رمتني بدائِها وانسلّتْ ل- أ-د- عبد الرزاق قسوم
رمتني بدائِها وانسلّتْ
عبد الرزاق قسوم
2024/11/20
لم تُبتلَ الإنسانية، عبر كل تاريخها، القديم والحديث، بأبشع، وأظلم، وأشر من الكيان الصهيوني؛ هذا الوباء الإيديولوجي الديني المصطنع.
لم يتوقف هذا السرطان العسكري عند حدود الفتك بالأطفال الأبرياء، والآمنات من النساء، والعزّل من الشيوخ، بل راح يمد شروره خارج حدود فلسطين الجريحة إلى الفضاءات الغربية الفسيحة.
لقد استولى على معالم القيادة السياسية الأمريكية والغربية، واشترى ذمم كبريات وسائل الإعلام المسموعة، والمكتوبة، والمرئية.
وها هو، في آخر تقليعة شريرة له، يخرج لنا بمسرحيته الضعيفة الإنتاج، السيئة الإخراج، ليخدّر –كعادته- بعض السذج ممن يملكون القابلية للانحراف والإعوجاج.
وآخر فصل في مسرحيته “البايخة”، هو ما تعلق بملعب أمستردام الهولندي، فقد امتطى الصهاينة في هذه المسرحية، جواد الكذب والخداع، حاملين راية “معاداة السامية”، وهي المعزوفة الممجوجة الباردة، التي لم يصدقها أبطالها، إلا من كان مثلهم من المُغرّر بهم سياسيا وإيديولوجيا.
في هذا الجو المشحون بالفتن والمحن، يخرج علينا –هذه المرة- من واشنطن أحد الموعودين بمنصب سياسي في حكومة العائد إلى البيت الأبيض، ليشهر سلاح بني صهيون، في وجوه الجميع، قائلا: “ليس أمام العرب إلا القوة، فإما أن يستسلموا، أو يُسحقوا بالردع والقمع”، ويضيف: “إن الضفة الغربية هي جزء من سيادة إسرائيل، وغزة ستكون خاضعة لإرادتها، أحب من أحب وكره من كره”.
لقد هُزم الفريق الرياضي الصهيوني في ساحة اللعب، كما هو شأن الصهاينة في ساحة الجد والوغى، فغطوا الهزيمة باصطناع مظاهرة، أرغد أنصارهم فيها وأزبدوا، رافعين شعارات الإسلاموفوبيا، مثل “الموت للعرب والمسلمين”، كما أنهم عمدوا إلى استفزاز الجالية العربية المسلمة المهاجرة بالإقدام على تمزيق علم فلسطيني، كان معلقا على شرفة أحد المغاربة، وذلك عدوانا على مشاعر العرب والمسلمين.
وبدل أن يخجلوا، راحوا يكيلون التهم جزافا للمهاجرين العرب والمسلمين، حتى نطق كبيرهم من تل أبيب، الذي علّمهم الظلم والمكر، فقال إن هذه “معاداة للسامية”.
كبرت كلمة تخرج من أفواههم، فقد “ضربني وبكى، وسبقني واشتكى” كما يقول المثل العربي، و”رمتني بدائها وانسلّت” كما يقول المثل العربي الآخر. ندعو الله أن يرزقنا حاسة نميز بها بين صهيونيي الغرب، وصهيونيي الشرق، فهم جميعا في الشر سواء.
وفي هذا الجو المشحون بالفتن والمحن، يخرج علينا –هذه المرة- من واشنطن أحد الموعودين بمنصب سياسي في حكومة العائد إلى البيت الأبيض، ليشهر سلاح بني صهيون، في وجوه الجميع، قائلا: “ليس أمام العرب إلا القوة، فإما أن يستسلموا، أو يُسحقوا بالردع والقمع”، ويضيف: “إن الضفة الغربية هي جزء من سيادة إسرائيل، وغزة ستكون خاضعة لإرادتها، أحب من أحب وكره من كره”.
ألهذا المستوى من الحقد والكراهية بلغ ساسة الوافدين على البيت الأبيض، حتى قبل أن يستلموا مهامهم، فكيف بهم، بعد أن يستلموها؟
إنهم لم يعيروا أي اهتمام للعرب الذين أدلوا بأصواتهم، فميّلوا الكفة لصالحهم، وأنهم لم يحترموا مشاعر بعض القادة العرب الذين هللوا لانتصار العائد إلى الحكم، وقد كانوا أمدوه بالمال والنفوذ، وروجوا لانتصاره:
عجبت لقوم يخضعون لعصبة يسوسهم في الموبقات عميدها
وأعجب من ذا، أنهم يرهبونها وأموالها منهم، ومنهم جنودها
يحدث هذا كله، في زمن يحتضر فيه الكيان الصهيوني المسلح، ويتجرع آلام ضربات المقاومة.
لقد أصيب الصهاينة في مقتلهم، فبعد أن كانوا قبلة الجذب للكفاءات من كل أنحاء العالم، ويتبجحون بأنهم يملكون أقوى اقتصاد في المنطقة، ها هم اليوم يصابون في المقتل، إذ تحولوا إلى مصدر نزوح جماعي، فعشرات الآلاف من الصهاينة غادروا فلسطين المحتلة، ومثلهم يتوقون إلى المغادرة، وصنع الله الذي أتقن كل شيء فقد أطفأت يد الله أضواء تل أبيب، وهي تعيش اليوم في ظلام فكري، واجتماعي، وعسكري، دامس.
نسوق كل هذا، لإحداث صدمات كهربائية في جسم بني قومنا، لإيقاظ بعض العقول من غيبوبتها وعودتها إلى الذات، ذلك أن بعض الأصوات الغريبة، من بعض من كنا نعدهم من الأخيار، مثل أحد أئمة غزة، الذي خرج على الناس بخطبته النشاز، يدعو فيها إلى إيقاف هذه الحرب.
عجبا، أيحدث هذا من غزة العزة، التي يعاني أبناؤها جحيم العدوان، ويصدّر شعبها للعالم دروسا في الثبات، والمقاومة، والتصميم على مواصلة الصمود؟
فلو أن ذات سوار لطمتني، لهان، ولو جاء مثل هذا الخطاب من عالم من خارج غزة، لقلنا إنه لم يعان الويل والثبور، مما يعانيه علماء غزة، ولله في خلقه شؤون.
لقد كنا دوما، نهيب بأبناء أمتنا، أن لا يألفوا مشاهد الموت في غزة وفي لبنان، فيعتبروها أمرا عاديا، فلا يقدّمون لها العتاد والزاد، والغذاء والدواء، وتلك أعظم محنة، أن يصاب الناس باللامبالاة.
فيا بني أمتي! إن لكم في ما يحدث في غزة والقدس، وجنوب لبنان، لعبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
حذار –إذن- أن نصاب بالضعف، أو أن يحيق بنا المكر السيئ، في الوقت الذي أصبح فيه الكيان الصهيوني، يعيش الربع ساعة الأخيرة من معركة وجوده؛ وقد تحوَّلت معركته، بعد أن كانت معركة حدود، إلى معركة وجود، أصبح يسلم بحقيقتها أقطاب الصهاينة، وما الصبر إلا ربع ساعة ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾[سورة الشعراء، الآية 227].
إن هذا الذي يحدث في ساحات الوغى من تشريد، وتهديد في غزة، ومن تجويع وترويع، يحدث أكثر منه في تل أبيب، وحيفا، وكل أجزاء فلسطين المحتلة، فالخوف، والرعب، هما السائدان في مدن فلسطين المحتلة، والجميع يعيشون مثل الجرذان في الجحور، وصفارات الإنذار المدوية، هي أشبه ما تكون بأجراس بافلوف في علم النفس، التي تسيل اللعاب والعرق، وتصيب بالإسهال، الجبناء الرعاديد من بني صهيون.
وحيا الله المقاومة الإسلامية في كل من فلسطين، ولبنان، واليمن، والعراق، فقد لقنوا بصمودهم، وجنودهم، دروسا في الصبر والشجاعة للأعداء، وليست العبرة بقوة السلاح والعتاد، ولكن السلاح الأقوى، والعتاد الأقوم، هو سلاح الإيمان بالله، والإيمان بالقضية، والوعي بحتمية النصر، وذلك ما تميز به الثوار بقيادة هنية، والسنوار، وباقي الأحرار.
إن لكم -يا إخواننا المجاهدين- فيما قدمه أشقاؤكم في الجزائر لقدوة حسنة، وإن لكم فيما حققوه من نصر وكسب لمما يثبتكم على المبادئ، ويحفزكم على مواصلة الجهاد حتى النصر.
﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ﴾[سورة الروم، الآية 4-5].