بين هجومات الشمالي القسنطيني و”طوفان الأقصى”.. محاكاة إستراتيجية د. نبيل كحلوش / باحث في الدراسات الإستراتيجية
لنتصور لو يتم شن هجوم جديد بعد “طوفان الأقصى” 7 أكتوبر 2023 بتسعة أشهر فقط، بالطريقة نفسها على الكيان؟
يمكن للعدو والعالم كله أن يدخلا في حالة صدمة بسبب عدم القدرة على توقع وجود قدرات إستراتيجية فعلية تسمح بشن مثل هذه الضربة الخاطفة. بل يمكن أن يوصف الأمر بأنه جنون لا يصدق وبالأخص بعد موت قيادات عدة في الأشهر السابقة.
في الحقيقة:
أن هذا السيناريو هو فعلا ما حدث في الثورة الجزائرية الكبرى، فبعد تسعة أشهر من اندلاعها في نوفمبر 1954، ورغم موت عدة قيادات في الأشهر الأولى، أتت هجومات الشمال القسنطيني في شهر أوت 1955 لتغيّر وجه الثورة تماما لأنها بدّت كموجة ثانية للثورة لم يكن أحد يتوقع وجود تخطيط لها.
تكمن بعض أوجه التشابه بين الثورة والطوفان -بنظرة إستراتيجية مقارنة- في الآتي:
– هجومات الشمال القسنطيني أحدثت اختراقا للمنطقة الأولى المحاصرة (الأوراس)، والطوفان أحدث اختراقا للحصار المفروض على القطاع (غزة).
– الهجومات نقلت المعركة إلى قلب المناطق المستعمرة للعدو في الشمال القسنطيني، والطوفان نقل المعركة إلى غلاف القطاع واستهدف العاصمة تل أبيب.
– الهجومات اخترقت الجيش الفرنسي في خطوطه الخلفية لتكسر أسطورة الجيش الذي لا يقهر، والطوفان قام بالأمر نفسه لكسر أسطورة الجيش الذي لا يقهر.
– النتيجة الدبلوماسية للهجومات كانت إدراج الملف الجزائري في الأمم المتحدة بعد أيام قليلة، ونتيجة الطوفان كانت تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح الاعتراف بالدولة مع عودة القضية على رأس أولويات النظام الدولي.
– دامت الهجومات أسبوعا كاملا ارتقى فيها ما يقارب 12 ألف شهيد (بمعدل يقارب 1714 ضحية يوميا)، أما الطوفان، فارتقى فيه ما يقارب 50 ألف شهيد في عشرة أشهر (بمعدل 160 ضحية يوميا).
الخلاصة:
إن للثورات في العالم روحا مشتركة، هي روح العدل التي تنفخ الإرادة في قلوب الثوار. وبقدر حدّة الظلم، تزداد حتمية العدل، فتظهر الثورة في الأخير كنتيجة حتمية لقوانين الكون.
