يحيى السنوار … الصقر الفلسطيني غير المدجن ! / ل- أ. عبد الحميد عبدوس/
بعد غزو جيش الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة سارعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى إرسال قادتها السياسيين والعسكريين و أساطيلها الحربية لدعم العدوان الإسرائيلي،وسافر أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي إلى تل أبيب ليقول: « لم آت إلى إسرائيل بصفتي وزيرا للخارجية فحسب، بل بصفتي يهوديا أيضا»، وتبعه في زيارة إسرائيل الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي قال في اجتماعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومة الطوارئ: « لا أعتقد أنه يتعين عليك أن تكون يهوديا كي تكون صهيونيا، وأنا صهيوني»..
في الأيام الأولى لاندلاع الحرب في غزة أقام الجيش الأمريكي جسرا جويا لتوصيل مختلف الأسلحة والمعدات والذخائر، وأنواع مختلفة من التقنيات والموارد الاستخبارية التي استفاد منها جيش الاحتلال الإسرائيلي في حربه ضد فصائل المقاومة الفلسطينية و جبهات إسناد المقاومة في لبنان واليمن والعراق. أحد المسؤولين الإسرائيليين قال إن: « الولايات المتحدة قدمت بعض القدرات التي لم نكن نمتلكها قبل 7 أكتوبر2023»، فيما قال مسؤول إسرائيلي كبير آخر: «إن أمريكا قدمت صور أقمار صناعية مفصلة للغاية تفتقر إليها إسرائيل». وكشفت صحيفة «نيويورك تايمز» نقلاً عن مسؤول أمريكي أن الولايات المتحدة ساعدت جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد حزب الله اللبناني، خلال هجوم 25 أوت 2024، وقال إن: «الطائرات المسيرة والطائرات الأمريكية قدمت بعض صور المراقبة المستخدمة لاستهداف منصات إطلاق الصواريخ لحزب الله». وأضافت الصحيفة: «أن الأمريكيين يتقاسمون معلومات أكثر مما يعطي الإسرائيليون في المقابل، وفي بعض الأحيان يقدم الأمريكيون معلومات عن قادة حماس على أمل أن يوجه الإسرائيليون بعض مواردهم الاستخباراتية نحو العثور على المحتجزين الأمريكيين»..
المقاومة الفلسطينية عرضت منذ بداية الحرب طريقة سهلة وسريعة ومضمونة لاستعادة الأسرى الأمريكيين ومعهم الأسرى الإسرائيليون سالمين كاملين، وتتلخص الطريقة في إيقاف العدوان الإسرائيلي وانسحاب جيش الاحتلال من قطاع غزة وتحرير السجناء الفلسطينيين من المعتقلات الإسرائيلية، ولكن رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي المجرم بنيامين نتنياهو رفض ـ خدمة لمصالحه الشخصية ولضمان بقائه في السلطة ـ كل مقترحات وقف إطلاق النار وعقد صفقة مرضية لتبادل الأسرى، وكان بهذا التصرف الأرعن المتغطرس قد حرم حتى حليفته الولايات المتحدة الأمريكية من استعادة الأسرى الذين يحملون جنسيتها الأمريكية، وحرم حتى داعمه الصهيوني الأكبر الرئيس جو بايدن من إدخال السرور على قلوب عائلات الأسرى الأمريكيين، رغم أن استعادة الأسرى الأمريكيين كان سيمثل نصرا سياسيا ضخما للرئيس بايدن، وكان سيمنحه أيضا دفعا قويا لضمان تقدم حزبه الديمقراطي في السباق الانتخابي. ظل الرئيس بايدن وإدارته المتصهينة يفضلون ممارسة الضغط على الوسطاء العرب في المفاوضات ليتولوا هم بدورهم ممارسة الضغط على المقاومة الفلسطينية حتى ترضخ للمطالب الإسرائيلية. يبدو أنه في سياق تنافس اليهود الصهاينة في الحزب الديمقراطي، والمسيحيين اليهود في الحزب الجمهوري، على حكم الولايات المتحدة الأمريكية دون منازع أو دون ظهور بدائل جدية لهذا الوضع السياسي البائس، ستبقى الولايات المتحدة الأمريكية المارقة مجرد درع واق لحماية دولة الاحتلال الإسرائيلي الإرهابية وخدمة مصالحها التوسعية، ولو على حساب مصالح الشعب الأمريكي. !
لقد بين الله تبارك وتعالى لعباده في كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، حقيقة الشيطان الرجيم، وأرشدهم إلى كيفية التعامل معه. فقال في الآية 6 من سورة فاطر {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا}، واليوم، يمكن القول إن الولايات المتحدة الأمريكية هي بالنسبة للمسلمين ـ على الأقل ـ شيطان الإنس الأكبر في هذا العصر، وزعيمة قوى الشر العالمي، ولذلك يصح تحذير المسلمين من هذا العدو المكشوف بالقول: «أيها العرب والمسلمون، إن الولايات المتحدة الأمريكية لكم عدو فاتخذوها عدوا».
على مدى عقود من الزمن تصرفت الولايات المتحدة الأمريكية بصفتها عدوا للمسلمين ومحاربة لقضاياهم الإستراتيجية، وفي المقابل، كانت ومازالت تجاهر وتفاخر بصداقتها ودعمها لأعدائهم الإسرائيليين، ورغم هذا الموقف المهين والمشين المفضوح، فإن هناك عددا من الدول العربية والمسلمة مازالت تصر على تقديم الولاء والطاعة لهذه الدولة العدو وتخطب ودها وتبتغي عندها الأمان والحماية.
في 25أوت 2024 نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» تقريرا كشف عن التعاون الإسرائيلي الأمريكي في الحرب على غزة و ملاحقة قادة المقاومة الفلسطينية والبحث عنهم بكل الطرق قصد التخلص منهم ومنح حكومة نتنياهو المجرمة صورة نصر على حركة حماس، ويعتقد المسؤولون الأمريكيون أن قتل السنوار، أو القبض عليه، سيعطي نتنياهو وسيلة للزعم أنه حقق انتصاراً عسكرياً . وقالت الصحيفة أن الاستخبارات العسكرية و «شين بيت» (وكالة الأمن الداخلي) أنشأتا، بعد فترة قصيرة، وحدة خاصة داخل «شين بيت» مكلفة بالبحث عن السنوار.، كما شكلت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي. آي. إيه) قوة مهام خاصة، لنفس الغرض. وقال جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض: «خصصنا جهوداً وموارد كبيرة للإسرائيليين من أجل البحث عن القيادة العليا، وبخاصة السنوار. لقد كان لدينا أشخاص في إسرائيل يجلسون في الغرفة مع الإسرائيليين يعملون على حل هذه المشكلة. ومن الواضح أن لدينا الكثير من الخبرة في مطاردة الأرصدة المهمة». وأضافت الصحيفة: «نشرت الولايات المتحدة، راداراً لديه القدرة على اختراق الأنفاق وتصوير الشبكة التي تمتد على مئات الأميال. وقال مسؤول إسرائيلي بارز: «إن المعلومات الاستخباراتية التي قدمتها الولايات المتحدة لا تقدّر بثمن».
لعل المدهش في الأمر، أنه رغم كل هذه الموارد المادية الضخمة، والجهود الاستخباراتية والتجسسية المتواصلة، والقدرات التكنولوجية المتطورة، والخبرات البشرية المتراكمة، التي سخرتها وتسخرها الولايات المتحدة الأمريكية أقوى دولة في العالم، وحليفتها المفضلة دولة الاحتلال الإسرائيلي في ملاحقة ورصد تحركات المجاهد القائد البطل يحيى السنوار، مازال هذا المجاهد الفذ يشكل كابوسا مخيفا ووجعا مستمرا لجيوش إسرائيل وامريكا. في مطلع العام الجاري (2024 )، وبعد 100 يوم من انطلاق الغزو الإسرائيلي لقطاع غزة ، اعتقد الإسرائيليون والأمريكيون أنهم أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من الإمساك بالمجاهد يحيى السنوار . الجيش الإسرائيلي نشرـ آنذاك ـ فيديو زعم فيه أن يحيى السنوار موجود رفقة زوجته داخل نفق في خان يونس في قطاع غزة، وأرفقه بالتعليق: « لا يوجد نفق عميق بما فيه الكفاية ليختبئ فيه». وقبل ذلك، زعم وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت بأن السنوار: « يسمع جرافات الجيش الإسرائيلي فوقه وسيواجه فوهات بنادقنا قريباً». المجاهد القائد يحيى السنوار لم يتمكن ـ بفضل الله تعالى ـ من النجاة من فخاخ ومكائد ومطاردات الأعداء، فحسب، ولكنه تمكن من أن يصبح الرقم الأول في حركة المقاومة في فلسطين. ولأن المجاهدين في فلسطين يتسابقون على درب الشهادة، ويتعاقبون في قيادة مسيرة الجهاد والتحرير حتى تحقيق الهدف، فقد أعلنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في 6 أوت 2024 أن هيآتها الشورية اختارت بالإجماع يحيى السنوار رئيسا جديدا للحركة. جاء انتخاب المجاهد يحيى السنوار رئيسا للمكتب السياسي لحركة حماس بعد أسبوع واحد من استشهاد المجاهد القائد البطل إسماعيل هنية، في 31 جويليه 2024 عندما كان يحضر مراسيم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشيكيان،.على إثر عملية اغتيال إسرائيلية جبانة وغادرة بقصف الشقة التي كان فيها مع مرافقه في طهران عاصمة إيران . وعن اختيار القائد المجاهد يحيى السنوار يقول موقع «ميديابارت» الفرنسي: «إن اختيار يحيى السنوار هو رسالة للحكومة الإسرائيلية، وخاصة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وللمؤسسة الأمنية للدولة العبرية. مفادها: أنتم تغتالون ممثلنا الدبلوماسي الموجود في الدوحة، والذي يقود المفاوضات منذ عشرة أشهر، وهذا دليل على أنكم لا تريدون التفاوض، لذلك نختار الشخص الذي يتفاوض معكم.. وهو من له كلمته في المفاوضات، ولكنه أيضًا من يقود القتال».
ولد يحيى إبراهيم حسن السنوار يوم 7 أكتوبر 1962 في مخيم خان يونس للاجئين جنوب قطاع غزة، أي قبل 61 سنة من إطلاقه لملحمة «طوفان الأقصى» في 7أكتوبر 2023 التي خطط لها وتولى قيادتها . يحيى السنوار رجل مقاتل من خيرة المجاهدين، وهو مثقف كبير تخرج على غرار أخيه في الجهاد الشهيد إسماعيل هنية من الجامعة الإسلامية بغزة التي أسسها الشيخ الشهيد أحمد ياسين. كان له في الجامعة نشاط طلابي فاعل، وبعد التخرج تولى مهام قيادية في حركة «حماس» بعد تأسيسها عام 1987 خلال انتفاضة الحجارة. اعتقل السينوار من طرف المحتل الإسرائيلي عدة مرّات، وحُكم عليه بالسجن المؤبد في أربع مرات، قضى منها 23 عاما في سجون الاحتلال الإسرائيلي، قبل أن يُفرج عنه في صفقة تبادل أسرى عام 2011. مكنته تجربة السجن من تعميق وتوسيع ثقافته، وتعلم اللغة العبرية. وأصبح من أحسن المجاهدين الفلسطينيين معرفة وخبرة بالعدو الإسرائيلي واطلاعا على أسرار منظومته العسكرية والتجسسية.
الولايات المتحدة الأمريكية وافقت ـ حسب أقوال المجرم نتنياهو ـ على خرائط جيش الاحتلال الإسرائيلي، للبقاء في محور فيلادلفيا، وصادق المجلس الوزاري الإسرائيلي للشؤون الأمنية والسياسية يوم الخميس 29 أوت على بقاء قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي في محور فيلادلفيا على الحدود بين قطاع غزة ومصر، وهو عقدة الخلاف في المفاوضات بين إسرائيل وحماس. قبل ذلك بيوم واحد، صرح نائب مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية، ديفيد كوهين، بأن مصير اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس بيد زعيم الحركة، يحيى السنوار. كما ادعى بأن الإسرائيليين يُظهرون جدية في المفاوضات. إلى هذا الحد الصادم بلغ الكذب والتضليل والانحطاط الأمريكي في تزوير الحقائق وتحميل حركة حماس مسؤولية أي فشل يصيب المفاوضات وتبرئة ساحة المجرم بنيامين نتنياهو. في حين يؤكد حتى أعضاء الوفد الإسرائيلي المفاوض أن نتنياهو هو سبب إفشال المفاوضات، وأنه العقبة الرئيسية أمام التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في غزة. وكلما تعرضت المفاوضات بين إسرائيل وحماس لفشل أو تعثر نتيجة تعنت رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، يخرج المسؤولون الأمريكيون: من جو بايدن، إلى أنتوني بلينكن، إلى جون كيربي، إلى ديفيد كوهين للتصريح علانية بأن حماس هي المتسبب في إفشال المفاوضات. رغم ذلك فقد مثل تعيين المجاهد البطل يحيى السنوار على رأس حركة حماس رسالة قوية لإسرائيل ولأمريكا بأن المقاومة الفلسطينية الشجاعة لا تنكسر، وأن الجهاد مستمر ومتصاعد حتى تحقيق النصر بإذن الله تعالى وانتزاع كل الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني الأبي الصامد.