فضاءات جنين بورزق

جنين بورزق

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
حجيرة ابراهيم ابن الشهيد
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 3371.38
إعلانات


شخصان: أحلاهما مُرُّ--ل- اد - عبد الرزاق قسوم

أطفأت يد الله، أنوار الحلَبة الانتخابية الأمريكية، بعد أن شغلت العالم طيلة أسابيع، فقدمت للعقل الإنساني، صورة سيئة عن أدب الاختلاف السياسي، الذي تحول إلى منهج إسفاف رئاسي.
الانتخاب الذي هو في حقيقته حوار العقول والألباب، تحوّل عند هذين المتنافسين إلى شتم وسباب، ضاقت به ذرعا، أبسط قواعد الأخلاق والآداب.
نزل المتصارعان من الحلبة –إذن- أما أحدهما فقد كان باسِمَ الثغر، طلق المحيّى، يستعرض عضلاته السياسية، ويبرز شنباته الانتقامية.
وأما الأخرى، ذات الابتسامة الصفراء، والسحنة الدكناء، فقد كانت تجر أذيال الخيبة، وتعاني مرارة النكبة، جرّاء ما زرعه حزبها من صواريخ على العُزّل الآمنين من الفلسطينيين، وما زوّد به العصابات الصهيونية المعتدية، من طائرات ومسيّرات، لهدم المساكن على أهاليها النائمين.
وعلى نفسها جنت براقش، فقد ضُرب الحزب الديمقراطي الأمريكي، ضربة غريب الإبل القاضية، فهو يلعق جراحه، ويلملم أتراحه.
ويتطلع العالم نحو هذا العائد الجديد إلى البيت الأبيض، متجاوزا كل العقبات القضائية، ومستهينا بكل الفضائح المالية والأخلاقية.
ويتوجس العرب والمسلمون عموما، والفلسطينيون على الخصوص، خيفة من هذا الذي عُرف بقراراته الارتجالية في المشرق والمغرب على السواء، فلا يقيم وزنا لحقوق الشعوب، ولا يعير أي اهتمام للحق المطلوب.
لم نلطم الخدود أو نشق الجيوب على هزيمة المرشحة الديمقراطية، كما أننا لم نُفرغ الأقداح أو نُقِم الأفراح لانتصار المرشح الجمهوري، فالاثنان –في نظرنا- شخصان أحلاهما مُرّ.

بالرغم من كل النكبات والمحن، يستبسل أبطال غزة، وأبطال لبنان، في إلحاق الخسائر بالعدو المعتدي، ويكفي أن ننظر إلى واقع الكيان الصهيوني، وما يعانيه من خسائر في الأرواح، وما يتكبده كل يوم وكل ساعة من عتاد وسلاح. إن في كل هذا لعبرة، للمترددين من القادة العرب، إزاء المأساة الفلسطينية، وإن فيها لدرسا للأمريكيين، وقيادتهم الجديدة.

لقد عانينا من حزبيهما كل الأضرار، وما القدس وغزة إلا شواهد حيّة، لكل من يريد الاعتبار، فهل يتعظ العائد إلى البيت الأبيض من كل ما عاناه هو من ذل وانكسار، وما جناه الحزب الخصم له من اندحار، نتيجة سياسة العتو والاستكبار؟
يا أيها القائد العائد والموصوف بالمشاكس والمعاند: ستصطدم بواقع عالمي جديد، لم تألفه من قبل؛ دماء، ودموع، وهدم الربوع، وترويع للملايين من الجموع، وتهديد لهم بالخوف، والعطش، والجوع.. فهل ستتصامم عن بكاء الأرامل والمعذبين؟ وهل سيتثاقل عن تلبية مطالب المظلومين، المشردين؟ وهل ستتمادى في انحيازك الجائر للصهاينة الظالمين المعتدين؟
إننا نذكرك –يا فخامة الرئيس- بأن هذه العهدة هي العهدة التي ستكون شاهدة لك أو عليك، فإما أن يصحو ضميرك، فتصحح ما ساهمت فيه، وما أتمه غيرك من إفساد لمصائر البلاد والعباد، وإما أن تجد نفسك خارج التاريخ، ولن ينفعك يومئذ مال أو جاه، ولن يجديك الندم.
في الشرق العربي، حرب جائرة إبادية تُشنّ على الأبرياء، ولا ذنب لهم إلا أنهم يطالبون بحقهم في الحياة، أسوة بباقي الأحياء، فهل من العدل، إعانة المعتدين عليهم بمدهم بكل أنواع السلاح للقضاء عليهم؟ وهل تخلت أمريكا عن مبادئ الماهدين الأولين، من رافعي حقوق الإنسان والشعوب في الحياة، الذين بنوا لها مجدا، وجدّدوا لها عهدا؟
وكيف نفسر وقوف أمريكا اليوم، في ساحة المعركة، بتقديم الدعم العسكري للصهاينة المعتدين، واستخدام حق الفيتو في الهيئات الدولية لحجب كل اللوائح التي نطالب بمعاقبة الغزاة الإباديين؟
إن شعب غزة يُباد، وكل صيحاته وصرخاته في واد، والبنايات استحالت إلى رماد، ونفد الدواء، والغذاء، والماء والزاد.
لم نعد نخرج للشارع ليلا
لم نعد نحمل ظلا
لم نعد نمشي فرادى
لم نعد نملك زادا
لم نعد نفرح بالضيف إذا ما دُق عند الفجر باب
لم يعد للفجر باب
فهل بعد كل هذه الجراح، والمآسي، يتمادى الرئيس الأمريكي القائد، في اعتباره القدس عاصمة للغزاة المعتدين؟
وهل تسمح بقايا الضمير، بالتغاضي عما يعانيه بقايا شعب غزة، من تقتيل، وتدمير، وتهجير؟
وإلى حكامنا العرب، الذين هللوا لعودة الرئيس الأمريكي، وأعربوا عكس إرادة شعوبهم، بالإعلان عن الفرحة، هل يشفع لهم هذا، في إيقاف الحرب الإبادية الظالمة، المسلطة على جزء عزيز من شعبهم؟ ألا تتحرك فيهم النخوة العربية، والقيم الإسلامية، والنزعة الإنسانية، لاستخدام ما يملكون من وسائل إثبات الوجود؟ أليسوا واعين، بأنهم يملكون من العتاد العسكري، والمخزون الطاقوي، والرصيد المالي، ما يمكِّنهم من فرض وجودهم؟
وفي ما يجود به، المقاومون الإسلاميون في غزة وفي لبنان، وفي اليمن وفي العراق، ما يكفي لاستنهاض العزائم والهمم، وشحذ الإرادات، والدفع ببقايا المسؤولين، إلى ما يمكّن من فرض وجودنا بين الأمم.
وبالرغم من كل النكبات والمحن، يستبسل أبطال غزة، وأبطال لبنان، في إلحاق الخسائر بالعدو المعتدي، ويكفي أن ننظر إلى واقع الكيان الصهيوني، وما يعانيه من خسائر في الأرواح، وما يتكبده كل يوم وكل ساعة من عتاد وسلاح. إن في كل هذا لعبرة، للمترددين من القادة العرب، إزاء المأساة الفلسطينية، وإن فيها لدرسا للأمريكيين، وقيادتهم الجديدة.
إنّ ضرورة إيقاف الحرب في غزة، واجب تمليه المصلحة الأمريكية، قبل الضرورة الإنسانية، فالنزيف الذي تعانيه الميزانية الأمريكية سبب الحرب الدائرة في غزة، يحتم على كل عاقل أمريكي أن ينقذ الدولار الأمريكي من معاناة الحرب.
وسوف لن يغفر الأمريكيون لبايدن، ما ألحقه من خسائر بالمال، والإعلام، والنفوذ الأمريكي، سبب دعمه الأعمى لليمين الصهيوني المتطرف.
لذلك مطلوب من الوافد الجديد على البيت الأبيض الأمريكي، أن كان يريد إنقاذ أمريكا مما هي فيه، أن يبدأ صفحة جديدة في العلاقات الدولية عموما، وفي العلاقات العربية الإسلامية خصوصا؛ عليه أن يبدأ بتصحيح الأخطاء التي ارتكبتها بلاده ضد المظلومين.
مهما تكن السياسة الأمريكية التي سوف يطبّقها الرئيس المنتخب من جديد، فإن التاريخ قد حسم في المعركة، وأن الحق قد انتصر على الباطل، بالرغم من تدجيجه بالسلاح.
ولا ينقذ أمريكا والغرب، إلا الرجوع إلى الحق، والرجوع إلى الحق فضيلة، بإعادة الحقوق إلى أصحابها، والتمكين للدولة الفلسطينية، بقيادة المخلصين من أبنائها، وأن الأعمال بالخواتم، فليس العيب أن يخطئ الإنسان، ولكن العيب، كل العيب، أن يستميت في الخطإ، فالحق يعلو ولا يعلى عليه.

الرأي

شخصان: أحلاهما مُرُّ

عبد الرزاق قسوم

2024/11/13


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة