فضاءات جنين بورزق

جنين بورزق

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
حجيرة ابراهيم ابن الشهيد
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 3383.46
إعلانات


كنيسٌ يهودي في المسجد الأقصى! ل- الكاتب حسين لقرع

لا نعتقد أنّ تصريح الوزير الصهيوني المتطرّف إيتمار بن غفير بأنّه سيبني كنيسا يهوديا في المسجد الأقصى، أو “جبل الهيكل” كما سمّاه، قد فاجأ الزعماء العرب والمسلمين كما تظاهروا في ردود أفعالهم المندّدة؛ فهم يعلمون جميعا أنّ تهويد مدينة القدس وهدم المسجد الأقصى المبارك وبناء “الهيكل الثالث” المزعوم مكانه، هو أحدُ أهداف الاحتلال الصهيوني في فلسطين، وسينفّذه في الوقت الذي يراه مناسبا.
لهذا الغرض، احتلّ الكيان الصهيوني مدينة القدس كاملة والمسجد الأقصى المبارك خلال حرب 5 جوان 1967، وشرع بعده في تقويض أساساته بعمليات حفرٍ عميقة وكثيفة لم تنته إلى اليوم. وفي سنة 2003 سمحت حكومة الاحتلال للمستوطنين باقتحام المسجد الأقصى والتجوّل فيه يوميًّا تحت حماية الشرطة، وتضاعفت أعدادُهم في السنوات الأخيرة، وأصبحوا يقتحمونه بالآلاف في بعض مناسباتهم الدينية كما حدث في 13 أوت الجاري، بعد أن بدأوا فرادى ثم بالعشرات والمئات.. وللأسف، فإنّ موجة التطبيع والهرولة التي اجتاحت المنطقة في السنوات الأخيرة وأصبحت معها الدول العربية والإسلامية تتسابق على من يصل أوّلًا وينبطح للاحتلال قبل غيره، قد شجّعته على السماح للمستوطنين بالمرور إلى مراحل أخطر من التجوال في ساحات الأقصى، وهي الصلاة في المسجد وإقامة طقوس يهودية أخرى كنفخ البوق والسجود الملحمي وحمل سعف النخل وغيرها… وفي الوقت ذاته، جلب المستوطنون سنة 2022 خمس بقرات حمراء من تكساس الأمريكية وشرعوا في تربيتها وتحضيرها للذبح لاحقا في محيط الأقصى وحرقها ونثر رمادها في الماء ليغتسل منه ملايين اليهود، ومن ثمّ تبدأ عمليًّا ترتيبات هدم المسجد الأقصى وبناء “الهيكل الثالث” المزعوم مكانه.
وخلال هذه الخطوات كلّها، كان العالمُ الإسلامي يكتفي بالتنديد والشجب ودعوة المجتمع الدولي إلى “تحمّل مسؤولياته” والتدخّل للحفاظ على الوضع القائم في الأقصى ولجم المستوطنين.. وبمرور الوقت وتكرار الاقتحامات اليومية للأقصى وتدنيسه، بدأ المسلمون يعتادون على ذلك وبدأت احتجاجاتُهم واستنكاراتهم تخفت وتتراجع، حتى إنّ أغلب وسائل إعلامهم لم تعُد تذكرها، وفي أحسن الأحوال تخصِّص لها حيّزا صغيرا في ذيل نشرات الأخبار والصُّحف والمواقع الإلكترونية، وبذلك حقّق العدوُّ الصهيوني أحد أهدافه من تكرار الاقتحامات وأعمال تدنيس الأقصى، وهو تعويدُ المسلمين عليه فلا يرون ذلك منكَرا بمرور الوقت، تماما مثلما تعوّدوا على مناظر الحانات والعُري والقمار والرِّبا مثلا فلم يعودوا يستنكرونها كثيرا أو يأبهون لتحريمها!
لقد نجح الاحتلالُ في تقسيم الأقصى زمانيًّا من خلال السماح للمستوطنين باقتحام الأقصى كلّ يوم في ساعات معلومة، ما عدا الجمعة والسبت، واليوم بدأ يتحدّث عن المرحلة الثانية وهي تقسيم الأقصى مكانيًّا عبر بناء كنيس يهودي فيه، قبل أن يمرّ لاحقا إلى المرحلة الثالثة والأخيرة وهي هدم الأقصى برمّته وبناء “هيكل سليمان” في المكان ذاته.
ما تحدّث عنه بن غفير علنًا يردّده نتنياهو وباقي الصهاينة سرّا، لا فرق بينهم جميعا، يمين ويسار، كلّهم متّفقون على أن الأقصى هو “جبل الهيكل” ويجب هدمُه يوما ما وبناء معبدهم مكانه، والقادة العرب والمسلمون يعرفون هذا جيّدا ومتأكّدون أنّ وقوعه هو مسألة وقت، وأنّ الاحتلال لا يؤمن بـ”السلام” مع الفلسطينيين والعرب، ولا بدولة فلسطينية إلى جانبه ولو كانت هزيلة منزوعة السلاح، ولا بتقسيم مدينة القدس التي يراها عاصمتَه الموحَّدة، ولا حتى بتقسيم الأقصى زمانيًّا ومكانيًّا إلا بصفة مؤقّتة وتدريجية قبل أن يستولي عليه كلّه.. العرب يعرفون ذلك جيّدا لكنهم ينافقون ويدفنون رؤوسهم في الرّمال كالنعامات، ولذلك لن يكترث العدوّ بتنديداتهم وسيواصل مخطّطه لا يلوي على شيء.
وحدها المقاومة الفلسطينية المظفَّرة تعرف كيف تتعامل مع هذا المخطط الجهنّمي وتدافع عن المسجد الأقصى بكلّ ما تستطيع، فهي تبعث شبابها وتستنهض همم فلسطينيي الضفة والقدس للرباط فيه، وحينما لم يكن ذلك كافيا، وتسارعت وتيرة تدنيسه، أطلقت غزوة 7 أكتوبر المجيدة وسمّتها “طوفان الأقصى”، ولهذه التَّسمية دلالة واضحة لا تخفى عن أحد.
إذا انتصرت المقاومة في هذه المعركة المشرِّفة، فلن تكتفي بإنقاذ الأقصى بل ستهدم المشروع الصهيوني برمّته، أمّا إذا هُزمت -لا سمح الله- فسينفّذ الاحتلالُ مخططه ويهدم قبلة المسلمين الأولى من دون أن يثير ذلك حفيظة أيّ قائد عربي أو مسلم ويهرع إلى نجدته؛ فالذين خذلوا الأطفال والنساء في غزة وتركوا الاحتلال يرتكب بحقّهم مجازر مهولة تهجيرا واسعا وتجويعا ممنهجا وتدميرا واسعا لمقوّمات الحياة في القطاع، من دون أن يفعلوا شيئا غير التنديد والشجب، لن يفعلوا أكثر من ذلك إذا هُدم الأقصى.
أملُنا الوحيد هو انتصارُ المقاومة، والمؤشراتُ كلّها تدلّ على ذلك من حسن الحظّ، وبعدها سيتغيّر الكثير، أمّا القادة العرب والمسلمون فقد “ماتوا والسلام”.

الرأي

كنيسٌ يهودي في المسجد الأقصى!

حسين لقرع

2024/08/28


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة