فضاءات بشار

بشار

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
ابو زكرياء ابراهيم
مسجــل منــــذ: 2010-10-15
مجموع النقط: 1769.95
إعلانات


حينما تُستهدف القيم

حينما تُستهدف القيم

المطور أرسل بريدا إلكترونيا2024-07-22

أ.د. عبد المجيد بيرم
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين /

إنّ المستقرئ لنصوص القرآن الكريم يجد حوالي سبعين بالمائة من الآيات تتعلق بالجانب الأخلاقي ، وهذا يؤكد مدى أهمية المنظومة الأخلاقية في حياة الناس إن على مستوى السلوك الفردي أقوالا وأفعالا، أو على المستوى الأسري في العلاقة الزوجية أو في علاقة الأولاد بوالديهم، أو في العلاقة بين الأقارب وذوي الأرحام، أو في علاقة الأفراد في المجتمع، في معاملاتهم أو شراكاتهم أو جوارهم وغير ذلك من وجوه العلائق التي تربط الفرد بالمجتمع، وأيضا في علاقة المجتمعات مع بعضها البعض، ولهذا ربطت كثير من النصوص القرآنية والأحاديث بين الإيمان وحسن الخلق، وقد أجاب النبي -علــيه الصلاة والسلام حينما سُئِلَ: «أيُّ المؤمنين أفضل إيمانا؟» قال: «أحسَنُهم أخلاقًا»….

ذلك أن التحلي بالأخلاق الحسنة يحقق الأمن المجتمعي الذي هو من مقاصد الشارع، وهو ما يفسر وجود آيات وأحاديث كثيرة تصف ما يَدِقُّ ويسري في النفس الإنسانية من مشاعر وأحاديث وما ينتج عنها من محاسن الأخلاق ومساوئها، ومن تفصيلات دقيقة قد لا يلتفت إليها الناس ،أو يلقون لها بالا مما يكون بينهم، أحاط بها الهدي النبوي وأرشد فيها إلى أقوم سبيل، والمكتبة الإسلامية زاخرة بالمصنفات سواء ما تعلق منها بكتب التفسير أو المصادر الحديثيّة، وكتب التزكية والرقائق والشعر والأدب، التي اعتنت بالارتقاء بالأخلاق وإحاطة المجتمع بسياج من القيم ، منعا لتسلل عوامل الفساد والانهيار إليه، فالإسلام الذي شرّف الله به البشرية هو دين المكارم والفضائل ، وحسبنا أن نذكر بالغاية من البعثة النبوية في قوله صلى الله عليه وسلم :»إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، والأحاديث النبوية في الترغيب في تمثّل هذه السلوكيات والأخلاقيات والاغراء بالتخلق بها للحصول على المجاورة النبوية في الآخرة مدعاة للتمسك بها ،كما أخبر من زكاه الله في كتابه: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } [سورة القلم:04].

النخب الفكرية ودورها في توجيه المجتمع
إنّما الأمة بعلمائها ومفكريها وباحثيها ومثقفيها؛ فهم قَلْبُها النابض وعقلها المفكر، وهم قادتها وقدوتها، وحُماتها وحراس قيمها، من كل ما يتهدّدها من المخاطر، لذلك فإنه من المنتظر والمتوقع من هذه النخب أن تضطلع بتقوية المناعة المجتمعية برفع منسوب الوعي وغرس الاعتزاز بالدين والقيم في النفوس، والارتقاء بذائقة أفراد الأمة، وتعزيز قيم الجمال لديها، فإن من أسماء الله الحسنى الجميل، وتعمل على صدّ كل ما من شأنه أن يلقي بها في مستنقعات الجهل والتخلف وبراثن الرذائل والفحش.
إنّ التحديات التي تواجهها أمتنا في ظل العولمة الغربية التي اكتسحت بتكنولوجيتها العالم أجمع، فاخترقت الحدود وعملت بكل ما أوتيت من قوة في ظلّ ضعفنا على إثبات ذاتها بإلغاء الآخر، وهذا هو ديدنها دائما، حرصت على تصدير الأخلاق التي تتبنّاها، وفرضها بدعوى أنّها تمثل القيم الإنسانية العليا ،كلّ هذا يقع مع تباين الهُوة بين العالم المتقدم والعالم الآخر، فالأول ينتج والآخر يستهلك، والأول يخطط والآخر ينفذ، وهي تبذل في ذلك ضغوطا على الأمم والشعوب من خلال التقارير السوداوية التي تفصلها الجهات المتعددة -حسب مصالحها- في المجال الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.

أرباب الأقلام بين البناء والهدم
كثيرا ما تجد هذه الدوائر الغربية فئة تعاني الاغتراب في المجتمع تدافع عن مصالحها وتوجهاتها، وتنقسم هذه الفئة إلى نوعين، أحدهما ينطلق من غيرة صادقة على مجتمعه ويرى أنّه لا مجال للحاق بركب التقدم إلّا بتتبع الغرب حذو القُذّة بالقذّة، حتّى وإن اختلفت المنطلقات والقيم الحضارية، والآخر ينظر إلى هذه المجتمعات نظرة استعلاء، ويعتقد أن ما يصدر عنه لا يقبل النقد أو التعليق، حتى ولو تحول إلى معول هدم لمــُـــقُوِّمات الأمّة -من حيث يشعر أو لا يشعر- بأي وسيلة كانت وتحت أي مبرر ، يتنكرون لهوية الشعب وقيمه بذرائع مختلفة ، تارة باسم حرية الإبداع أو حرية الرأي ،وتارة أخرى باسم الواقعية، فتعكس كل ما تنتجه أقلامهم وقرائحهم هذه النظرة الدونية، ولا تكتب أكفهم إلا فيما يرزح تحته المجتمع من آفات ورذائل، وعيوب، وهي موجودة في كل بلد، وتُغفِل ما يزخر به من نماذج مشرفة.
وقد قال الشاعر يوما:
ويرى الشوك في الورود ويعمى  أن يرى فوقها الندى إكليلا
ومن نماذج ما ذَكرتُ رواية احتدم حولها الجدل هذه الأيام بين المثقفين وفي وسائل التواصل الاجتماعي، قدمت مدينة جزائرية بصورة مقرفة فيها تسويق لنموذج يرضي المستعمرين الذين غادروها رغم أنوفهم، وتجاهلت الجانب المشرق لهذه المدينة مدينة الصلحاء والأولياء والعلماء والشهداء والحفظة ، المدينة التي قاومت الحملات الاسبانية مدة ثلاثة مائة سنة ،لتحافظ على هويتها وانتمائها، وحري بأرباب الأقلام أن يسلطوا الضوء، في ظل الإحباط والمثبطات التي تحيط بالنّاس على قدوات رائدة تشحذ هممهم وتبعث فيهم القوة وتحيي فيهم النخوة ،ومعاني ترتقي بأذواقهم ، وجماليات تنشرح لها الصدور وتلذ بها الأسماع وتميل إليها القلوب لا أن يَصِفوا ما يُقال أو ما يجري في الأماكن المظلمة والعفنة وما يقع فيها من سوء الفِعال وسيئ الأقوال، فقد وصف القرآن الكريم والحديث النبوي أوضاعا إنسانية مختلفة بأسلوب رائِقٍ راقٍ ، وأبدع كتاب وروائيون بأعمال خالدة وصفت كل ما يعتري الانسان من ارتقاء وارتكاس بطريقة لا تمس كرامة ولا تخدش حياءً
والنّاس اليوم في أمسّ الحاجة إلى أن يتكاتفوا للسمو بأمّتهم لتحقيق نموذج مجتمع يسوده العدل والنصيحة والتكافل والايثار وينتفي منه الظلم والكراهية والانانية والاستعلاء، وتعلو فيه الفضائل، وهذا المقصد النبيل لا يتحقق إلا بتضافر الجهود من مؤسسات التنشئة الاجتماعية والنخب لتحصين الأفراد والمجتمع في عالم سريع التغير وقوي التأثير ومتعدد الأنماط ومتحرر من القيود.
وقديما قال الشافعي:
وما من كاتب إلا سيفنى  ويبقي الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شيء  يسرك في القيامة أن تراه


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة