من مقالات الراحل
شيخ الازهر يوضح الشفاعة ثابته في القرآن والسنة
كتب : سيد ابو دومة
د . محمد سيد طنطاوى
بعض الكتاب يرون انطلاقا من اجتهاد شخصي ورؤية خاصة قد تكون صوابا وقد لا تكون أنه لا شفاعة للنبي صلي الله عليه وسلم في العصاة والمذنبين من أمته يوم القيامة مستدلين علي ما ذهبوا اليه ببعض الآيات التي يفهم منها منع الشفاعة متغافلين في الوقت نفسه عن آيات أخري وردت في القرآن الكريم أيضا تفيد قبول الشفاعة ممن يأذن الله لهم جل وعلا فيها
وقد أثار هذا الموقف الأنتقائي الذي ركز علي بعض الآيات وترك البعض ــ اثر جدلا لدي عدد كبير من القراء ــ مما حتم علي صفحة الفكر الديني أن تذهب الي فضيلة الامام الاكبر الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر باعتباره المرجعية الدينية الكبري والحاسمة في مثل هذه القضايا البالغة الأهمية التي تمس عقائد المسلمين جميعا ليضع الأمور في نصابها .
في بداية اللقاء سألنا فضيلة الامام الاكبر الاسئلة المحددة التالية
هل جاء في القرآن الكريم ما يفيد صريحا أو تلميحا عن شفاعة المصطفي عليه الصلاة والسلام في العصاة والمذنبين من أمته؟
فأجاب . جاءت في القرأن الكريم بعض الأيات التي تنفي قبول الشفاعة نفيا مطلقا مثل قوله تعالي :[ واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ..]
كما جاء في القرآن الكريم ايضا أيات تنفي قبول الشفاعة الإ ممن أذن له الرحمن في ذلك ومن هذه الأيات قوله تعالي :( من ذا الذي يشفع عنده إلا باذنه ) وقوله تعالي :( يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا )
للجمع بين هذه الأيات التي منها ما ينفي الشفاعة مطلقا ومنها ما ينفي الشفاعة إلا بإذن الله تحمل الايات .. النافية علي الاطلاق علي انها واردة في شأن من مات مع الكفر أما الأيات التي تبيح الشفاعة فتحمل علي انها واردة في شأن العصاة من المسلمين .
وقد وردت أحاديث صحيحة بلغت مبلغا لا يصح التشكيك فيها في ان الرسول صلي الله عليه وسلم ستكون له شفاعة في دفع العذاب عن اقوام من المؤمنين وتخفيفه عن أهل الكبار من المسلمين ومن ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال :( اعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الارض مسجدا وطهورا وجعلت أمتي خير الأمم واعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث الي قومه خاصة وبعثت الي الناس عامة )
فبكثرة الاخبار عن رسول الله صلي الله عليه وسلم انه قال
شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي وقوله صلي الله عليه وسلم
ليس من نبي إلا اعطي دعوة واني خبأت دعوتي شفاعة لامتي وهي نائلة ان شاء الله منهم من لايشرك بالله شيئا
ومن كل هذا يتبين ان الله عز وجل قد يسمح لعبادة المؤمنين بشفاعة نبيه محمد صلي الله عليه وسلم .
واما قول الله تعالي ( لا يقبل منها شفاعة ..) فانما هي لمن مات علي كفره .
هل اختلط الأمر؟
هل صحيح ما يردده البعض من أنه لا شفاعة للنبي بالرغم مما ذكر في الاحاديث النبوية وان ماورد في البخاري غير صحيح أم اختلط عليهم الأمر بين الشفاعة في الكفار والشفاعة في العصاة؟
من وجهة نظري لا يجوز لمسلم ان ينكر شفاعة النبي محمد صلي الله عليه وسلم لانها ثابته ثبوتا لا يصح التشكيك فيه وفي نفس الوقت نقول لمن يشكك ما فائدة هذا التشكيك فلا يوجد عاقل يقول بأن الشفاعة معناها الاتكال . وعدم القيام بآداء ما كلفنا الله به من فرائض ومن سلوكيات فاضلة واخلاق حميدة .
وانما الذي نحب أن نقوله إن هذه الشفاعة تكريم للنبي عليه الصلاة والسلام والله عز وجل لا يسأل عما يفعل . وفي نفس الوقت نقول ان إيماننا العميق بشفاعة الرسول صلي الله عليه وسلم في العصاة من أمته لا تمنع من الدعوة الي طاعة أوامر الله واجتناب نواهيه وفي هذه الحالة لن يستفيد المنكرون للشفاعة شيئا من هذا الانكار . أما نحن الذين نؤمن بشفاعة الرسول عليه الصلاة والسلام . فهذا يفيدنا ولا يضرنا .
ورحم الله القائل :
قال المنجم والطبيب كلاهما لن تبعث الاجسام قلت اليكما ان صح قولكما فلست بخاسر أو صح قولي فالخسار عليكما .
هل يلغي التراث !
وماذا عن تراث المسلمين علي مدي اربعة عشر قرنا من خصائص علمية ثابتة حول هذا الموضوع؟
تراث المسلمين المستند الي القرآن والسنة من اقوال المحققين من المتخصصين في تفسير القرآن الكريم وفي شرح الاحاديث النبوية وفي مسائل العقيدة والفقه كلها تصرح بأن شفاعة المصطفي للعصاة من المسلمين ثابتة ولا يجوز لأحد أن ينكرها فهذا شئ متفق عليه ومحل أجمال بين المدققين من علماء المسلمين علي أن الاعتراف بهذه الشفاعة لا ينفي المداومة علي العمل الصالح بدليل قول الله سبحانه وتعالي :
( وتلك الجنة التي اورثتموها بما كنتم تعملون )
أحاديث البخاري
هل يمكن القول أن في البخاري أحاديث ضعيفة تتعارض مع صريح القرآن كما يقول البعض؟
الذي اكد عليه المحققون من أهل العلم أن جميع الأحاديث التي في البخاري صحيحة . ومن عنده شك في ذلك فليأتنا بالاحاديث التي يري انها غير صحيحة لكي نناقشه فيها .
فكر المعتزلة
نحن نعلم أن المعتزلة وهي فرقة اسلامية أنكرت الشفاعة انطلاقا من أن مرتكب الكبيرة من المسلمين هو في منزلة بين الايمان والكفر وانه في النار ولا شفاعة فيه .. فهل إثارة هذه القضية الان هي دعوة الي إحياء تراث المعتزلة باعتباره تراثا عقليا يساعد المسلمين الان علي الخروج من حالات الضعف والاتكال والسلبية؟
علي أية حال المعروف أن فرقة المعتزلة تعطي العقل أحيانا اكثر من حجمه ولو صح أن هذه الفرقة أنكرت شفاعة النبي صلي الله عليه وسلم فنحن نخالفهم في ذلك مخالفة تامة ونري أنه لا يصح الاستشهاد برأي مرجوح وترك الرأي الراجح الذي أيده المحققون من العلماء وأجمع عليه السلف الصالح .
تقييم:
0
0
كتب : سيد ابو دومة
د . محمد سيد طنطاوى
بعض الكتاب يرون انطلاقا من اجتهاد شخصي ورؤية خاصة قد تكون صوابا وقد لا تكون أنه لا شفاعة للنبي صلي الله عليه وسلم في العصاة والمذنبين من أمته يوم القيامة مستدلين علي ما ذهبوا اليه ببعض الآيات التي يفهم منها منع الشفاعة متغافلين في الوقت نفسه عن آيات أخري وردت في القرآن الكريم أيضا تفيد قبول الشفاعة ممن يأذن الله لهم جل وعلا فيها
وقد أثار هذا الموقف الأنتقائي الذي ركز علي بعض الآيات وترك البعض ــ اثر جدلا لدي عدد كبير من القراء ــ مما حتم علي صفحة الفكر الديني أن تذهب الي فضيلة الامام الاكبر الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر باعتباره المرجعية الدينية الكبري والحاسمة في مثل هذه القضايا البالغة الأهمية التي تمس عقائد المسلمين جميعا ليضع الأمور في نصابها .
في بداية اللقاء سألنا فضيلة الامام الاكبر الاسئلة المحددة التالية
هل جاء في القرآن الكريم ما يفيد صريحا أو تلميحا عن شفاعة المصطفي عليه الصلاة والسلام في العصاة والمذنبين من أمته؟
فأجاب . جاءت في القرأن الكريم بعض الأيات التي تنفي قبول الشفاعة نفيا مطلقا مثل قوله تعالي :[ واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ..]
كما جاء في القرآن الكريم ايضا أيات تنفي قبول الشفاعة الإ ممن أذن له الرحمن في ذلك ومن هذه الأيات قوله تعالي :( من ذا الذي يشفع عنده إلا باذنه ) وقوله تعالي :( يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا )
للجمع بين هذه الأيات التي منها ما ينفي الشفاعة مطلقا ومنها ما ينفي الشفاعة إلا بإذن الله تحمل الايات .. النافية علي الاطلاق علي انها واردة في شأن من مات مع الكفر أما الأيات التي تبيح الشفاعة فتحمل علي انها واردة في شأن العصاة من المسلمين .
وقد وردت أحاديث صحيحة بلغت مبلغا لا يصح التشكيك فيها في ان الرسول صلي الله عليه وسلم ستكون له شفاعة في دفع العذاب عن اقوام من المؤمنين وتخفيفه عن أهل الكبار من المسلمين ومن ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال :( اعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الارض مسجدا وطهورا وجعلت أمتي خير الأمم واعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث الي قومه خاصة وبعثت الي الناس عامة )
فبكثرة الاخبار عن رسول الله صلي الله عليه وسلم انه قال
شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي وقوله صلي الله عليه وسلم
ليس من نبي إلا اعطي دعوة واني خبأت دعوتي شفاعة لامتي وهي نائلة ان شاء الله منهم من لايشرك بالله شيئا
ومن كل هذا يتبين ان الله عز وجل قد يسمح لعبادة المؤمنين بشفاعة نبيه محمد صلي الله عليه وسلم .
واما قول الله تعالي ( لا يقبل منها شفاعة ..) فانما هي لمن مات علي كفره .
هل اختلط الأمر؟
هل صحيح ما يردده البعض من أنه لا شفاعة للنبي بالرغم مما ذكر في الاحاديث النبوية وان ماورد في البخاري غير صحيح أم اختلط عليهم الأمر بين الشفاعة في الكفار والشفاعة في العصاة؟
من وجهة نظري لا يجوز لمسلم ان ينكر شفاعة النبي محمد صلي الله عليه وسلم لانها ثابته ثبوتا لا يصح التشكيك فيه وفي نفس الوقت نقول لمن يشكك ما فائدة هذا التشكيك فلا يوجد عاقل يقول بأن الشفاعة معناها الاتكال . وعدم القيام بآداء ما كلفنا الله به من فرائض ومن سلوكيات فاضلة واخلاق حميدة .
وانما الذي نحب أن نقوله إن هذه الشفاعة تكريم للنبي عليه الصلاة والسلام والله عز وجل لا يسأل عما يفعل . وفي نفس الوقت نقول ان إيماننا العميق بشفاعة الرسول صلي الله عليه وسلم في العصاة من أمته لا تمنع من الدعوة الي طاعة أوامر الله واجتناب نواهيه وفي هذه الحالة لن يستفيد المنكرون للشفاعة شيئا من هذا الانكار . أما نحن الذين نؤمن بشفاعة الرسول عليه الصلاة والسلام . فهذا يفيدنا ولا يضرنا .
ورحم الله القائل :
قال المنجم والطبيب كلاهما لن تبعث الاجسام قلت اليكما ان صح قولكما فلست بخاسر أو صح قولي فالخسار عليكما .
هل يلغي التراث !
وماذا عن تراث المسلمين علي مدي اربعة عشر قرنا من خصائص علمية ثابتة حول هذا الموضوع؟
تراث المسلمين المستند الي القرآن والسنة من اقوال المحققين من المتخصصين في تفسير القرآن الكريم وفي شرح الاحاديث النبوية وفي مسائل العقيدة والفقه كلها تصرح بأن شفاعة المصطفي للعصاة من المسلمين ثابتة ولا يجوز لأحد أن ينكرها فهذا شئ متفق عليه ومحل أجمال بين المدققين من علماء المسلمين علي أن الاعتراف بهذه الشفاعة لا ينفي المداومة علي العمل الصالح بدليل قول الله سبحانه وتعالي :
( وتلك الجنة التي اورثتموها بما كنتم تعملون )
أحاديث البخاري
هل يمكن القول أن في البخاري أحاديث ضعيفة تتعارض مع صريح القرآن كما يقول البعض؟
الذي اكد عليه المحققون من أهل العلم أن جميع الأحاديث التي في البخاري صحيحة . ومن عنده شك في ذلك فليأتنا بالاحاديث التي يري انها غير صحيحة لكي نناقشه فيها .
فكر المعتزلة
نحن نعلم أن المعتزلة وهي فرقة اسلامية أنكرت الشفاعة انطلاقا من أن مرتكب الكبيرة من المسلمين هو في منزلة بين الايمان والكفر وانه في النار ولا شفاعة فيه .. فهل إثارة هذه القضية الان هي دعوة الي إحياء تراث المعتزلة باعتباره تراثا عقليا يساعد المسلمين الان علي الخروج من حالات الضعف والاتكال والسلبية؟
علي أية حال المعروف أن فرقة المعتزلة تعطي العقل أحيانا اكثر من حجمه ولو صح أن هذه الفرقة أنكرت شفاعة النبي صلي الله عليه وسلم فنحن نخالفهم في ذلك مخالفة تامة ونري أنه لا يصح الاستشهاد برأي مرجوح وترك الرأي الراجح الذي أيده المحققون من العلماء وأجمع عليه السلف الصالح .
تقييم:
0
0