مليون يهودي هارب من فلسطين! بقلم-حسين لقرع
في أواخر شهر جوان الماضي، نشر موقع “زمان إسرائيل” خبرا لافتا للانتباه يتعلّق بهجرة عكسية لنصف مليون يهودي من فلسطين المحتلة إلى شتى دول الغرب، على خلفية غزوة 7 أكتوبر المجيدة والخسائر المتتالية لجيش الاحتلال خلال 9 أشهر من الحرب، وكتبنا بعدها عن الخبر في هذه الزاوية، وقلنا إنّ العدد سيرتفع باستمرار كلّما طال أمد هذه الحرب وتفاقمت خسائر الاحتلال، وها هي القناة الـ12 العبرية وصحيفتا “يديعوت أحرونوت” و”هآرتس” تؤكّد فعلا هذه الحقيقة وتكشف أنّ عدد اليهود الهاربين من فلسطين المحتلة إلى الخارج قد تضاعف وبلغ مليون صهيوني!
هي هزيمة إستراتيجية مدوّية للاحتلال تنسف كلّ ما يزعمه من تحقيق نجاحات ميدانية تكتيكية في غزة؛ ففي ظرف 9 أشهر، “هاجر” نصف مليون صهيوني إلى الخارج، وهال هذا الرقم رئيس الوزراء السابق للعدو، نفتالي بينيت، و”أحزنه بشدّة” كما اعترف، آنذاك، فوجّه نداء عاجلا لمن سمّاهم “مواطني إسرائيل” يناشدهم فيه البقاء في “البلاد”، أمّا الآن وقد تضاعف العدد في ظرف 50 يوما فقط، وبلغ مليون هارب، فلا شكّ أنّ حزن بينيت قد تحوّل إلى اكتئاب مزمن لا علاج له منه.
طالما ردّدنا في هذه المساحة الصغيرة على المرجفين والمتصهينين العرب الذين يتحدّثون باستمرار عن الخسائر البشرية الفادحة في غزة والدمار الهائل لمبانيها وبنيتها التحتية، ويحمّلون المقاومة مسؤولية معاناة سكّانها، وقلنا إنّ نتائج حروب التحرير لا تقاس بالخسائر الضّخمة للشعوب، بل يقاس بما تحقّقه من أهداف، وضربنا أمثلة الثورات الجزائرية والفيتنامية والأفغانية، وكيف حقّقت انتصارات تاريخية باهرة دحرت بها الاستعمار إلى غير رجعة برغم تضحياتها الجسيمة، واليوم يمكن التمعّن فيما حققته غزوة 7 أكتوبر المباركة وما تلاها من انتصارات ميدانية متتالية للمقاومة الفلسطينية في غزة، من نتائج، للتأكّد من هذه الحقيقة؛ فهي لم تكتف بإنزال خسائر عسكرية فادحة بجيش الاحتلال وكسر هيبته فحسب، بل ها هي تبدّل شعور المستوطنين بالأمن إلى خوف، وتجبر مليونا منهم على الفرار من فلسطين المحتلة باتّجاه الدول التي جاؤوا منها؛ وكلّما طال أمد هذه الحرب وعجز الجيش عن سحق المقاومة وتحقيق “النصر المطلق” الذي يعد به نتنياهو منذ أزيد من 10 أشهر ونصف شهر، وفشل في استعادة هيبته وقدرته على الرّدع، تفاقم اليأس والخوف في نفوس الصهاينة وزادت أعداد الهاربين منهم إلى الخارج، لأنّ بقاء المقاومة يعني حتمية وقوع غزوات أخرى مستقبلا تكون أشدّ وأدهى من غزوة 7 أكتوبر.
خلال هذه المدّة الطويلة من الحرب، كان الاحتلال يريد إجبار سكان غزة على الرحيل إلى سيناء المصرية، وبعدها يتفرّغ للضفة الغربية ويهجّر سكانها أيضا باتجاه الأردن، ومن ثمّ، يصفّي القضية الفلسطينية لصالحه مرة واحدة وإلى الأبد، لكنّ كيده ارتدّ في نحره؛ إذ أفشل سكان غزة مخطط الاحتلال وتشبّثوا بأراضيهم بشدّة برغم المجازر اليومية الوحشية والتجويع الممنهج، واكتفوا بالنزوح الداخلي المتكرّر إلى أن يأتي الله بفرجه وتتوقف هذه الحرب ويرجعوا إلى ديارهم ويعيدوا بناءها.. وبالمقابل، حدث ما يكن بالحسبان، وهرب نحو مليون يهودي من فلسطين المحتلة إلى دول الغرب، أي قرابة 11 بالمائة من سكان الكيان الذين كان عددهم يبلغ 9.8 مليون نسمة قبل بدء نزف الهجرة العكسية، وهو “انتصار ديمغرافي” كبير للفلسطينيين المتشبّثين بأرضهم لا يقلّ أهمية عن انتصارهم الميداني في الحرب!
وعندما يكشف استطلاع رأي لـ”يديعوت أحرونوت”، أنّ نحو 40 بالمائة من المستوطنين يفكّرون في الهجرة المعاكسة إلى الخارج، أي قرابة 4 ملايين مستوطن، وتكشف دراسة صادرة عن مركز تراث “بيغن”، أن 59 بالمائة منهم قد توجّهوا أو يفكّرون بالتوجّه إلى سفارات أجنبية للاستفسار وتقديم طلبات للحصول على جنسيات أجنبية، وينضوي عشرات الآلاف من الصهاينة تحت لواء جمعية “لنغادر معا”.. عندما يحدث ذلك كلّه، فإنّه يعني أنّ النَّزف البشري الديمغرافي للاحتلال لن يتوقّف عند هذا الحدّ حتى لو توقّفت الحرب، لأنّ اليهود أدركوا أخيرا -مع اشتداد عود المقاومة في غزة والضفة والقدس والتطوّر المتواصل لقدراتها- أنّ “أرض الميعاد” المزعومة لم تعد مكانا آمنا لهم والأفضل أن يبحثوا منذ الآن عن بدائل في دول الغرب، ما دام “الجيش الذي لا يقهر” قد قهر وفقد قوّته ولم يعد قادرا على حمايتهم وتوفير الأمن لهم.. ألم نقل في مناسبات عديدة سابقة، إنّ غزوة 7 أكتوبر المجيدة قد رسمت بداية نهاية المشروع الصهيوني برمّته في فلسطين والمنطقة؟