مملكة القطار
مملكة القطار
كعادتي، و كل صباح عدا نهاية الأسبوع أستقل قطار الساعة السابعة صباحا لألتحق بعملي بالجريدة ، كنت مشرفا على صفحة جديدة أحدثها رئيس التحرير ، بعنوان- أحلام القراء -، ومن كثرة قراءتي للرسائل التي تصلني اختلطت في ذهني الأحلام بالحقائق ، ...
نزلت الأدراج مهرولا ، لم أحي بواب العمارة هذا الصباح،المحطة لم تكن بعيدة عن مقر سكناي ، ابتعتُ صحيفة من جرائد المعارضة ، بائع الجرائد لم يعد يبتسم في وجهي من كثرة ترددي عليه كل صباح ،ثم أسرعت للقطار الذي بدأ يتحرك ، فقد كنت أحمل تذكرة صالحة لمدة شهر بحكم عملي كصحفي.
من حسن حظي أن المكان الذي أهوى الجلوس فيه كان شاغرا ، فقد كنت أجلس عادة عكس سير القطار، حيث تبدو لي المنازل و الأشجار كأنها تفر نحو قدر محتوم ، أخرجت الجريدة من جيب معطفي الصوفي ، فقد كان الجو خريفيا باردا، تصفحت العناوين ، بدت لي باهتة دون معنى ، و متشابهة مع الصحف الموالية للحكومة ، ألقيت الصحيفة بجانبي واستسلمت لهواجسي مسترجعا أحلام قراء الجريدة ... و في لحظة بين اليقظة و الحلم فكرت بتحويل اتجاه القطار صوب قرية جدي ، ابتسمت في أعماقي حين تذكرت أن الطريق المعبد لا تصل إلى القرية ، فكيف تصلها سكة الحديد لذلك عدلت عن فكرة تحويل القطار إلى مغامرة أخرى أكثر جرأة ، سرقة القطار وتكوين مملكة ... أخرجت هاتفي المحمول و هاتفت زوجتي ، كانت مازالت نائمة ، جاءني صوتها دافئا و متقطعا ، حين اقترحت عليها الفكرة قالت :
- الله في عونك .
تحمّست لدعاء زوجتي و عزمت على تنفيذ الفكرة . بجواري كان أحد المسافرين متظاهرا بالقراءة، في منتصف العمر ، يضع نظارة طبية مثلي ، ربما مشغولا بهمومه وهواجسه ... اقتربت من جاري و أنا بين اليقظة و الحلم و بادرته قائلا :
- ما رأيك ، سوف أسرق القطار ...
- ممكن ، لمَ لا ، في هذه البلاد كل شيء صالح للسرقة ، حتى الأحلام ...
تجرأت أكثر و قلت :
- لِمَ لا تشاركني ، سأكون منصفا معك ، سأمنحك ثلث القطار ، وبعد عشر سنوات سأجعلك رئيسا للوزراء ، ونائبا لي في مملكة القطار.
تراجع جاري إلى الوراء ، ونظر إلي نظرة فيها كثيرا من الاستغراب ، ربما اعتقد في نفسه أني مخبول و في أحسن الأحوال أني أمازحه ...
قمت من مكاني ، أخرجت ورقة و قلما من محفظتي ، و سرت على طول القطار ، أعدّ المسافرين ، من الرجال و النساء و الأطفال ، و عدد العمال ، وحين أعود إلى مكاني كان جاري يتلصص على الورقة، و كنت أتعمد أن أترك له الفرصة ليقرأ العمليات الحسابية و الأشكال الهندسية التي كنت أخطها لعلّه يتراجع و يشاركني.
و أنا بين اليقظة و الحلم دائما قررت مع نفسي أن أوزع الركاب إلى فئات :
- فئة المخبرين
- فئة البهلوانيين
- الفئة الثالثة هم المثقفون الذين يحملون شواهد عليا...وصادف وجودهم في القطار، هؤلاء سأمنحهم العربة الأخيرة ، و مهمتهم هي النقاش فيما بينهم فقط ، و لا علاقة لهم بالعربات الأخرى .
- الأطفال سيخضعون لتكوين خاص داخل القطار.
- أما النساء، فدورهن في السنوات العشر الأولى، الإنجاب .
- أما عمال القطار كالسائق و بائعي الجرائد و المرطبات و مراقبي التذاكر ... هم من المقربين من حاكم القطار الذي هو أنا بالطبع - في السنوات الخمس الأولى، بعد ذلك يُرمى بهم إلى الخارج لمعرفتهم بأسرار العربات و المحطات...
هكذا وأنا بين اليقظة والحلم قررت أن أنشئ مملكة القطار.رفعت كفي إلى السماء وأنا اتجه صوب المقصورة الأولى لأنفذ خطتي ، أخرجت من جيب معطفي قفازين و قبل أن ألج المقصورة فاجأتني لكمة قوية ، فقدت توازني و سقطت على أرض القطار ، والذي بدأت سرعته تقل ، و حسب خبرتي كنت أعرف المحطة الثانوية المقبلة ، عندما فتحت عينيّ كان جاري يقف على رأسي و يقول :
- يا ابن الكلب خمس سنوات و نحن نخطط لكي ننشئ مملكة القطارات و تأتي أنت في نصف ساعة لتجهض هذا الحلم .
نظرت إليه و مازال أثر اللكمة يوجعني و قلتُ:
- كل شيء قابل للسرقة حتى الأحلام .
قال ساخرا :
- سنسمّي إحدى العربات باسمك تقديرا لأفكارك و لذكراك...
و أنا بين اليقظة و الحلم ، و جدت نفسي مرميا على سكة الحديد و المحفظة بجانبي كان القطار يبتعد ، حين رفعت رأسي كان جاري يشير إليّ بالورقة و يبتسم .
قمْتُ ، نفضت التراب عن ملابسي و سرت بين القضبان ، و أنا أكرر في نفسي هذه سبيلي....
كعادتي، و كل صباح عدا نهاية الأسبوع أستقل قطار الساعة السابعة صباحا لألتحق بعملي بالجريدة ، كنت مشرفا على صفحة جديدة أحدثها رئيس التحرير ، بعنوان- أحلام القراء -، ومن كثرة قراءتي للرسائل التي تصلني اختلطت في ذهني الأحلام بالحقائق ، ...
نزلت الأدراج مهرولا ، لم أحي بواب العمارة هذا الصباح،المحطة لم تكن بعيدة عن مقر سكناي ، ابتعتُ صحيفة من جرائد المعارضة ، بائع الجرائد لم يعد يبتسم في وجهي من كثرة ترددي عليه كل صباح ،ثم أسرعت للقطار الذي بدأ يتحرك ، فقد كنت أحمل تذكرة صالحة لمدة شهر بحكم عملي كصحفي.
من حسن حظي أن المكان الذي أهوى الجلوس فيه كان شاغرا ، فقد كنت أجلس عادة عكس سير القطار، حيث تبدو لي المنازل و الأشجار كأنها تفر نحو قدر محتوم ، أخرجت الجريدة من جيب معطفي الصوفي ، فقد كان الجو خريفيا باردا، تصفحت العناوين ، بدت لي باهتة دون معنى ، و متشابهة مع الصحف الموالية للحكومة ، ألقيت الصحيفة بجانبي واستسلمت لهواجسي مسترجعا أحلام قراء الجريدة ... و في لحظة بين اليقظة و الحلم فكرت بتحويل اتجاه القطار صوب قرية جدي ، ابتسمت في أعماقي حين تذكرت أن الطريق المعبد لا تصل إلى القرية ، فكيف تصلها سكة الحديد لذلك عدلت عن فكرة تحويل القطار إلى مغامرة أخرى أكثر جرأة ، سرقة القطار وتكوين مملكة ... أخرجت هاتفي المحمول و هاتفت زوجتي ، كانت مازالت نائمة ، جاءني صوتها دافئا و متقطعا ، حين اقترحت عليها الفكرة قالت :
- الله في عونك .
تحمّست لدعاء زوجتي و عزمت على تنفيذ الفكرة . بجواري كان أحد المسافرين متظاهرا بالقراءة، في منتصف العمر ، يضع نظارة طبية مثلي ، ربما مشغولا بهمومه وهواجسه ... اقتربت من جاري و أنا بين اليقظة و الحلم و بادرته قائلا :
- ما رأيك ، سوف أسرق القطار ...
- ممكن ، لمَ لا ، في هذه البلاد كل شيء صالح للسرقة ، حتى الأحلام ...
تجرأت أكثر و قلت :
- لِمَ لا تشاركني ، سأكون منصفا معك ، سأمنحك ثلث القطار ، وبعد عشر سنوات سأجعلك رئيسا للوزراء ، ونائبا لي في مملكة القطار.
تراجع جاري إلى الوراء ، ونظر إلي نظرة فيها كثيرا من الاستغراب ، ربما اعتقد في نفسه أني مخبول و في أحسن الأحوال أني أمازحه ...
قمت من مكاني ، أخرجت ورقة و قلما من محفظتي ، و سرت على طول القطار ، أعدّ المسافرين ، من الرجال و النساء و الأطفال ، و عدد العمال ، وحين أعود إلى مكاني كان جاري يتلصص على الورقة، و كنت أتعمد أن أترك له الفرصة ليقرأ العمليات الحسابية و الأشكال الهندسية التي كنت أخطها لعلّه يتراجع و يشاركني.
و أنا بين اليقظة و الحلم دائما قررت مع نفسي أن أوزع الركاب إلى فئات :
- فئة المخبرين
- فئة البهلوانيين
- الفئة الثالثة هم المثقفون الذين يحملون شواهد عليا...وصادف وجودهم في القطار، هؤلاء سأمنحهم العربة الأخيرة ، و مهمتهم هي النقاش فيما بينهم فقط ، و لا علاقة لهم بالعربات الأخرى .
- الأطفال سيخضعون لتكوين خاص داخل القطار.
- أما النساء، فدورهن في السنوات العشر الأولى، الإنجاب .
- أما عمال القطار كالسائق و بائعي الجرائد و المرطبات و مراقبي التذاكر ... هم من المقربين من حاكم القطار الذي هو أنا بالطبع - في السنوات الخمس الأولى، بعد ذلك يُرمى بهم إلى الخارج لمعرفتهم بأسرار العربات و المحطات...
هكذا وأنا بين اليقظة والحلم قررت أن أنشئ مملكة القطار.رفعت كفي إلى السماء وأنا اتجه صوب المقصورة الأولى لأنفذ خطتي ، أخرجت من جيب معطفي قفازين و قبل أن ألج المقصورة فاجأتني لكمة قوية ، فقدت توازني و سقطت على أرض القطار ، والذي بدأت سرعته تقل ، و حسب خبرتي كنت أعرف المحطة الثانوية المقبلة ، عندما فتحت عينيّ كان جاري يقف على رأسي و يقول :
- يا ابن الكلب خمس سنوات و نحن نخطط لكي ننشئ مملكة القطارات و تأتي أنت في نصف ساعة لتجهض هذا الحلم .
نظرت إليه و مازال أثر اللكمة يوجعني و قلتُ:
- كل شيء قابل للسرقة حتى الأحلام .
قال ساخرا :
- سنسمّي إحدى العربات باسمك تقديرا لأفكارك و لذكراك...
و أنا بين اليقظة و الحلم ، و جدت نفسي مرميا على سكة الحديد و المحفظة بجانبي كان القطار يبتعد ، حين رفعت رأسي كان جاري يشير إليّ بالورقة و يبتسم .
قمْتُ ، نفضت التراب عن ملابسي و سرت بين القضبان ، و أنا أكرر في نفسي هذه سبيلي....