نحتفل اليوم بذكرى مرور سبعين سنة على ثورة تحريرية وطنية قومية غيّرت خارطة جزء كبير من القارة الإفريقية والعالم، وفتحت الأبواب أمام حركات التحرر في العالم لاستلهام هذا الأنموذج الثوري التحرري الوطني القومي بعد احتلال ومقاومات غير منقطعة منذ أن دنّست أقدام الاحتلال الفرنسية هذه الأرض في 5 جويلية 1830.
سبع سنوات ونصف سنة من الجهاد المسلح، ضد مئات الآلاف من العساكر المسلحة بكل أنواع أسلحة الحلف الأطلسي، بأسلحة بدأت بدائية وانتهت بجيش تحرير منظم مسلح بكل أنواع الأسلحة الفردية والمعدات التفجيرية والقاذفات المضادة للدبابات والأسلاك الشائكة على الحدود الشرقية والغربية. ثورة ما كان لها أن تنفجر ثم تلتهب لتشمل كل جهات الوطن: ثورة احتضنها الشعب ولقي جزاء ذلك كل الويلات والدمار في الأرياف والقرى والمدن.
نحتفل اليوم بذاكرة ثورة أول نوفمبر 54 المجيدة، والعالم العربي والإسلامي يثور من جديد في وجه الصَّلف الصهيوني والاستكبار العالمي، والسكوت الغربي والتواطؤ المريب والتخاذل الرسمي: ثورة شعبية تحريرية مستلهمة لكل ثورات التحرُّر حيثما حل الاستعمار وحيثما ارتحل فيما بعد: ثورة 7 أكتوبر التحريرية المتمثلة في “طوفان الأقصى”، هي أقسى وأقصى ثورة بعد نكبة 1948، وذروة سلسلة الانتفاضات الثورية التي عرفتها فلسطين منذ أن دنَّست أرض قدس الأقداس بأقدام هذه العصابات المحتلة قبل 75 سنة.
70 سنة تمرُّ على انفجار لغم ثورة التحرير الذي كان يحضَّر له عمليا منذ عشرات السنين ومنذ الاحتلال: في كل مرة كان تخمد فيه مقاومة، كانت تقوم أخرى لترفع الراية الخضراء الجهادية، ولم ولن ترفع الراية البيضاء. ثورات وانتفاضات شعبية منظمة وعفوية وفردية أحيانا، في شكل تواصل، حتى في أحلك الظروف: كانت المقاومة تبدّل وتغيّر استراتيجياتها عند الضرورة، تغيّر من قواعد المقاومة، لكن فكرة المقاومة والثورة والجهاد، بقيت تسري في دم الجزائريين وعروقهم على مر قرن ونيّف، تراكمات، تهدأ ثم تشتعل جذوتها، ولم تنطفئ قطّ، إلى أن جاء موعد الانفجار الأكبر، على أصوات الله أكبر، في ذروة التراكم الذي سيؤدي حتما حسب قانون “التراكم الكمي”، إلى “تغير كيفي”، فكان أول نوفمبر 1954، وكان بيانه الشهير وكانت أول العمليات الفدائية المعلنة عن بدء “طوفان” سينقذ الشعب المقاوم ويُغرق الاستعمار في ظرف سبع سنوات ونصف سنة.
نحتفل اليوم بذكرى مرور 70 سنة على هذا الحدث الذي سيغيّر مجرى التاريخ والجغرافيا لكثير من الشعوب التي بدأت تثور ضد الهيمنة الغربية الاستعمارية، بداية من الخمسينيات مع ثورة الضباط الأحرار في مصر في 23 يوليو 1952، والتي ستجد فيها الثورة الجزائرية نعم الدعم والسند التمويلي والسياسي والإعلامي، لتلتحق بها ثوراتٌ شعبية أخرى ضد الأنظمة الملكية صنيعة الاحتلال في كثير من الأقطار العربية والإسلامية، ثم حركة تحرُّر إفريقية جنوبا وشرقا وغربا، أرغمت فرنسا على منح استقلال، ولو جزئي وصوري لها أحيانا، فقط لكي تتفرغ لـ”حرب الجزائر” كما كانت تسمّيها، تماما كما فعلت في فيتنام سنة 1954، بعد هزيمتها على يد المقاومة بقيادة الجنرال “جياب” في معركة “ديان بيان فو” الشهيرة، إذ اضطرت فرنسا المهزومة إلى أن تنسحب من فيتنام وتترك خلفها الشريك الأمريكي لمواصلة العدوان، إلى يوم التحرير والجلاء التام فيما بعد، بعد ثورة وحرب مروِّعة قادها شعب فيتنام البطل. هزيمة مقابل بحث عن فوز، لم يجرّ لفرنسا والاستعمار إلا للهزائم.. كما سيُهزم الجميع في فلسطين ويولّون الدبر.
الرأي
70 على 54
عمار يزلي
2024/11/01
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.