الجوز الخيل والعربية
الجوز الخيل والعربية
بقلم
عطا درغام
الجوز الخيل والعربية أنغامهم كلها حنية .....سوق يا أسطي لحد الصبحية.....فيرد الحوذي :خدامك أنا والعربية.
كلمات جميلة تعبر عن زمن جميل ، وحال الناس عندما كان يسود الهدوء والمزاج الرائق ، وليس تعبيرا عن التعقيد والسخط وصخب الحياة الذي نشهده الآن.
كان الناس يستمتعون بحياتهم ،ويعيشون اللحظة الحاضرة،ولا يفكرون في الغد ،وذلك لشعورهم بالأمان والاستقرار بعيدا عن الهموم والمشاكل،فلم يحملوا هم ارتفاع الأسعار الجنونية التي تتزايد باستمرار بصورة لا يستطيع المواطن مجاراتها والدروس الخصوصية،أو الوقوف في طابور ليحصلوا علي احتياجاتهم اليومية،أو الانتظار للحصول علي بون أنبوبة غاز لا تكفيه أسبوعا أو فواتير الحكومة التي لاتنتهي ،ويخشي (أن يشيلوا العدة) فيضطر إلي الدفع مكرها؛فينتهي بهم المطاف إلي شراء لتر بنزين أو لتر جاز لينهوا به حياتهم ؛إذ كانت البساطة في كل شيء.
بعد يوم شاق في العمل ،كان الناس يتركون همومهم،ويخرجون إلي النزهة يستمتعون بجمال الطبيعة الخلابة،وكان كل شيء جميلا،ويتركونه أجمل ليستمتع به غيرهم بعيدا عن العبث والتشويه والتخريب في صورة حضارية تعبر عن السعادة والرضا والقبول بالحياة الجميلة.
أما الآن .................!!!!!!!!!!!!
فأين الوقت والمزاج اللذان يسمحان بأن يودع الناس كل همومهم وأحزانهم التي تلاحقهم ،وتجعلهم يكتوون بها،فيكرهون الحياة.........؟
يستيقظون من النوم يحملون هم توفير الاحتياجات اليومية،والمطالب التي لاتنتهي،في الصباح وراء إلحاح الأولاد علي فلوس الدروس الخصوصية،وإلا سيطردون من جنة المجموعة المدرسية (الاسم الحركي للدروس الخصوصية تحت رعاية وزارة التعليم )،والمطالبة بزيادة المصروف الذي لم يعد يكفي لشراء كارت محمول و طلب وجبة سريعة ،والزوجة التي تطالبه بدفع فاتورة التليفون التي انتهت مهلتها،وفاتورة الغاز،وفاتورة الكهرباء،ورسوم النظافة،وفوق كل ذلك مصروف البيت ،فيكظم الزوج غيظه ويدفع مضطرا.
وبعد وصلة الحساب والتفاوض مع الأسرة،يذهب إلي العمل متأخرا فيؤنبه رئيسه في العمل علي التأخير المستمر،ويهدده بالجزاء أو الخصم من المرحوم مرتبه،الذي يشيع إلي مثواه الأخير قبل الوصول إلي صاحب المقام الرفيع جيبه الذي ذاب من كثرة إدخال يده فيه،فيكظم غيظه مرة أخري ويدخل مكتبه مكتئبا،ويفاجأ بطابور طويل عريض لا ينتهي من أصحاب الطلبات والمصالح التي يريدون قضاءها،فيكظم غيظه مرة ثالثة ،فيبسمل ويطلبق ويحوقل ،ويمارس عقده علي خلق الله ،فيضطرون إلي تقديم فروض الطاعة والولاء وتجنب إثارة جناب السيادة ؛حتي تقضي مصالحهم في هذه المصلحة،ويلحقون بأخرى قبل الساعة الثانية عشرة ،وقبل ذهاب الموظف إلي البنك للتوريد .
وتقترب ساعة الانصراف والطابور لاينتهي ،ويطلب منهم المجيء في الغد وسط استنكار واستهجان الجميع،ويتطاول أحدهم عليه ويشتبك معه،فيتدخل الأمن لفض الاشتباك،ويغلق الشباك وسط تمتمة ،وكلمات استهجان واستنكار غير مفهومة منه،وعليه أن يكظم غيظه مرة رابعة،فينصرف من العمل لاعنا الظروف واليوم الذي ولد فيه ورماه في هذه المصلحة الحكومية.
يسرع إلي المحطة ينتظر الأتوبيس ،ليفوز بمكان يضع إحدى قدميه فيه،فيصعد مسرعا حامدا ربه علي المكان ويتمكن من الوصول، ويستطيع النوم ساعة قبل الذهاب إلي عمله الإضافي،فيتعطل الأتوبيس في منتصف الطريق ،ويكظم غيظه مرة خامسة،ويفاجأ بصراخ أحدهم علي ضياع محفظته ،ويحمد الله أنه ليس في جيبه مايبكي عليه ؛لأن مرتبه بجناحين ،ويأبي أن يدخل محفظته وكتب عليها أن تظل فارغة تماما طوال الشهر.........!!!!!!!!!!!!!
ويظل يدور في حلقة مفرغة لا يجد فيها الوقت الكافي الذي يهنأ به ويستمتع بحياته ،ويزيح عن كاهله أعباء وهموم يوم ملبد بالغيوم والمشاحنات،فينعكس عليه وعلي أسرته ،فيحرمون من حقهم الطبيعي في الاستمتاع بالحياة .