من إغلاق المعابر إلى إغلاق المنابر
من إغلاق المعابر إلى إغلاق المنابر
محمد يوسف عدس | 25-10-2010 00:31
عندما يُتاح لى بعض الوقت أحاول أن أتصفّح تعليقات القراء على المقالات أو الأخبار الساخنة .. وأعترف أنها تجربة قاسية على النفس لأنها أولا: تعكس فى كثير من الأحيان انفعلات سريعة ومشاعر إحباط ويأس واضحين، وقليلا ما تجد فكرة إيجابية ذات وزن .. وثانيا: أن أصحابها ربما لتسرّعهم فى الكتابة يرتكبون أخطاء لغوية كثيرة .. ولهؤلاء أقدم النصيحة: أنه لا بأس من أن نخصص بعض الوقت كل يوم لنتعلّم لغتنا العربية الجميلة فى أى عمر كُـنّا.. فأنا بعد السبعين مازلت أتعلم أسرار هذه اللغة الرائعة...
كان المقال يتصل بموضوع إغلاق الفقى للقنوات الإسلامية، تحت ذرائع كاذبة كما عوّدتنا هذه السلطة.. ولكن المهم أنه فى خضمّ هذه التعليقات أصادف تعليقا رصينا يلفت نظرى بلغته العربية السّلسلة السليمة ،وبأسلوبه الموجز المعبّر عن الحقيقة والواقع الملموس فى دنيا الناس ..أما التعليق فكان لقارئة إسمها سمية .. وهو تعليق يشعّ بالإيمان والطمأنينة والثقة بأن نصر الله آت لا محالة مهما تجبّر الطغاة وأفسد المفسدون.. تقول فيه:
" هذا دين عجيب وليتهم يفهمون .... تطارد الحجاب يزداد.. تهاجم النقاب يملأ الشوارع والمصالح الحكومية!! تنتقد الملتحين تجدهم أمامك في كل حين !! تضيّق على كتاتيب تحفيظ القرآن يتحول كل بيت إلى كُتّاب!!! هذا ليس قرار بشر ... فلا نحزن .. بل نحن على الطريق سائرون وبوعد الله مطمئنون ..."
و إن كان لى من شيئ أضيفه فإننى أقول إن هذه الظاهرة رد فعل وتعببر سلمي واضح عن الرفض والمقاومة من قِبل الجماهير المسلمة لتوجّهات السلطة عندما تصدمهم بإجراءات تتسم بالغلوّ والحماقة.. خصوصا فيما يتعلق بعقيدتهم االدينية ...
والمهم عندى إن قرار إغلاق هذه القنوات وإن جاء فى زفّة الآستعداد لحفلة تزوير الانتخابات القادمة.. إلا أن المغالاة فى حجم الواقعة والطريقة المفاجئة والمتعسّفة التى تمت بها قد أحدث فرقعة إعلامية مقصودة أريد بها أن تحقق أهدافا بعينها، لا تخفى على الباحث المدقق فهذه لعبة إعلامية [أمريكانى] مفهومة ومجرّبة، أزعم أن على رأسها إشغال الرأى العام عن مجموعة من الوقائع المترابطة التى شغلت الرأى العام فترة من الوقت ، وأهاجت مشاعر الأغلبة المسلمة بشكل غير مسبوق وأعنى بذلك موضوع احتجاز المسلمات: كامليا ووفاء قسطنطين وأخواتها، فى معتقلات الكنيسة، وتمادى الكنيسة فى موقفها المعاند، ثم إجتراء بعض المتطرفين من قياداتها على القرآن ، ومحاولة الإساءة إليه، وزعمهم أن المسلمين ضيوف فى مصر وليسوا مواطنين أُصلاء، ثم مسألة السفينة التى يملكها قسيس قبطى، والتى هرّبت مفرقعات من إسرائيل، وما أثارته هذه الأحداث من شكوك فى نوايا الكنيسة تجاه المسلمين فى مصر .. ولأن موقف السلطة الحاكمة كان مشينا، ولأنها لم تقدم حلولا إيجابية وتقوم بواجبها كدولة ذات سيادة ولها دستور وقانون يجب احترامه من الجميع، ولأنها فى الحقيقة لا تملك حلولا ولا تستطيع بحكم ضعفها وأهوائها فى استمرار سلطتها رغم إرادة الشعب فى التغيير، لكل ذلك كان لا بد أن تلجأ إلى بديل مفتعل وهو إغلاق الفضائيات.. لإشغال الناس بحدث جديد عن الحدث السابق..
لقد ذهب المحللون مذاهب شتى وليس لى أى اعتراض على ما رأوه من الأسباب والنويا الخفية غير المعلنة للسلطة، بما فى ذلك السبب الذى رآه أحد الباحثين فى مركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام وخلاصته أن إغلاق الفضائيات الإسلامية قد قُصِدَ به حجب الدعم الذى قد تتلقاه أو تستفيد به جماعة الإخوان المسلمين فى الانتخابات القادمة .. قد يكون كل هذا صحيحا .. ولا أستبعد أن الذين يتخذون مثل هذه الإجراءات، يحاولون اصطياد أكثر من عصفور بحجر واحد .. أو هكذا يتوهّمون.. ولكننى هنا غير معْنيّ بتحليل هذا الحدث بصفة خاصة، ولا أنظر إليه باعتباره واقعة فردية .. و لا أتناوله منعزلا عما سبقه من أحداث مماثلة كان مقدّرا لها أن تشغل الرأي العام أو تثيره وتوتّره ، إنما أنظر إلى الموضوع نظرة شمولية تربط بين الوقائع التى تبدو وكأنها أحداثا متفرّقة تلقائية جاءت بمحض المصادفة .. لكنى أراها فى تسلسلها وترابطها تتكشف عن حقائق وراءها أعمق وأكثر شمولا مما يبدو منها على السطح الظاهر.. ومن واقع تحليلاتى أرى بوضوح تام أن واقعة إغلاق الفضائيات الإسلامية.. لن يكون هو الحلقة الأخيرة فى مسلسل العبث السلطوي بعقول الناس ومشاعرهم...!
لذلك لا أستبعد مفاجآت وأحداث أخرى ومصائب مفتعلة قادمة على الطريق، ولن يتوقف استفزاز مشاعر المسلمين عند حد ، حتى لو بدأت موجة أخرى من الإرهاب كرد فعل متطرف من جانب بعض الأفراد أو الفئات، بل أزعم أكثر من هذا أن السلطة المستبدّة التى فقدت رصيدها لدى جماهير الشعب تنتظر بفارغ الصبر رد فعل عنيف كهذا لتشرع فى سلسلة من الإجراءات القمعية .. وتكميم الأفواه أكثر مما فعلت.. ولتجرى الانتخابات فى جو من الصمت والإرهاب السلطوي، أو لا تجرى على الاطلاق، لا يهم..! إنما المهم أن تستمر هذه السلطة فى مكانها مستقرة ، حتى تجد وسيلة أو أخرى لتنفيذ مشروع التوريث الذى ظن الناس أنه قد اندثر...!.
علينا أن نتوقع أحداثا ووقائع ذات فرقعات إعلامية من هذا النوع المستفز، واقعة تلو الأخرى، تطمس اللاحقة سابقتها فى مشهد هزلى يحاكى الكوميديا السوداء، أو الروايات التى تمزج بين التراجيديا والملهاة الساخرة...
أشير على سبيل المثال لا الحصر إلى سلسلة من الوقائع المثيرة لنتذكرها ونتذكر معها مواقف السلطة منها: حركة كفاية ..! و حركات التمرد الأخرى فى المحلة الكبرى وغيرها ..! وحركة نادى القضاة ...! و حركة التغيير.. والدكتورالبرادعى.. وجمع التوقيعات المؤيدة للمطالب السبعة الشهيرة..!!وقبل ذلك شهدنا مسلسل انفلوانزا الطيور ثم انفلوانزا الخنازير ...! وتأمل أى قدر من الهلع أصاب الناس .. وأفسد حياتهم بالخوف والقلق والتوتر..؟! وكم من مليارات الدولارات تبدّدت..؟! وكم من الخسائر المالية والعينية أصابت الناس ..؟! وحرموا من طيورهم ودُمّرت مزارع دواجنهم ..؟! ثم يتمخض كل شيء فى الناهاية .. إلى أكاذيب ومبالغات وعمليات نهب وفساد على مستويات عالمية..؟! فيما أطلقت عليه عصر الفُقّعات الكبرى...! وهل تذكرون إغلاق المعابر ومحاصرة غزة والسور الفولاذي ...؟! إنه مسلسل متواصل لذلك أطلقت عليه اسم: (من إغلاق المعابر إلى إغلاق المنابر...)
لقد حولت فقط أن أستدعى إلى الذاكرة أحداث ووقائع أريد لها أن تقع على الناس وقع الزلازل والأعاصير.. تأتى الواحدة تلو الأخرى فتشغل الرأى العام فترة ثم تحلّ مكانها واقعة جديدة لتطمس اللاحقةُ السابقةَ فتتلاشى.. ينساها الناس وينسون معها ما صحبها من فضائح وقصص الفساد والكذب والنهب .. وهذا هو المقصود بالفرقعات الإعلامية.. فكل ما حدث لا يهم .. فالأهم أن تبقى مصائر الجماهير وعقولهم فى قبضة صاحب السيرك الكبير يتلاعب بها ويؤرجحها شمالا ويمينا وأماما وخلفا حتى تفقد توازنها ووعيها، وتسقط فى غيبوبة أو شبه غيبوبة، فلا تكاد تدرك ما يحدث لها أو ما يحدث حولها.. وهذا هو الوضع الأمثل لشعب مقهور ودكتاتور متسلط لا حدود لنهمه أو عناده...!
أشير أيضا إلى أن السلطة عندما تصاب بالعجز عن العمل الإيجابى الذى يستقطب تعاطف الجماهير ورضاهم، وعندما تكون مقبلة على مرحلة محفوفة بالشك والمخاطر كالانتخابات مثلا، تصاب بمزيد من التوتر والقلق وتتصرف كالمحموم، الذى ارتفعت درجة حرارة جسمه إلى حد الهذيان العقلى والتشنجات العصبية العضلية.. وأظن أن ماتفعله السلطة الآن وفى المرحلة القادمة يشبه إلى حد كبير حالة حادة من الحمى .. لذلك أتوقّع أن تتسارع (فى المرحلة التى نمرّ بها الآن) وتيرة الأحداث الصادمة التى لم تكن لتقع فى حُسبان الناس أو يتطرق إليها خيالهم...
أنا لا أشكك فى مصداقية الأحداث التى تنبع تلقائية من جانب الجماهير المستفَزّة أومن جانب النخب التى تحلم وتعمل من أجل الإصلاح والتغيير.. ولكننى أشكك فى ردود فعل السلطة سواء بالصمت والسكوت، أو بالتدخل المباشر فى قمع هذه الأحداث أو افتعال أحداث من أساسها.. ولا أحب أن أتطرّق إلى أسلوب بعض الدول التى كانت تدبّر أو تتواطأ على إحداث تفجيرات وأحداث دموية رهيبة ضد شعوبها لتبرير توجهات مضمرة للانقضاض على فريق من الناس الأبرياء بحجة القضاء على الإرهاب.. أو شن حرب خارجية كما حدث فى غزو أمريكا لأفغانستان والعراق بحجة الانتقام من الإرهابيين المسلمين الذين فجروا الأبراج فى نيويورك، تلك الواقعة الشهيرة، التى أصبح الشك فيها أقوى وأكبر من أن يُنكر .. والحقيقة أنها عمليات دبرتها وأشرفت على تنفيذها أجهزة المخابرات لخدمة المتربعين على السلطة فى تنفيذ مخططات إجرامية للهيمنة والاستغلال والقمع فى أنحاء العالم...!
أنا أزعم أننا فى عصر لا حدود لما يمكن أن تقدم عليه السلطات الفاشية من حماقات.. ولا ما يمكن أن تفتعله من عمليات تخريب وتدمير واغتيالات، تقوم بها، ثم تلصقها بالمتمردين والمعارضين سواء كانوا أفرادا أوفئات وجماعات.. لتضع رقابهم جميعا تحت مقصلتها .. وتشغل الدنيا بأخبارهم المزلزلة...! لتبقى هى مستقرّة فى السلطة ما استطاعت إلى ذلك سبيلا...!
ولكن تنبّه أيضا إلى حقيقة أخرى لا تقل خطرا عن مكر الماكرين وتدبير الخبثاء الفاسدين.. فخطأ واحد صغير فى التقدير، أو حادثة جانبية غير متوقّعة فى هذه اللعبة الشريرة قد تقلب الأمور على رأسها، وتأتى النتائج عكس المتوقّع منها تماما.. أو كما يقولون ينقلب السحر على الساحر.. هنا تنفجر الفقاعة المتضخمة، وتثور البراكين وتهتز الأرض تحت أقدام الطغاة والمفسدين، عند ذاك لا تنفعهم صداقة أمريكا ولا مساندة إسرائيل..
بل إن أمريكا نفسها فى ذلك الوقت ستكون غير أمريكا التى عرفها العالم من قبل.. وكل الدلائل والإشارات تدل على أن مصير الهيمنة الأمريكية سائر إلى انكماش ثم زوال... بدأت بانهيار أخلاقى كما تنبأ على عزت بيجوفيتش.. ثم نشاهد الآن فصول مسلسل الانهيارالاقتصادي فى إطار الهزائم والإخفاقات العسكرية والسياسية باهظة التكاليف فى العراق وأفغانستان .. أقول إن الأزمة الاقتصادية الأمريكية ليس لها حلّ قريب أوبعيد، وسوف تأخذ مجراها وتثمر نتائجها المأساوية لا محالة.. بعد ذلك سيأتى الانكماش الإمبريالي والتقوقع فى قارة أمريكا الشمالية.. وتنتهى أسطورة مشروع القرن الأمريكي، وأسطورة الشرق الأوسط الكبير، وخرافة الفوضى الخلاقة.. قلت هذا فى أكثر من مقال سابق وحددت عشر سنوات لهذه التطورات.. وقلت : من سيعيش هذه الفترة حتى نهايتها فليحاسبنى على ما قلت حيا كنت أوميتا .. و أقولها مرة أخيرة: الأزمة الاقتصادية المالية فى أمريكا هى القاسمة .. أزمة ليس لها حل إلا الانكماش والتقوقع وانهاء كل مظاهر التوسع الإمبريالي الأخطبوطي فى العالم... عندئذ أيضا لن تكون إسرائيل عدونا الأشرس هى إسرائيل التى عرفناها.. ولن تجد المنظومات القمعية الفاشية فى بلاد العرب والمسلمين قوة خارجية تستند إليها .. وسيكون للشعوب مع هذه النظم حسابات أخرى...!
فهل معنى هذا أن تقف الشعوب مكتوفة الأيدى حتى يأتى يوم الخلاص المنتظر.. لا.. إنها لوفعلت هذا فإنها تطيل فى أمد عذاباتها وتمد فى عمر هوانها أمام القوى الطامعة فيها وما أكثر المتربصين بهذه الأمة فى العالم من الصين فى أقصى الشرق إلى أحقر دولة فى أقصى الغرب..وفيما بين هذه وتلك [بلاد كانت تركب الأفيال]، ولكنها اليوم تجهز الأساطيل وتبنى غواصات مزودة بالوقود النووي والأسلحة الرهيبة..
أقول: لا يجب أن نوهم أنفسنا بأن العالم بعد أمريكا سيكون أكثر ضمانا ولا أكثر أمنا.. ويجب أن يستعدّ الناس للعيش فى هذه الأجواء الخطيرة.. بعد أن يتخلصوا من نفوذ وسطوة الفاسدين والمفسدين المترفين الذين وضعوا أمتهم فى حضيض التخلف على كل الأصعدة .. ودمروها فى كل المجالات.. لا بد للشعوب أن تسترجع إرادتها الحرة أولا، ثم تبدأ فى إعادة البناء والنهضة والوحدة.. وتستعيد عافيتها وقوتها لكى تقدر على مواجهة مخاطر المستقبل وتستحق الحياة على قدم وساق مع القوى العالمية الجديدة التى تستعد لانطلاق وشيك... وبالله التوفيق.
myades34@gmail.com
محمد يوسف عدس | 25-10-2010 00:31 المصريون***
*****عندما يُتاح لى بعض الوقت أحاول أن أتصفّح تعليقات القراء على المقالات أو الأخبار الساخنة .. وأعترف أنها تجربة قاسية على النفس لأنها أولا: تعكس فى كثير من الأحيان انفعلات سريعة ومشاعر إحباط ويأس واضحين، وقليلا ما تجد فكرة إيجابية ذات وزن .. وثانيا: أن أصحابها ربما لتسرّعهم فى الكتابة يرتكبون أخطاء لغوية كثيرة .. ولهؤلاء أقدم النصيحة: أنه لا بأس من أن نخصص بعض الوقت كل يوم لنتعلّم لغتنا العربية الجميلة فى أى عمر كُـنّا.. فأنا بعد السبعين مازلت أتعلم أسرار هذه اللغة الرائعة...
كان المقال يتصل بموضوع إغلاق الفقى للقنوات الإسلامية، تحت ذرائع كاذبة كما عوّدتنا هذه السلطة.. ولكن المهم أنه فى خضمّ هذه التعليقات أصادف تعليقا رصينا يلفت نظرى بلغته العربية السّلسلة السليمة ،وبأسلوبه الموجز المعبّر عن الحقيقة والواقع الملموس فى دنيا الناس ..أما التعليق فكان لقارئة إسمها سمية .. وهو تعليق يشعّ بالإيمان والطمأنينة والثقة بأن نصر الله آت لا محالة مهما تجبّر الطغاة وأفسد المفسدون.. تقول فيه:
" هذا دين عجيب وليتهم يفهمون .... تطارد الحجاب يزداد.. تهاجم النقاب يملأ الشوارع والمصالح الحكومية!! تنتقد الملتحين تجدهم أمامك في كل حين !! تضيّق على كتاتيب تحفيظ القرآن يتحول كل بيت إلى كُتّاب!!! هذا ليس قرار بشر ... فلا نحزن .. بل نحن على الطريق سائرون وبوعد الله مطمئنون ..."
و إن كان لى من شيئ أضيفه فإننى أقول إن هذه الظاهرة رد فعل وتعببر سلمي واضح عن الرفض والمقاومة من قِبل الجماهير المسلمة لتوجّهات السلطة عندما تصدمهم بإجراءات تتسم بالغلوّ والحماقة.. خصوصا فيما يتعلق بعقيدتهم االدينية ...
والمهم عندى إن قرار إغلاق هذه القنوات وإن جاء فى زفّة الآستعداد لحفلة تزوير الانتخابات القادمة.. إلا أن المغالاة فى حجم الواقعة والطريقة المفاجئة والمتعسّفة التى تمت بها قد أحدث فرقعة إعلامية مقصودة أريد بها أن تحقق أهدافا بعينها، لا تخفى على الباحث المدقق فهذه لعبة إعلامية [أمريكانى] مفهومة ومجرّبة، أزعم أن على رأسها إشغال الرأى العام عن مجموعة من الوقائع المترابطة التى شغلت الرأى العام فترة من الوقت ، وأهاجت مشاعر الأغلبة المسلمة بشكل غير مسبوق وأعنى بذلك موضوع احتجاز المسلمات: كامليا ووفاء قسطنطين وأخواتها، فى معتقلات الكنيسة، وتمادى الكنيسة فى موقفها المعاند، ثم إجتراء بعض المتطرفين من قياداتها على القرآن ، ومحاولة الإساءة إليه، وزعمهم أن المسلمين ضيوف فى مصر وليسوا مواطنين أُصلاء، ثم مسألة السفينة التى يملكها قسيس قبطى، والتى هرّبت مفرقعات من إسرائيل، وما أثارته هذه الأحداث من شكوك فى نوايا الكنيسة تجاه المسلمين فى مصر .. ولأن موقف السلطة الحاكمة كان مشينا، ولأنها لم تقدم حلولا إيجابية وتقوم بواجبها كدولة ذات سيادة ولها دستور وقانون يجب احترامه من الجميع، ولأنها فى الحقيقة لا تملك حلولا ولا تستطيع بحكم ضعفها وأهوائها فى استمرار سلطتها رغم إرادة الشعب فى التغيير، لكل ذلك كان لا بد أن تلجأ إلى بديل مفتعل وهو إغلاق الفضائيات.. لإشغال الناس بحدث جديد عن الحدث السابق..
لقد ذهب المحللون مذاهب شتى وليس لى أى اعتراض على ما رأوه من الأسباب والنويا الخفية غير المعلنة للسلطة، بما فى ذلك السبب الذى رآه أحد الباحثين فى مركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام وخلاصته أن إغلاق الفضائيات الإسلامية قد قُصِدَ به حجب الدعم الذى قد تتلقاه أو تستفيد به جماعة الإخوان المسلمين فى الانتخابات القادمة .. قد يكون كل هذا صحيحا .. ولا أستبعد أن الذين يتخذون مثل هذه الإجراءات، يحاولون اصطياد أكثر من عصفور بحجر واحد .. أو هكذا يتوهّمون.. ولكننى هنا غير معْنيّ بتحليل هذا الحدث بصفة خاصة، ولا أنظر إليه باعتباره واقعة فردية .. و لا أتناوله منعزلا عما سبقه من أحداث مماثلة كان مقدّرا لها أن تشغل الرأي العام أو تثيره وتوتّره ، إنما أنظر إلى الموضوع نظرة شمولية تربط بين الوقائع التى تبدو وكأنها أحداثا متفرّقة تلقائية جاءت بمحض المصادفة .. لكنى أراها فى تسلسلها وترابطها تتكشف عن حقائق وراءها أعمق وأكثر شمولا مما يبدو منها على السطح الظاهر.. ومن واقع تحليلاتى أرى بوضوح تام أن واقعة إغلاق الفضائيات الإسلامية.. لن يكون هو الحلقة الأخيرة فى مسلسل العبث السلطوي بعقول الناس ومشاعرهم...!
لذلك لا أستبعد مفاجآت وأحداث أخرى ومصائب مفتعلة قادمة على الطريق، ولن يتوقف استفزاز مشاعر المسلمين عند حد ، حتى لو بدأت موجة أخرى من الإرهاب كرد فعل متطرف من جانب بعض الأفراد أو الفئات، بل أزعم أكثر من هذا أن السلطة المستبدّة التى فقدت رصيدها لدى جماهير الشعب تنتظر بفارغ الصبر رد فعل عنيف كهذا لتشرع فى سلسلة من الإجراءات القمعية .. وتكميم الأفواه أكثر مما فعلت.. ولتجرى الانتخابات فى جو من الصمت والإرهاب السلطوي، أو لا تجرى على الاطلاق، لا يهم..! إنما المهم أن تستمر هذه السلطة فى مكانها مستقرة ، حتى تجد وسيلة أو أخرى لتنفيذ مشروع التوريث الذى ظن الناس أنه قد اندثر...!.
علينا أن نتوقع أحداثا ووقائع ذات فرقعات إعلامية من هذا النوع المستفز، واقعة تلو الأخرى، تطمس اللاحقة سابقتها فى مشهد هزلى يحاكى الكوميديا السوداء، أو الروايات التى تمزج بين التراجيديا والملهاة الساخرة...
أشير على سبيل المثال لا الحصر إلى سلسلة من الوقائع المثيرة لنتذكرها ونتذكر معها مواقف السلطة منها: حركة كفاية ..! و حركات التمرد الأخرى فى المحلة الكبرى وغيرها ..! وحركة نادى القضاة ...! و حركة التغيير.. والدكتورالبرادعى.. وجمع التوقيعات المؤيدة للمطالب السبعة الشهيرة..!!وقبل ذلك شهدنا مسلسل انفلوانزا الطيور ثم انفلوانزا الخنازير ...! وتأمل أى قدر من الهلع أصاب الناس .. وأفسد حياتهم بالخوف والقلق والتوتر..؟! وكم من مليارات الدولارات تبدّدت..؟! وكم من الخسائر المالية والعينية أصابت الناس ..؟! وحرموا من طيورهم ودُمّرت مزارع دواجنهم ..؟! ثم يتمخض كل شيء فى الناهاية .. إلى أكاذيب ومبالغات وعمليات نهب وفساد على مستويات عالمية..؟! فيما أطلقت عليه عصر الفُقّعات الكبرى...! وهل تذكرون إغلاق المعابر ومحاصرة غزة والسور الفولاذي ...؟! إنه مسلسل متواصل لذلك أطلقت عليه اسم: (من إغلاق المعابر إلى إغلاق المنابر...)
لقد حولت فقط أن أستدعى إلى الذاكرة أحداث ووقائع أريد لها أن تقع على الناس وقع الزلازل والأعاصير.. تأتى الواحدة تلو الأخرى فتشغل الرأى العام فترة ثم تحلّ مكانها واقعة جديدة لتطمس اللاحقةُ السابقةَ فتتلاشى.. ينساها الناس وينسون معها ما صحبها من فضائح وقصص الفساد والكذب والنهب .. وهذا هو المقصود بالفرقعات الإعلامية.. فكل ما حدث لا يهم .. فالأهم أن تبقى مصائر الجماهير وعقولهم فى قبضة صاحب السيرك الكبير يتلاعب بها ويؤرجحها شمالا ويمينا وأماما وخلفا حتى تفقد توازنها ووعيها، وتسقط فى غيبوبة أو شبه غيبوبة، فلا تكاد تدرك ما يحدث لها أو ما يحدث حولها.. وهذا هو الوضع الأمثل لشعب مقهور ودكتاتور متسلط لا حدود لنهمه أو عناده...!
أشير أيضا إلى أن السلطة عندما تصاب بالعجز عن العمل الإيجابى الذى يستقطب تعاطف الجماهير ورضاهم، وعندما تكون مقبلة على مرحلة محفوفة بالشك والمخاطر كالانتخابات مثلا، تصاب بمزيد من التوتر والقلق وتتصرف كالمحموم، الذى ارتفعت درجة حرارة جسمه إلى حد الهذيان العقلى والتشنجات العصبية العضلية.. وأظن أن ماتفعله السلطة الآن وفى المرحلة القادمة يشبه إلى حد كبير حالة حادة من الحمى .. لذلك أتوقّع أن تتسارع (فى المرحلة التى نمرّ بها الآن) وتيرة الأحداث الصادمة التى لم تكن لتقع فى حُسبان الناس أو يتطرق إليها خيالهم...
أنا لا أشكك فى مصداقية الأحداث التى تنبع تلقائية من جانب الجماهير المستفَزّة أومن جانب النخب التى تحلم وتعمل من أجل الإصلاح والتغيير.. ولكننى أشكك فى ردود فعل السلطة سواء بالصمت والسكوت، أو بالتدخل المباشر فى قمع هذه الأحداث أو افتعال أحداث من أساسها.. ولا أحب أن أتطرّق إلى أسلوب بعض الدول التى كانت تدبّر أو تتواطأ على إحداث تفجيرات وأحداث دموية رهيبة ضد شعوبها لتبرير توجهات مضمرة للانقضاض على فريق من الناس الأبرياء بحجة القضاء على الإرهاب.. أو شن حرب خارجية كما حدث فى غزو أمريكا لأفغانستان والعراق بحجة الانتقام من الإرهابيين المسلمين الذين فجروا الأبراج فى نيويورك، تلك الواقعة الشهيرة، التى أصبح الشك فيها أقوى وأكبر من أن يُنكر .. والحقيقة أنها عمليات دبرتها وأشرفت على تنفيذها أجهزة المخابرات لخدمة المتربعين على السلطة فى تنفيذ مخططات إجرامية للهيمنة والاستغلال والقمع فى أنحاء العالم...!
أنا أزعم أننا فى عصر لا حدود لما يمكن أن تقدم عليه السلطات الفاشية من حماقات.. ولا ما يمكن أن تفتعله من عمليات تخريب وتدمير واغتيالات، تقوم بها، ثم تلصقها بالمتمردين والمعارضين سواء كانوا أفرادا أوفئات وجماعات.. لتضع رقابهم جميعا تحت مقصلتها .. وتشغل الدنيا بأخبارهم المزلزلة...! لتبقى هى مستقرّة فى السلطة ما استطاعت إلى ذلك سبيلا...!
ولكن تنبّه أيضا إلى حقيقة أخرى لا تقل خطرا عن مكر الماكرين وتدبير الخبثاء الفاسدين.. فخطأ واحد صغير فى التقدير، أو حادثة جانبية غير متوقّعة فى هذه اللعبة الشريرة قد تقلب الأمور على رأسها، وتأتى النتائج عكس المتوقّع منها تماما.. أو كما يقولون ينقلب السحر على الساحر.. هنا تنفجر الفقاعة المتضخمة، وتثور البراكين وتهتز الأرض تحت أقدام الطغاة والمفسدين، عند ذاك لا تنفعهم صداقة أمريكا ولا مساندة إسرائيل..
بل إن أمريكا نفسها فى ذلك الوقت ستكون غير أمريكا التى عرفها العالم من قبل.. وكل الدلائل والإشارات تدل على أن مصير الهيمنة الأمريكية سائر إلى انكماش ثم زوال... بدأت بانهيار أخلاقى كما تنبأ على عزت بيجوفيتش.. ثم نشاهد الآن فصول مسلسل الانهيارالاقتصادي فى إطار الهزائم والإخفاقات العسكرية والسياسية باهظة التكاليف فى العراق وأفغانستان .. أقول إن الأزمة الاقتصادية الأمريكية ليس لها حلّ قريب أوبعيد، وسوف تأخذ مجراها وتثمر نتائجها المأساوية لا محالة.. بعد ذلك سيأتى الانكماش الإمبريالي والتقوقع فى قارة أمريكا الشمالية.. وتنتهى أسطورة مشروع القرن الأمريكي، وأسطورة الشرق الأوسط الكبير، وخرافة الفوضى الخلاقة.. قلت هذا فى أكثر من مقال سابق وحددت عشر سنوات لهذه التطورات.. وقلت : من سيعيش هذه الفترة حتى نهايتها فليحاسبنى على ما قلت حيا كنت أوميتا .. و أقولها مرة أخيرة: الأزمة الاقتصادية المالية فى أمريكا هى القاسمة .. أزمة ليس لها حل إلا الانكماش والتقوقع وانهاء كل مظاهر التوسع الإمبريالي الأخطبوطي فى العالم... عندئذ أيضا لن تكون إسرائيل عدونا الأشرس هى إسرائيل التى عرفناها.. ولن تجد المنظومات القمعية الفاشية فى بلاد العرب والمسلمين قوة خارجية تستند إليها .. وسيكون للشعوب مع هذه النظم حسابات أخرى...!
فهل معنى هذا أن تقف الشعوب مكتوفة الأيدى حتى يأتى يوم الخلاص المنتظر.. لا.. إنها لوفعلت هذا فإنها تطيل فى أمد عذاباتها وتمد فى عمر هوانها أمام القوى الطامعة فيها وما أكثر المتربصين بهذه الأمة فى العالم من الصين فى أقصى الشرق إلى أحقر دولة فى أقصى الغرب..وفيما بين هذه وتلك [بلاد كانت تركب الأفيال]، ولكنها اليوم تجهز الأساطيل وتبنى غواصات مزودة بالوقود النووي والأسلحة الرهيبة..
أقول: لا يجب أن نوهم أنفسنا بأن العالم بعد أمريكا سيكون أكثر ضمانا ولا أكثر أمنا.. ويجب أن يستعدّ الناس للعيش فى هذه الأجواء الخطيرة.. بعد أن يتخلصوا من نفوذ وسطوة الفاسدين والمفسدين المترفين الذين وضعوا أمتهم فى حضيض التخلف على كل الأصعدة .. ودمروها فى كل المجالات.. لا بد للشعوب أن تسترجع إرادتها الحرة أولا، ثم تبدأ فى إعادة البناء والنهضة والوحدة.. وتستعيد عافيتها وقوتها لكى تقدر على مواجهة مخاطر المستقبل وتستحق الحياة على قدم وساق مع القوى العالمية الجديدة التى تستعد لانطلاق وشيك... وبالله التوفيق.
myades34@gmail.com
محمد يوسف عدس | 25-10-2010 00:31
عندما يُتاح لى بعض الوقت أحاول أن أتصفّح تعليقات القراء على المقالات أو الأخبار الساخنة .. وأعترف أنها تجربة قاسية على النفس لأنها أولا: تعكس فى كثير من الأحيان انفعلات سريعة ومشاعر إحباط ويأس واضحين، وقليلا ما تجد فكرة إيجابية ذات وزن .. وثانيا: أن أصحابها ربما لتسرّعهم فى الكتابة يرتكبون أخطاء لغوية كثيرة .. ولهؤلاء أقدم النصيحة: أنه لا بأس من أن نخصص بعض الوقت كل يوم لنتعلّم لغتنا العربية الجميلة فى أى عمر كُـنّا.. فأنا بعد السبعين مازلت أتعلم أسرار هذه اللغة الرائعة...
كان المقال يتصل بموضوع إغلاق الفقى للقنوات الإسلامية، تحت ذرائع كاذبة كما عوّدتنا هذه السلطة.. ولكن المهم أنه فى خضمّ هذه التعليقات أصادف تعليقا رصينا يلفت نظرى بلغته العربية السّلسلة السليمة ،وبأسلوبه الموجز المعبّر عن الحقيقة والواقع الملموس فى دنيا الناس ..أما التعليق فكان لقارئة إسمها سمية .. وهو تعليق يشعّ بالإيمان والطمأنينة والثقة بأن نصر الله آت لا محالة مهما تجبّر الطغاة وأفسد المفسدون.. تقول فيه:
" هذا دين عجيب وليتهم يفهمون .... تطارد الحجاب يزداد.. تهاجم النقاب يملأ الشوارع والمصالح الحكومية!! تنتقد الملتحين تجدهم أمامك في كل حين !! تضيّق على كتاتيب تحفيظ القرآن يتحول كل بيت إلى كُتّاب!!! هذا ليس قرار بشر ... فلا نحزن .. بل نحن على الطريق سائرون وبوعد الله مطمئنون ..."
و إن كان لى من شيئ أضيفه فإننى أقول إن هذه الظاهرة رد فعل وتعببر سلمي واضح عن الرفض والمقاومة من قِبل الجماهير المسلمة لتوجّهات السلطة عندما تصدمهم بإجراءات تتسم بالغلوّ والحماقة.. خصوصا فيما يتعلق بعقيدتهم االدينية ...
والمهم عندى إن قرار إغلاق هذه القنوات وإن جاء فى زفّة الآستعداد لحفلة تزوير الانتخابات القادمة.. إلا أن المغالاة فى حجم الواقعة والطريقة المفاجئة والمتعسّفة التى تمت بها قد أحدث فرقعة إعلامية مقصودة أريد بها أن تحقق أهدافا بعينها، لا تخفى على الباحث المدقق فهذه لعبة إعلامية [أمريكانى] مفهومة ومجرّبة، أزعم أن على رأسها إشغال الرأى العام عن مجموعة من الوقائع المترابطة التى شغلت الرأى العام فترة من الوقت ، وأهاجت مشاعر الأغلبة المسلمة بشكل غير مسبوق وأعنى بذلك موضوع احتجاز المسلمات: كامليا ووفاء قسطنطين وأخواتها، فى معتقلات الكنيسة، وتمادى الكنيسة فى موقفها المعاند، ثم إجتراء بعض المتطرفين من قياداتها على القرآن ، ومحاولة الإساءة إليه، وزعمهم أن المسلمين ضيوف فى مصر وليسوا مواطنين أُصلاء، ثم مسألة السفينة التى يملكها قسيس قبطى، والتى هرّبت مفرقعات من إسرائيل، وما أثارته هذه الأحداث من شكوك فى نوايا الكنيسة تجاه المسلمين فى مصر .. ولأن موقف السلطة الحاكمة كان مشينا، ولأنها لم تقدم حلولا إيجابية وتقوم بواجبها كدولة ذات سيادة ولها دستور وقانون يجب احترامه من الجميع، ولأنها فى الحقيقة لا تملك حلولا ولا تستطيع بحكم ضعفها وأهوائها فى استمرار سلطتها رغم إرادة الشعب فى التغيير، لكل ذلك كان لا بد أن تلجأ إلى بديل مفتعل وهو إغلاق الفضائيات.. لإشغال الناس بحدث جديد عن الحدث السابق..
لقد ذهب المحللون مذاهب شتى وليس لى أى اعتراض على ما رأوه من الأسباب والنويا الخفية غير المعلنة للسلطة، بما فى ذلك السبب الذى رآه أحد الباحثين فى مركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام وخلاصته أن إغلاق الفضائيات الإسلامية قد قُصِدَ به حجب الدعم الذى قد تتلقاه أو تستفيد به جماعة الإخوان المسلمين فى الانتخابات القادمة .. قد يكون كل هذا صحيحا .. ولا أستبعد أن الذين يتخذون مثل هذه الإجراءات، يحاولون اصطياد أكثر من عصفور بحجر واحد .. أو هكذا يتوهّمون.. ولكننى هنا غير معْنيّ بتحليل هذا الحدث بصفة خاصة، ولا أنظر إليه باعتباره واقعة فردية .. و لا أتناوله منعزلا عما سبقه من أحداث مماثلة كان مقدّرا لها أن تشغل الرأي العام أو تثيره وتوتّره ، إنما أنظر إلى الموضوع نظرة شمولية تربط بين الوقائع التى تبدو وكأنها أحداثا متفرّقة تلقائية جاءت بمحض المصادفة .. لكنى أراها فى تسلسلها وترابطها تتكشف عن حقائق وراءها أعمق وأكثر شمولا مما يبدو منها على السطح الظاهر.. ومن واقع تحليلاتى أرى بوضوح تام أن واقعة إغلاق الفضائيات الإسلامية.. لن يكون هو الحلقة الأخيرة فى مسلسل العبث السلطوي بعقول الناس ومشاعرهم...!
لذلك لا أستبعد مفاجآت وأحداث أخرى ومصائب مفتعلة قادمة على الطريق، ولن يتوقف استفزاز مشاعر المسلمين عند حد ، حتى لو بدأت موجة أخرى من الإرهاب كرد فعل متطرف من جانب بعض الأفراد أو الفئات، بل أزعم أكثر من هذا أن السلطة المستبدّة التى فقدت رصيدها لدى جماهير الشعب تنتظر بفارغ الصبر رد فعل عنيف كهذا لتشرع فى سلسلة من الإجراءات القمعية .. وتكميم الأفواه أكثر مما فعلت.. ولتجرى الانتخابات فى جو من الصمت والإرهاب السلطوي، أو لا تجرى على الاطلاق، لا يهم..! إنما المهم أن تستمر هذه السلطة فى مكانها مستقرة ، حتى تجد وسيلة أو أخرى لتنفيذ مشروع التوريث الذى ظن الناس أنه قد اندثر...!.
علينا أن نتوقع أحداثا ووقائع ذات فرقعات إعلامية من هذا النوع المستفز، واقعة تلو الأخرى، تطمس اللاحقة سابقتها فى مشهد هزلى يحاكى الكوميديا السوداء، أو الروايات التى تمزج بين التراجيديا والملهاة الساخرة...
أشير على سبيل المثال لا الحصر إلى سلسلة من الوقائع المثيرة لنتذكرها ونتذكر معها مواقف السلطة منها: حركة كفاية ..! و حركات التمرد الأخرى فى المحلة الكبرى وغيرها ..! وحركة نادى القضاة ...! و حركة التغيير.. والدكتورالبرادعى.. وجمع التوقيعات المؤيدة للمطالب السبعة الشهيرة..!!وقبل ذلك شهدنا مسلسل انفلوانزا الطيور ثم انفلوانزا الخنازير ...! وتأمل أى قدر من الهلع أصاب الناس .. وأفسد حياتهم بالخوف والقلق والتوتر..؟! وكم من مليارات الدولارات تبدّدت..؟! وكم من الخسائر المالية والعينية أصابت الناس ..؟! وحرموا من طيورهم ودُمّرت مزارع دواجنهم ..؟! ثم يتمخض كل شيء فى الناهاية .. إلى أكاذيب ومبالغات وعمليات نهب وفساد على مستويات عالمية..؟! فيما أطلقت عليه عصر الفُقّعات الكبرى...! وهل تذكرون إغلاق المعابر ومحاصرة غزة والسور الفولاذي ...؟! إنه مسلسل متواصل لذلك أطلقت عليه اسم: (من إغلاق المعابر إلى إغلاق المنابر...)
لقد حولت فقط أن أستدعى إلى الذاكرة أحداث ووقائع أريد لها أن تقع على الناس وقع الزلازل والأعاصير.. تأتى الواحدة تلو الأخرى فتشغل الرأى العام فترة ثم تحلّ مكانها واقعة جديدة لتطمس اللاحقةُ السابقةَ فتتلاشى.. ينساها الناس وينسون معها ما صحبها من فضائح وقصص الفساد والكذب والنهب .. وهذا هو المقصود بالفرقعات الإعلامية.. فكل ما حدث لا يهم .. فالأهم أن تبقى مصائر الجماهير وعقولهم فى قبضة صاحب السيرك الكبير يتلاعب بها ويؤرجحها شمالا ويمينا وأماما وخلفا حتى تفقد توازنها ووعيها، وتسقط فى غيبوبة أو شبه غيبوبة، فلا تكاد تدرك ما يحدث لها أو ما يحدث حولها.. وهذا هو الوضع الأمثل لشعب مقهور ودكتاتور متسلط لا حدود لنهمه أو عناده...!
أشير أيضا إلى أن السلطة عندما تصاب بالعجز عن العمل الإيجابى الذى يستقطب تعاطف الجماهير ورضاهم، وعندما تكون مقبلة على مرحلة محفوفة بالشك والمخاطر كالانتخابات مثلا، تصاب بمزيد من التوتر والقلق وتتصرف كالمحموم، الذى ارتفعت درجة حرارة جسمه إلى حد الهذيان العقلى والتشنجات العصبية العضلية.. وأظن أن ماتفعله السلطة الآن وفى المرحلة القادمة يشبه إلى حد كبير حالة حادة من الحمى .. لذلك أتوقّع أن تتسارع (فى المرحلة التى نمرّ بها الآن) وتيرة الأحداث الصادمة التى لم تكن لتقع فى حُسبان الناس أو يتطرق إليها خيالهم...
أنا لا أشكك فى مصداقية الأحداث التى تنبع تلقائية من جانب الجماهير المستفَزّة أومن جانب النخب التى تحلم وتعمل من أجل الإصلاح والتغيير.. ولكننى أشكك فى ردود فعل السلطة سواء بالصمت والسكوت، أو بالتدخل المباشر فى قمع هذه الأحداث أو افتعال أحداث من أساسها.. ولا أحب أن أتطرّق إلى أسلوب بعض الدول التى كانت تدبّر أو تتواطأ على إحداث تفجيرات وأحداث دموية رهيبة ضد شعوبها لتبرير توجهات مضمرة للانقضاض على فريق من الناس الأبرياء بحجة القضاء على الإرهاب.. أو شن حرب خارجية كما حدث فى غزو أمريكا لأفغانستان والعراق بحجة الانتقام من الإرهابيين المسلمين الذين فجروا الأبراج فى نيويورك، تلك الواقعة الشهيرة، التى أصبح الشك فيها أقوى وأكبر من أن يُنكر .. والحقيقة أنها عمليات دبرتها وأشرفت على تنفيذها أجهزة المخابرات لخدمة المتربعين على السلطة فى تنفيذ مخططات إجرامية للهيمنة والاستغلال والقمع فى أنحاء العالم...!
أنا أزعم أننا فى عصر لا حدود لما يمكن أن تقدم عليه السلطات الفاشية من حماقات.. ولا ما يمكن أن تفتعله من عمليات تخريب وتدمير واغتيالات، تقوم بها، ثم تلصقها بالمتمردين والمعارضين سواء كانوا أفرادا أوفئات وجماعات.. لتضع رقابهم جميعا تحت مقصلتها .. وتشغل الدنيا بأخبارهم المزلزلة...! لتبقى هى مستقرّة فى السلطة ما استطاعت إلى ذلك سبيلا...!
ولكن تنبّه أيضا إلى حقيقة أخرى لا تقل خطرا عن مكر الماكرين وتدبير الخبثاء الفاسدين.. فخطأ واحد صغير فى التقدير، أو حادثة جانبية غير متوقّعة فى هذه اللعبة الشريرة قد تقلب الأمور على رأسها، وتأتى النتائج عكس المتوقّع منها تماما.. أو كما يقولون ينقلب السحر على الساحر.. هنا تنفجر الفقاعة المتضخمة، وتثور البراكين وتهتز الأرض تحت أقدام الطغاة والمفسدين، عند ذاك لا تنفعهم صداقة أمريكا ولا مساندة إسرائيل..
بل إن أمريكا نفسها فى ذلك الوقت ستكون غير أمريكا التى عرفها العالم من قبل.. وكل الدلائل والإشارات تدل على أن مصير الهيمنة الأمريكية سائر إلى انكماش ثم زوال... بدأت بانهيار أخلاقى كما تنبأ على عزت بيجوفيتش.. ثم نشاهد الآن فصول مسلسل الانهيارالاقتصادي فى إطار الهزائم والإخفاقات العسكرية والسياسية باهظة التكاليف فى العراق وأفغانستان .. أقول إن الأزمة الاقتصادية الأمريكية ليس لها حلّ قريب أوبعيد، وسوف تأخذ مجراها وتثمر نتائجها المأساوية لا محالة.. بعد ذلك سيأتى الانكماش الإمبريالي والتقوقع فى قارة أمريكا الشمالية.. وتنتهى أسطورة مشروع القرن الأمريكي، وأسطورة الشرق الأوسط الكبير، وخرافة الفوضى الخلاقة.. قلت هذا فى أكثر من مقال سابق وحددت عشر سنوات لهذه التطورات.. وقلت : من سيعيش هذه الفترة حتى نهايتها فليحاسبنى على ما قلت حيا كنت أوميتا .. و أقولها مرة أخيرة: الأزمة الاقتصادية المالية فى أمريكا هى القاسمة .. أزمة ليس لها حل إلا الانكماش والتقوقع وانهاء كل مظاهر التوسع الإمبريالي الأخطبوطي فى العالم... عندئذ أيضا لن تكون إسرائيل عدونا الأشرس هى إسرائيل التى عرفناها.. ولن تجد المنظومات القمعية الفاشية فى بلاد العرب والمسلمين قوة خارجية تستند إليها .. وسيكون للشعوب مع هذه النظم حسابات أخرى...!
فهل معنى هذا أن تقف الشعوب مكتوفة الأيدى حتى يأتى يوم الخلاص المنتظر.. لا.. إنها لوفعلت هذا فإنها تطيل فى أمد عذاباتها وتمد فى عمر هوانها أمام القوى الطامعة فيها وما أكثر المتربصين بهذه الأمة فى العالم من الصين فى أقصى الشرق إلى أحقر دولة فى أقصى الغرب..وفيما بين هذه وتلك [بلاد كانت تركب الأفيال]، ولكنها اليوم تجهز الأساطيل وتبنى غواصات مزودة بالوقود النووي والأسلحة الرهيبة..
أقول: لا يجب أن نوهم أنفسنا بأن العالم بعد أمريكا سيكون أكثر ضمانا ولا أكثر أمنا.. ويجب أن يستعدّ الناس للعيش فى هذه الأجواء الخطيرة.. بعد أن يتخلصوا من نفوذ وسطوة الفاسدين والمفسدين المترفين الذين وضعوا أمتهم فى حضيض التخلف على كل الأصعدة .. ودمروها فى كل المجالات.. لا بد للشعوب أن تسترجع إرادتها الحرة أولا، ثم تبدأ فى إعادة البناء والنهضة والوحدة.. وتستعيد عافيتها وقوتها لكى تقدر على مواجهة مخاطر المستقبل وتستحق الحياة على قدم وساق مع القوى العالمية الجديدة التى تستعد لانطلاق وشيك... وبالله التوفيق.
myades34@gmail.com
محمد يوسف عدس | 25-10-2010 00:31 المصريون***
*****عندما يُتاح لى بعض الوقت أحاول أن أتصفّح تعليقات القراء على المقالات أو الأخبار الساخنة .. وأعترف أنها تجربة قاسية على النفس لأنها أولا: تعكس فى كثير من الأحيان انفعلات سريعة ومشاعر إحباط ويأس واضحين، وقليلا ما تجد فكرة إيجابية ذات وزن .. وثانيا: أن أصحابها ربما لتسرّعهم فى الكتابة يرتكبون أخطاء لغوية كثيرة .. ولهؤلاء أقدم النصيحة: أنه لا بأس من أن نخصص بعض الوقت كل يوم لنتعلّم لغتنا العربية الجميلة فى أى عمر كُـنّا.. فأنا بعد السبعين مازلت أتعلم أسرار هذه اللغة الرائعة...
كان المقال يتصل بموضوع إغلاق الفقى للقنوات الإسلامية، تحت ذرائع كاذبة كما عوّدتنا هذه السلطة.. ولكن المهم أنه فى خضمّ هذه التعليقات أصادف تعليقا رصينا يلفت نظرى بلغته العربية السّلسلة السليمة ،وبأسلوبه الموجز المعبّر عن الحقيقة والواقع الملموس فى دنيا الناس ..أما التعليق فكان لقارئة إسمها سمية .. وهو تعليق يشعّ بالإيمان والطمأنينة والثقة بأن نصر الله آت لا محالة مهما تجبّر الطغاة وأفسد المفسدون.. تقول فيه:
" هذا دين عجيب وليتهم يفهمون .... تطارد الحجاب يزداد.. تهاجم النقاب يملأ الشوارع والمصالح الحكومية!! تنتقد الملتحين تجدهم أمامك في كل حين !! تضيّق على كتاتيب تحفيظ القرآن يتحول كل بيت إلى كُتّاب!!! هذا ليس قرار بشر ... فلا نحزن .. بل نحن على الطريق سائرون وبوعد الله مطمئنون ..."
و إن كان لى من شيئ أضيفه فإننى أقول إن هذه الظاهرة رد فعل وتعببر سلمي واضح عن الرفض والمقاومة من قِبل الجماهير المسلمة لتوجّهات السلطة عندما تصدمهم بإجراءات تتسم بالغلوّ والحماقة.. خصوصا فيما يتعلق بعقيدتهم االدينية ...
والمهم عندى إن قرار إغلاق هذه القنوات وإن جاء فى زفّة الآستعداد لحفلة تزوير الانتخابات القادمة.. إلا أن المغالاة فى حجم الواقعة والطريقة المفاجئة والمتعسّفة التى تمت بها قد أحدث فرقعة إعلامية مقصودة أريد بها أن تحقق أهدافا بعينها، لا تخفى على الباحث المدقق فهذه لعبة إعلامية [أمريكانى] مفهومة ومجرّبة، أزعم أن على رأسها إشغال الرأى العام عن مجموعة من الوقائع المترابطة التى شغلت الرأى العام فترة من الوقت ، وأهاجت مشاعر الأغلبة المسلمة بشكل غير مسبوق وأعنى بذلك موضوع احتجاز المسلمات: كامليا ووفاء قسطنطين وأخواتها، فى معتقلات الكنيسة، وتمادى الكنيسة فى موقفها المعاند، ثم إجتراء بعض المتطرفين من قياداتها على القرآن ، ومحاولة الإساءة إليه، وزعمهم أن المسلمين ضيوف فى مصر وليسوا مواطنين أُصلاء، ثم مسألة السفينة التى يملكها قسيس قبطى، والتى هرّبت مفرقعات من إسرائيل، وما أثارته هذه الأحداث من شكوك فى نوايا الكنيسة تجاه المسلمين فى مصر .. ولأن موقف السلطة الحاكمة كان مشينا، ولأنها لم تقدم حلولا إيجابية وتقوم بواجبها كدولة ذات سيادة ولها دستور وقانون يجب احترامه من الجميع، ولأنها فى الحقيقة لا تملك حلولا ولا تستطيع بحكم ضعفها وأهوائها فى استمرار سلطتها رغم إرادة الشعب فى التغيير، لكل ذلك كان لا بد أن تلجأ إلى بديل مفتعل وهو إغلاق الفضائيات.. لإشغال الناس بحدث جديد عن الحدث السابق..
لقد ذهب المحللون مذاهب شتى وليس لى أى اعتراض على ما رأوه من الأسباب والنويا الخفية غير المعلنة للسلطة، بما فى ذلك السبب الذى رآه أحد الباحثين فى مركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام وخلاصته أن إغلاق الفضائيات الإسلامية قد قُصِدَ به حجب الدعم الذى قد تتلقاه أو تستفيد به جماعة الإخوان المسلمين فى الانتخابات القادمة .. قد يكون كل هذا صحيحا .. ولا أستبعد أن الذين يتخذون مثل هذه الإجراءات، يحاولون اصطياد أكثر من عصفور بحجر واحد .. أو هكذا يتوهّمون.. ولكننى هنا غير معْنيّ بتحليل هذا الحدث بصفة خاصة، ولا أنظر إليه باعتباره واقعة فردية .. و لا أتناوله منعزلا عما سبقه من أحداث مماثلة كان مقدّرا لها أن تشغل الرأي العام أو تثيره وتوتّره ، إنما أنظر إلى الموضوع نظرة شمولية تربط بين الوقائع التى تبدو وكأنها أحداثا متفرّقة تلقائية جاءت بمحض المصادفة .. لكنى أراها فى تسلسلها وترابطها تتكشف عن حقائق وراءها أعمق وأكثر شمولا مما يبدو منها على السطح الظاهر.. ومن واقع تحليلاتى أرى بوضوح تام أن واقعة إغلاق الفضائيات الإسلامية.. لن يكون هو الحلقة الأخيرة فى مسلسل العبث السلطوي بعقول الناس ومشاعرهم...!
لذلك لا أستبعد مفاجآت وأحداث أخرى ومصائب مفتعلة قادمة على الطريق، ولن يتوقف استفزاز مشاعر المسلمين عند حد ، حتى لو بدأت موجة أخرى من الإرهاب كرد فعل متطرف من جانب بعض الأفراد أو الفئات، بل أزعم أكثر من هذا أن السلطة المستبدّة التى فقدت رصيدها لدى جماهير الشعب تنتظر بفارغ الصبر رد فعل عنيف كهذا لتشرع فى سلسلة من الإجراءات القمعية .. وتكميم الأفواه أكثر مما فعلت.. ولتجرى الانتخابات فى جو من الصمت والإرهاب السلطوي، أو لا تجرى على الاطلاق، لا يهم..! إنما المهم أن تستمر هذه السلطة فى مكانها مستقرة ، حتى تجد وسيلة أو أخرى لتنفيذ مشروع التوريث الذى ظن الناس أنه قد اندثر...!.
علينا أن نتوقع أحداثا ووقائع ذات فرقعات إعلامية من هذا النوع المستفز، واقعة تلو الأخرى، تطمس اللاحقة سابقتها فى مشهد هزلى يحاكى الكوميديا السوداء، أو الروايات التى تمزج بين التراجيديا والملهاة الساخرة...
أشير على سبيل المثال لا الحصر إلى سلسلة من الوقائع المثيرة لنتذكرها ونتذكر معها مواقف السلطة منها: حركة كفاية ..! و حركات التمرد الأخرى فى المحلة الكبرى وغيرها ..! وحركة نادى القضاة ...! و حركة التغيير.. والدكتورالبرادعى.. وجمع التوقيعات المؤيدة للمطالب السبعة الشهيرة..!!وقبل ذلك شهدنا مسلسل انفلوانزا الطيور ثم انفلوانزا الخنازير ...! وتأمل أى قدر من الهلع أصاب الناس .. وأفسد حياتهم بالخوف والقلق والتوتر..؟! وكم من مليارات الدولارات تبدّدت..؟! وكم من الخسائر المالية والعينية أصابت الناس ..؟! وحرموا من طيورهم ودُمّرت مزارع دواجنهم ..؟! ثم يتمخض كل شيء فى الناهاية .. إلى أكاذيب ومبالغات وعمليات نهب وفساد على مستويات عالمية..؟! فيما أطلقت عليه عصر الفُقّعات الكبرى...! وهل تذكرون إغلاق المعابر ومحاصرة غزة والسور الفولاذي ...؟! إنه مسلسل متواصل لذلك أطلقت عليه اسم: (من إغلاق المعابر إلى إغلاق المنابر...)
لقد حولت فقط أن أستدعى إلى الذاكرة أحداث ووقائع أريد لها أن تقع على الناس وقع الزلازل والأعاصير.. تأتى الواحدة تلو الأخرى فتشغل الرأى العام فترة ثم تحلّ مكانها واقعة جديدة لتطمس اللاحقةُ السابقةَ فتتلاشى.. ينساها الناس وينسون معها ما صحبها من فضائح وقصص الفساد والكذب والنهب .. وهذا هو المقصود بالفرقعات الإعلامية.. فكل ما حدث لا يهم .. فالأهم أن تبقى مصائر الجماهير وعقولهم فى قبضة صاحب السيرك الكبير يتلاعب بها ويؤرجحها شمالا ويمينا وأماما وخلفا حتى تفقد توازنها ووعيها، وتسقط فى غيبوبة أو شبه غيبوبة، فلا تكاد تدرك ما يحدث لها أو ما يحدث حولها.. وهذا هو الوضع الأمثل لشعب مقهور ودكتاتور متسلط لا حدود لنهمه أو عناده...!
أشير أيضا إلى أن السلطة عندما تصاب بالعجز عن العمل الإيجابى الذى يستقطب تعاطف الجماهير ورضاهم، وعندما تكون مقبلة على مرحلة محفوفة بالشك والمخاطر كالانتخابات مثلا، تصاب بمزيد من التوتر والقلق وتتصرف كالمحموم، الذى ارتفعت درجة حرارة جسمه إلى حد الهذيان العقلى والتشنجات العصبية العضلية.. وأظن أن ماتفعله السلطة الآن وفى المرحلة القادمة يشبه إلى حد كبير حالة حادة من الحمى .. لذلك أتوقّع أن تتسارع (فى المرحلة التى نمرّ بها الآن) وتيرة الأحداث الصادمة التى لم تكن لتقع فى حُسبان الناس أو يتطرق إليها خيالهم...
أنا لا أشكك فى مصداقية الأحداث التى تنبع تلقائية من جانب الجماهير المستفَزّة أومن جانب النخب التى تحلم وتعمل من أجل الإصلاح والتغيير.. ولكننى أشكك فى ردود فعل السلطة سواء بالصمت والسكوت، أو بالتدخل المباشر فى قمع هذه الأحداث أو افتعال أحداث من أساسها.. ولا أحب أن أتطرّق إلى أسلوب بعض الدول التى كانت تدبّر أو تتواطأ على إحداث تفجيرات وأحداث دموية رهيبة ضد شعوبها لتبرير توجهات مضمرة للانقضاض على فريق من الناس الأبرياء بحجة القضاء على الإرهاب.. أو شن حرب خارجية كما حدث فى غزو أمريكا لأفغانستان والعراق بحجة الانتقام من الإرهابيين المسلمين الذين فجروا الأبراج فى نيويورك، تلك الواقعة الشهيرة، التى أصبح الشك فيها أقوى وأكبر من أن يُنكر .. والحقيقة أنها عمليات دبرتها وأشرفت على تنفيذها أجهزة المخابرات لخدمة المتربعين على السلطة فى تنفيذ مخططات إجرامية للهيمنة والاستغلال والقمع فى أنحاء العالم...!
أنا أزعم أننا فى عصر لا حدود لما يمكن أن تقدم عليه السلطات الفاشية من حماقات.. ولا ما يمكن أن تفتعله من عمليات تخريب وتدمير واغتيالات، تقوم بها، ثم تلصقها بالمتمردين والمعارضين سواء كانوا أفرادا أوفئات وجماعات.. لتضع رقابهم جميعا تحت مقصلتها .. وتشغل الدنيا بأخبارهم المزلزلة...! لتبقى هى مستقرّة فى السلطة ما استطاعت إلى ذلك سبيلا...!
ولكن تنبّه أيضا إلى حقيقة أخرى لا تقل خطرا عن مكر الماكرين وتدبير الخبثاء الفاسدين.. فخطأ واحد صغير فى التقدير، أو حادثة جانبية غير متوقّعة فى هذه اللعبة الشريرة قد تقلب الأمور على رأسها، وتأتى النتائج عكس المتوقّع منها تماما.. أو كما يقولون ينقلب السحر على الساحر.. هنا تنفجر الفقاعة المتضخمة، وتثور البراكين وتهتز الأرض تحت أقدام الطغاة والمفسدين، عند ذاك لا تنفعهم صداقة أمريكا ولا مساندة إسرائيل..
بل إن أمريكا نفسها فى ذلك الوقت ستكون غير أمريكا التى عرفها العالم من قبل.. وكل الدلائل والإشارات تدل على أن مصير الهيمنة الأمريكية سائر إلى انكماش ثم زوال... بدأت بانهيار أخلاقى كما تنبأ على عزت بيجوفيتش.. ثم نشاهد الآن فصول مسلسل الانهيارالاقتصادي فى إطار الهزائم والإخفاقات العسكرية والسياسية باهظة التكاليف فى العراق وأفغانستان .. أقول إن الأزمة الاقتصادية الأمريكية ليس لها حلّ قريب أوبعيد، وسوف تأخذ مجراها وتثمر نتائجها المأساوية لا محالة.. بعد ذلك سيأتى الانكماش الإمبريالي والتقوقع فى قارة أمريكا الشمالية.. وتنتهى أسطورة مشروع القرن الأمريكي، وأسطورة الشرق الأوسط الكبير، وخرافة الفوضى الخلاقة.. قلت هذا فى أكثر من مقال سابق وحددت عشر سنوات لهذه التطورات.. وقلت : من سيعيش هذه الفترة حتى نهايتها فليحاسبنى على ما قلت حيا كنت أوميتا .. و أقولها مرة أخيرة: الأزمة الاقتصادية المالية فى أمريكا هى القاسمة .. أزمة ليس لها حل إلا الانكماش والتقوقع وانهاء كل مظاهر التوسع الإمبريالي الأخطبوطي فى العالم... عندئذ أيضا لن تكون إسرائيل عدونا الأشرس هى إسرائيل التى عرفناها.. ولن تجد المنظومات القمعية الفاشية فى بلاد العرب والمسلمين قوة خارجية تستند إليها .. وسيكون للشعوب مع هذه النظم حسابات أخرى...!
فهل معنى هذا أن تقف الشعوب مكتوفة الأيدى حتى يأتى يوم الخلاص المنتظر.. لا.. إنها لوفعلت هذا فإنها تطيل فى أمد عذاباتها وتمد فى عمر هوانها أمام القوى الطامعة فيها وما أكثر المتربصين بهذه الأمة فى العالم من الصين فى أقصى الشرق إلى أحقر دولة فى أقصى الغرب..وفيما بين هذه وتلك [بلاد كانت تركب الأفيال]، ولكنها اليوم تجهز الأساطيل وتبنى غواصات مزودة بالوقود النووي والأسلحة الرهيبة..
أقول: لا يجب أن نوهم أنفسنا بأن العالم بعد أمريكا سيكون أكثر ضمانا ولا أكثر أمنا.. ويجب أن يستعدّ الناس للعيش فى هذه الأجواء الخطيرة.. بعد أن يتخلصوا من نفوذ وسطوة الفاسدين والمفسدين المترفين الذين وضعوا أمتهم فى حضيض التخلف على كل الأصعدة .. ودمروها فى كل المجالات.. لا بد للشعوب أن تسترجع إرادتها الحرة أولا، ثم تبدأ فى إعادة البناء والنهضة والوحدة.. وتستعيد عافيتها وقوتها لكى تقدر على مواجهة مخاطر المستقبل وتستحق الحياة على قدم وساق مع القوى العالمية الجديدة التى تستعد لانطلاق وشيك... وبالله التوفيق.
myades34@gmail.com