في الذكرى السنوية لثورة التحرير الجزائرية كتب الشيخ الدكتور علي محمّد الصَّلابي مقاله الجديد بعنوان: “تحرير الجزائر .. صمود شعب وصبرٌ طويل على درب الاستقلال”
الرأي
في الذكرى السنوية لثورة التحرير الجزائرية كتب الشيخ الدكتور علي محمّد الصَّلابي مقاله الجديد بعنوان:
“تحرير الجزائر .. صمود شعب وصبرٌ طويل على درب الاستقلال”
علي محمد الصلابي
2024/11/01
بدأت مقاومة الشعب الجزائري الباسل ضد المستعمر الفرنسي، منذ نزول الجيش الفرنسي سواحل الجزائر، وتحديداً بسيدي فرج يوم 14 جوان 1830م، حيث بدأت في هذا اليوم مسيرةالنضال الكبير والكفاح المرير والجهاد العظيم للشعب الجزائري، والذي توارثته الأجيال، منذ دخول المحتلين الفرنسيين إلى بلادهم، وأصبحت الأجيال تسلم راية الجهاد لبعضها على التوالي، فكان جهاد الشعب الجزائري شاملاً وعظيماً.
قرر الفرنسيون انتهاج سياسة احتلال الجزائر وترسيخ السيطرة الفرنسية بكافة جوانبها وعلى جميع الصعد، فاتبعوا سياسات استعمارية ظالمة عمدت إلى تجريد الجزائريين من أراضيهم والسيطرة على ثروات البلاد، ونهب ممتلكات المواطنين وأموالهم، وتسخير الجزائريين كخدم وعبيد للمحتلين، فأصبحت الفوضى عارمة والدمار شاملاً، وممارسة العنف على أشده.
ولم تهدأ المقاومة الجزائرية ضد فرنسا، وذلك رغم الأساليب الوحشية والقمعية التي اتبعتها السلطات الفرنسية في قمع حركات الثورة والتمرد، فسرعان ما بدأ الجزائريون بالنضال المسلح ضد المستعمرين، وذلك بعد عام واحد من بدء الاستعمار حيث قامت ثورة سيدي السعدي عام 1831م، ثم تتالت الثورات كثورة ابن أبي مزراق وابن زعموم. ثم ثورة الأمير عبدالقادر الجزائري التي امتدت لسنوات وكبدت المحتل الفرنسي خسائر فادحة، ولم تنتهِ حتى تم نفي الأمير خارج الجزائر عام 1847م، وتعد ثورة الأمير عبدالقادر نقطة تحول هامة في تاريخ مقاومة الشعب الجزائري، حيث انتقلت بالنضال الشعبي من الحالة المحليّة إلى الحالة الوطنية.
لم تتوقف الثورات بعد مغادرة الأمير للبلاد، وكان من أشهر هذه الثورات ثورة الزعاطشة، وبوبغلة، والشريف محمد بن عبد الله بورقلة، وثورة الصبايحية وقبيلة النمامشة والصادق بلحاج، ومحمد بوخنتاش الباركتي، وأولاد سيدي الشيخ وثورة بوشوشة، محمد بن تومي بوشوشة وثورات المقراني والشيخ الحداد، وثورة واحة العمري وانتفاضة الأوراس وثورة أبوعمامة.
واستمر الحال على ذلك حتى بداية القرن العشرين، حيث تغير أسلوب النضال، فبدأ رجال النخبة في الجزائر يتحركون ويتحالفون ضد إدارة الاحتلال ودسائسها في بلدهم، وذلك على المستوى الوطني وطالبوا بإلغاء القوانين الظالمة والتعسفية، فطالبوا بالمساواة في دفع الضرائب، والمساواة في التمثيل السياسي بالمجالس المحلية والبرلمان الفرنسي.
ومع بداية الحرب العالمية الأولى دخلت الجزائر في مرحلة جديدة من تاريخها الحديث، فتأسست الحركات والمنظمات السياسية والأحزاب المتنوعة، وبدأ الحراك الشعبي الإصلاحي في الجزائر بقيادة العلماء، وعلى رأسهم الزعيم الوطني الشيخ عبد الحميد بن باديس، الذي أسسجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، فبدأ هذا الحراك الشعبي الذي قادته هذه الجمعية وغيرها في شق طريقه وسط الظلام الدامس والظلم الواقع على الشعب الجزائري، لتمهيد الطريق لوعي جماهيري، ونضال مرير وكفاح شاق وجهاد أسطوري، وتضحيات بالأرواح والأنفس والأموال، وتوجت تلك الجهود والأعمال بثورة عارمة نادرة في تاريخ البشرية، قضت على الوجود العسكري والسياسي الفرنسي بالجزائر، بقيادة جبهة التحرير الوطني الجزائري.
كان الشعب الجزائري عصياً على مناهج المستعمرين وسياسات “الفرنسة”، والتي استخدمت فرنسا فيها كل الوسائل لإذابة الهوية الإسلامية، ولكنها فشلت فشلاً ذريعاً، وقد كتب أحد المسلمين الجزائريين رسالة إلى الحاكم العام ذات يوم، وهو يعبر عن الشعور الحقيقي لأغلبية الجزائريين، حيث قال: إننا نفضل أن نحرق نحن وأطفالنا على أن نصير فرنسيين.ومع ازدياد المقاومة الجزائرية بكافة أشكالها، ضيق الاحتلال الفرنسي في الجزائر الخناق على الشعب الجزائري، فوجد الجزائري نفسه دائماً مضطراً إلى الاختيار بين الهجرة إلى الخارج والعيش في المنفى، أو أن يعيش في زنزانة مغلقة مادام يطالب بحقوقه وكرامته.
وفي يوم الثامن من ماي 1945م، بدأت مرحلة تاريخية مفصليّة في الذاكرة الجماعية للشعب الجزائري، فقد تعرض الجزائريون في ذلك اليوم الدموي لإبادة جماعية دشنتها فرنسا الاستعمارية ضد مظاهرات الشعب السلمية، حيث أعلن الجزائريون في تلك المظاهرات أن زمن العبودية قد ولىّ وأن عصراً جديداً قد أطل في أفق الجزائر، فاستخدم العدو كل الأسلحة البرية والطائرات والبوارج الحربية ونسفوا المباني وأحرقوا المشاتي، وقتلوا 45 ألف شهيداً في ضحايا الأسبوع الدموي، واعتقلوا زعماء الحركة الوطنية والألوف من المواطنين.
اقتنع الشعب الجزائري عندها أن طريق النضال السلمي للوصول للحقوق أصبح مسدوداً ومغلقاً، ولا طريق للحرية ونيل حقوقهم المسلوبة إلا بالسلاح والسلاح وحده، وبذلك أصبحت دعوة الكفاح المسلح تجد سبيلها في أوساط شباب ما بعد الحرب العالمية الثانية، واقتنع الشعب بأن الحرية لا توهب ولا تهدى ولكن تنتزع انتزاعاً من الطغاة المستعمرين، وتروى شجرتها الزكية بدماء الأحرار.
وقد مهدت تلك الأحداث الدموية وتكرار حملات القمع الوحشية التي مارستها السلطات الفرنسية، لقيام “ثورة التحرير الجزائرية” أو “حرب الاستقلال الجزائرية” عام 1954م، والتي قادتها جبهة التحرير الوطني الجزائرية، لتستمر هذه الحرب سبع سنوات، وقد ساند الشعب الجزائري الثورة، وقدم فيها التضحيات العظيمة لاسترداد الحرية والكرامة وتحقيق الاستقلال، وواصل كفاحه رغم تفنن الاستعمار الفرنسي في تعذيب الجزائريين طوال سنوات الثورة السبعة، حيث كانت سياسة فرنسا ضد الثوار والشعب قاسية جداً وطاغية وشرسة ومدمرة، ولكن قادة جبهة التحرير مع الدعم الشعبي الكبير صمدوا وسببوا للسلطات الفرنسية المشاكل السياسية والاقتصادية وألحقوا بها الهزائم العسكرية.
فاضطرت فرنسا بعد الخسائر الاقتصادية والعسكرية وسقوط حكوماتها بسبب الثورة الجزائرية أن تدخل في مفاوضات مع الحكومة الجزائرية المؤقتة في عهد الجنرال ديغول، وكانت شاقة وعنيفة، ومرت بمراحل صعبة انتهت بإقرار حق الشعب الجزائري في تقرير المصير واتفاقيات إيفيان. وتم إجراء استفتاء تقرير المصير حيث صوّتت الأغلبية الساحقة من الشعب الجزائري على الاستقلال، وأعلنت النتائج الرسمية يوم 3 جويلية 1962م،واعترفت فرنسا باستقلال الجزائر في 19 مارس 1962م، وقامت جبهة التحرير الجزائرية بإقرار 5 جويلية عيداً للاستقلال الجزائري.
لقد نجحت الثورة بفضل الله تعالى أولاً، وتعاليم الإسلام التي ساهمت في الدفع المعنوي والزاد الروحي لتحقيق هذا النصر العظيم، ثم وعي الجماهير الجزائرية وصبرها وتضحياتها، والتي بلغت أكثر من مليون شهيد خلال ثورة الاستقلال، وأكثر من خمسة مليون شهيد منذ بداية الاستعمار.
رحم الله شهداء الجزائر وعلماءها وقادتها وأبطالها، ومن ناصرهم وساندهم وحمل رسالتهم المقدسة في تحرير الشعوب. ونسأله سبحانه كما نصر الشعب المسلم في الجزائر أن ينصر جميع الشعوب المسلمة التي تناضل من أجل حريتها واستقلالها وكرامتها في شتى بقاع العالم الإسلامي، وعلى رأسها فلسطين الحبيبة.
لمزيد من التفاصيل انظر:
علي محمد الصلابي، كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي، ج3، ط1، دار ابن كثير، دمشق، 2017. ويمكنكم تحميل الموسوعة من الموقع الرسمي:
الجزء الأول : سيرة الأمير عبد القادر: http://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/21
الجزء الثاني : سيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس: http://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/22
الجزء الثالث : من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي: http://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/23
كما يمكنكم تحميل الكتب من القناة الرسمية على قناة التلغرام: https://t.me/alsallabi
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.