروث الشعبي الأزياء النسائية التي تعتبر تعبيراً حقيقياً عن جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لمجتمع من المجتمعات وقد تنوعت الأزياء التقليدية اليمنية بسبب تنوع الأقاليم الجغرافية فيه التي أدت إلى تنوع مواده الأساسية النباتية والحيوانية وتنوع طرق عمله سواءً بالحياكة والغزل كما أن هذه الملابس الشعبية الجميلة تحظى بشعبية كبيرة رغم تقدم الحياة وتطورها الا ان الطابع الجمالي وإتقان صناعتها سيجعل من هذه الأزياء الجميلة كنزاً يخلد مدى الدهر لا يمكن طمسه مهما بلغت عجلة التقدم والتطور لأنها جاءت بناءً على سلوكيات معينة تحظى بالتقديس والاحترام وتوثق العلاقات الاجتماعية بين الناس فمن خلال زياً واحداً يمكننا دراسة التاريخ الاجتماعي والصناعي والاقتصادي للمجتمع
وتردف الأستاذة أمة الرزاق جحاف بأنها قامت مؤخراً بدراسة هي وزميلة لها ألمانية الجنسية زي من أزياء مدينة زبيد دراسة دقيقة واستطاعتا من خلال هذا الزي إلى دراسة علاقة الناس ببعضهم في تلك الفترة التي انتجوا فيها هذا الزي ، ثلاث مدن اشتركت في إنتاجه واتضحت علاقة الرجال بالنساء من خلال تقسيم العمل بينهما فالنساء تقوم بعمل معنية والرجال تقوم بآخر، كما اتضح علاقة اليمن بالخارج من خلال عملية الاستيراد والتصدير.وأنه من خلال انتقال حرفة حياكة الخيوط (الخدوجة) من بلادنا إلى إيطاليا ومنها إلى فرنسا وإنجلترا والبرتغال كل ذلك تاريخ متكامل من خلال زي واحد فقط.
اختلاف نوعي
وتواصل قائلةً: أن موروثنا الشعبي يتميز عن موروثات دول الجوار وخاصة في عملية تطريز وزخرفة الأزياء وذلك في حجم الزخرفة كما أن هناك تشابه في أزياء المناطق الساحلية لبلادنا كأزياء تهامة مع أزياء دول الخليج وأزياء محافظة المهرة ومدينة صلالة بسلطنة عُمان وذلك بسبب التقارب الجغرافي بينهما
بينما تقول الأستاذة / أروى عبده عثمان أنه ليس ثمة فروق بين موروثنا الشعبي وموروث دول الجوار لأن التجاور بحد ذاته كان مفتوحاً على التحاور والتفاعل والتداخل على النحو الذي يسمح باتساع مخزون الذاكرة الجمعية في إطارها الجزيرة الذي يستوعب اليمن كمفردة رئيسية وفاعل استثنائي خلاق في مستوى تخصيب وإثراء هذا الموروث المشترك.
هناك تميز ومزايا مرتبطة بعمق حضاري وتاريخي وزراعي وديمغرافـي يمني ضارب في القدم وله ملامحه وتعابيره ورائحته الخاصة به.
غناء في عناصره
عادةً ما يكون الموروث الشعبي كالمرأة التي تقدم الأدلة المحسوسة والملموسة التي تدل على حضارة الشعب الذي أنتجها وبلادنا والحمد لله لدينا تراث غني جداً ومتنوع جداً ومتعدد بدرجة تصبح معها الأدلة متعددة على أصالة الحضارة اليمنية وعلى غناءها وعلى رقيها الإنساني ، هذا الرقي الذي انعكس في تقاليدها وموروثاتها الغنائية ورقصاتها الشعبية في أهازيجها في ملابسها في طريقة التشريعات العرفية التي نظمت علاقات الناس بعضهم ببعض ، كل تلك الشواهد والأدلة تدل على غناء الموروث الشعبي اليمني وعلى رقي وعظمة الحضارة اليمنية.
وأما الأستاذة / أمة الرزاق جحاف فتقول : بأن الموروث الشعبي اليمني غني غناءً واسع في مكوناته وعناصره ، فعندما نرى زياً مطرزاً بأكثر من طريقة مزين بقطع من الفضة وحبات المرجان والياقوت والأصداف تشعر بأنك أمام لوحة فنية ابدعتها يد فنان تشكيلي بارع في اختيار الألوان وتنسيق الأشكال، كما نرى واجهة من واجهات بيوت مدينة صنعاء القديمة أو مدينة زبيد أو مدينة شبام حضرموت أو مدينة جبلة نستغرب اهتمام الإنسان اليمني بهذه الزخرفة التي تدخل في أي حيز من الفراغ فهي موجودة على الجدران ، في القمريات ، في الأبواب والنوافذ والأرفف وغيرها ، فالاهتمام بالجمال كان اهتماماً فطرياً وذوق عالي جداً في اختيار مكوناته وهذا لم يأتِ من فراغ وإنما أتى من تراكمات شتى افرزتها حضارة غنية بإبداعاتها الفنية ، فالمرأة التي طرزت زياً ما هي أمرأة غير متعلمة ومع ذلك تبدع لك زي مطرز بألوان متناسقة وغنية جداً لدلالة أكيدة على غنى البيئة التي هي عاشت فيها البيئة التي توارث فيها ذاكرتها البصرية، فالساكن في الصحراء كمأرب وشبوه والجوف أقل غناء في الزخرفة بفضل البيئة الصحراوية الجافة بينما المناطق الأخرى تجد الزخرفة فيها أكثر بحكم الطبيعة البيئية فالزخارف في المناطق الجبلية تأخذ أشكالاً حادة وأشكالاً هندسية متداخلة بينما في السهول تكون الزخارف أبسط في وحدات زخرفية بسيطة غير معقدة ، وهذا كله يؤدي من ناحية الاستخدام للعناصر الزخرفية في ما أنتجه وأبدعته يد الإنسان اليمني مذهل في اهتمامه أولاً في دقة الزخرفة ونلاحظ ذلك في أنها دقيقة في عناصرها ومكوناتها وثانياً أنها زخرفة تراعي البيئة المحيطة بها.
أسواقاً ترويجية
أن المتجول في صنعاء القديمة ليجد أن سوق الملح والأسواق الأخرى المتفرعة منه ليشاهد عظمة هذا الموروث العظيم والكبير بمختلف مكوناته وعناصره المادية بينما المتجول في عموم المحافظات ليجد أن كيانه الروحي يعم جميع مناطق الجمهورية فالرقصات الشعبية تزخر بها كل منطقة وكل قرية وتغطي الأهازيج والزوامل في كل المحافل الخاصة بالأعراس التي لها عاداتها وتقاليدها تختلف كلياً أو جزئياً من منطقة إلى أخرى فمثلاً في صنعاء القديمة العريس يسلم على أهل عروسته في اليوم الثالث من عرسه حيث يذهب إليهم دون اصطحاب العروسة لدلالة على أنه أصبح فرداً من هذه الأسرة الجديدة ومن حقه الذهاب إليهم في أي وقت شاء ، كما أن الأسرة تذهب إلى ابنتهم العروسة في اليوم السابع وذلك للاطمئنان على حياتها وبيئتها الجديدة ثم يأتي في اليوم الثامن بجميع ما كان معها من ملابس في بيت أسرتها .
كما أن هناك أسواقاً ترويجية لهذا الموروث في تهامة ولعل سوق مدينة الزيدية الشهير والذي يأتي إليه جميع المهتمين بهذا الموروث نظراً لغناءه وكثافته الكبيرة وكل ذلك تفسر لنا هذه العادات والتقاليد التي كانت تحظى بالتقدير والتقديس والاحترام .
وضع حالي
تقول رئيسة بيت الموروث الشعبي أن الموروث سواءً المادي أو اللامادي (الشفهي) يعتبر غنياً بعناصره المتعددة والتي أصبحت بعضها مهددة بالانقراض في بعض المناطق الأمر الذي يدعونا إلى تجديد التأكيد على أهمية تدارك حالة موروثنا الشعبي والحيلولة دون اندثاره ، فمكوناث الموروث الشعبي هي نفس المكونات منذ مهد الإنسان من إيماءة وإشارة وقول وفعل وهو تراث وثقافة أما مكونات التراث الشفاهي فهو كل ما هو روحي يندرج تحت هذا الإطار من أدب شعبي، أغاني ، وعادات وتقاليد، ومعتقدات ومعارف ، طقوس دينية وشعبية وغيرها .
رؤية مستقبلية
أن الاهتمام بالموروث الشعبي اليمني كونه يعتبر تاريخ عميق وكنزاً لا يفنى لأجيال سعت جاهدة نحو الرقي والتقدم الحضاري والإنساني جعله في متميزاً نوعاً وكماً عن باقي الموروثات الشعبية وما يجب علينا هو أن نحافظ عليه ونقوم بتطويره عن طريق قراءته قراءةً مفصلة وخضعه لدراسة دقيقة للحفاظ عليه وأن نقف وقفة رجل واحد سواء الجهات ذات العلاقة أو مؤسسات المجتمع المدني من أجل ذلك .
فالتـراث الشعبي اليمني غني ومتعدد في أشكاله وأنواعه فهو لا يأتي من اختلاف طبيعة المناطق جغرافياً ، واجتماعياً فحسب ، ولكنه يأتي في إطار المنطقة الواحدة فترى منطقة صغيرة ذات إطار جغرافي محدد يحمل أنماطاً مختلفة للون واحد من ألوان التراث سواء كان في الشكل الفني ، أو مضمونه الإنساني وذلك لاحتوائه العديد من الجوانب الحياتية للإنسان اليمني. ومازال هذا التراث قائماً الى الآن حيث نشاهد جمال وروعة صوره المتعددة التي تتجلى صورها في القرى والأرياف والمدن اليمنية.
فالملك تبع اليماني هو أول من قام بكسوة الكعبة ، كما أن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم عندما كان يستقبل زواره كان يفرش لهم البردة اليمانية ، وكانت المنسوجات اليمنية القديمة تعتبر هدايا نفيسة ونادرة لا تهدى إلا للملوك والأمراء .
استطلاع: محمد علي ثامر
نشرت في صحيفة الثورة- الملحق السياحي
أهميته التاريخية
توضح الأستاذة/ أمة الرزاق جحاف بأن أي حضارة لا تكون حضارة عريقة ولها جذورٍ تاريخية إلا بمقدار ما تحمله من شواهد على رقيها الإنساني فالإنسان عبر مسيرته التاريخية يحاول أن يرقي بنفسه ، فإرتقاءه هذا ينعكس على ما يخلفه من سلوكيات تتأصل في حياة الناس من أغاني تحمل قيم معينة من العلاقات الاجتماعية ولعل شواهد ذلك كثيرة فكلمات الزفة الصنعانية مثلاً نجدها في ضوء القوانين الاجتماعية وعلم والانثروبولوجيا تزخر بقيم إنسانية نبيلة جداً تأصل في الناس قيم المحبة والتعاون والعطاء وعندما نفسر العادات والتقاليد التي تزخر بها بلادنا ففي كل منطقة لها عاداتٍ مختلفة تنسجم مع موروثها الثقافي ، فعادات وتقاليد مدينة صنعاء تختلف عن عادات وتقاليد مدينة تعز ، عن أي مدينة أو قرية يمنية أخرى .
كما تضيف الأستاذة / أروى عبده عثمان رئيسة بيت الموروث الشعبي بأن الأهمية التاريخية والحضارية لموروثنا أهمية كبيرة وتتمثل في الحفاظ عليه من الاندثار والقيام بقراءته قراءة جيدة ودقيقة ودراسته دراسة منقحة حتى لا نظل نجهل موروثنا لأنه من يجهل موروثه يجهل نفسه فتراثنا الإبداعي كبير وينبغي أن ننهض من أجل الحفر العميق في طبقات تراثنا الشعبي الإنساني بكل عناصره وطبقاته سواءً القديمة أو الإسلامية أو غيرها .. من أجل الفهم العميق للمعرفة والإلمام به وبدلاً من التمجيد الأجوف للماضي التليد والتغني بأمجاد الأسلاف والأنكفاء في حدود الأحكام التعميمية والتبسيطات السطحية والرديئة.
تنوع فريد
ومن هذا الموروث الشعبي الأزياء النسائية التي تعتبر تعبيراً حقيقياً عن جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لمجتمع من المجتمعات وقد تنوعت الأزياء التقليدية اليمنية بسبب تنوع الأقاليم الجغرافية فيه التي أدت إلى تنوع مواده الأساسية النباتية والحيوانية وتنوع طرق عمله سواءً بالحياكة والغزل كما أن هذه الملابس الشعبية الجميلة تحظى بشعبية كبيرة رغم تقدم الحياة وتطورها الا ان الطابع الجمالي وإتقان صناعتها سيجعل من هذه الأزياء الجميلة كنزاً يخلد مدى الدهر لا يمكن طمسه مهما بلغت عجلة التقدم والتطور لأنها جاءت بناءً على سلوكيات معينة تحظى بالتقديس والاحترام وتوثق العلاقات الاجتماعية بين الناس فمن خلال زياً واحداً يمكننا دراسة التاريخ الاجتماعي والصناعي والاقتصادي للمجتمع
وتردف الأستاذة أمة الرزاق جحاف بأنها قامت مؤخراً بدراسة هي وزميلة لها ألمانية الجنسية زي من أزياء مدينة زبيد دراسة دقيقة واستطاعتا من خلال هذا الزي إلى دراسة علاقة الناس ببعضهم في تلك الفترة التي انتجوا فيها هذا الزي ، ثلاث مدن اشتركت في إنتاجه واتضحت علاقة الرجال بالنساء من خلال تقسيم العمل بينهما فالنساء تقوم بعمل معنية والرجال تقوم بآخر، كما اتضح علاقة اليمن بالخارج من خلال عملية الاستيراد والتصدير.وأنه من خلال انتقال حرفة حياكة الخيوط (الخدوجة) من بلادنا إلى إيطاليا ومنها إلى فرنسا وإنجلترا والبرتغال كل ذلك تاريخ متكامل من خلال زي واحد فقط.
اختلاف نوعي
وتواصل قائلةً: أن موروثنا الشعبي يتميز عن موروثات دول الجوار وخاصة في عملية تطريز وزخرفة الأزياء وذلك في حجم الزخرفة كما أن هناك تشابه في أزياء المناطق الساحلية لبلادنا كأزياء تهامة مع أزياء دول الخليج وأزياء محافظة المهرة ومدينة صلالة بسلطنة عُمان وذلك بسبب التقارب الجغرافي بينهما
بينما تقول الأستاذة / أروى عبده عثمان أنه ليس ثمة فروق بين موروثنا الشعبي وموروث دول الجوار لأن التجاور بحد ذاته كان مفتوحاً على التحاور والتفاعل والتداخل على النحو الذي يسمح باتساع مخزون الذاكرة الجمعية في إطارها الجزيرة الذي يستوعب اليمن كمفردة رئيسية وفاعل استثنائي خلاق في مستوى تخصيب وإثراء هذا الموروث المشترك.
هناك تميز ومزايا مرتبطة بعمق حضاري وتاريخي وزراعي وديمغرافـي يمني ضارب في القدم وله ملامحه وتعابيره ورائحته الخاصة به.
غناء في عناصره
عادةً ما يكون الموروث الشعبي كالمرأة التي تقدم الأدلة المحسوسة والملموسة التي تدل على حضارة الشعب الذي أنتجها وبلادنا والحمد لله لدينا تراث غني جداً ومتنوع جداً ومتعدد بدرجة تصبح معها الأدلة متعددة على أصالة الحضارة اليمنية وعلى غناءها وعلى رقيها الإنساني ، هذا الرقي الذي انعكس في تقاليدها وموروثاتها الغنائية ورقصاتها الشعبية في أهازيجها في ملابسها في طريقة التشريعات العرفية التي نظمت علاقات الناس بعضهم ببعض ، كل تلك الشواهد والأدلة تدل على غناء الموروث الشعبي اليمني وعلى رقي وعظمة الحضارة اليمنية.
وأما الأستاذة / أمة الرزاق جحاف فتقول : بأن الموروث الشعبي اليمني غني غناءً واسع في مكوناته وعناصره ، فعندما نرى زياً مطرزاً بأكثر من طريقة مزين بقطع من الفضة وحبات المرجان والياقوت والأصداف تشعر بأنك أمام لوحة فنية ابدعتها يد فنان تشكيلي بارع في اختيار الألوان وتنسيق الأشكال، كما نرى واجهة من واجهات بيوت مدينة صنعاء القديمة أو مدينة زبيد أو مدينة شبام حضرموت أو مدينة جبلة نستغرب اهتمام الإنسان اليمني بهذه الزخرفة التي تدخل في أي حيز من الفراغ فهي موجودة على الجدران ، في القمريات ، في الأبواب والنوافذ والأرفف وغيرها ، فالاهتمام بالجمال كان اهتماماً فطرياً وذوق عالي جداً في اختيار مكوناته وهذا لم يأتِ من فراغ وإنما أتى من تراكمات شتى افرزتها حضارة غنية بإبداعاتها الفنية ، فالمرأة التي طرزت زياً ما هي أمرأة غير متعلمة ومع ذلك تبدع لك زي مطرز بألوان متناسقة وغنية جداً لدلالة أكيدة على غنى البيئة التي هي عاشت فيها البيئة التي توارث فيها ذاكرتها البصرية، فالساكن في الصحراء كمأرب وشبوه والجوف أقل غناء في الزخرفة بفضل البيئة الصحراوية الجافة بينما المناطق الأخرى تجد الزخرفة فيها أكثر بحكم الطبيعة البيئية فالزخارف في المناطق الجبلية تأخذ أشكالاً حادة وأشكالاً هندسية متداخلة بينما في السهول تكون الزخارف أبسط في وحدات زخرفية بسيطة غير معقدة ، وهذا كله يؤدي من ناحية الاستخدام للعناصر الزخرفية في ما أنتجه وأبدعته يد الإنسان اليمني مذهل في اهتمامه أولاً في دقة الزخرفة ونلاحظ ذلك في أنها دقيقة في عناصرها ومكوناتها وثانياً أنها زخرفة تراعي البيئة المحيطة بها.
أسواقاً ترويجية
أن المتجول في صنعاء القديمة ليجد أن سوق الملح والأسواق الأخرى المتفرعة منه ليشاهد عظمة هذا الموروث العظيم والكبير بمختلف مكوناته وعناصره المادية بينما المتجول في عموم المحافظات ليجد أن كيانه الروحي يعم جميع مناطق الجمهورية فالرقصات الشعبية تزخر بها كل منطقة وكل قرية وتغطي الأهازيج والزوامل في كل المحافل الخاصة بالأعراس التي لها عاداتها وتقاليدها تختلف كلياً أو جزئياً من منطقة إلى أخرى فمثلاً في صنعاء القديمة العريس يسلم على أهل عروسته في اليوم الثالث من عرسه حيث يذهب إليهم دون اصطحاب العروسة لدلالة على أنه أصبح فرداً من هذه الأسرة الجديدة ومن حقه الذهاب إليهم في أي وقت شاء ، كما أن الأسرة تذهب إلى ابنتهم العروسة في اليوم السابع وذلك للاطمئنان على حياتها وبيئتها الجديدة ثم يأتي في اليوم الثامن بجميع ما كان معها من ملابس في بيت أسرتها .
كما أن هناك أسواقاً ترويجية لهذا الموروث في تهامة ولعل سوق مدينة الزيدية الشهير والذي يأتي إليه جميع المهتمين بهذا الموروث نظراً لغناءه وكثافته الكبيرة وكل ذلك تفسر لنا هذه العادات والتقاليد التي كانت تحظى بالتقدير والتقديس والاحترام .
وضع حالي
تقول رئيسة بيت الموروث الشعبي أن الموروث سواءً المادي أو اللامادي (الشفهي) يعتبر غنياً بعناصره المتعددة والتي أصبحت بعضها مهددة بالانقراض في بعض المناطق الأمر الذي يدعونا إلى تجديد التأكيد على أهمية تدارك حالة موروثنا الشعبي والحيلولة دون اندثاره ، فمكوناث الموروث الشعبي هي نفس المكونات منذ مهد الإنسان من إيماءة وإشارة وقول وفعل وهو تراث وثقافة أما مكونات التراث الشفاهي فهو كل ما هو روحي يندرج تحت هذا الإطار من أدب شعبي، أغاني ، وعادات وتقاليد، ومعتقدات ومعارف ، طقوس دينية وشعبية وغيرها .
رؤية مستقبلية
أن الاهتمام بالموروث الشعبي اليمني كونه يعتبر تاريخ عميق وكنزاً لا يفنى لأجيال سعت جاهدة نحو الرقي والتقدم الحضاري والإنساني جعله في متميزاً نوعاً وكماً عن باقي الموروثات الشعبية وما يجب علينا هو أن نحافظ عليه ونقوم بتطويره عن طريق قراءته قراءةً مفصلة وخضعه لدراسة دقيقة للحفاظ عليه وأن نقف وقفة رجل واحد سواء الجهات ذات العلاقة أو مؤسسات المجتمع المدني من أجل ذلك .