تقلبات ما قبل انتهاء الجيل الثاني ل- عمار يزلي
ما يحدث هذه الأيام في بعض الدول الأوروبية وما قد ينجر عنها، قد ينذر بتحولات كبرى تُحضَّر على نار غير هادئة قبل 2030.
العدوان المستمر على غزة والضفة ولبنان، والمجازر الرهيبة التي هزت العالم الحر الفعلي، ولم ترجف لها عين رسمية في الغرب، لاسيما في الغرب الإمبريالي، يؤكد أن النخب الجديدة التي أنتجتها أوليغارشيات المال غير النظيف بالمطلق، من سلاح وتجارة الجنس، التي تمثّل التجارة الثانية في العالم بعد السلاح، والتي غالبا ما تهيمن عليها شركاتٌ أمريكية يهودية، كما هو الشأن في تكنولوجيات الاتصال والبث والاتصالات، يؤكد أن هذه النخب الجديدة، التي تسيّر العالم بذهنية المتاجرة لا الديبلوماسية والبراغماتية السياسية، ليس لقلة تجربة وخبرة، قياسا بجيل الكبار في الغرب من رؤساء وزعماء، ولكن أيضا لأنَّ المرحلة تطلبت ذلك: قيادات متذبذبة، واقعة بين أقصى اليمين ونصف اليسار، متضعضعة النفوذ، فاقدة للاستقلالية والسيادة تجاه الغرب الأمريكي الذي صار -ضمنيًّا- المهيمن الوحيد سياسيا واقتصاديا، وما الغرب الأوروبي إلا تابع لمتبوع، منجذب مطاوع.
يحدث هذا، والعالم يسير نحو تحول مذهل ومريع وفي اتجاهات غير منضبطة، قد تفضي إلى صراعات وحروب كارثية تفوق فظاعتها ما شهدته أوربا خلال حربين عالميتين.
انتقال عدوى صراع الشرق الأوسط الملتهب إلى أوروبا، هو نتاجٌ للعمى السياسي الغربي والتواطؤ مع عدوان الكيان، سرعان ما سرّع انفجار برميل البارود واللغم الموقوت ممثلا في هذا الطوفان المتنامي، والذي لا أحد اليوم يعرف مداه بعد خمس سنوات أخرى.
الديمقراطيات المنهارة في الغرب، صعود اليمين واليمين المتطرِّف، انهيار الاقتصاد والقدرة الشرائية المتمادي في إضعاف الحلقات الأكثر ضعفا لدى الطبقة الشعبية والموظفين والعمال، تضاف إليها الضغوط المهنية والاجتماعية المترتبة عن عدم اليقين والبطالة، قد يفضى إلى مواجهات داخلية، تغذيها أيُّ شرارة عنصرية أو هوياتية أو مطلبية: هذا الشأن، بدا واضحا من خلال الاضطرابات التي قد بدأت بوادرها تنتشر في الأوساط الشعبية بسبب تمادي الكيان الصهيوني في نقل أزماته وأحقاده وكراهيته تجاه الآخر، العربي المسلم، ولكن أيضا تجاه كل من هو غير يهودي، بالمعنى العامّ “غوييم”.. الأغيار.
لقد شاهدنا كيف جرى تصدير العنف والهمجية العنصرية الصهيونية إلى هولندا، ثم إلى فرنسا، ثم ستليها دول أخرى، وهذا تحت غطاء الرياضة والتسامح الرياضي.
اليمين المتنامي في الغرب، قد يغذي مثل هذه الصراعات، وقد تتحول أوروبا وأمريكيا أيضا، مهد الحضارة والعلم وحقوق الإنسان والعدالة، التي طالما تغنى بها العالم، إلى فضاءات لتمجيد الكراهية باسم الديمقراطية، ضد العرب والمسلمين والملونين ومن سار في ركبهم بشأن الإبادة وملف الهجرة، والإبادة الصهيونية في الأراضي المحتلة وفي لبنان، وانتشار الفكر المتطرف والصهيونية الدينية والتي تغذيها المسيحية الإنجيلية في الولايات المتحدة، خاصة مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض.
الهجرة، وعالم أقلّ عدلا وأكثر عنصرية وتفريقا، قد تكون حطب الصراعات المقبلة في الغرب اليميني، تضاف إليها أزمات العالم الاقتصادية والمالية، لاسيما مع الصراع الأمريكي الصيني مستقبلا، والذي سيكون أكثر عدة مما سبق في عهد الديمقراطيين.
في العالم العربي والإسلامي وفي القارة الإفريقية وأمريكا اللاتينية، لن نكون بعيدين عن هذه التحولات، إن لم نكن على مشارفها، وسنكون بحاجة إلى تشكيل حزام أمني حولنا ممثلة في الاستقلالية الغذائية والأمن الاقتصادي والتكتلات الاقتصادية الإقليمية، تماما كما تفعل بعض الدول العربية المرتبطة تاريخيا بالهيمنة الأمريكية دون غيرها: إنها الآن تبحث عن تنويع شراكاتها وحمايتها، بحثا عن استقلالية أكبر.
الرأي
تقلبات ما قبل انتهاء الجيل الثاني
عمار يزلي
2024/11/15