هل نحن حقا أمة؟ -ل-أ-د- عبد الرزاق قسوم
أنعم الله على صديقنا العزيز الأستاذ الدكتور أحمد بن نعمان ومتعه بالصحة، إذ كان، هذا الذي ألهمه الله، منذ سنين خلت، إلى وضع كتابه المثير للجدل، والذي اختار له عنوان: “هل نحن أمّة؟”.
أستسمح –اليوم- الصديق العزيز، في أن أستعير منه هذا العنوان، مع تعديل بسيط، لأشخِّص من خلاله، واقع أمتنا العربية والإسلامية.
لئن استلهم المؤلف، عنوان كتابه، من واقع مثقل، آنذاك، بمكوِّنات معرفية، ومن تحديات إيديولوجية تتعلق بالانتماء إلى الهوية، فإن اختلاف السياق، وانسداد الآفاق اليوم، يجعلنا، نطرح العنوان من واقع أخطر، هو خطر حرب الوجود التي تشنُّها علينا عصابات الصهاينة اليهود.
ولئن كانت تحديات الأمس المتعلقة بالهوية، هي مقدمات سليمة لما نحصده اليوم من نتائج وخيمة، فإن أمتنا العربية، تمتحن اليوم في كينونة وجودها، وحصانة حدودها، وسلامة مواثيقها وعهودها.
ذلك أن حرب الابادة، بكل ما ينتج عنها، من هدم، وتشريد، ومن تجويع وترويع، والتي تتواصل في فلسطين، وفي لبنان، منذ ما يزيد عن السنة، قد غيّرت كل المفاهيم.
لقد انقسمت الأمة العربية، ومعها الأمة الإسلامية، إلى مذهبين اثنين، لا ثالث لهما، هما مذهب الجهاد والمقاومة، ومذهب التطبيع والمساومة.
ونحن أمام من يستبسل، ليجود بنفسه، لصدِّ العدو عن الغزو، واحتلال الحدود، وبالمقابل من يساند العدو، في الخفاء والعلن، فيقدِّم له الدعم والمؤن، والمطالبة بـ”الجهاد بالسنن”، بدل الاستشهاد وصدّ كل أنواع المحن، ما ظهر منها، وما بطن.
وهكذا، لم يقتصر الصهاينة المتوحشون في حربهم القذرة، على إخراج الغزاويين من ديارهم وأرضهم، بل راحوا يتحَدَّوْن أمة المليار ونصف مليار، في وجودها الروحي، ومحاولة تغيير قبلتها المقدسة عن الدين الصحيح، إلى الشرك القبيح.
يحتدم الصراع –إذن- بين أهل الحق الثابتين الصامدين، وبين المعتدين الوافدين، فأما الأوّلون، فهم في كنف الله، تساندهم الشعوب والجماهير العربية والإسلامية والإنسانية، في كل بقاع الأرض.
وأما الفئة الباغية، من شذاذ الآفاق، فإنها تستمد عون باطلها، من الدول الاستعمارية التي عانت الإنسانية من بطشها وجبروتها، في الفيتنام، والهند الصينية، والجزائر، وأفغانستان، والعراق، وغيرها، فهي تقدّم للمعتدين الصهاينة، العتاد، والسلاح، والزاد، والتأييد والمساندة، والفيتو، وما يؤلمنا حقا، ويفت في عضدنا، هو وقوف أنظمة أمتنا العربية والإسلامية، إلا قليل منهم، في صف المعتدين، على حساب إخوانهم المظلومين.
فهل نحن –حقا- أمة؟ وهل نحن خير أمة، كما وصفنا القرآن؟ وأين نحن –إذن- من تعليمات الله الصريحة والفصيحة في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾[سورة المائدة، الآية51]؟
وإذا كان من علامات وجود الأمة وخيريتها، تميُّز علمائها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكيف نفسّر، في واقع حرب غزة، معاداة بعض علماء الأمة للحق، ونصرتهم للباطل؟ ألا ساء ما يصفون!.
لقد ابتُليت أمتنا –وهذه هي الطامة الكبرى- بأشباه العلماء، الذين يفتون بجواز التطبيع، ويبرّرون لمن يقوم بحرب الترويع والتجويع، ويتشفّون في المجاهد الشهيد البطل، وإن هذا –والله- لأمر فظيع!
إن الأنظمة السياسية المعادية لإرادة شعوبها وطموحات أمتها، وإن علماء هذه السلطة، الذين عتوا عن أمر ربهم، وخالفوا إرادة شعوبهم، هم من شوّهوا ولا يزالون يشوّهون قضية الإسلام العادلة، ويقدّمون عن ديننا الحنيف صورة مشوّهة عن عدله، وإنصافه، ونصرته للحق ﴿فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا﴾؟[سورة النساء، الآية78]، فهل من الإسلام الشماتة بالشهيد والمجاهد؟ ﴿وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾[سورة النساء، الآية95].
ألم يأمر الإسلام بتجهيز الغازي في سبيل الله؟ ألم يأذن الإسلام بالقتال للذين أخرِجوا من ديارهم بغير حق: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِير، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ﴾[سورة الحج، الآيتان39-40].
إن الأنظمة السياسية المعادية لإرادة شعوبها وطموحات أمتها، وإن علماء هذه السلطة، الذين عتوا عن أمر ربهم، وخالفوا إرادة شعوبهم، هم من شوّهوا ولا يزالون يشوّهون قضية الإسلام العادلة، ويقدّمون عن ديننا الحنيف صورة مشوّهة عن عدله، وإنصافه، ونصرته للحق ﴿فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا﴾؟[سورة النساء، الآية78]، فهل من الإسلام الشماتة بالشهيد والمجاهد؟ ﴿وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾[سورة النساء، الآية95].
أليس من المؤلم حقا، أن ترى هؤلاء الولاة وعلماء الولاة، يشوّهون صورة الأمّة، وينقلون مكانتها، من العزة، إلى الذل؟
إن حرب غزة، ولبنان، أمرها بيد الأمة العربية الإسلامية، وليس بيد أمريكا أو الصهيونية؛ فلو توحدت كلمة الأمة العربية والإسلامية، وطبّقت ما تعاهد حكامها عليه، من تضامن، وتوافق، ونصرة للمظلوم، ومقاومة للظالم، لو توحّدت كلمتهم على هذه المبادئ، وتقدّموا بكلمة واحدة إلى الأمم المتحدة، وإلى مجلس الأمن، مطالبين بوقف الحرب على غزة ولبنان فورا، ومهدّدين بسحب سفرائهم من عاصمة كل دولة، تقف مع الحرب ضد العدوان، إنهم لو فعلوا هذا، لتوقَّفت الحرب الظالمة، من زمان، ولأعيد الصهاينة إلى حجمهم الحقيقي، لكنّ تخاذل الأمة، وتواطؤ العلماء مع الباطل، وخيانة أولي الأمر لرعيتهم بعدم الوقوف مع الحق، إن هذا هو الذي أطال عمر الحرب، وشجّع المعتدين الصهاينة على التمادي في طغيانهم وعربدتهم.
ولحسن الحظ، فإنه بالرغم من كل هذا العتوّ والطغيان، من جانب العصابات الصهيونية ومن شايعهم من أعدائنا وأشقائنا، بالرغم من كل هذا، فإن الهزائم تلو الهزائم، ما فتئت تلحق بالمعتدين ﴿ذَٰلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ﴾[سورة الأنفال، الآية18]، وهذا ما يفسّر بعد الضربات المؤلمة التي تلقاها الصهاينة على أيدي جنود حزب الله، وكتائب القسام، وسرايا القدس، وباقي فصائل المقاومة، وهي التي جعلتهم يتودّدون اليوم بالمطالبة بوقف القتال، لكن وفق الشروط الإسرائيلية.
ألا فليحذر دعاة التطبيع ومن شايعهم من العلماء والمرجفين، من أن النصر سيكون في النهاية لأصحاب الحق، وأن الهزيمة ستحيق بأهل الباطل.
قل للسياسات العجاف غباء حمى الوطيس وأنت لستِ كفاء
المارد العربيّ يلقي درسه قل للعروبة تحسن الإصغاء
ما اليوم يوم البائعين مدادهم اليوم يوم الباذلين دماء.