لعلّ من أكثر المحن التي تدمي القلوب أن تجد مسلمين يشهدون أن لا إله إلا الله وأنّ محمدا رسول الله، يبلغ بهم الأمر أن يكتبوا عند استشهاد بطل مثل إسماعيل هنية: “مستراح منه”.. النبيّ –صلى الله عليه وسلّم- حينما قال إنّ الميّت مستريح أو مستراح منه، سئل عن ذلك فقال: “العبدُ المؤمنُ يستريحُ من نصَبِ الدُّنيا وأذاها، والعبدُ الفاجرُ يستريحُ منْهُ العبادُ والبلادُ والشَّجرُ والدَّوابُّ”.. فهل إسماعيل هنية عبد فاجر حتى يُستراح منه؟ هل كان يعاقر الخمر أو يقارف الزّنا مثلا؟ هل كان يروّج للفجور في قطاع غزّة؟ هل كان يفتتح مهرجانات الرقص والغناء؟ هل كان يفتتح المخامر والمراقص؟ هل كان يشجّع التبرّج ويحارب الحجاب؟ أم تراه كان ظالما مبيرا يستبيح الدّم الحرام؟! لا والله.
الغريب أنّ هؤلاء الذين يشاركون اليهود فرحهم باستشهاد هنية، يصفون أنفسهم بأنّهم سلفيون يتّبعون السلف الصّالح، ولسنا ندري أين وجدوا في سيرة السلف أنّهم كانوا يفرحون بقتل المسلم على يد الكافر؟! نعم. سلف هؤلاء الشامتين بإسماعيل هنية هم المنافقون الذين قال الله عن صنيعهم: ((إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ * قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُون)).
سبحان الله، يشمتون بإسماعيل هنية الذي يحمل إجازات في تلاوة القرآن الكريم، ويناقش رسائل ماجستير ودكتوراه في الجامعات.. ويخطب على المنابر واعظا ومعلّما ومحرّضا على جهاد الصهاينة.. ويؤمّ النّاس في الصلوات وفي التراويح ويقرأ بصوت حزين يهزّ الأرواح.. إسماعيل هنية المبتلى الصّابر، المجاهد الذي لا يكاد يعرف الرّاحة أبدا.. طيلة الأشهر العشرة من طوفان الأقصى كان “هنية” لا يخلد إلى النوم إلا قليلا. يظلّ بمكتبه المتنقل يتابع الوضع في غزّة من كثب ويدير مع إخوانه المفاوضات ويحشد الدعم بالاتصالات.. وإذا ما أنهك وخارت قواه غفا يسيرا على أريكة المكتب ثم سرعان ما يقوم لإتمام مهامه.
نعم إنّها السلفية المزوّرة التي لم يعرفها السلف، ولم يعرفها علماء الأمّة الربانيون، ولا آمن بها السواد الأعظم من الأمّة، ولكنّها السلفية المدخلية التي تتبرّأ منها السلفية الإصلاحية، السلفية المدخلية التي أرست أصولَها دوائر المكر في هذا العالم، لتشغل شباب الأمّة عن الجهاد وعن فلسطين، بالطّعن في المجاهدين الصّادقين والمصلحين العاملين والعلماء الصادعين والدعاة الموفقين الذين يعيشون هموم أمتهم.. في كلّ مرّة يموت فيها عالم صادع أو يستشهد مجاهد صادق على أيدي الكفار، يخرج هؤلاء المفتونون ليتشفوا به، ويكونوا في صفّ الأعداء الشامتين ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والله ما كنّا نتوقّع لهؤلاء المفتونين أن يصل بهم الأمر إلى حدّ التشفّي برجل كإسماعيل هنية الذي نشأ وتربّى في بيت الله صحبة والده الذي كان مؤذنا، وكان يُعين والده في فتح أبواب المسجد وهو في السادسة من عمره.. إسماعيل هنية الذي بدأ النضال ضدّ المحتل وهو طالب في الجامعة الإسلامية بغزّة، فاعتقل مرارا، وسجن في آخرها 3 سنوات بتهمة الانتماء إلى حركة المقاومة الإسلامية حماس. وأبعد عن فلسطين إلى لبنان عاما كاملا.. إسماعيل هنية الذي كان الذراع الأيمن للشيخ أحمد ياسين، وتعرّض مرارا لمحاولات اغتيال باءت بالفشل.. وكان منزله يستهدف في كلّ عدوان يشنه الصهاينة على غزة.. إسماعيل هنية الذي ختم حياته بشهادة تمنّاها وعمل لها.
إسماعيل هنية قدوة من أفضل القدوات التي نقدّمها لرجالنا وشبابنا وأبنائنا.. يعلّمنا بسيرته ومسيرته أنّ من يعيش لنفسه يعيش صغيرا ويموت صغيرا، ومن يعيش لدينه وأمته يعيش كبيرا ويموت كبيرا.. وكما قال الدّاعية خالد حمدي؛ فـ”هنية” يعلّمنا أنّ الواحد منّا “يستطيع أن يحجز لنفسه مكانا بين أهل الهمم العالية والنفوس الأبية إن أراد، كما يستطيع أن يحجز لنفسه مكانا بين أهل الهمم الدنية السافلة إن اختار ذلك.. وأنّ الخواتيم يصنعها أصحابها بإذن الله؛ فتيسرها لهم مقادير الله بصدقهم.. الخاتمة الحسنة ما هي إلا تتويج لعمر يسخّر لله وفي خدمة دين الله، ومن عاش لشيء مات عليه. الميتة الكريمة ما هي إلا مكافأة نهاية الخدمة لمن يحسن لدين الله الخدمة”.
مسيرة إسماعيل هنية تعلّمنا أنّ النفاق كان في الأمّة وسيبقى إلى أن تقوم السّاعة، لكنّه في كلّ زمان يلبس زيا مناسبا لذلك الزّمان، ويتكلّم بلسان يناسبه.. في الزّمان الأوّل كان المنافقون يتحالفون مع اليهود ضدّ المسلمين، لكنّهم ما كانوا يظهرون ذلك، بل كانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنّا، وها هم في زماننا هذا يتسمّون بأسماء براقة خادعة ويتكلّمون بألسنة الذين آمنوا ويتمظهرون بمظاهرهم، لكنّهم في كلّ بلية تنزل بالأمّة يصطفّون مع الصهاينة، ويطعنون في المجاهدين والمرابطين وفي العلماء الربانيين الذين ينصرون قضايا الأمّة.
مسيرة إسماعيل هنية تعلّمنا أنّ أبواق النفاق تتنوّع بحسب الزّمان والمكان؛ وها هي أبواقه في زماننا هذا -من قنوات ومواقع وصفحات- تحارب رجال الأمّة وتعمل ليل نهار وتنفق أموالا طائلة لتشويه صورة أسود الأمّة والتّشكيك في جهادهم، وتشويه العلماء الربانيين الذين يبلّغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله.. بينما تسعى في تلميع أشباه رجال وأشباه علماء صنعوا على المقاس لتخذيل المسلمين وشقّ صفّهم.
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.