الرجالُ أعمال والشهادة اصطفاء
الرأي
الرجالُ أعمال والشهادة اصطفاء
جمال غول
2024/08/04
بقدر ما يؤلمنا فقدُ الأبطال من الرجال الأطهار بقدر اعتزازنا بدفع كل ثمن وتقديم كل غال في سبيل عزة ديننا وكرامة أمتنا وتحرير أوطاننا، فتلك غايات تهون دونها كل الوسائل، وما دام الهدف عزيزا فليكن المهر عظيما.. ألا إنّ سلعة الله غالية.
إذا كان الصِيت الطائر في المجتمع، والاسم الدائر على الألسنة، والشهرة السائرة في الآفاق، بلا أعمال نافعة تشهد، وآثار صالحة تُعهد، وثمرات طيبة تُجنى، فإنّ كل ذلك كذب في كذب، إلا أنّ الأعمال لا تكذب، وبها يوزن الرجال.
ولا نقصد بالعمل المعنى القاصر في عُرف الفقهاء فقط، بل الأعمال العامة النافعة التي فيها ما في النور والماء من غذاء وقوة وحياة، وفيها ما في الدهر من استمرار وثبات، ومنها بل وأسماها الجهاد في سبيل الله حق الجهاد.
لقد أخرجت المقاومة طرازا من الرجال، فنّا في الرجولة والجهاد،
ومنهم هذا الرجل الذي غُدر به وهو ضيفٌ عزيز كريم، حقّه أن يكرَّم ولا يُسلم، سواء عن خيانة أو عن غفلة وتقصير، ليتّخذه الله شهيدا بإذن الله كما اتّخذ من قبله شهداء.
“وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ”.
رجلٌ تشرّفتُ بلقائه عدة مرات وجلست في مجالسه عديد الجلسات، كان من أجملها جلوسي معه في بيته في مخيم الشاطئ بغزة هاشم من أرض فلسطين المباركة، فأحببناه في الله تعالى، وأكبرنا فيه خلقه وتواضعه الجمّ، فرحته بالجزائريين لا تعدلها فرحة، وأنسه بهم أنسا يستحضر معه بطولات الشهداء والمجاهدين في أرض الجزائر التي أنزلته منزلة الرجال الأبطال عندما خصصت له مكانا في المنصة الرسمية في الاستعراض العسكري. وما ذاك بمستغرب عن بلد الشهداء.
رجل اجتمعت فيه صفات المجاهد القائد الذي تكاملت مواهبه، من عقل راجح لا يخيس وزنه، وبصيرة نافذة إلى ما وراء المظاهر الغرارة، وفكر غواص عن حقائق الأشياء واستعداد قوي متمكِّن للعمل والجهاد والنضال.
هو ثمرة طيبة من بواكير الحركة الإسلامية، فهو الولد الروحي للشيخ أحمد ياسين رحمه الله وتلميذه الوفي، تضافر على تكوينه قوة الاستعداد للخير وحسن الإعداد له، وذلك من آثار يد الله في عبده إذا أراد به خيرا.
يلمح فيه المتفرّس ملامح البطولة واستعداده للعظائم، ويرى فيه المتوسّم إقداما على المكاره يصحبها رأيٌ عاقل وعزم صادق، وجرأة على أرباب الظلم والطغيان يصحبها قولٌ مسدّد وعمل دائم، ويلمح عليه طموح ونزعة إلى العلى وعزة نفس متسامية إلى الكمال، ويزينه نور يعلو محياه زاده بياض الشيب نورا.
يلمح فيه المتفرّس ملامح البطولة واستعداده للعظائم، ويرى فيه المتوسّم إقداما على المكاره يصحبها رأيٌ عاقل وعزم صادق، وجرأة على أرباب الظلم والطغيان يصحبها قولٌ مسدّد وعمل دائم، ويلمح عليه طموح ونزعة إلى العلى وعزة نفس متسامية إلى الكمال، ويزينه نور يعلو محياه زاده بياض الشيب نورا.
كان شارة شرف المقاومة وطغرى عزّها، لم يجد شياطين الإنس والجن منفذا يتسرّبون منه إلى أخوتهم فيفسدونها، أو إلى علائقهم فيفصمونها، أو إلى محبّتهم وتآلفهم فينفثون فيها من سمومهم.
حافظ على المقاومة كأمتن ما يكون من التآخي، وكأقوى ما يكون من المحبة، كانوا ثابتين على أعمال ومهام عظيمة، بها مُعرّضين إلى عواقب وخيمة، لأن اجتماعهم كان لله ولنصرة دين الله، ولأداء حق الله على عباده.
إنه الرجل كل الرجل كما يقول الشيخ البشير الإبراهيمي، بهذه الأعمال وغيرها.
واليوم إذن ننعيه…
فحسبه من المجد التاريخي أنه ترأس وقاد باقتدار وأمانة مقاومة العصر للجهاد والنضال والثبات، سيئت بها وجوه العدو، ونكسّت بها راياتهم وأذلّ بها قاداتهم. وسيحقّق الله بها وعده في تدميرهم.
وحسبه من المجد التاريخي أنَّ إخوانه مستمرون في حمل الرسالة وراية المقاومة بعد استشهاده، في أيام ستكون أشدّ على العدو من أيّامه وربما ستكون هزاهز لم يتخيّلها حتى في أحلامه والعلم عند الله، فلن يهون أبناء المقاومة ولن يضعف تلاميذ أحمد ياسين ولن يستكين إخوان أبي العبد بإذن الله، وسيوفّون له ميتا كما وفّوا له حيا، وسيعتزّون باسمه بعد مماته كما كان يعتزُّ بهم هو في حياته.
حسبك الآن أنّك من السعداء بإذن الله، فقد حسُنت في المسارعة إلى الشهادة نيَّتُك، وعظم في سبيل الله جهادك وعملك، ونلت ما كنت تتمنى من أعظم الأمنيات وأحسن الخواتيم.
حسبك أن لم تلق أجلك إلا في بلد كنت تستدعي فيه الدعم والإسناد لعسكرك وجندك، وأدركك الأجل مهاجرا إلى الله في أقطاره للتجارة مع الله، مقبلا غير مدبر ثابتا على العهد غير ناكص ولا ناكث، وكان سقف المساومة عاليا غير أن سقف الثبات كان أعلى وأعلى.
ما زالت الأوطان محتاجة إلى هذا النوع السامي من الهمم والعزائم وإلى هذا الطراز العالي من الرجال وإلى هذه الدماء الزكية التي تثغب حمراء كالحرية، نقية كعقيدة الحق، تجري فتكتسح ما في نفوس الأمم من خور وفسولة.
إن موت العظماء حياة لأممهم، فإن كانت في غير ديارهم زادت جلالا، وان كانت في سبيل الدين كانت جلالا وجمالا.
عزاء الأمة المفجوعة فيك يا قائد المقاومة، وسلوى القلوب المكلومة بموتك -وما أكثرها- هو: جزاء تلقاه في هذه الدنيا طيب ذكره، وعند ربّك ثمين ذخره، وهيهات أن تجزيك الجوازي من هذه الأمة التي نهجتٓ لها نهج الكرامة، وعلّمتها سنن التضحية، ولقّنتها هذا الدرس السامي من الثبات والإباء والشمم، وفتحت لها طريقا جديدا للتحرر والانعتاق بطوفان الأقصى المبارك.
من حقك يا شهيد على كل فرد من أمّتك أن يحوّل حزنه عليك سببا لقيامه على ثغره مهما كان هذا الثغر، يقوم عليه أحسن قيام، فما هو عذرنا أمام الله إن تراجعنا أو قصّرنا، فأوتيت أمّتنا من ثغر أي واحد منا؟
ولـيُرِ اللهَ كلُّ واحد منا ما يرضيه في إغاثة المكلومين من أهلنا في فلسطين وفي غزة.
وليرفع كل واحد منا وتيرة أعماله ولتكن غضبة لله ولرسوله ولقدسه الشريف.
فاللهم أجِر الأمة في مصابها الجلل واخلفها خيرا. وثبِّت اللهم جندك المرابطين واربط على قلوبهم. وأيّدهم بنصر عزيز تشفي به صدور المؤمنين الصادقين في كل مكان.
ووفقنا جميعا لنصرتهم والقيام بحقهم.
وسلام وتحية لمقاومينا الأبطال.
وإنا على فراقك يا إسماعيل لمحزونون ولعهدك لموفون ولن نعترف، لن نعترف، لن نعترف بإسرائيل.