قالوا عن إسماعيل هنية، بأنه وصوليّ، يعيش في فنادق خارج التصنيف، يتذوّق “الدولار”، ويذوِّق شعبه الموت، وحرّموا الترحُّم عليه، بعد أن ارتقى لملاقاة خمسين من أهله، ارتقوا قبله بين ابن وحفيد، وقالوا عن حسن نصر الله، إنه “رافضي”، قتل مسلمي سوريا، ونكّل بسيرة الصحابة وأمهات المؤمنين، وقالوا عن يحيى السنوار إنه تسبَّب في مقتل قرابة خمسين ألف فلسطيني وتدمير قطاع غزة بالكامل، فأعاده إلى القرون الحجرية.
وهاهم الآن ينتقلون إلى شخص الناطق الرسمي باسم كتائب القسام أبي عبيدة، الذي ما عرفنا عنه وما سمعنا سوى كلام البطولة المعجون بآيات قرآنية وأحاديث شريفة، وسيشهد التاريخ بأن أبا عبيدة لم يذكر شخصا ولا بلدا من المنتمين للأمة الإسلامية بسوء، بالرغم من أن بعضهم شارك في الإبادة الشاملة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني منذ السابع من شهر أكتوبر من السنة الماضية.
نشعر أحيانا بأن مصّاصي الدماء من الخونة هم أحرص على القضاء على أهل فلسطين ولبنان من الصهاينة أنفسهم، فكل الدماء التي سالت وتعاطوا نخبها إلى حدّ الثمالة، ما أثارت نشوة السُّكر لديهم، وتراهم في كل مرة مثل حطب جهنم يصرخون: هل من مزيد؟
وتناولُ شخص أبي عبيدة في حصص تلفزيونية في قنوات عربية بهذا الزخم والتركيز، وتمني الشرّ له والتكهُّن بنهايته، وزعم النصح له بالهروب إلى مصر، يدلّ على أن هذه الحرب ليست بين العرب والصهاينة فقط، وإنما حطبها الأخطر والأشرس، هم طائفة المتصهينين، وهي واحدة من أخطر طوائف النفاق والخيانة التي عرفها المسلمون في كل عصورهم.
محزنٌ أن بعض الفضائيات الصهيونية صارت تقدّم صورا وخطبا عن ابتهاج بعض العرب، كلّما استشهد أحد صقور المقاومة، وبلغ الأمر أن قامت قناة تلفزيونية إسرائيلية بترجمة حرْفية من العربية إلى العبرية، لشيخ دين مسلم، كان يكفّر أهل المقاومة جميعا ويعتبر ما يقومون به “إرهابا”، ولخّص ترجمة الخطبة بالقول إن “ما تقوم به الآلة الصهيونية هو خدمة للعالم بأسره وأوّلهم أهل الإسلام”.
يروى في كتب السيرة أن الفاروق عمر بن الخطاب، زار مرة أبا عبيدة بن الجراح في بيته في عزّ انتصارات الفتوحات الإسلامية، فرأى بيته المكوَّن من حجرة واحدة، من دون أثاث ولا طعام، إلا سيف معلّق عليه كيس من شعير، فقال له عمر: أنا ضيفك اليوم أكرمني بضيافتك، فبحث أبو عبيدة في بيته، ولم يجد إلا كسرة خبز وماء.. فسأله عمر: أهذا طعامُك؟ فردّ عليه أبو عبيدة :إنما هي أيام ونمضي، فبكى عمر وقال: كلّنا غيَّرتنا الدنيا إلا أنت يا أبا عبيدة.
وهاهو أبو عبيدة غزة العزة، في عصر الخذلان، من دون فراش ولا أثاث، من دون طعام ولا شراب، ولا كسرة ولا ماء، ما غيّرته الدنيا، ينتظر كما انتظر إخوانه النصر أو الارتقاء، ومع ذلك يتمنَّى له عملاءُ الاحتلال الرحيل.. قبل الرحيل.
الرأي
إلا أنت يا أبا عبيدة!
عبد الناصر بن عيسى
2024/10/25
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.