الصهاينة مُتحكّم فيهم ولا يحكمون شيئا!!
إن المعارك الحقيقية والحاسمة والاستراتيجية هي المعارك التي تتم في هدوء، ويكون ميدانها النفوس والعقول والقلوب، فمن اخترق فكر عدوِّه وعقلَه ونفسه وقلبه سينتصر عليه ما دام مخترقا له، وإن من صنع الصهاينة ويرعاهم من الغربيين قد برعوا في صناعة الأوهام وإشاعة الخرافات، وأتقنوا التلاعب بالعقول، وإن أخطر وهم صنعوه وأقنعوا به عموم العرب والمسلمين أن الكيان الصهيوني قوة لا تقهر ولا تهزم، وأن الصهاينة يتحكمون في الغرب والعالم!.
والحق أن هذا خرافة ووهم، فالصهاينة هم جماعة وظيفية وظفها الغرب للسيطرة الاستراتيجية على الدول العربية وما يسمى الشرق الأوسط، ولتكون شرطي المنطقة الذي يحمي مصالح الغرب عامة والولايات المتحدة خاصة بعد وراثتها لمكانة الإمبراطورية البريطانية التي كانت المنشئ الفعلي للكيان الصهيوني، والحق أيضا أن الجماعات اليهودية المختلفة كانت تشكل مشكلا حقيقيا وواقعيا في كافة الدول الأوربية بما عرفوا عنه من انحرافات سلوكية وشذوذ، والعقل الأوربي لا يفكر إلا بطريقة عنصرية استعمارية فلم ير الأوربيون الحل إلا في استعمار بقعة من الأرض يهجر إليها الجماعات اليهودية فترتاح أوربا من وجودهم وخبثهم، فكان المقترح الأول الأرجنتين، ثم فكروا في أوغندا ثم اهتدوا إلى فلسطين، التي رأوا أنها الأنسب؛ لإمكانية استغلال العنصر الديني في إقناع اليهود بالهجرة، وذاك الذي كان.
ومن المضحك المبكي أن الصهيونية استغلت الديانة اليهودية رغم أن مؤسسيها وفي مقدمتهم هرتزل كانوا ملاحدة، ولا يزال أغلب الصهاينة في فلسطين وخارجها إلى اليوم ملاحدة ولا أدريون!
لقد كان الأستاذ رجاء جارودي رحمه الله دقيقا وعميقا حين عنون كتابه حول الكيان الصهيوني بــ ((الأساطير المؤسّسة للسياسة الإسرائيلية))، فالكيان الصهيوني ما هو إلا أسطورة وخرافة صنع لنفسه قوة أسطورية خرافية لا وجود لها في الواقع، تستند على مجموعة خرافات وأساطير أكثرها شيوعا: خرافة سيطرة اليهود على العالم وعلى أمريكا!، وهل يصدّق هذا عاقل؟!
وقد ناضل الأستاذ عبد الوهاب المسيري رحمه الله نضالا فكريا مستميتا في فضح هذه الخرافات، وقدم جهودا علمية قيمة ومشكورة في فهم الصهيونية والكيان الصهيوني فهما واقعيا من غير تهوين ولا تهويل، ولا ريب أن معرفة العدو وفهمه على حقيقته أول معركة يجب الانتصار فيها، وقد بين الأستاذ المسيري [وغيره] بتحليلاته المنطقية المتماسكة أن الكيان الصهيوني لا يعدو أن يكون حلقة من حلقات الاحتلال الغربي الأوربي لإفريقيا وآسيا، مثله مثل الاحتلال الفرنسي الاستيطاني في الجزائر، والاحتلال الإنجليزي لجنوب إفريقيا، وهذا الجيب الاستيطاني صنعه الغرب لتحقيق مصالحه وحمايتها، فهو بالنسبة للغرب كما قال الأستاذ جمال حمدان: “قاعدة متكاملة آمنة عسكريا، ورأس جسر ثابت استراتيجيا، ووكيل عام اقتصاديا، وعميل خاص احتكاريا”، وهذا أمر يقرره كل المفكرين الغربيين وحتى الصهاينة قبل المفكرين المسلمين الفاهمين لحقيقة الأمر وعمق الصراع، ومعنى هذا أن الغرب هو الذي يحرك الكيان وهو الذي يتحكم فيه، وهو الذي يحدد له وظيفته وحدوده، وطبعا هو الذي يدعمه ويحميه. فهذه هي الحقيقة وليس كما هو الفهم (الشعبوي) المسيطر على عقول كثير من العرب والمسلمين الذي يتوهم أن الصهاينة أو اليهود يسيطرون على دول العالم والغرب والولايات المتحدة.
إن الكيان الصهيوني هو استثمار أمريكي مربح، فأمريكا هي التي تتحكم في الكيان وتسيره وتسطر له خططه، وهذه الحقيقة البينة ما عادت تخفى على أحمق فكيف على عاقل بعد طوفان الأقصى وانفضاح السياسة الأمريكية التي قادت الحرب من أول يوم وشاركت فيها مشاركة معلنة، وهي حقيقة قديمة أعلنها زعماء الصهاينة منذ عقود من الزمان، فقد قال الخبيث أرييل شارون عام 1982 “إن المعونات التي قدمتها الولايات المتحدة للكيان الصهيوني لا تزيد على 30 مليار دولار، أما الخدمات [ركّز على كلمة خدمات] التي قدمتها إسرائيل للولايات المتحدة فتفوق 100 مليار دولار”، ثم قال: “إن الولايات المتحدة لا تزال مدينة لنا بسبعين مليارا من الدولارات”. [الصهيونية وخيوط العنكبوت، ص 159]. وحين نفهم هذه الحقيقة ونكفر بخرافات التفوق اليهودي وبرتوكولات حكماء صهيون السخيفة.. إلخ نكون قد خطونا الخطوة الأولى للانتصار على الصهاينة وحلفائهم في الداخل والخارج.
وما لي أذهب بعيدا من أجل بيان أن الصهاينة لا شيء، وأنهم عبيد الغرب يخدمون مصالحه ليحميهم، ويتحكم فيهم ولا يتحكمون في شيء حتى في أنفسهم، والقرآن الكريم يقرر بوضوح ذلّ يهود لولا دعم الناس لهم: {ضُرِبت عليهم الذلة أين ما ثُقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضُرِبت عليهم المسكنة..} وحبل الله تعالى انقطع عنهم منذ قرون، فلم يبق لهم إلا حبل أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وباقي دول الغرب. وأعجب لمسلم يصدق برتوكولات حكماء صهيون المزعومة ويكذّب القرآن العظيم الذي {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد}.
بقلم : الدكتور يوسف نواسة*
18 جولية 2024 (منذ 21 ساعة)