المواقف المحرجة
الخروج منها فن يكتسب بالتعلم
المواقف المحرجة اختبارات بلا استعداد آخر تحديث:الجمعة ,11/12/2009
تحقيق: عزة سند
1/1
يتطلب حسن التصرف في المواقف المحرجة الكثير من الخصال التي تحفظ للمرء توازنه وصورته أمام الآخرين، وفي الوقت نفسه لا تؤذي مشاعرهم أو تؤثر في علاقاته بهم. ولأننا جميعا نتفاوت في امتلاك هذه المهارات، نختلف في ردود افعالنا تجاه المواقف المحرجة أو المآزق مما يتطلب اكتساب بعض الادوات التي تدعم الثقة بالنفس ورباطة الجأشوبالتالي تنقذنا في مثل هذه المواقف.
التحقيق التالي يرصد مثل هذه المواقف وأسلوب كل شخص في التعامل معها ونصائح الخبراء.
مواقف الآباء أمام ضيوفهم في وجود أطفالهم من أكثر المواقف التي تسبب الارتباك والخجل أمام الآخرين حينما يتصرف الطفل بتلقائية ويتفوه بعبارات معينة تحرج الضيف واهل المنزل في الوقت نفسه. هكذا تؤكد ايمان السيد معلمة بمدرسة خاصة وتقول: كثيراً ما يضعنا أطفالنا في مواقف حرجة، ومؤخراً قام أصغر أبنائي وعمره أربعة أعوام بالتوجه نحو إحدى الضيفات وسألها متى ستغادرين منزلنا؟ فما كان مني إلا أن صرخت في وجهه ولم أتمالك نفسي من الغضب بل إنني قمت بضربه في محاولة لإرضاء الضيفة وهي شقيقة زوجي ولكنها حتى اليوم لا تزال تتذكر هذا الموقف وتوقن أنني كنت وراءه بشكل من الأشكال. وفي موقف آخر قام طفلي نفسه بمعايرة ابن جارتنا بأنه يسكن في بيت صغير بأثاث متواضع أمامها حينما كنا في زيارتها الأمر الذي جعلها تعتقد أنه سمع هذا الحديث يتردد فيما بيننا وهنا انصرفت وتركتها غاضبة.
وعن رد فعلها على ما يفعله أطفالها تقول: يصيبني الارتباك وأول ما يتبادر لذهني هو محاولة إصلاح الأمر والاعتذار، ولكن للأسف بعد فوات الأوان.
وتؤكد فاتنة جابر صاحبة محل للعباءات أن التصرف في المواقف المحرجة يتطلب وعياً وقوة شخصية وجرأة في بعض الأحيان، وتقول: لابد ان يقيم الشخص الموقف أولا ومن ثم يقوم بالرد المناسب بلا تسرع، فحينما يأتيني شخص ويحاول تعطيلي عن عملي لابد من إرسال بعض الإشارات إليه بأنه يقتطع من عملي وانه لا يمكن لي مجاراته، ومن هنا أطلب منه تحديد موعد آخر لاستكمال الحديث. وحينما يستدين مني احدهم يكون في البداية في منتهى اللطف ولكن بعد ان يأخذ المال اجد نفسي في موقف لا أحسد عليه خاصة أنني في كثير من الاحيان أقرض الآخرين وانا في حاجة فعلية للمال ومن هنا تعلمت الحسم في مثل هذه المواقف والتعامل معها بلباقة من دون ان أغضب الطرف الآخر أو أنقص من صورتي.
تجاهل
تشير رهف الطويل، سكرتيرة بمدرسة خاصة، الى ان المواقف المحرجة متعددة وأفضل تصرف حيالها دائما هو التجاهل، وتقول: مررت طوال حياتي بمواقف محرجة كثيرة وفي كل مرة كنت أتعامل معها بإخفاء الارتباك لكي لا يعلق الموقف بذهن من حولي، وفي بداية حياتي العملية كنت لا ازال قروية تشق خطواتها الأولى في العاصمة، وكانت تلك هي الخبرة الأولى لي في التعامل مع محال الأطعمة الشهيرة هناك، وكان أن توجهت مع مجموعة من صديقات ابنة خالتي لأحد تلك المحال المشهورة بالبيتزا الايطالية، ولما جاء النادل وناول كل منا قائمة الطعام، لم أنظر وقتها لأسماء الأطعمة بقدر ما كان يهمني أسعارها خشية ان تأتي على كامل ميزانيتي المتواضعة وتقضي عليها، ولأنني وقتها كنت لا أزال أتلقى المصروف من والدي اخترت الصنف الأرخص على الإطلاق، ولم يكد يمر دقائق حتى جاء النادل بالبيتزا وكانت المفاجأة قاسية حينما قدم للأخريات أصنافاً متنوعة وشهية بينما أتاني بقطعة خبز صغيرة جداً في صحن كبير، وكتمت الصديقات ضحكاتهن ولم يكن بيدي شيء الا الصمت والتظاهر بأنني بكل بساطة، لا أحب البيتزا.
وتؤكد ولاء يوسف طالبة، تخصص علوم إنسانية، ان الموقف المحرج من أكثر الأشياء التي تبين فطنة الشخص وقدرته على التعامل مع مختلف الظروف بثقة وثبات، وتقول: كثيرا ما نتعرض إلى مواقف محرجة، ومن ناحيتي احيانا ينقلب الموقف إلى دعابة ومزاح، واحيانا يتخذ شكلا لا يقبل إلا الاستسلام والصمت، ولكن هناك من المواقف التي تتطلب التعامل مع الاخرين وضبط الامور بما لا ينتقص من حق الانسان على نفسه خاصة أن بعض الاشخاص لا يجدي معهم التلميح أو الاسلوب غير المباشر في مواجهة طلباتهم أو تدخلاتهم في الحياة الشخصية لابد من مواجهتهم بصورة مباشرة حتى لو أدى الأمر إلى قطع العلاقة معهم.
وعن المواقف المحرجة ما يتعرض إليها مدرس أو أستاذ جامعة من طلابه يقول طارق زقزوق معلم التاريخ بمنطقة العين التعليمية: أي شخص يواجه جمهوراً عريضاً من الطلاب أو غيرهم لابد ان يدرك انه معرض لمثل هذه المواقف وان يكون قادراً على التعامل معها، والأمر يتطلب بعض التدريب والكثير من المواقف المحرجة تواجهني كمعلم لأنني أقوم بالتدريس للمئات من الطلاب سنوياً، ويمر علي بعضهم يصافحونني بحرارة وأتذكر الوجوه، لكن بالتأكيد الذاكرة لا تسعفني لحفظ أسمائهم جميعاً، وحين أسأل أحدهم عن اسمه يصدم لذا يصبح الموقف بالنسبة لي محرجاً بشكل كبير.
يؤكد ضياء الملكاوي، موظف ببنك ابوظبي الوطني، عن تعرضه للكثير من المواقف المحرجة بشكل مستمر الا ان تعامله معها يختلف يقول: هناك مواقف تقتضي التعامل معها بحسم خاصة لو تعلق الأمر بالعمل أو بالغير، وقد يأتيني ضيف مثلا اثناء الدوام ويطيل في جلسته، أو يطلب مني آخر اداء خدمة له تتعلق بعملي في الوقت الذي لا يمكنني فيه خدمته لخضوعي كموظف لقوانين البنك ولوائحه، ومثل هذه المواقف تقتضي مني الرفض الحاسم والمهذب، ولكن الكثيرين لا يقدرون الصراحة ويعتقدون أني أرفض مساعدتهم.
حكمة
ويتفق سيف الراشدي، رجل أعمال، مع القول إن التعامل مع المواقف المحرجة يتطلب الكثير من اليقظة والحكمة والهدوء ويقول: أعتقد أنني من اكثر من يتعرضون لمواقف محرجة، ومنها مثلاً ما حدث لي خلال إحدى سفرات العمل إذ دخلت مطعماً مع مجموعة من رفاق الرحلة وكنت أعتقد أنه مطعم متوسط الحال، واذا بالفاتورة تأتينا في نهاية الأمر مشتعلة، وهو ما اضطرني لترك اصدقائي والعودة للفندق لإحضار المال ومن ثم العودة والمشكلة اننا كنا في دولة اوروبية لا تقدم العذر للشخص الغريب واول ما يتبادر للذهن هو استدعاء الشرطة ولكن مر الموقف بسلام.
لحظة المواجهة
حسب أحمد البرعي الاختصاصي الاجتماعي بالمنطقة التعليمية فإن لحظة المواجهة مع الغير من اللحظات التي نثبت فيها لأنفسنا ولهم مدى ما نتمتع به من ثقة بالنفس وتوازن داخلي، ويقول: البعض يولد وهو يمتلك مقومات الثقة والبعض يتعلمها والبعض الآخر يحتار في كيفية اكتسابها ويمكننا جميعاً اكتساب الثقة، لأنها تعتمد على اعتقادنا بأنفسنا، أن نعتقد بما نقوله ونفعله، بل يمكن للإنسان التمثيل بأنه يسيطر على الأمور حتى وان كان ذلك يجانب الحقيقة فالناس لا يمكنهم معرفة الفرق. ومن الأمور التي يجب أخذها بعين الاعتبار والتي نستطيع من خلالها زرع الثقة في أنفسنا قلب الأمور لصالح الشخص، فإن حاول شخص مثلا التقليل من شأن آخر في محاضرة علمية أو أدبية فما عليه الا التظاهر بالحيوية والنشاط وترك المجال له لكي يجيب هو على الأسئلة المحرجة.
يضيف: لعل التنبؤ بالمواقف المحرجة قبل ان تقع والاستعداد لها مسبقا يعد من آليات المواجهة الناجحة لها مع الحرص على هدوء الأعصاب وعدم الانفعال وتجنب الغضب والحرص على الابتسامة وتفادي الجدل وتجنب التبرير المسهب للموقف المحرج، والحرص على المرور بالموقف مروراً سريعاً وذلك لتفادي المزيد من الإحراج، وكذلك لكي لا يزيد رسوخ الموقف في أذهان الآخرين، كما ينبغي اعتبار الوقوع في المواقف المحرجة أمراً طبيعياً، بل ضرورة حتمية، ولنتذكر دائماً أن لهذه المواقف فوائد كثيرة، من أهمّها تنمية الفطنة والذكاء وسرعة البديهة بالإضافة إلى توسيع المدارك وزيادة الخبرات، لذا علينا تهوين الموقف المحرج وتحويله احياناً إلى نكتة أو طرفة، واذا كان من الممكن قلب الموقف المحرج على مسببه فلنفعل.