يهود شرفاء ومنصفون! ل- حسين لقرع
الرأي
يهود شرفاء ومنصفون!
حسين لقرع
2024/07/27
أحيانا يظهر في هذا العالم المليء ظلما وقسوة وطغيانا للباطل، أناس شرفاء وأحرار من غير ديننا، ينصرون الحق ويتظاهرون للدّفاع عن قضايانا العادلة والتنديد بما يحصل ضدّها من مؤامرات وجور وتعسّف، أو يدلون بشهادات منصفة لها، غير مكترثين بما يمكن أن يلحق بهم من نصب وأذى بسبب مواقفهم الشجاعة.
حدث ذلك حينما خرج الآلاف من طلاب العديد من الجامعات الأمريكية منذ أشهر قليلة، ومنهم طلاب يهود، للتظاهر والاعتصام في حرمها تنديدا بالمذابح الصهيونية المتواصلة بحق الأطفال والنساء في غزة، وحدث منذ أيام قليلة عندما تظاهر نحو 500 يهودي أمريكي في مقر الكونغرس احتجاجا على زيارة نتنياهو لأمريكا، ودعم بلدهم المتواصل للاحتلال بالأسلحة والذخيرة، وطالبوا بوقف حرب الإبادة فورا في غزة. وقد ارتدوا خلال المظاهرة قمصانا حمرا مكتوبا عليها “ليس باسمنا كيهود” و”أوقفوا تسليح إسرائيل”، ونادوا بأعلى أصواتهم بالحرية لفلسطين ودعوا إلى وقف قتل أطفال غزة… وفعلوا ذلك من دون أيّ خوف من التّبعات التي عادة ما يتعرّض لها كل أمريكي ينتقد الجرائم الإسرائيلية، كطرده من عمله ونبذه وتسليط الإعلام المتصهين عليه لتشويه سمعته، كما حدث من قبل للمئات من الطلبة والأساتذة المعتصمين في الجامعات الأمريكية. وقد عمدت قوات الأمن إلى اعتقال نحو 100 منهم، برغم سلمية مظاهرتهم، ما يفضح مجدّدا زيف الديمقراطية الأمريكية وانحيازها السافر إلى الفاشية الصهيونية.
فضلا عن هذه المظاهرة التي أوجعت نتنياهو، فوصف اليهود المشاركين فيها بأنهم “لعبة في يد إيران؟!”، أدلى الطبيب الأمريكي اليهودي مارك بيرلموتر بشهادة مدوّية لقناة “سي. بي. آس” الأمريكية، أكّد فيها أنّه عمل في غزة منذ نهاية أفريل إلى منتصف ماي، وهناك وقف على حقائق مرعبة؛ فما شاهده في القطاع من فظائع لم يشاهده في أماكن العالم مجتمعة؛ فقد رأى أطفالا ممزّقين إلى أشلاء، وآخرين أحرقتهم قنابل الاحتلال بشكل غير مسبوق، وأكّد أنّه عالج أطفالا أطلق عليهم قنّاصة صهاينة النار مرتين، ونبّه إلى أنه لا يمكن أن يصاب طفل صغير برصاص قنّاص مرّتين خطأً، ما يعني أنّه استهداف متعمّد للأطفال قصد قتلهم، وخلص هذا الطبيب اليهودي المنصف إلى أن الاحتلال “يرتكب جرائم حرب لا تطاق”.
يمكن للجنائية الدولية التي تستعدّ لإصدار مذكّرتي توقيف بحق نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، أن تعتمد أيضا على هذه الشهادة من الطبيب اليهودي بيرلموتر، ضمن آلاف الأدلة الدامغة التي تؤكّد أنّ الاحتلال يقوم بجرائم حرب وإبادة وجرائم ضدّ الإنسانية في غزة، وقد أكّدها خطاب نتنياهو في الكونغرس الأمريكي يوم الأربعاء 24 جويلية، عندما ذكّر الأمريكيين بجرائم الإبادة التي اقترفوها ضدّ الملايين من الهنود الحمر، وبإلقاء قنبلتين ذرّيتين على مدينتين يابانيتين، وقتل ملايين المدنيين في حروب كوريا وفيتنام وأفغانستان والعراق، من دون أن يكترثوا بالقانون الدولي ولا بالمحكمة الجنائية الدولية، وقال إنّ الحال في غزة لا يختلف، فما يحصل للأطفال والنساء والشيوخ هناك، يستحقّونه لأنهم يؤيّدون “حماس” أو على الأقل يرفضون الثورة عليها! فماذا تنتظر الجنائية الدولية لتتحرّك بعد هذه الشهادة المدوّية من المجرم نتنياهو؟ وماذا ينتظر العرب والمسلمون المطبّعون ليعلنوا قطع علاقاتهم مع هذا الكيان العنصري الفاشي الذي يقتل الأطفال والنساء عمدا ويعذّب الأسرى ويطلق كلابه حتى على مريض بمتلازمة داون بحي الشجاعية لنهشه ثمّ تركه ينزف حتى الموت؟ لقد حرّكت هذه الجريمة مشاعر الكاتب اليهودي المنصف “جدعون ليفي” بصحيفة “هآرتس”، فكتب عنها مستنكرا هذه الوحشية، وأدان أيضا تعذيب الأسرى الفلسطينيين في سجن “سديه تيمان” واضطرار الأطبّاء لاحقا إلى بتر أيديهم بسبب تركها مقيّدة أشهرا عديدة، وأكّد أنّ كل من يتجرّأ على إدانة هذه الفظائع، يتّهم بـ”معاداة السامية”.. لكنّ المفارقة أنّ همجية هذه الجرائم التي حرّكت مشاعر اليهودي جدعون، لم تحرّك شعرة في رؤوس العملاء العرب والمسلمين، أليس جدعون أشرف منهم؟
خلال زيارة نتنياهو لأمريكا، قاطع كلمته عشرات النّواب من أصل يهودي، وفي مقدّمتهم بيرني ساندرز الذي وصف نتنياهو بـ”مجرم حرب”، وبالمقابل، تمدّ الإمارات “العربية” المتحدة يدها لهذا المجرم البغيض لإنقاذه من أوحال غزة التي تورّط فيها، ومحاولة إكمال ما فشل فيه، من خلال اقتراح إرسال قوات عربية ودولية إلى غزة لإدارتها حتى لا تعود “حماس” إلى الحكم! هذا هو الفرق بين الذي يملك ضميرا حيا يأبى الظلم ولو كان يهوديا، ومن مات ضميره وقلبه ومشاعره العربية الإسلامية تماما، وتشرّب من الخيانة والعمالة وروح التآمر على “أشقائه” حتى الثمالة.