يدعي الطب ويموت بالعلّة / ل- الكاتب- محمد الهادي الحسني
يدعي الطب ويموت بالعلّة
محمد الهادي الحسني
2024/07/21
منذ خمسين سنة ونيّف صدر كتاب لفرنسي هو عند قومه ذو مقام معلوم اسمه جان فرانسوا ريفالي، وقد أحدث الكتاب ضجة كبرى إن لم تكن لمضمونه فلعنوانه الذي هو بلسانه “Ni Marx, Ni Jésus”، أي: “لا ماركس، ولا عيسى”، وللأسف فقد عرّب الكتاب من غير احترام لعنوانه الذي صار: “رياح التغيير الجديدة” ومعربه هو فؤاد مويساتي، ونشرته دار الآفاق الجديدة في بيروت، وصدق من قال: “الترجمة خيانة”.
ارتأى هذا الكاتب الفرنسي أن حلّ مشكلات العالم وأزماته ليس فيما جاء به عيسى بعدما صبغ بالصبغة الإغريقية والصبغة الرومانية، وليس فيما أوحى به الشيطان لكارل ماركس أي الشيوعية.
وإذا كان جان رانسوا ريفال قد أصاب في اعتباره “حل أزمات العالم ليس في النصرانية المحرفة، وليس في الماركسية التي ارتكست بالإنسانية على دركة الحيوانية، فإنه قد أخطأ في الحل الذي اقترحه، وهو التأسي بـ”النموذج الأمريكي”، وانقسم الناس قسمين فمنهم من آمن بـ”المبشر” بالنموذج الأمريكي، ومنهم من كذّب به وبـ”رسوله”.
إن ما انتهت إليه الولايات المتحدة – على الباطل- الأمريكية بعد نصف قرن من “النبوة الريفالية” دليل قاطع “برهان ساطع على كذب هذه “النبوة”، وقد تبين للأعمى والبصير، والمجنون والعاقل أن “النموذج الأمريكي” عاجز عن حل مشكلات المجتمع الأمريكي فضلا عن أن يتطلع إلى حل مشكلات العالم التي تعتبر أمريكا بسياساتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أحد أسبابها، بل أهم أسبابها.
إن ما تعانيه أمريكا اليوم من مشكلات يجعلها مثلا مجسدا ومجسدا للمثل الشعبي الجزائري القائل عمّن يزعم أنه وإن كان الأخير زمانه لآت بما لم تستطعه الأوائل – كما يقول أبو العلاء المعري، هذا المثل الجزائري الحكيم هو: “يدّعي الطب ويموت بالعلة”.
إن أمريكا تغرق في أزماتها الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، ولكنها تغمض عينيها، وتدس رأسها – كالنعامة- في التراب، وعلى العالم أن يتوحد للوقوف في وجه من يريد قيادته بعقلية الـ cowboy .
وقد صدق الإمام محمد البشير الإبراهيمي الذي “لم يؤمن” بـ”المتنبي الأمريكي، ورآه مثلا سيئا، حيث كتب منذ أكثر من سبعين سنة يقول: “أمريكا كشكول جمعته القوانين المصلحية، والاجتماع المادي، وسيأتي يوم ينتشر فيه الحقد، فينتشر ذلك العقد”.
(آثار الإمام الإبراهيمي، ج5، ص 102)، ومن رأي العنصرية الأمريكية، وتوحش رأسماليتها، وهجوم صعاليكها على الكونغرس، ومحاولة اغتيال “نبيها المجنون” وغير ذلك أدرك معنى كلام الإمام الإبراهيمي الذي –باعتباره مؤمنا- ينظر بنور الله.