شعراء من افركلة
في الماضي القريب كانت افركلة الكبرى تعج بمجموعة من الشعراء المحليين الذين ابدعوا في مجال الشعر الغنائي. وقد كانت الاعراس وبعض المناسبات فرصة سانحة لتداول هذا الفن التعبيري بين الاسر والافراد و الميسورين ، وعشاق هذا الفن الاصيل،وقد شكل هذا الجنس الادبي مرجعية اساسيةبالنسبة لساكنة افركلة وشعرائها الذين عبروا عن مختلف هموم ومشاكل الناس ، كما شكل اداة اساسية لتهذيب النفوس ، ونشر مكارم الاخلاق والحفاظ على الهوية الفركلوية الغنية والمتنوعة، وفي حديثنا سوف نعرج على امثلة ممن لازموا هذا الثراث واغنوا حقله بانتاجاتهم الفنية الهائلة ، قبل ان تأتي مرحلة التخلي والاهمال لاسباب متنوعة ومتعددة.
فباسرير كان الفقيه احمد اداود، حافظا لكتاب الله، قائما على العبادة وممارسا لاعمال الفلاحة كسائر من عاصروه، ليحكي لوالدته ذات يوم حكاية حلم ازعجه ولم يفهم معناه ، اذ روى ان النحل كان يخرج من فمه تاركا فراغا يتسرب منه الذباب الى احشائه، وما كان على والدته الا ان تفسر الحلم بطريقة بسيطة ، واخبرت الابن ان ميوله الى الشعر والغناء اكثر تاثيرا عليه من تعامله مع القرآن.فكانت البداية الحقيقية لتعاطيه الشعر الغنائي مع مجموعة كونها من رفقائه الذين كانوا يرددون كل ما يقوله بالحان موزونة ومقفاة وبليغة، فذاع صيته بافركلة وصولا الى واحات غريس التي كانت بدورها منهلا ومدرسة لهذا الفن الاصيل،
ومن بين الذين عاصروه وتشاركوا معه في الاعراس كل من محمد اوعزيز، بروك اوعز ، واوكتو، واهدي من قصر تغفرت، وايطو اوسيدي، التي كانت تمثل الصوت النسائي وسط اغلبية ذكورية، وقد استطاعت من خلال منتوجها الشعري ان تعكس مختلف القضايا النسائية وهموم المراة المحلية، فاستحقت لقب خنساء الواحة عن جدارة، رغم انها كانت من غريس.
وقد تميزت فرقة اقبليين بهذا اللون في اعراسها،وكانت الاسرتقوم بمجموعة من الطقوس والتقاليد المرافقة لهذا اللون الشعري المسمى=باهبي= اذ كان الجميع يخرجون الى باحات ومداخل القصور والتي كانت تحمل اسم الجماعت-، فيصطف الرجال في تقابل مع النساء، منهن المتزوجات والمطلقات والعازبات اللواتي لحقن سن الزواج، تاركين فراغا وسط الصفين ليبدأالحفل بالانشاد والترديد، تملأ فيه الزغاريد والتصفيقات افق السماء، في حين ينصت الحاضرون لما يقال في صمت وانضباط، مركزين لفهم معاني المواويل المطروحة بين الشعراء الذين يقفون اندادا لبعضهم البعض، وكل يحاول كسب التاييد الجماهيري في اجواء اخوية رائعة ، يكون فيها اهل العريس او العروس على قائمة الممدوحين بالسخاء وكرم الضيافة.
وهكذا يعيش الكل ليال من النقائض الشعرية ومعاني تجارب الحياة واستعراض لقصص الحب والغرام والتمسك بالدين ، وابراز معالم وصفات الرجولة والاعتزاز.في حين تتزين فيه النساء ويتبادلن الحديث مع من يرونه قد يلائم حياتهن المستقبلية.
وفي متابعة للحلقات القادمة ، سوف نتطرق الى باقي الوان الاعراس والشعراء المحليين عند قبائل اخرى عريقة بفنها مثل قبيلة ايت مرغاد بواحة افركلة وصولا الى غريس.-يتبع-.
علي بعراب.