الفوائد الاجتماعية والاقتصادية لفريضة الزكاة
قال تعالى: “وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون”، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: “بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان”.
الزكاة في الإسلام ليست مجرد عمل طيب من أعمال الخير والبر، ولكنها ركن أساسي من أركان الإسلام، وشعيرة من شعائره الكبرى، وعبادة من عباداته، وعمود من أعمدته، وحقُ الله في أموال المسلمين الذين وجبت عليهم، وهي من العبادات المالية.
ولقد أجمع الفقهاء وخبراء الاقتصاد الإسلامي على أن للزكاة دورا كبيرا في تنمية المجتمعات والإصلاح الاقتصادي، كما أنها تساهم في علاج الفساد الاجتماعي والاقتصادي وتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية.وإذا ما التزم المسلمون بإخراج زكاة أموالهم كما أمرهم الله بذلك، فإننا سنقضي على الكثير من الآفات الاجتماعية، وستزول الكثير من المشاكل الاقتصادية التي يتخبط فيها المجتمع.
وابتداء، فإن لفريضة الزكاة أثرا كبيرا في تزكية نفس المزكي وتطهيرها من الرذائل الروحية والنفسية والسلوكية، قال تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم}.وتتمثل أهمية الزكاة في أنها من محاسن الإسلام الذي جاء بالتكافل، والتراحم، والتعاطف، والتعاون بين المسلمين، وبالأمن، والرخاء لهم، فقد جعل الله الزكاة طُهرة لصاحبها، وتنمية حسية ومعنوية له، وإعانة من أصحابها لإخوانهم المستحقين لها، فالإسلام دين التكافل الاجتماعي، حيث يكفل للمحتاج ما يعينه على حياته من مال الزكاة، ويكفل للغني حرية التملك لماله لإتيانه الزكاة، حيث تزيد الزكاة الثقة بين أفراد المجتمع، وتساعد في الترابط الاجتماعي، بسبب التعاون الذي تفرضه على جميع الأفراد بالتساوي، كما أنها تقوم بتوطيد العلاقات الاجتماعية.
ومن أهم فوائد الزكاة أنها تعمل على المساواة الاقتصادية بين أفراد المجتمع، فهي تخفف من الفقر في المجتمع، وتساعد على المساواة الاقتصادية، وتحسن الأوضاع المالية للفقراء والمحتاجين، وتساعدهم على تلبية أهم احتياجاتهم المعيشية. فمن بين مقاصد الإسلام رفع مستوى الفقراء والمساكين وتحويلهم إلى طاقة إنتاجية في المجتمع، فلا يقتصر الأمر على إعطائهم إعانة وقتية، بل يمكن أن نشتري لهم وسائل الإنتاج مثل الآلات الحرفية والحيوانات.
والزكاة تقي بإذن الله من شح النفس وحرصها الشديد على المال، قال تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}.ومن شأن شعيرة الزكاة العظيمة أنها تساهم في محاربة الفقر والبطالة في المجتمع، وتوفر للناس الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية، فعن ابن عمر رضي الله عنه قال: فرض رسول الله صلّى الله عليه وسلم زكاة الفطر، وقال: “أغنوهم في هذا اليوم”.
ومن حكم الله البالغة في تشريع الزكاة حفظ المال، وهو أحد الضروريات الخمسة، فالزكاة تحفظ الأموال، وتروجها بين الناس، وتوصلها إلى جميع الأيدي المستحقة، سواء في ذلك الفقراء والأغنياء، والقادرين على الكسب وغير القادرين.
زكاة المال تعمل على القضاء على مشكلة تكدس الثروات في يد فئة قليلة واتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء، فهي تنمي موارد الفقير والمسكين والمثقل بالديون من ناحية وتحفز الغنى ليساعده.
والزكاة مورد عظيم من موارد بيت المال المسلم، يعين الدولة على رفع اقتصادها وسد حاجة عدد ليس بقليل من رعاياها.. ثم إن لها مصارف أخرى، كلها فيها مصالح للدين والدنيا معا.فبالزكاة تسود المحبة والإخاء، وبالزكاةِ تختفي الشحناء والبغضاء، وعدم إخراجها طريق الفسادِ، وهلاك العباد، وخراب البلاد، وسخط رب العباد.
وحتى نحول هذه المفاهيم والأسس والمبادئ إلى واقع عملي، يجب أن يكون لدينا تخطيط استراتيجي زكوي، يترجم إلى برامج وإنشاء مؤسسات زكوية تساهم في علاج الفساد الاقتصادي المستشري، ويتطلب ذلك إصدار قوانين للزكاة، وإنشاء صناديق الزكاة، لتقوم بدورها في تحصيل الزكاة وإنفاقها في مصارفها الشرعية.
بقلم : الدكتور عبد الحقّ حميش
15 جولية 2024 (منذ 4 أيام)