اليمن.. عنصر المفاجأة في معادلة الصراع العربي الإسرائيلي
اليمن.. عنصر المفاجأة في معادلة الصراع العربي الإسرائيلي
محمد بوالروايح
2024/07/28
كتب كثيرون عن نهاية وشيكة لإسرائيل، ولكل مراجعه في ذلك؛ منهم من اعتمد في ذلك على استقراء نصوص القرآن الكريم التي تتوعد بني إسرائيل بعقاب إلهي بسبب نقضهم الميثاق وقتلهم الأنبياء وسعيهم في الفساد. ومنهم من استقرأ نصوص الكتاب المقدس التي تتحدث عن اللعنة الإلهية التي تنتظر اليهود والتي ستكون أشد عليهم من خراب أورشليم والتيه وعمليات السبي التي طالتهم على يد نبو خذ نصر. ومنهم من يعتمد في ذلك على قراءات إستراتيجية وبعض المستجدات المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي، ومن هذه المستجدات فقدان إسرائيل كثيرا من حلفائها في العالم، وكذا العزلة الدولية التي جعلتها أكثر من أيّ وقت مضى كيانا غير مرغوب فيه حتى من بعض من كانوا قبل ذلك مساندين له أو على الأقل يغضون الطرف عن جرائمه في حق الشعب الفلسطيني.
هناك خارج هذه القراءات التي اطّلعتُ على تفاصيلها في المصادر المختلفة التي تحدثت عنها، بعض الدلالات التي أعتمِد فيها على ما ورد في بعض نصوص الحديث النبوي عن روح النصرة التي يتميز بها أهل اليمن للإسلام والمسلمين والتي تؤكدها بعض المواقف اليمنية الشعبية بعيدا عن المواقف الرسمية للقيادة الحوثية التي أعلنت مساندتها المطلقة لأهل غزة وعلى دخولها في خط المواجهة مع الكيان الإسرائيلي ومن يدعمونه باعتراض سفنهم وأساطيلهم التي تمر عبر مضيق باب المندب والتي توفر غطاء للكيان الإسرائيلي وتمده بالدعم اللوجيستي.
يشكل اليمن في اعتقادي عنصر المفاجأة في معادلة الصراع العربي الإسرائيلي، وذلك بناء على ما ورد في الحديث الذي رواه الوادعي في الصحيح المسند عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليهوسلمم: “يخرج من عدن أبين اثنا عشر ألفا، ينصرون اللهَ ورسوله، هم خير من بيني وبينهم“. وعدن أبين -كما ورد في شروح الحديث- هي تلك المدينة المطلة على البحر تمييزا لها عن غيرها. جاء في “الموسوعة الحديثية“ إن عدن أبين هي مدينة عدن التي على البحر تمييزا لها عن مدينة عدن لاعة، وهي مدينة في جبل صبر من أعمال صنعاء الآن، إلى جانبها قرية لطيفة يقال لها: عدن لاعة، وليست عدن أبين الساحلية“.
يشكل اليمن في اعتقادي عنصر المفاجأة في معادلة الصراع العربي الإسرائيلي، وذلك بناء على ما ورد في الحديث الذي رواه الوادعي في الصحيح المسند عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يخرج من عدن أبين اثنا عشر ألفا، ينصرون اللهَ ورسوله، هم خير من بيني وبينهم“. وعدن أبين -كما ورد في شروح الحديث- هي تلك المدينة المطلة على البحر تمييزا لها عن غيرها.
يتحدث الحديث الشريف عن جيش يخرج من عدن أبين، لا يحمل جنوده أيَّ توجهات أيديولوجية أو مذهبية بل يحملون في قلوبهم نصرة الله ورسوله. أقول هذا حتى لا تسارع بعض التنظيمات العسكرية إلى ادّعاء أنها المقصودة بذلك وبأنها ستكون الفئة الناصرة والمنصورة، كما نقرأ ذلك من شعار ما يسمَّى “الجيش الإسلامي عدن أبين“، وهو جماعة جهادية متمركزة في جنوب اليمن، والتي أسسها زين العابدين المهدار، وتصنّفها البحرين وكندا والولايات المتحدة منظمة إرهابية. لا يهمنا هذا التصنيف وهو لا يُلزم إلا أصحابه، ولكن يهمنا فقط أن نؤكد أن جيش النصرة الذي تحدَّث عنه الحديث النبوي والذي يخرج من عدن أبين لا يعني تيارا جهاديا معينا وإن زعمت بعض الجماعات المسلحة اليمنية أنها المقصودة بذلك من أجل كسب ثقة اليمنيين وثقة العرب والمسلمين. إن الذي يخرج نصرة لله ورسوله يكون متجردا من كل هوى مذهبي، ولا يتخذ من الجهاد ذريعة للانتقام من الآخر، كما لا يتخذ منه وسيلة لتبرير أعمال قتالية يرفضها الإسلام، فدماء المخالفين محفوظة إلا بحقها، ومن حقها ألا يتورط هؤلاء في جرائم إبادة كتلك التي يقوم بها الكيان الصهيوني في غزة.
حينما يتحدث الحديث النبوي عن جيش يخرج من عدن أبين فهذا يعني أن الخروج حدثٌ مستقبلي سيقع في قابل القرون والسنين، وأعتقد أن قرنه قد حلّ؛ لأن زيادة وتيرة الظلم الصهيوني تؤشر على أن نهاية الكيان الصهيوني وشيكة، وأن ساعة الحسم قد اقتربت، وأن الكيان الصهيوني يعيش أيامه الأخيرة.
لقد خاض شرّاح الحديث في درجة الحديث الذي ذكرته آنفا، ولكن يبدو أن الواقع يؤكده بما لا يدع مجالا للشك، فقد خرج اليمنيون منذ بداية “طوفان الأقصى” في مسيرات مليونية لنصرة الشعب الفلسطيني، التي ليس بالضرورة أن تكون مؤطرة من قبل فصيل يمني أو غيره، فبين الخارجين ألوفٌ لا يحرِّكها أحد ولا يحفزها شيء من المتاع الدنيوي أو الرغبة في الظهور على الساحة، بل يحركها شيء واحد وهو نصرة الله ورسوله.
اليمن هي موطن الإيمان والحكمة كما جاء في الحديث النبوي: “الإيمان يماني والحكمة يمانية“، ومن إيمانهم نفرتهم رجالا وركبانا لنصرة الإسلام، ولنصرة الشعب الفلسطيني وهي حقيقة لا ينكرها إلا مكابر. إن اليمن هي عنصر المفاجأة المغيَّب في معادلة الصراع العربي الإسرائيلي، وهي التجربة المأمولة بعد فشل كل التجارب العربية منذ بداية الصراع إلى الآن.
إن اعتبار اليمن عنصر المفاجأة في معادلة الصراع العربي الإسرائيلي لا يعني أن نبخس الشعوب والدول العربية والإسلامية الأخرى حقها أو نتنكّر لجهودها في نصرة الشعب الفلسطيني، وفي مقدمة هذه الدول والشعوب الدولة الجزائرية والشعب الجزائري اللذان يعدّان القضية الفلسطينية قضيتهم والعدوانَ على غزة عدوانا على الجزائر. إن مواقف الدولة الجزائرية والشعب الجزائري في ذلك واضحة جلية إلا لمن به صمم أو أصابه العشى الليلي الذي يجعله لا يرى الأشياء على حقيقتها أو يحاول أن يلفها بركام من التضليل الإعلامي الذي يخدم أعداء الأمة العربية والإسلامية.
جاء في كتب التاريخ الإسلامي أن اليمنيين كانوا على مدار الزمن أهل المدد، وأعتقد -ولا نزكي على الله أحدا- أن كثيرا منهم ما زالوا على هذا العهد، فجيوش المسلمين المرابطة في ساحات القتال كان يأتيها المدد من اليمن، ولكن القول باستمرار المدد وشموله لكل أهل اليمن مسألة خلافية بين العلماء لا أودُّ الخوض فيها لا سلبا ولا إيجابا.
لقد استهدفت منظومة الدفاع الصهيوني مدينة الحديدة اليمنية، وردت اليمن على ذلك باستهداف يافا المحتلة “تل أبيب“، وهو مؤشر في نظر المحللين الاستراتيجيين على أن الصراع اليمني الإسرائيلي سيشهد تصعيدا في المستقبل، كما أنه مؤشر على اتساع رقعة الحرب والتي تعني فتح جبهات كثيرة يصعب على الكيان الصهيوني الصمودُ أمامها رغم الترسانة الحربية التي يمتلكها ورغم الدعم الذي يتلقاه من حلفائه، وهذا يعني أن نتنياهو سيضطر لوقف الحرب، لأن المحافظة على كيان إسرائيل في نظره أولى من كسب مواقع جديدة غير مضمونة ومحفوفة بالمخاطر.
كتبت صحيفة “جيروزاليم بوست“ تقول: “الهجوم من اليمن على تل أبيب، ترك السكان في حالة صدمة وشعورهم بالأمن قد تحطّم“. إن أخشى ما تخشاه إسرائيل هي أن ينشأ تكتُّلٌ عربي إسلامي، يمثل مع الوقت تطورا جديدا وخطيرا لا يصب في مصلحة إسرائيل وسيكون أشد عليها من التحالف الإيراني الحوثي وحزب الله. إن إسرائيل -حسب الصحف العبرية- تتابع تطورات الصراع بحذر كبير وتفكر جديا في وقف العدوان قبل أن تلتهمها القوة العربية الإسلامية مدعومة -ولو معنويا ودبلوماسيا- من الدول الغربية واللاتينية والإفريقية الرافضة للكيان الصهيوني -.
أكرر في النهاية بأن هذا المقال ليس دعاية للحوثيين ولا لغيرهم، وليس نكاية بمن يخالفهم، وإنما هو تعبير عن التأييد الشعبي في اليمن للقضية الفلسطينية وعن انتصارهم لمظلومية الغزاويين الذين يواجهون حربا نازية جديدة بكل المقاييس.