الناس ثلاثة أقسام في استعمال جوارحهم
و الناس بعد ذلك ثلاثة أقسام :
أحدهما : من استعمل تلك الجوارح فيما خلقت له ، و أريد منها ، فهذا هو الذي تاجر الله بأربح التجارة ، و باع نفسه لله بأربح البيع.
و الصلاة وُضعت لاستعمال الجوارح جميعها في العبودية تبعاً لقيام القلب بها و هذا رجلٌ عرَف نعمة الله فيما خُلق له من الجوارح و ما أنعم عليه من الآلاء ، و النعم ، فقام بعبوديته ظاهراً و باطناً و استعمل جوارحه في طاعة ربِّه ، و حفظ نفسه و جوارحه عمَّا يُغضب ربه و يشينه عنده.
و الثـاني : من استعمل جوارحه فيما لم تُخلق له ، بل حبسها على المخالفات و المعاصي ، و لم يطلقها ، فهذا هو الذي خابَ سعيه ، و خسرت تجارته ، و فاته رضا ربَّه عزَّ و جل عنه ، و جَزيل ثوابه ، و حصل على سخطه و أليم عقابه.
و الثـالث : مَن عطَّل جوارحه ، و أماتها بالبطالة و الجهالة، فهذا أيضا خاسر بائر أعظم خسارة من الذي قبله ،فإن العبد إنما خُلق للعبادة و الطاعة لا للبطالة .
و أبغض الخلق إلى الله العبد البطَّال الذي لا في شغل الدنيا و لا في سعي الآخرة.
بل هو كلّ على الدنيا و الدين ، بل لو سعى للدنيا و لم يسع للآخرة كان مذموماً مخذولاً ، و كيف إذا عطّل الأمرين ، و إنَّ امرء يسعى لدنياه دائما ، و يذهل عن أُخراه ، لا شكَّ خاسر.