فضاءات جنين بورزق

جنين بورزق

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
حجيرة ابراهيم ابن الشهيد
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 3380.35
إعلانات


سنة على حرب الإبادة وصمود أسطوري للغزيين بقلم: الصحفي لؤي صوالحه / نابلس

مرّت سنة كاملة على العدوان الصهيو-أمريكي على قطاع غزة، وصنفها العديد من المراقبين حرب إبادة شاملة، مستهدفة الإنسان الفلسطيني بكل مقوماته: من بنيته التحتية، إلى مجتمعه المدني، وصولاً إلى روحه المعنوية. وجاءت هذه الحرب في إطار سلسلة طويلة من الاعتداءات التي تستهدف كسر إرادة الشعب الفلسطيني في غزة، ذلك الشعب الذي يعيش تحت حصار مستمر منذ 17 سنة. ورغم الحصار القاتل والعدوان الهمجي، برزت غزة رمزا للصمود الأسطوري، مظهرةً قدرة على مواجهة أعتى الجيوش والاحتفاظ بروح التحدي التي لا تُقهر.

لقد حاول الاحتلال الفاشي في هذه الحرب فرض تفوقه العسكري من خلال حملات قصف جوي وبري وبحري واسعة النطاق، استهدفت جميع مقومات الحياة في القطاع، أملًا في تحطيم الروح المعنوية وتدمير البنية التحتية. ومع أن العدوان كان وحشيًّا وغير مسبوق من ناحية القوة والنطاق، إلا أن المقاومة الفلسطينية أظهرت قدرة غير متوقعة على مواجهته، ونجحت في تكبيد الاحتلال خسائر فادحة، وتحويل الحرب إلى ساحة مواجهة مفتوحة لأشهر، وهو ما جعل هذه الحرب امتحانًا حقيقيًّا لقوة الصمود والمقاومة الشعبية.

لم يكن الاحتلال يتوقع أن تواجه غزة، المحاصَرة منذ 17 سنة كاملة، هذه القوة التدميرية بالثبات، وقد استطاعت المقاومة أن تثبت مجددًا أن الاحتلال رغم تفوقه العسكري، لا يستطيع حسم معركة الإرادات. هذه الحرب كشفت عن قدرة المقاومة على استخدام تكتيكات جديدة، كما أكدت أن التفوّق العسكري لا يعني السيطرة المطلقة، بل إن الإرادة الشعبية القوية والثبات يمكن أن يُحدثا توازنًا في معركة غير متكافئة. ولم تكن المقاومة في هذه الحرب سلاحًا ماديًّا فقط، بل شكلت عنصرًا معنويًّا رئيسيًّا، إذ عزَّزت صمود المجتمع الفلسطيني وعلاقته بمقاومته، وأثبتت أن غزة ليست مجرد هدف عسكري بل هي رمز للعزة والكرامة الوطنية.

في موازاة هذه الجوانب العسكرية، كان الجانب الاجتماعي حاسمًا في تحديد ملامح الصمود الفلسطيني. لقد واجه أهل غزة تدمير البنية التحتية الأساسية، وانقطاع الخدمات الحيوية من غذاء ومياه ودواء ووقود وكهرباء، ولكنهم تمكنوا من التكيف مع الظروف الصعبة، ما يدل على قوة النسيج الاجتماعي الفلسطيني. هذا الصمود الاجتماعي كان عاملًا جوهريًّا في إفشال أهداف العدوان. ومع كل محاولة لتدمير مقومات الحياة، كان الغزّيون يبتكرون طرقًا جديدة للتضامن والتكافل. وساعدت مؤسسات المجتمع المدني في تقديم العون والإغاثة، وساهمت في الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية، مما جعل العدوان العسكري غير قادر على تحطيم البنية الاجتماعية أو كسر الروح المعنوية.

ما حدث في غزة لم يكن مواجهة بين جيشين، بل هو صراع بين آلة عسكرية متطورة وشعب أعزل لكنه متمسك بحقوقه. وقد بات واضحًا أن الاحتلال الإسرائيلي لا يمكنه تحقيق أهدافه العسكرية من دون القضاء على الروح المعنوية للمقاومة. ومع ذلك، كان تأثير هذه الحرب عكسيًّا على المستوى النفسي، إذ زادت من عزيمة الشعب الفلسطيني على المقاومة. بدلًا من أن يتحطم الغزيون تحت وطأة القصف والدمار، تحوّلت غزة إلى رمز عالمي للصمود. وأصبحت مقاومتهم للاحتلال جزءًا من ذاكرة الأمة، إذ يستمر الفلسطينيون في نضالهم غير متأثرين بحجم الخسائر والتحديات.

هذا الصمود لم يقتصر على البعد الداخلي فحسب، بل كانت له أبعاد إقليمية ودولية. أعادت الحرب إحياء التضامن مع القضية الفلسطينية في العالمين العربي والإسلامي، وزادت من زخم الدعم الشعبي لغزة. كما أن العدوان ساهم في تعزيز وحدة الصف الفلسطيني، إذ توحّدت كافة الفصائل تحت راية المقاومة. وأثبت الشعب الفلسطيني أنه قادرٌ على تحويل الأزمات إلى فرص لتعزيز وحدته الداخلية، وهو ما شكَّل درسًا للعالم بأن غزة رغم كل الضغوط لا تزال عصية على الانكسار، وهي مستمرة في حمل راية الكفاح.

إن التجربة الغزية تعكس دروسًا بالغة الأهمية، ليس فقط للشعب الفلسطيني، بل لكل الشعوب التي تناضل من أجل حريتها وكرامتها. أظهرت غزة أن المعركة ليست معركة سلاح فقط، بل هي أيضًا معركة صمود وإرادة. وهذا الصمود يحمل رسالة واضحة: أن الاحتلال لا يستطيع كسر إرادة شعب يطالب بحريته. وفي ظل صمت المجتمع الدولي على هذه الجرائم التي ترتقي إلى مستوى الإبادة، يبقى الشعب الفلسطيني وحده القادر على تغيير المعادلة من خلال ثباته وتصميمه على الاستمرار في المقاومة حتى التحرير.

بعد مرور سنة على هذه الحرب، لا يمكن للعالم أن ينكر أن غزة قد أثبتت مرة أخرى أنها ليست مجرّد قطاع محاصَر، بل هي رمزٌ للمقاومة. لقد تحولت إلى أيقونة للنضال ضد الظلم والاستبداد، وأصبح صمودها ملهِمًا للأحرار في كل مكان. إن التضحيات التي قدمها أهل غزة يجعل من واجب الجميع الوقوف إلى جانبهم، ليس فقط بالتضامن اللفظي، بل بالعمل الجاد من أجل إنهاء الاحتلال وتحقيق العدالة.

ومع ذلك، يبقى السؤال قائما: إلى متى سيستمر هذا الظلم؟ إلى متى ستظل غزة، تلك المدينة الصامدة، تدفع ثمن مقاومتها للعدوان؟ وما هو دور المجتمع الدولي في مواجهة هذه الإبادة المستمرة؟ إن الإجابة على هذه الأسئلة تكمن في استمرار المقاومة الفلسطينية ودعمها بكل الوسائل الممكنة، لأن غزة لن تنكسر، وستظل دائمًا رمزًا للصمود والتحدي.

في النهاية، تبقى غزة عنوانًا للصمود الأسطوري، وشعبها الذي يواجه الحصار والعدوان لا يزال يقاوم بكرامة وشرف. هذه الحرب ليست سوى فصل آخر في تاريخ طويل من النضال، ولكنها تؤكد مجددًا أن الشعب الفلسطيني لن يرضخ، وسيظل يناضل حتى تحرير أرضه وتحقيق العدالة.

لرأي

سنة على حرب الإبادة وصمود أسطوري للغزيين

بقلم: الصحفي لؤي صوالحه / نابلس

2024/10/05


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة