عشنا في الأيام الماضية إرهاصات دخول الصّيف، ومرّت بنا ساعات صعبة في يوم عرفة وما بعده، مع ارتفاع درجات الحرارة فوق الأربعين.. وتابعنا بحزن أخبار وفاة مئات الحجّاج في البقاع المقدّسة بسبب الحرّ، ورأينا صورا مؤلمة لحجاج فاضت أرواحهم وأمسوا جثثا هامدة في الشوارع.. رأينا كلّ هذا، لكنّ لعلّ قليلا منّا ربطوا هذه النّازلة بنالة أخرى أعظم وأعمّ وأطمّ في يوم قادم لا محالة سنعيش سنواته الطّويلة جميعا، هو يوم القيامة الذي تدنو فيه الشّمس من الرؤوس قدر ميل ويصل الحرّ إلى حدّ لم يشهده أحد من خلق الله، ويسيل العرق من الأجساد أنهارا، ولولا أنّ الله كتب أن لا موت يومها، ما بقي أحد على قيد الحياة. يوم تتطاير فيه الصحف؛ فآخذ كتابه بيمينه، وآخذ كتابه بشماله، وآخذ كتابه وراء ظهره.. يوم يبحث فيه النّاس عن ظلّ يستظلّون به، فلا يرون إلا ظلّا واحدا هو ظلّ عرش الرّحمن، الذي لا يسمح بالدخول إليه إلا لعباد الله المؤمنين الصادقين.
في فصل الصّيف، مع ارتفاع درجات الحرارة، يفترض أن نتذكّر يوم القيامة، ويسأل كلّ منّا نفسه ماذا قدّم لذلك اليوم؟ ماذا قدّم ليأخذ كتابه بيمينه؟ ماذا عمل ليكون تحت ظلّ عرش الرّحمن؟ ومع تذكّر يوم القيامة، يفترض أن نتذكّر نار جهنّم، وينظر كلّ منّا في نفسه وحاله وبيته وأهله؟ ماذا قدّم ليجنّب نفسه وأهله وأبناءه نارا وقودها النّاس والحجارة؟ ويتذكّر في المقابل وهو يأوي إلى بيت مكيّف ويصلّي في مسجد مكيّف، نعيم الجنّة، ويسأل نفسه: ما هو المهر الذي بذلته لأكون من أهلها؟ هل تركت نعومة الفراش وقمت لصلاة الفجر رغبة في الجنّة؟ هل تركت لقمة الحرام والمال الحرام وحذرت من المشتبهات رغبة فيما عند الله؟ هل غضضت بصري وحصّنت فرجي رغم تيسّر أسباب الحرام، رجاء أن يجزيني ربّي بالنّور والحبور والحور؟
واقعنا يشي –مع كلّ أسف- بأنّ حرّ الصّيف لا يحرّك قلوبنا إلا من رحم الله منّا، ولا أدلّ على ذلك من أنّ المعاصي والمنكرات تزداد عددا وحدّة واتّساعا في هذا الفصل!
العري تزداد حدّته في فصل الصّيف، بين النّساء والرّجال على حدّ سواء، في حفلات الأعراس وعلى الشّواطئ وفي الحدائق والاستراحات.. على الشّواطئ يتخفف بعض النّساء من اللباس ويتساهلن في كشف ما يحرم كشفه، والحجّة دائما هي: “رانا في البحر”، وكأنّ البحر يبيح ما حرّم الله، بل أصبحت بعض النّساء يسخرن من المرأة التي تجلس على الشّاطئ متمسّكة بحجابها ويصفنها بأنّها قديمة ومتخلفة!
في حفلات الأعراس، تسمع عن نساء مسلمات يلبسن لباسا عاريا يتشبهن فيه بالكافرات والممثلات والفنانات والعارضات، يكشف الظّهور والأفخاذ والصدور، وربّما يزداد الطّين بلّة بدخول بعض أشباه الرّجال عليهنّ بحجّة التّصوير أو أخذ بعض الأغراض! ويزداد الأمر سوءًا بخروج بعض الفتيات بلباس الزّينة في مواكب الأعراس.. وحتى الفتيات الصغيرات البريئات لا يسلمن من لهث بعض الأمّهات خلف سعار العري والموضة؛ حين أصبحنا نرى فتيات صغيرات يتربّين منذ الصغر على لبس القصير الذي يكشف الفخذين والظّهر والصّدر.. والسّبب في هذه الظّاهرة أنّ بعض الأمّهات يرين الأزياء التي تلبسها الممثلات والمغنيات فينبهرن بها، ولأنهنّ لا يستطعن لبس مثلها فإنهنّ يلبسنها بناتهنّ الصغيرات، بذريعة أنهنّ صغيرات! وهكذا حتى تعتاد الصغيرة البريئة اللباس العاري، فإذا كبرت أنفت الحجاب واللباس الواسع والطويل.
المصيبة الأخرى أنّ التبرّج والعري ما عادا حكرا على النّساء، بل حتّى بعض أشباه الرّجال أمسوا يتبرّجون، ليس على الشّواطئ فحسب، بل في الشّوارع وأمام بيوت النّاس، ومنهم من يتهاون في ستر عورته حتى وهو في بيت الله.. ترى الشابّ المستهتر يلبس سروالا قصيرا فوق الركبتين، ويأخذ له كرسيا يجلس عليه في مقابل أبواب الجيران وأمام نوافذهم وشرفاتهم، وفخذاه عاريتان! فإذا ما قيل له: يا عبد الله، إنّ هذا حرام وعيب؛ فخِذ الرّجل عورة أمام الرجال مثله، كيف به أمام النّساء! والنبيّ –صلّى اللهُ عليه وسلّم- لما رأى رجلا من الصحابة قد كشف فخذه، قال له: “غط فخذك فإن الفخذ عورة”، إذا قلت للشابّ هذا، استهزأ وربّما قال لك: “ما كان ما دخلك”! والأمر لا يقتصر على الشّباب الطّائش، بل حتى بعض الكهول والشيوخ لا يستحيون من هذا الفعل القبيح.. ترى الرّجل الكبير يلبس سروالا قصيرا تحت القميص، فإذا جلس حسر القميص عن فخذيه أمام بيوت الجيران، لا يتقي الله ولا يرعى حقّ الجوار.. ومن يفعلون هذا لا شكّ أنّهم من سقط المتاع ومن أراذل النّاس، وممّن سقطوا من عين الله بعد أن أركسوا في المعاصي والذّنوب. وحقّهم أن يؤخذ على أيديهم من قبل الجهات المسؤولة ويؤدّبوا ويعلّموا أنّ أذية النّاس بالأفخاذ المكشوفة أكثر جرما من أذيتهم بالأوساخ والقمامة والروائح الكريهة.
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.