هل أصبحت غانية لعوبٌ أشرف من بعضنا وأكثر نبلا؟ل-محي الدين عميمور
أستطيع القول إن أغلبية جزائرية كبيرة، وهي تتلقى نبأ استشهاد يحيى السنوار، تذكرت على الفور استشهاد المجاهد الجزائري عميروش آيت حمودة، الذي ارتقى مع زميله المجاهد سي الحواس في 29 مارس 1959.
ولم يكن ذلك لمجرد أن كلا منهما استُشهد وسلاحه في يده بعد أن أذاق العدوّ مرارة الخيبة وذُلّ الهزيمة أكثر من مرة، بل أيضا لأن الصور التي بثها الاحتلال عن جثمان كل من عميروش والسنوار كانت صورا متشابهة، فيها تجاهل للقواعد الإنسانية في التعامل مع جسم متوفى لا يملك إمكانية الدفاع عن نفسه، وفيها الكثير من الحقد الذي يتناقض مع شرف أي دولة تحترم نفسها.
والواقع هو أن الظروف التي استشهد فيها “أبو إبراهيم” في اليوم الحادي عشر من الذكرى السنوية لانطلاق “طوفان الأقصى” كانت، في الدرجة الأولى، هزيمة للكيان الصهيوني ولكل من يدعمه بالسلاح والمال والأغذية والوقود، بل وبالتشجيع المباشر، أو الخجول، إن كان في الدياثة السياسية خجل.
وعبر 376 يوم بلياليها، فشلت المخابرات الإسرائيلية بكل عُدّتها وعَدَد خبرائها وما كان يتردد عن خبرة عناصرها، بالإضافة إلى مساهمة وسائل الاستطلاع الأمريكية، فشلت في الإيقاع بالرجل الذي درس العقلية الصهيونية وطاف في دهاليزها وتعرّف على ممارساتها ثم خطّط لـ”طوفان الأقصى”، وأطلق كتائب “القسام” بأسلحة قتالية بسيطة، فدّمرت أسطورة إسرائيل كمارد نوويّ عبقري لا يُقهر، وأثبتت للعالم أن المقاومة هي كل الشعب وليست مجرد فصيل محدود، وهو ما أكّدته عملية الإبادة الجماعية التي انطلقت بها القوات الصهيونية في قطاع غزة، إذ أصبح عدد القتلى والمصابين يتجاوز مائة وخمسين ألف، وكان استهداف المدنيين، والأطفال بوجه خاص، هدفا نذلا لم يعرفه تاريخ الحروب.
وهكذا، تأكّد أن الصهيونية أسوأ من النازية وأكثر منها إجراما ووحشية ونذالة، وأن الجيش الإسرائيلي هو جيش “قاتل” لا يستحق لقب جيش “مقاتل”، وأن جلّ الانتصارات التي حققها الكيان منذ القرن الماضي كانت بتواطؤ دوليّ اعتمد أساسا على ضعفنا وتشتّت صفوفنا.
وهكذا ساهم الشمال الصهيو عبراني، في إطار النظام الدولي الظالم الذي اعتُمد في غيابنا، بتعبير الرئيس هواري بومدين، بالتآمر على كل بلد عربي يحاول أن يرفع رأسه ليضمن حق العيش الحر الكريم لمواطنيه، وبدعم أنظمة كان الدور المطلوب منها تمويل مصانع الأسلحة والمعدات الحربية، مقابل سكوت الشمال عن تناقضها مع أبسط حقوق الإنسان، وبخلق الصراعات الطائفية والمذهبية والعرقية في كل مكان.
وكانت نكتة القرن الواحد والعشرين هي إنشاء “داعش” التي اختفت بقدرة قادر منذ السابع من أكتوبر 2023.
والمهمّ هو أن القوات الصهيونية فشلت طوال عام كامل في القبض على يحيى السنوار، برغم أنها استعانت بكل الوسائل التكنولوجية التي يوفرها الشمال الصهيو- عبراني لقاعدته المتقدمة، وقبل هذا كله فشلت في اختراق المقاومة الفلسطينية فلم تجد فردا واحدا يجرؤ على أن “يبيع” إخوة له صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
وكان هذا فضيحة كبرى لأهم المخابرات العالمية كما تُصوّر نفسها، إذ أنها، باعترافها، لم تنجح في اصطياد عميل واحد من أبناء مقاومة وطنية كان شعارها “ألله أكبر”، ولم تتمكن من العثور على خائن واحد في صفوف مجاهدي “غزة”، وذلك بعد أن فشلت في العثور على الأسرى الذين تحتجزهم المقاومة، ناهيك عن تحريرهم.
ويضاف إلى تلك الفضيحة ثبوت كذب الدعاية الصهيونية التي كانت تشيع أن القائد الفلسطيني هو مختبئ في الأنفاق، وبأنه يتخذ من المدنيين، بل ومن الأسرى، دروعا بشرية.
ولأن الفضيحة كانت مُذلّة للغرور الصهيوني، فلا أستبعد أن يجري في المدى المتوسط فبركة إشاعات تدّعي أن كل ما نُشر كان يهدف إلى التستُّر على الوسيلة “العبقرية” التي وصلت بها القوات الإسرائيلية إلى يحيى السنوار، كما حدث مع الرئيس صدام حسين.
وأتذكّر تعبيرا سمعته يوما من الجنرال الفيتنامي “جياب” قال فيه إن “الاستعمار تلميذٌ غبي”، لكن الاستعمار الاستيطاني أثبت بأنه أكثر غباء لأنه كان أكثر عنادا.
ومرت أمامي صور أحداث عرفتها الثورة الجزائرية، كانت دروسا لا يمكن أن يتجاهلها إلا تلميذ غبي.
وكان من بين الدروس اغتيال أب الثورة الجزائرية الشهيد مصطفى بن بولعيد، الذي ارتقى شهيدا في 22 مارس 1956 بتفجير جهاز إذاعة جرى تسريبه إليه كغنيمة حرب فرنسية، وكان تصور القيادة الفرنسية أن تصفية قائد منطقة “الأوراس” التاريخية سيكون بداية تصفية الثورة الجزائرية التي اندلعت أولى شراراتها في أول نوفمبر 1954.
أخطر ما في الأمر هو أن هناك مخططا يريد لنا أن نخجل من عروبتنا ونحن نقرأ أن فنانا بريطانيا هو روغر ووترز، الموسيقيّ الإنجليزيّ والمؤسس المشارك لفرقة “الروك” الشهيرة (بينك فلويد)، يقول إن “إسرائيل دولة إبادة مقززة، أكثر ممّا يمكن تصوّره”، في حين يعلن عربيّ مسلم، أو المفروض أنه كذلك قبل خرافة الدين الإبراهيمي، فرحته باغتيال السنوار، ويقول حرفيا في تغريدة منشورة بجوار صورته: “فرحتنا اليوم كبيرة جدا بهلاك السنوار، تهانينا لكل عربيّ ومسلم في مشارق الأرض ومغاربها!”.
وخاب أملهم كما خاب أمل الكيان الصهيوني عندما خلف الرنتيسي أحمد ياسين وخلف يحيى السنوار، إسماعيل هنية.
وكان المُقرف أن رئيس أكبر دولة في العالم تناسى هيبة الرئاسة وكرامتها وبارك الاغتيال، وفعل المرشّح الأحمق للرئاسة الشيء ذاته، مذكّرين بذلك كل الصهاينة “العرب” والعرب المتصهينين أنهم يستندون إلى حائط مائل سيتخلى عنهم كما تخلى قبل ذلك عن شاه إيران.
وسوف يساوم الاحتلال الصهيوني المقاومة الفلسطينية على تسليم جثمان يحيى السنوار، وإن كنت أظن أنه سوف يلجأ إلى التعامل معه بنفس أسلوب تعامل “اليانكي” مع جثمان أسامة بن لادن، ومع الاختلاف الهائل بين الشخصيتين.
وهكذا، قد يقوم “النتن” بإخفاء مكان دفنه متناسيا، لأنه التلميذ الأكثر غباء، أن قبر السنوار الفعلي هو في قلب كل عربي أيا كان وطنه وكل مسلم أيا كان مذهبه وكل مسيحي لا يرتبط بالإيديولوجية العبرانية وكل علماني يدرك المعنى الحقيقي للعلمانية.
ويبقى أن أخطر ما في الأمر هو أن هناك مخططا يريد لنا أن نخجل من عروبتنا ونحن نقرأ أن فنانا بريطانيا هو روغر ووترز، الموسيقيّ الإنجليزيّ والمؤسس المشارك لفرقة “الروك” الشهيرة (بينك فلويد)، يقول إن “إسرائيل دولة إبادة مقززة، أكثر ممّا يمكن تصوُّره”، في حين يعلن عربيّ مسلم، أو المفروض أنه كذلك قبل خرافة الدين الإبراهيمي، فرحته باغتيال السنوار، ويقول حرفيا في تغريدة منشورة بجوار صورته: “فرحتنا اليوم كبيرة جدا بهلاك السنوار، تهانينا لكل عربيّ ومسلم في مشارق الأرض ومغاربها!”.
ولست أدري ما إذا كان الحاكم بأمره في بلد المعلّق الشامت يدرك أثر هذا على الصورة الجماهيرية له ولبلاده، وحتى عند حلفائه وأنصاره؟
والمعلق المذكور لا يختلف عن آخرين قالوا عن اغتيال الشيخ حسن نصر الله، إنه “مستراح منه”، وسمّاهم قراء جزائريون “جماعة المستراح” (أكرمكم الله).
وهكذا اتخذت قيادات إسلامية مرة أخرى موقف “شاهد ما شافش حاجة”، وكلّفت ذبابها الإلكتروني بغمز ولمز قيادات شريحة مسلمة أخرى، كانت أقوى حلفائها قبل الثورة الإيرانية.
والسؤال الذي يمكن أن يطرح نفسه هو: لماذا يتّخذ أدعياء العروبة موقفا كهذا؟.
والإجابة بكل بساطة هي أن المقاومة الفلسطينية فضحتهم وكشفت عمالتهم وأثبتت خنوثتهم، وأكدت أنهم أكثر كرهًا لفلسطين حرةً مستقلةً سيدةً من الصهاينة أنفسهم، وفي الوقت نفسه أعادت إلى الأذهان ذكرى قادة عظام، كانوا، رغم كل أخطائهم، أسودا تخشاها ضباع اليوم.
وأذكر هنا، ولمجرد المقارنة، أن فنانة فرنسية طالبتها منظمة الجيش السري، التي وقفت ضد استقلال الجزائر، بالتبرع دعما لنشاطها الترويعي، لكنها رفضت أيَّ مساهمة في دعم المنظمة الإجرامية التي تتبنَّى شعار “الجزائر الفرنسية” وأعلنت ذلك في رسالة “مفتوحة” نشرتها صحيفةٌ فرنسية مشهورة.
والفنانة الفرنسية هي الغانية اللعوب “بريجيت باردو”.
فهل كانت B.B أشرف من “جماعة المستراح”، وأنبل ممّن لا يكتفون بدعم العدو سياسيا وماليا وغذائيا ونفطيا بل يشاركونه فرحته بارتقاء شهيد؟.
رحم الله شهداء الحرية ولا قرّت أعين الجبناء.