فضاءات بشار

بشار

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
ابو زكرياء ابراهيم
مسجــل منــــذ: 2010-10-15
مجموع النقط: 1724.03
إعلانات


ضمانة النّصر في هذا الإيمان بقلم: محمّد الغزالي

الرأي

ضمانة النّصر في هذا الإيمان

بقلم: محمّد الغزالي

2024/07/13

اكتنفت الأحزاب آطام يثرب ولمعت عيون الكافرين الوافدين من كل فج ببريق الإصرار على أن يستردوا من المسلمين ثأرهم، وعلى أن يضربوا محمدا -عليه الصلاة والسلام- وأنصاره ضربة تطوي أعلام هذا الدين الناهض، وانطلقت الخيل تهمهم حول حوافي الخندق المحفور فلا يردها إلا الموت الجاثم في قراره السحيق، وامتدت الخيام حول لابتي المدينة تضرب حصارها الخانق، وفي صدور أصحابها غل مكظوم، يود لو تنطبق هذه الجبال الشامخة حول مهجر المسلمين المجاهدين فتسلبهم الروح المنطوية على الحياة والجهاد معا!

وفي داخل المدينة حال غريبة النقائض؛ فالإيمان المذخور في هذه القلوب الكريمة كان من شأنه أن يشيع الثقة في جوانب النفس. وينتظر من خلال الغيب بشائر النجاة المرجوة في جوار الله، ولكن أنى هذا والواقع المفزع يتربص بهم على مدى سهم٬ وجهاد الأعوام الطوال يوشك أن يأتي عليه هذا الحصاد الشيطاني من مناجل قريش وحلفائها: ((إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا)).

وفي هذه الساعة الحرجة، وجد الضعفاء من مرضى القلوب جوا يتنفس فيه نفاقهم، ويتحرك فيه لؤمهم، وماذا عليهم إذا استغلوا هذه المفارقة التي يعاني المسلمون شدتها ليضحكوا ملء أفواههم، وليرسلوا النكات الساخرة من قوم كانوا إلى أمد قريب يتحدثون عن مبادئهم التي ستسود الدنيا٬ وهم اليوم لا يأمن أحدهم أن يخرج من داره، بل هم -كما يرجف المنافقون- سيكونون بعد أيام ما بين قتيل وأسير.. واليهود؟ لقد نقضوا معاهدة الصداقة في هذه الفترة العصيبة، وسعى رسلهم إلى قريش يفاوضونهم في تدبير هجوم مشترك على أصدقاء الأمس.. وهكذا أحكم أعداء الله مؤامراتهم وبيتوا وقيعتهم: ((و يمكرون و يمكر الله والله خير الماكرين)).

وكان الرسول الأعظم -عليه الصلاة والسلام- في هذه الأيام على ما يعهده أصحابه رسوخا وسموا، عملت ذراعاه في حفر الخندق وتهشيم صخره ورفع ثراه، واختلط العرق المتصبب بالغبار الثائر من هذه الجهود المتواصلة، وكانت حناجر المجاهدين ترتفع بين الحين والحين بغناء حماسي، تستريح على نشيده نفوسهم المتعبة، ويتجدد على يقينه نشاطهم الدائب: والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا وحقا.

كانت حدود المدينة على من بها من المؤمنين أشبه بجدران المصيدة ولكن في وسط هذه الأمواج المقنطة كان في المدينة رجال تتساقط هموم الدنيا عند أقدامهم.. التفوا حول الرسول الأعظم -عليه الصلاة والسلام- ولا شيء في قلوبهم إلا العزم المبرم على مواصلة الكفاح معه، والسير في أنحاء المدينة المهددة يغالبون دعاية المترددين، ويبثون معاني الرجاء في نفوس الناس، كأن لسان حالهم ينطق: بأنه علينا أن نثبت قدر ما تطيقه قوى البشر، وعلى الله -بعد- كشف الكربة وإزاحة الغمة: ((ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما)). أهي الوقيعة بين قريش واليهود، أم هو التفكك بين قبائل العرب تفككا جعل صفوفهم لا ترغب في إطالة الحصار؟ أم هو سوء الأحوال الجوية التي عاكست الهاجمين من ريح وبرد؟ أم هي أشياء أخرى غير ذلك؟

قل ما شئت في تعليل الهزيمة التي نزلت بأعداء الإسلام فلطمت خيلهم، واقتلعت خيامهم، وأذلت كبرياءهم، وردتهم خائبين، ولكنك مهما قلت فلن تصل إلى سبب عقلي يعتمد على مقدمات مادية ظاهرة لهذا النصر الذي سيق إلى محمد -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه، وإنك تصيب صميم الحق إذا قلت إن هذه النعمة المسبغة على المسلمين كانت تفضلا أعلى، ساقه الله الذي يذل من يشاء ويعز من يشاء٬ كانت نصرا آتاه الله هذه الطائفة المصابرة المحتسبة الموقنة.. إن اليقين الإسلامي قد كفل من التماسك بين أبنائه ما جعل بناءهم تهزه الحوادث هزا، ولكن لا تسقط منه لبنة، ولا تحدث فيه فجوة، فبقى على هول الأحداث شامخا شاهقا يرتد عنه الطرف وهو حسير!

ورجع الرسول -عليه الصلاة والسلام- إلى بيته ليخلع عنه درعه ويستجم قليلا بعد هذا الجهاد الشاق، فألقى الله في روعه أن جبريل لم يخلع درعه بعد٬ لقد سبقك إلى ديار اليهود الغادرين يحاسبهم على ما قدموا٬ فعاد المسلمون كرة أخرى يستأنفون الحرب والنضال، ولكنهم في هذا الدور من المعركة مهاجمون محاصرون بعد أن كانوا مدافعين محصورين: ((ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطؤوها وكان الله على كل شيء قديرا)).

وبعد: فإذا ظن أحد أن القوة المادية هي كل ما ينبغي أن نحرص عليه ونسعى إليه، فلتكن له من هذه الموقعة عبرة.. إن المسلمين اليوم بحاجة إلى الإيمان اليقظ قبل حاجتهم إلى أسباب الغلب المادي. (تأملات في الدين والحياة).


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة