فضاءات جنين بورزق

جنين بورزق

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
حجيرة ابراهيم ابن الشهيد
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 3275.65
إعلانات


شعراء فلسطين.. حراسها... / ل-أحمد عبدالمعطى حجازى

شعراء فلسطين.. حراسها

الأربعاء 18 من محرم 1446 هــ 24 يوليو 2024

أحمد عبدالمعطى حجازى

اليوم أحدثكم عن الشعر الفلسطينى، هذا الفن الذى أدى فى نضال الفلسطينيين ضد المستعمرين الصهيونيين دورا يجب أن يعرف، ويستمر، لأن الصهيونيين الذين استطاعوا أن يحتلوا أرض فلسطين لا يستطيعون أن يحتلوا لغتها وشعرها الذى أصبح حارسا من حراسها يواسى الفلسطينيين، ويحمسهم، ويذكرهم بتاريخهم، ويهون عليهم التضحية التى لابد أن يقدموها ليحفظوا لوطنهم وجوده الحى، ويتحدوا فى مواجهة الغاصبين، ويواصلوا نضالهم حتى يستعيدوا وطنهم المغتصب. فلسطين الآن تسكن فى قصائد شعرائها وتحتمى، وتنتظر يوم الخلاص الذى ستقهر فيه أعداءها وتنتصر. والشعر الفلسطينى بالنسبة لنا نحن أشقاء الفلسطينيين هو طريقنا لرؤية هذا البلد الحبيب الذى نحلم به ولا نراه، مروج غزة، وخمائل يافا، وسفوح الجليل، القدس، وعسقلان، وعكا، وصفد. فلسطين كلها فى شعر شعرائها الذى لا نعرفه، والأسباب متعددة، وأولها أن الشعر بالنسبة للشعراء الفلسطينيين أو معظمهم نوع من النجوى، حديث مع الذات ومع الوطن المختطف، يخلص فيه الشاعر لنفسه، ويتخلى عن الرغبة فى التعبير عن قدراته، وفى تقديم نفسه للآخرين. الشعراء الفلسطينيون مكتفون بما يملكون، ينبوع الإلهام، وهو وطنهم، وإحساسهم المرهف، وضميرهم اليقظ، ولغتهم الغنية الحية، وثقافتهم الواسعة، وحاجتهم الملحة للخلق والإبداع. ليس معنى ذلك أنهم لا يهتمون بغيرهم، وإنما المعنى هو أنهم صادقون مع أنفسهم، يلبون نداء وجدانهم، ويحولون انفعالاتهم إلى شعر يكتفون بنشره، ويصبح علينا نحن أن نقرأه ونتعرف عليه، وهو ما لا نقوم به بالقدر الذى يستحقه. لقد شغلتنا المأساة الفلسطينية التى توالت فصولها العنيفة طوال العقود الماضية، فلم نلتفت، كما كان يجب للنشاط الثقافى الفلسطينى، وهو نشاط غنى متنوع ازدهر فى مجالات متعددة، أولها الشعر كما هو متوقع، لأن الشعر هو ميراث الآباء والأجداد، لكن القصة استطاعت أيضا أن تجد لها مكانا فى الأدب الفلسطينى الحديث، ومن الأسماء المعروفة فى كتابها إميل حبيبى، وغسان كنفانى ـ كما وجدت الفنون الجميلة أيضا مكانا لها، ومن الأسماء المعروفة فيها المصور إسماعيل شموط، ولاشك فى أن الفنون الأخرى كالمسرح، والموسيقى، والغناء وجدت هى أيضا من يحتفل بها ويعبر بها عن انفعالاته بما يحدث له ولشعبه ولوطنه. غير أن الشعر هو الفن الذى استجاب بسرعة لهذه الحاجة، وعبر قبل غيره ولا يزال عما يعانيه الفلسطينيون من آلام مبرحة وحنين جارف لا يهدأ للوطن المغتصب، وشعور فادح بالظلم والوحشة، وانتظار ليوم يتحقق فيه العدل ويعودون فيه لوطنهم. وقد عدت لقاموس الشعر والشعراء الذى يرجع الفضل فى صدوره للدكتور يوسف نوفل أحصى عدد الشعراء الفلسطينيين الذين ظهروا فى هذا العصر الحديث فوجدتهم نحو سبعمائة وخمسين شاعرا وشاعرة، وقد لفت نظرى هذا العدد، كما لفت نظر فيه عدد النساء المشاركات فى ديوان الشعر الفلسطينى، ومنهن فدوى طوقان، وسلمى الخضراء الجيوسى، ومى زيادة، لكنى لم أستغرب، لأن الحاجة إلى الشعر ليست للرجل وحده، بل هى حاجة إنسانية أصيلة، وخاصة فى مثل الظروف التى يعيش فيها الفلسطينيون ويتعرضون فيها كل يوم للفقدان، ثم إن اللغة ملك للجميع، لكننا لا نعرف من هذا التراث الحافل إلا ما ساعدت بعض الظروف على إذاعته ونشره، ولأن ما يحدث فى الأرض الفلسطينية المحتلة التى سميت إسرائيل يشد أنظارنا وأفئدتنا إليها تعرفنا على شعرائها الذين فاجأونا بأنهم موجودون، وبأن وطنهم السليب حاضر بقوة فى أشعارهم، وبأن المستعمرين الصهاينة لم يتمكنوا من انتزاعهم منه أو انتزاعه منهم، أتحدث عن محمود درويش، وسميح القاسم، وتوفيق زياد، وسالم جبران وغيرهم، فلم نتعرف بالقدر ذاته على الأسماء التى ظهرت قبلهم، ومنها عبدالكريم الكرمى، وإبراهيم طوقان، وعبدالرحيم محمود، وإبراهيم الدباغ الذى استوطن مصر. كما فعل شعراء عرب آخرون عاشوا معنا فى النصف الأول من القرن الماضى مثل خليل مطران اللبنانى، وعبدالمحسن الكاظمى العراقى، ومثلهم الشعراء الفلسطينيون الذين اضطروا مغادرة وطنهم بعد النكبة، وعاشوا لاجئين فى بعض الأقطار العربية، ومنهم يوسف الخطيب الذى عاش فى سوريا منذ بداية الخمسينيات فى القرن الماضى حتى رحل فى العام الحادى عشر من هذا القرن، وهو فى الثمانين من عمره. وقد تعرفت على هذا الشاعر فى الخمسينيات الأخيرة من القرن الماضى عندما جاء إلى مصر ليعمل فى إذاعة صوت العرب، وهو شاعر متمكن أعطى نفسه وموهبته كلها لوطنه، فلم ينظم فى غير فلسطين التى رحل عنها، وهو فى السابعة عشرة من عمره، وأنت تقرأ قصيدته، فترى نظما بالمعنى الحقيقى الذى يكون فيه كل شىء فى موضعه، الكلمة فى موضعها داخل الجملة، وداخل المعنى الذى تعبر عنه، والجملة فى موضعها داخل البيت وداخل القصيدة، والبيت يفتح الطريق للقافية، والصورة والموسيقى متعانقتان، والحداثة فى القصيدة تختزن التراث وتنطلق منه وتستحضره بما تشير إليه. من هنا نفهم ما قاله يوسف الخطيب عن الطريق الذى اختاره لنفسه، قال إنه ابتعد عن الطريق المعتاد الآمن، واختار طريقا وعرا غير مطروق، ولهذا اختلف عن غيره وتمكن «من تفجير العديد من استطاعات اللغة العربية وعروضها المعجز... وفى كل الأحوال لا أذكر أننى كتبت قصيدة واحدة إلا وكان هاجسى الرئيسى فيها هو أن أرتفع أنا وقصيدتى إلى مستوى قدس أقداس القضية الفلسطينية». ومن الطبيعى أن يكون هذا الشاعر المغامر الذى يسلك للشعر الطريق الوعر غير المطروق ـ من الطبيعى أن يكون مكتشفا لا يكتفى من اللغة بالوجه الذى اعتادت أن تقدمه، وإنما يتولى هو الكشف والانتقال من الوجه المعتاد إلى الوجوه المتعددة التى لا تفصح عنها اللغة إلا للمواهب الحقيقية تميز بينها وتختار منها، وبهذا تؤدى الدورين معا، دور الشاعر ودور الناقد، وهما فى الحقيقة دور واحد يؤديه يوسف الخطيب بمهارة:

يافا مؤرقتى،

يافا الرحيل لها،

يافا الجنون...

أنادى الله من جبل

ربى..

أفض نورك الرسلى فى

ألق الصحراء..

من ألق دربى

ويعتم فى قلبى السبيل لها..

ربى...

وما برحت نهب السراب

خطى شعبى...

أما أفق يوحى إلى

أما شلالة من رحاب الضوء

تغمرنى!!


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة