رفضت المحكمة العليا أمس، قرار الكنيست بإعفاء الحريديم من التجنيد في الجيش الصهيوني كما أرادت الحكومة الصهيونية الحالية. ورَحَّب قادة الجيش بمختلف مشاربهم وكذلك المعارضة الليبرالية بهذا. فأي أبعاد استراتيحة لهذا القرار؟ هل هو بمثابة انقلاب عسكري ضد نتنياهو؟ وهل سيؤدي ذلك إلى تفجير الكيان الصهيوني من الداخل؟
بالعودة إلى الكتاب المهم الصادر سنة 2020: الفلسطينيون في العالم دراسة ديمغرافية ليوسف كرباج حلا نوفل في موضوع الحريديم الذي نشرت ملخصا له مجلة استشراف القطرية يشير الكاتب إلى النقاط التالية:
من بين مكونات المجتمع الصهيوني الأساسية(الحريديم، الأشكناز، السفارديم، السامريين، الشركس، الدروز، غير اليهود…) يُعد الحريديم المجموعة الأكثر تماسكا وتشددا، والتي يُعوِّل عليها الكيان في تعديل التركيبة الديمغرافية في فلسطين من هنا لسنة 2050 رغم أنهم اليوم لا يشكلون سوى نحو 14%من السكان، وكل المشروع الصهيوني التهجيري والاستيطاني والتدميري كما هو الشأن في غزة اليوم إنما يقوم على هذا الافتراض. كما أن مشروع “استرداد الأرض قبل عودة المسيح وتحقيق هدف التحريفية الصهيونية المتمثل في استيطان الأرض بأكملها” أي إنشاء – إسرائيل الكبرى- إنما يقوم على هؤلاء، وذلك لثلاثة أسباب رئيسة على الأقل:
1-ارتفاع نسبة خصوبة المرأة الحريدية التي تصل إلـ6.6% مقارنة مع المرأة الصهيونية غير المتدينة 2.1% والمرأة الفلسطينية في غزة 3.1%، أي أن كل استراتيحة تغيير المعادلة الديمغرافية في فلسطين إنما تقوم على هذه الفئة.
2- التماسك القوي للمجتمع الحريدي يجعله الأداة الأساسية للاستيطان وللإحاطة بالمناطق السكانية الفلسطينية عالية الكثافة، وهو ما تُبيِّنه الخرائط الديمغرافية في الضفة الغربية بوضوح.
3- تؤطر هذه المجموعة أحزاب سياسية تعمل على زيادة تماسكها وبالأخص حزب يهدوت هتوراة الموحد وحزب المزراحي الحريدي (شومري)، وهكذا يصبح الحريديم مجموعة متشددة لها قيمها وأهدافها وأحزاب يمكن الاعتماد عليها في المستقبل.
وهو ما كانت تريد أن تصل إليه الحكومة الصهيونية الحالية من خلال الحرص على اتخاذ قرار إعفائهم من التجنيد وتمكينهم من مختلف المزايا الاقتصادية ليبقوا سندها.
ومعروف عن كون المجتمع الحريدي، بالإضافة إلى أنه مُعفى من التجنيد في الجيش، يتلقى الرعاية الاجتماعية دون مقابل، ويستفيد من إعانات الحكومة مجانا. على سبيل المثال خصصت الحكومة الصهيونية الحالية في سنة 2023 فقط، 62 مليون يورو للمتزوجات من الحريديم وأبقت على إعفاء الرجال المتدينين الاثودوكس من العمل للتفرغ للدروس الدينية مما أثار حفيظة الليبراليين الذين اعتبروا هذا مساسا بالاقتصاد الصهيوني.. (مجد أبو عامر، استشراف، الكتاب الخامس).
هذه الخلفيات تعود إلى الواجهة اليوم، حيث يتجلى الخلاف بوضوح بين الطرفين داخل الكيان.. أنصار الحريديم من الحكومة الحالية، ومعارضوهم من أقطاب الجيش الصهيوني. ينتصر الطرف الأول من خلال الكنيست، ويتغلب عليه الطرف الثاني في المحكمة العليا، وكل طرف مرتبط بجهة معينة في الدولة الأم (الولايات المتحدة)، أنصار الحريديم يدعمهم اليمين المتصهين في انتخابات 2024 بالولايات المتحدة وبخاصة من الجمهوريين، وأنصار الطرف المعارض يدعمهم الاتجاه الذي يطرح مفهوم حل الدولتين ولو باحتشام في ذات الانتخابات القادمة وخاصة بين الديمقراطييين..
ومعنى ذلك أن الصراع حول الحريديم أكثر خطورة مما نتصور وبإمكانه تفجير الكيان من الداخل في حالة فرض التجنيد على هذه الفئة.. إما تضطر حكومة الكيان الصهيونية لوقف الحرب على غزة الدائرة اليوم لإيجاد حل وسط (يسقط مبرر الحاجة إلى مزيد من الجنود )، وتحاول البقاء في الحكم، أو يُشرَع في تجنيد هؤلاء بالقوة مما سيثير حربا داخلية بين الصهاينة أنفسهم تقضي على كل المشاريع المعدة للسيطرة على كل فلسطين من خلال هؤلاء، باعتبار الهجرة العكسية الكبيرة التي ستحدث والتفكك الذي سيحصل في التركيبة السكانية..
وفي كل الحالات يتجلى لنا حقا “أن بأسهم بينهم شديد” رغم أن البعض منا لا يُريد أن يُدرك ذلك…
وحيدة هي المقاومة ذات الرؤية الواسعة والبعيدة هي التي تدرك بل تثق في حدوثه وتنتظر النصر القريب بإذن الله… ونحن معهم…
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.