فضاءات جنين بورزق

جنين بورزق

فضاء القرآن الكريم والسنة النبوية

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
حجيرة ابراهيم ابن الشهيد
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 3380.35
إعلانات


أعظم نعمة في الوجود

الرأي

أعظم نعمة في الوجود

سلطان بركاني

2024/08/05

نعمة هي أعظم نعمة في هذه الحياة، ومنحة هي أجزل منحة في الوجود: نعمة الإيمان بالله جلّ وعلا، خالقا ومدبّرا وإلها وهاديا، ((بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين)).. نعمة يُدرك العبد قدرها في هذه الحياة وهو ينظر إلى حيرة وتخبّط أولئك الذين تنكّبوا الفطرة السويّة وأنكروا بديهيات العقول، وقالوا قولا إدًّا، وجحدوا وجود الخالق سبحانه، ويُدرك قدرها أكثر يوم يلقى الله، فيجد أنّ إيمانه به جلّ في علاه، هو أثمن ما حواه سجلّ حسناته وأثقل شيء في الميزان، ((وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ كَافِرُون)).
سئل أعرابيّ أميّ، لم يدخل مدرسة ولم يقرأ كتابا: كيف عرفت الله؟ فقال: “إذا كانت البعرة تدلّ على البعير، والأثر يدلّ على المسير؛ فليل داجٍ، ونهار ساجٍ، وسماء ذات أبراج، أفلا تدل على الصانع الخبير؟” (البيان والتّبيين للجاحظ).. إنّها مدرسة الفطرة التي علّمت هذا الأعرابيّ أنّ شيئا هيّنا كالبعرة لا بدّ له من موجد، وشيئا مستجِدا على الأرض كالأثر لا بدّ له من مؤثّر، فكيف بليل ونهار يتعاقبان بانتظام، وبسماء مرفوعة بغير عمد؛ كيف لا تدلّ على وجود صانع خبير؟.. هذا الأعرابيّ أصغى لنداء الفطرة وأعمل الفكر والنّظر في كتاب الخلق فدلّه على الخالق، وهكذا يظلّ الكون كتابا مفتوحا في كلّ زمان يُقرأ بكلّ اللّغات، ليدلّ على صانعه وعلى صفاته؛ فما من صفحة من صفحاته إلا وتحمل من الأدلّة التي تذعن لها العقول المتحرّرة من مكابرة الهوى ما يكفي للإيمان بالخالق جلّ شأنه، وكلّما ازداد الإنسان سبرا لأغوار الكون كلّما كانت الأدلّة أغزر وأوفر وأقوى، وأكثر دلالة على عظمة الخالق جلّ شأنه وعلمه وحكمته وإحاطته.
يُروى عن الإمام أبي حنيفة –رحمه الله- أنّ قوما من أهل الكلام أرادوا البحث معه في تقرير توحيد الربوبية، فقال لهم: أخبروني قبل أن نتكلم في هذه المسألة عن سفينة في دجلة تذهب فتمتلئ من الطعام والمتاع وغيره بذاتها، وتعود فترسو بذاتها وتفرغ وترجع، كل ذلك من غير أن يدبّرها أحد؟! فقالوا: هذا محال لا يمكن أبدا! فقال لهم: إذا كان هذا محالا في سفينة، فكيف في هذا العالم كلّه، علوه وسفله؟!
إنّه لو قدّر أنّ أحد الملاحدة وجد قصرا متقن البناء والتّشييد، وهو يتجوّل في صحراء قاحلة، وأُخبر أنّ ذلك القصر وُجد صدفة، أو أنّ الرياح والأمطار هي التي شيّدته على مدار آلاف السّنين، لما صدّق هذه الدّعوى، وهو الذي يحاول عبثا إقناع نفسه بأنّ هذا الكون المتقن في صنعه البديع في سيره، وُجد من غير موجد، وحدث من غير مبدئ، أو حدث بقرار اتّخذته مكوّنات الكون فجأة فيما بينها على إثر اجتماع انعقد قُبيل الانفجار العظيم!
إنّ هذا الكون المعجز في إتقانه، يدلّ ليس فقط على وجود الخالق جلّ شأنه، وإنّما أيضا على وحدانيته؛ إذْ لو كان للعالم أكثر من خالق لتذبذب وفسد سيره، كما يتذبذب سير السّفينة التي يقودها أكثر من ربّان، ((لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُون))، ((مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُون)).. وحدانية الخالق سبحانه هي أساس السّير المنتظم لهذا الكون الهائل؛ لكلّ مجرّة فلك تسبح فيه، ولا تصطدم مجرّة بأخرى، ولكلّ نجم موقعه المحدّد بحسب حجمه ودوره، ولكلّ كوكب مداره ومساره الذي لا ينحرف عنه ولا يصطدم فيه بغيره من الكواكب.. اللّيل والنّهار يتتابعان لا يبغيان، والفصول تتعاقب بحسبان.. الحرّ والبرد بمقدار، والضّوء والهواء كلّ بمقدار.. في جسم الإنسان؛ كلّ عضو مسخّر لدور محدّد لا يحيد عنه، وكلّ عضو مهما كان صغيرا أو بدا هيّنا إلا وهو مبرمج بعناية ليؤدّي الغاية من وجوده في مكانه، فإذا ما اعتلّ، تأثّر الجسم لعلّته.. العين عجزت أمامها أحدث وأدقّ الكاميرات التي اخترعها الإنسان، والدّماغ أعجز أحدث أجهزة المعالجة، والقلب حيّر بقوته الأطبّاء.. أمّا الرّوح التي تنتقل بين النّوم واليقظة وبين الحياة والموت من حال إلى حال، فلا تزال سرا حيّر الأطبّاء والعلماء.
على خلاف الملحد الذي ما يزداد إلا مكابرة أمام الحقائق السّاطعة وخنوعا أمام هواه، ((أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّون))؛ فإنّ العبد المؤمن يزداد إيمانا ويقينا وهو يقف من حين لآخر أمام ما ينكشف للبشريّة من أسرار هذا الكون، ويزداد حمدا لخالقه الذي فتح على قلبه وأنار بصيرته بالإيمان، وجعله يتّسق مع وجهة الكون الذي تنطق كلّ ذرّة من ذرّاته بعظمة الخالق وقدرته ووحدانيته، ((تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)).. فلك الحمد ربّنا على نعمة الإيمان، ولك الحمد على نعمة الإسلام.


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة