أ.د. عبد المجيد بيرم
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/
كثيرا ما يتردد هذا السؤال، وقد مضى على هذا النزيف أكثر من ثمانية أشهر، ولا يظهر في الأفق بصيص أمل لتوقف آلة القتل والتدمير والتجويع و الهمجية الصهيونية في حق الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ، يبقى هذا السؤال بلا جواب حاسم، ولا أحد يستطيع أن يتنبأ بالمستقبل على وجه اليقين، وإنّما الأمر يخضع لسنن ثابتة لا تتبدل ولا تتغير، ولا تحابي أحدا، وربّما وجدت مؤشرات واضحة المعالم تشي بأنّ نهاية الظلم والعدوان باتت وشيكة، والأمر لا يتوقف على قوة السلاح الذي يحوزه الكيان الصهيوني وما يلقاه من دعم غير محدود من قوى الشر العالمية، وإنما يتوقف على الصمود المقاومة الباسلة، وصبر المرابطين في أرض العزة غزة، وما يتوقع من إسناد الغيورين من الأمة على المقدسات والكرامة والنخوة تجاه الثكالى والأرامل واليتامى والعجزة والأسرى والمخطوفين.
العجز المزمن
إنّ المراهنة على الهيئات والمنظمات الدولية والإقليمية لاسترجاع الحقوق المسلوبة طمع في غير مطمع، وحقائق التاريخ أثبتت بما لا يدع أي تردد هذه الحقيقة، فمنذ إقرار تقسيم فلسطين بين الفلسطنيين واليهود، لم يحصل العرب على شبر من الأرض، بل إن دولة الاحتلال قضمت أجزاء من البلاد المجاورة ولا تزال تحتلها إلى اليوم، فالمجتمع الدولي عاجز على إدخال المساعدات الإنسانية للمحاصرين في غزة بله إيقاف العدوان الهمجي للصهاينة. فما دامت الهيمنة في العالم لمنطق القوة وليس لقوة الحق والشرعية فستبقى الأوضاع على حالها. وأيضا حالة الضعف المزمن للجامعة العربية التي لم تعد تصلح إلاّ غطاءً لتدمير الدول الأعضاء فيها لا لحمايتها أو استرجاع الحقوق من خلالها.
فما قيمة هذه الهيئة التي تضم أزيد من عشرين دولة إذا كانت عاجزة عن إدخال رغيف خبز للجياع المحاصرين.
ثم إنّ التباين في مواقف الدول العربية من طوفان الأقصى ومن مبدأ خيار المقاومة أغرى الكيان الصهيوني على التمادي في عدوانه دون الحديث عن الدعم الخفي في الغرف المغلقة، والإبقاء على العلاقات الديبلوماسية، رغم أنوف الشعوب المغلوب على أمرها. لكن هذا لم يمنع بعض الدول العربية من السعي الجاد في حدود المتاح لرفع الحيف والظلم عن الشعب الفلسطيني وكذا بعض المواقف لدول من أمريكا الجنوبية.
التوقيت الجديد
إن المباغتة التي هزت الكيان الصهيوني في طوفان الأقصى غيّرت كثيرا من المفاهيم والاستراتجيات، وفرضت إيقاعا جديدا في الصراع بين أهل الحق والأرض وبين الغاصبين، ومهما زاد عدد الشهداء وكانت التضحيات جساما والجراح عميقة، فإنّ من شأن كل هذا أن يزيد المقاومة قوة واصرارا، وأهل الأرض تشبتا وثباتا ولا يثني هؤلاء وأولئك عن حقهم في التحرر والانعتاق أي وعود أو إغراءات.
ذلك أنّ الجهاد الذي خلا من الضحايا ومن الشهداء يعدّ جهادا عقيما.
المشروع الجامع
ولا نمل من التذكير و الإعادة بإنّ قضية القدس والأقصى والمقدسات هي أم القضايا للمسلمين جميعا. وواجب النصرة متعين في حق كل واحد في حدود مقدوره، وقد كتب الشيخ ابن باديس في الثلاثينات من القرن الماضي حينما لاحت البوادر الأولى للتعاون الثنائي بين الاستعمار والصهيونية: ’وكل مسلم مسؤول أعظم مسؤولية عند الله تعالى على كل ما يجري هنالك من أرواح تزهق وصغار تيتم ونساء ترمل وأموال تهلك وديار تخرب وحرمات تنتهك –كما لو كان ذلك واقعا في مكة أو المدينة، إن لم يعمل لرفع ذلك الظلم الفظيع بما استطاع‘.
فالنصرة تكون بالتوعية والتحسيس وبيان الموقف الشرعي من كل ما يحدث، وتفعيل سلاح المقاطعة الاقتصادية للدول التي تدعم هذا الكيان، وقدرأينا بعض الأحرار في الدول الغربية يطالبون حكوماتهم بقطع الروابط الاقتصادية ومنع توريد الأسلحة للقتلة والمجرمين، فالأولى لمن تربطهم وشائج القربى أن يقوموا بذلك وذلك أضعف الإيمان.
والدعم بتقديم المساعدات الانسانية وبخاصة في مجال الغذاء والدواء والإيواء، ويكون الدعم أيضا بالدعاء لهم بأن يتقبل قتلاهم في الشهداء ويشفي جرحاهم ويربط على قلوبهم وينزل السكينة عليهم ويقوي عزائمهم وينصرهم ويسدّد رميتهم …
ومهما يكن فإنّ العدالة لن تموت والحقوق لا تسقط بالتقادم وإذا كان تحقيق ذلك متعذرا اليوم، فإنّه يأتي الزمن الذي يدفع المجرمون ثمن إجرامهم، والخائنون جزاء خيانتهم لقضية فلسطين، والتاريخ لا يرحمهم وتلاحقهم لعنة الأجيال.
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.